على الرغم من الفاعلية الكبيرة التي يتمتع بها محلول معالجة الجفاف (ORS) في علاج الآثار الخطيرة للإسهال التي تصل إلى الوفاة، فإن معدلات استخدامه أقل بكثير جداً من النسب المطلوبة لحماية الملايين من الأطفال الذين يموتون كل عام نتيجة للنزلات المعوية الشديدة المؤدية إلى حدوث الجفاف، خصوصاً في الدول النامية.
ولمعرفة الأسباب المسؤولة عن هذه الظاهرة، قام مجموعة من علماء جامعة جنوب كاليفورنيا بعمل دراسة بحثية نُشرت في مطلع شهر فبراير (شباط) الحالي، بمجلة «Science» الطبية.
جرعات محلول معالجة الجفاف
يتكون محلول معالجة الجفاف (ORS) من الغلوكوز وكلوريد الصوديوم (ملح الطعام) وكلوريد البوتاسيوم والسيترات، وتتم إذابة مواده في لتر ماء، وتكون الجرعة حسب العمر:
* الأطفال أقل من عامين: من 50 إلى 100 مليلتر (تقريباً من ربع إلى نصف كوب صغير) بعد كل نوبة إسهال.
* الأطفال من عمر عامين حتى 9 أعوام: من 100 إلى 200 مليلتر (تقريباً من نصف إلى كوب كامل صغير) بعد كل نوبة إسهال.
* الأطفال في عمر العاشرة أو فوق: يمكنهم تناول أي كمية حتى لترين يومياً في حالات استمرار الإسهال.
* يجب أن يستمر الرضع في الرضاعة الطبيعية بالإضافة إلى المحلول. وبالنسبة للأطفال الذين تخطوا سن الرضاعة، يمكن أن يتناولوا وجباتهم المعتادة بشكل طبيعي.
أهم خطوة علاجية
أوضح الباحثون أن المشكلة الأساسية لعدم وصف العلاج بالشكل الكافي هي افتراض الأطباء ومقدمي الخدمة الطبية أن المرضى وذويهم يرغبون في علاج مكثف أهم من مجرد الحفاظ على سوائل الجسم، وذلك على الرغم من توصيات منظمة الصحة العالمية بضرورة استخدامه في حالات النزلات المعوية منذ عدة عقود، بجانب بقية الإجراءات العلاجية. وليس ذلك فقط، بل إنه يُعد أهم خطوة في العلاج وبفضل استخدامه تم إنقاذ ملايين من الأطفال، ولكن لا يزال هناك كثير من حالات الوفاة، وعلى وجه التقريب هناك مليون طفل يفقدون حياتهم كل عام بسبب الإسهال.
وأوضح العلماء أن الأطباء في دولة مثل الهند - التي تُعد من أكثر دول العالم معاناة من النزلات المعوية والإسهال - لديهم كثير من الأسباب التي تجعلهم يعزفون عن وصف المحلول، مثل اعتقادهم أن أهالي الأطفال لا يريدون مجرد أملاح موضوعة في كيس صغير تذوب في الماء ومذاقها سيئ، أو أنها ليست دواء (حقيقياً) مثل المضادات الحيوية، بجانب أنها ليست مربحة مثل العلاجات الأخرى، حيث يحصل الأطباء على أموال أكثر من وصف المضادات الحيوية، على الرغم من أنها غير فعالة في حالات الإسهال الفيروسي المنشأ.
أغنياء الهند يستخدمونه والفقراء يفضلون الأدوية الغالية
أجرى الباحثون مسحاً لأكثر من 2000 من مقدمي الخدمة الصحية (سواء أطباء أو ممرضين أو أشخاصاً يمكنهم وصف الدواء مثل الصيادلة)، في كثير من المدن الهندية متوسطة الحجم، وذات تركيبة سكانية متباينة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وتتوافر لديهم أماكن تقديم الخدمة الطبية، مثل المستشفيات والعيادات، لضمان أن تكون ممثلة لمجموعة كبيرة من السكان.
وكان معدل الاستخدام في المدن الفقيرة أقل من المتوسط، بالرغم من رخص ثمن المحلول مقارنة بالمضاد الحيوي، بينما كان معدل استخدامه أكثر في المدن الغنية.
أطباء الهند يخضعون لتفضيلات الآباء
قام الباحثون بتوظيف أشخاص تظاهروا بأنهم آباء لأطفال في عمر عامين يعانون من حالات إسهال فيروسية المنشأ، وبعد ذلك يقومون بزيارات لعيادات الأطباء، وبلغ عدد هذه الزيارات ما يقرب من 2000 زيارة، وتم عرضهم على الأطباء بشكل عشوائي، وأعربت مجموعة منهم عن تفضيلها محلول معالجة الجفاف كعلاج فعال للإسهال عن طريق إظهار قصاصة من علبة المحلول ومجموعة أخرى فضلت العلاج عن طريق المضادات الحيوية، والمجموعة الأخيرة لم تعلن عن أي تفضيلات علاجية وطلبوا ببساطة توصية طبية من الطبيب.
وجد الباحثون أن تصورات الأطباء لتفضيلات آباء الأطفال أكبر عائق يجعلهم لا يقومون بوصف المحلول، وذلك ليس لعدم قناعتهم بالعلاج، ولكن لأنهم يفترضون سلفاً أن معظم الآباء لا يريدون العلاج، وكان هذا التصور مسؤولاً عن 42 في المائة من نقص الوصفات الطبية، مما يعنى أن نصف الحالات تقريباً يمكن أن تتعرض لمخاطر الجفاف.
في النهاية، أوصت الدراسة بضرورة نشر الوعي الطبي لتوضيح الأهمية القصوى لحفظ توازن السوائل المختلفة في الجسم، وخطورة الجفاف والتأكيد على الأهمية الشديدة للمحلول بغض النظر عن سبب الإسهال.