تأخير ربط «الحبل السُّري» ينقذ أرواح آلاف المواليد الخُدّج

إجراء بسيط يدرأ هلاك مليون منهم سنوياً

تأخير ربط «الحبل السُّري» ينقذ أرواح آلاف المواليد الخُدّج
TT

تأخير ربط «الحبل السُّري» ينقذ أرواح آلاف المواليد الخُدّج

تأخير ربط «الحبل السُّري» ينقذ أرواح آلاف المواليد الخُدّج

كشفت أحدث دراسة نُشرت في منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي في مجلة «لانست» The Lancet الطبيَّة واسعة الانتشار، وهي عبارة عن ورقتين بحثيتين، عن احتمال أن يؤدي تأخير ربط «الحبل السري» umbilical) (cord بعد الولادة إلى إنقاذ حياة آلاف من حديثي الولادة، خصوصاً الذين تتم ولادتهم بشكل مبكر عن ميعادهم الطبيعي (الخدّج أو المبتسرين premature). وأوضحت أن تأخير ربط الحبل الذي يوصل «مشيمة» الأم بالطفل لمدة دقيقتين يمكن أن يُسهم في إنقاذ عدد كبير من وفيات المبتسرين كل عام، التي تصل إلى مليون حالة وفاة سنوياً على مستوى العالم من أصل 13 مليون ولادة مبكرة.

تأخير ربط «الحبل السري»

الدراسة التي قام بها باحثون من جامعة سيدني بأستراليا University of Sydney، كانت نتيجة لجهود عالمية هائلة تعاون فيها أكثر من 100 طبيب شاركوا بتجاربهم المختلفة في التعامل مع «الحبل السري» بعد الولادة، مما أدى إلى إنشاء واحدة من أكبر قواعد البيانات في هذا المجال البحثي؛ ما يزيد على 60 دراسة تتبعت أكثر من 9000 حالة ولادة على مستوى العالم.

أشارت الدراسة إلى أهمية تأخير ربط «الحبل السري» إلى ما يزيد على دقيقة؛ لأن ذلك يسمح للدم بالتدفق من «المشيمة» إلى الرضيع؛ لأنه يستمر في العمل مباشرة بعد الولادة، ويقوم بنقل الأكسجين والخلايا الجذعية في الوقت الذي يتكيف فيه الرضيع مع وجوده خارج الرحم، ما يُسهم في تسهيل عملية التنفس للمرة الأولى بشكل طبيعي من الرئتين، خصوصاً في المبتسرين؛ لأن الجهاز التنفسي لديهم لا يزال غير ناضج بشكل كامل.

وحتى وقت قريب كان ربط «الحبل السري» بشكل فوري بعد الولادة مباشرة، خصوصاً للأطفال المبتسرين، يُعد من الممارسات المعتادة؛ بل والضرورية، حتى يمكن تجفيفهم وحفظهم من البرودة بجانب إمكانية إنعاشهم بسهولة إذا لزم الأمر.

ولكن تبعاً للتوصيات الحديثة؛ سواء من «منظمة الصحة العالمية» (WHO) أو بقية المؤسسات العلمية، تَغيَّر هذا السلوك. وأصبحت أقل فترة يجب أن يتم الربط فيها هي 30 ثانية على الأقل، ويُفضل أن تصل إلى دقيقة واحدة للحفاظ على صحة الرضيع، في حالة عدم احتياج الرضيع للإنعاش. ولكن إذا كان هناك احتياج لإنعاش القلب والرئتين، فحينئذٍ يتم الربط بشكل فوري.

وجدت الورقة البحثية الأولى التي تتبعت بيانات 3292 من الرضَّع عبر 20 دراسة، أن تأخُّر ربط «الحبل السري» لفترة قصيرة لا تزيد على 30 ثانية أو أكثر بعد الولادة، من المحتمل أن يقلل من خطر الوفاة عند الأطفال المبتسرين بنسبة الثلث، مقارنة بأولئك الذين تم ربط «الحبل السري» لهم بعد الولادة مباشرة. وكلما تأخَّر ربط الحبل أسهم ذلك في خفض معدلات وفيات الرضَّع بشكل عام. وفي حالة تأخُّر ربط الحبل لفترة طويلة (أكثر من دقيقتين)، يمكن إنقاذ أكثر من ثلثي المواليد المبتسرين.

ووجدت الورقة البحثية الثانية التي تتبعت بيانات 47 دراسة إكلينيكية شملت عدداً من الرضَّع يزيد على 6 آلاف رضيع، أن الانتظار لمدة دقيقتين على الأقل قبل قطع «الحبل السري» لحديث ولادة مبتسر، قد يقلل من خطر الوفاة بشكل كبير مقارنة بالانتظار لفترة أقل من الوقت.

لمعرفة تأثير الربط المتأخر على درجة حرارة الجسم، تمت مراجعة بيانات مجموعة فرعية من الأطفال المبتسرين الذين شملتهم الدراسات وولدوا قبل 32 أسبوعاً من الحمل. كانت نسبة الرضَّع الذين حدث لهم انخفاض في درجة الحرارة hypothermia بعد الولادة مباشرة، بعد أن تم الربط الفوري للحبل السري، هي 44.9 في المائة، مقارنة بـ51 في المائة من الرضَّع الذين تم تأجيل ربط «الحبل السري» لهم لفترة تراوحت بين 30 ثانية ودقيقتين كاملتين. وفي المجمل، كان متوسط الفرق في درجة الحرارة بين مجموعة الربط المؤجل ومجموعة الربط الفوري -0.13 درجة مئوية فقط.

ظروف المواليد الخدّج

أوصت الدراسة بضرورة الحفاظ على المواليد المبتسرين دافئين عند تأجيل ربط «الحبل السري»، تبعاً لنتائج التأثير السلبي لتأجيل الربط على انخفاض درجة حرارة الرضيع. ويمكن القيام بذلك عن طريق تجفيف الطفل جيداً، ولفِّه بالأغطية اللازمة مع الإبقاء على «الحبل السري» سليماً، ثم يتم وضع الطفل الجاف مباشرة على صدر الأم للحفاظ على درجة الحرارة، أيضاً لأهمية التلامس الجسدي بين الأم والرضيع، على أن يتم تغطية الأم بالبطانية حتى يتم الربط.

من خلال هذه البيانات، قام الباحثون بعمل بحث لأفضل إجراء يمكن عمله لتلافي حدوث وفاة لرضيع مبتسر يمكن أن تُنقذ حياته بشكل مؤثر وسريع. وتَبيَّن أن مجرد تأجيل ربط «الحبل السري» لمدة دقيقتين فقط يُعد أبسط وأفضل علاج يمكن عمله لتلافي حدوث الوفاة، بعد وقت قصير من الولادة بنسبة نجاح تصل إلى 91 في المائة. بينما كانت احتمالية إنقاذ رضيع مبتسر من الوفاة عن طريق الربط الفوري للحبل بعد الولادة لا تزيد على 1 في المائة فقط، مما يوضح الفرق الهائل بين المكاسب والمخاطر المتعلقة بتأجيل الربط.

أوضح الباحثون أن جميع حالات الولادة التي شملتها الدراسة كانت في مستشفيات مجهَّزة، بها عنايات مركزة للرضَّع في حالة احتياج الرضيع لإنعاش القلب والرئتين. ولكن الأماكن الأقل تجهيزاً يجب أن تخضع لتقييم الطبيب لحالة الرضيع ومدى احتياجه للربط الفوري من عدمه، تبعاً للإمكانات المتاحة. ولكن في المجمل، في حالة الممارسة الطبيعية، يجب أن يكون تأجيل ربط «الحبل السري» إلى دقيقة على الأقل إجراءً روتينياً ملزماً.

* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

نصائح للتحكم في النفس بنجاح

يوميات الشرق الثقة هي الأساس لأي علاقة ذات مغزى وتعمل كأساس حيوي يعزز الألفة والارتباط العاطفي (رويترز)

نصائح للتحكم في النفس بنجاح

قدَّم موقع «سيكولوجي توداي» نصائح للتحكُّم في النفس؛ حيث قال إن التحكم في النفس يشير إلى مقاومة الرغبات

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك سيدات يلتقطن الصور وسط الأضواء الموسمية المعروضة للاحتفال بعيد الميلاد ورأس السنة في أسواق بيروت (إ.ب.أ)

هل ترغب في تقوية جهازك المناعي خلال العطلات؟ كل ما عليك معرفته

يسلِّط كل هذا النشاط الضوء على أهمية الحفاظ على صحة أنظمتنا المناعية. فما بعض العادات التي يجب على الجميع تبنيها؟

يوميات الشرق المقر الرئيسي لإدارة الغذاء والدواء الأميركية (إف دي ايه) في ميريلاند (رويترز)

إدارة الغذاء والدواء الأميركية تحدث تعريف الأطعمة «الصحية»

اعتمدت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (إف دي ايه) يوم الخميس تغييرات جديدة والتي بموجبها سيتعين على الأطعمة المعلبة في الولايات المتحدة اتباع قواعد جديدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك 6 مأكولات بحرية... قيمتها الغذائية وفوائدها الصحية

6 مأكولات بحرية... قيمتها الغذائية وفوائدها الصحية

دون الحديث عن الأسماك، فإن عالم مأكولات الحيوانات البحرية متنوع بشكل كبير، ويكاد أن يكون واسعاً مثل سعة المحيطات نفسها.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك استئصال اللوزتين ربما يرتبط بالإصابة بالقلق لاحقاً

استئصال اللوزتين ربما يرتبط بالإصابة بالقلق لاحقاً

كشفت دراسة لعلماء من السويد عن احتمالية وجود ارتباط بين استئصال اللوزتين، وكذلك إزالة اللحمية وخطر الإصابة باضطرابات نفسية مرتبطة بالقلق في وقت لاحق من الحياة

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

هل ترغب في تقوية جهازك المناعي خلال العطلات؟ كل ما عليك معرفته

سيدات يلتقطن الصور وسط الأضواء الموسمية المعروضة للاحتفال بعيد الميلاد ورأس السنة في أسواق بيروت (إ.ب.أ)
سيدات يلتقطن الصور وسط الأضواء الموسمية المعروضة للاحتفال بعيد الميلاد ورأس السنة في أسواق بيروت (إ.ب.أ)
TT

هل ترغب في تقوية جهازك المناعي خلال العطلات؟ كل ما عليك معرفته

سيدات يلتقطن الصور وسط الأضواء الموسمية المعروضة للاحتفال بعيد الميلاد ورأس السنة في أسواق بيروت (إ.ب.أ)
سيدات يلتقطن الصور وسط الأضواء الموسمية المعروضة للاحتفال بعيد الميلاد ورأس السنة في أسواق بيروت (إ.ب.أ)

مع اقتراب عيد الميلاد وليلة رأس السنة، يسافر كثير من الناس إلى أماكن مختلفة حول العالم، ويستضيفون العائلة والأصدقاء، ويشاركون في مناسبات عامة، كل ذلك مع الحفاظ على مسؤوليات أخرى من العمل ورعاية الآخرين.

يسلِّط كل هذا النشاط الضوء على أهمية الحفاظ على صحة أنظمتنا المناعية. فماذا عن بعض العادات التي يجب على الجميع تبنيها؟ وعلى العكس من ذلك، هل هناك بعض العادات التي يجب على الناس التفكير في التوقف عنها بسبب تأثيراتها السلبية على الجهاز المناعي؟ تجيب عن هذه الأسئلة لشبكة «سي إن إن»، الدكتورة لينا وين، خبيرة الصحة. تعمل وين طبيبة طوارئ وأستاذة مساعدة في الطب السريري بجامعة جورج واشنطن.

أشخاص يلتقطون الصور خارج مبنى تاريخي في بوخارست وسط زينة عيد الميلاد (أ.ب)

ما العادات التي يجب على الناس تبنيها لتعزيز مناعتهم؟

تشرح وين أن هناك 3 عادات مهمة يجب على الناس مراعاتها. أولاً: الحفاظ على النشاط البدني؛ فبالإضافة إلى تقليل فرص الإصابة بأمراض مزمنة، مثل السكري والسرطان وأمراض القلب، تحفِّز ممارسة الرياضة الجهاز المناعي. قد يقلل النشاط البدني من فرص الوفاة بسبب الإنفلونزا أو الالتهاب الرئوي، وفقاً لـ«مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها»، في الولايات المتحدة.

ثانياً: توصي وين بتقليل تناول الأطعمة فائقة المعالجة. تحتوي هذه «الأطعمة غير الصحية» على كميات عالية من المواد الكيميائية، مثل المواد الحافظة والألوان الصناعية والأصباغ. قد يؤدي تناول كميات أكبر من الأطعمة فائقة المعالجة إلى تقصير العمر بنسبة تزيد على 10 في المائة.

يرتبط نقص النشاط البدني وزيادة استهلاك الأطعمة فائقة المعالجة بالسمنة، التي تسبِّب ضعف وظائف المناعة. ينبغي للناس أن يهدفوا إلى ممارسة ما لا يقل عن 150 دقيقة أسبوعياً من التمارين الرياضية المتوسطة إلى عالية الكثافة، وعليهم أن يحاولوا اتباع نظام غذائي يركز على الأطعمة الكاملة، مثل الخضراوات واللحوم الخالية من الدهون والفاصوليا والحبوب الكاملة والمكسرات.

ثالثاً: استهدف الحصول على نوم أفضل، بحسب وين؛ فقد أظهرت الدراسات أن الحرمان من النوم يسبب تغيرات مناعية تزيد من خطر الإصابة بأمراض مختلفة. والأشخاص الذين يحصلون بشكل روتيني على أقل من 7 ساعات من النوم في الليلة لديهم احتمالية أعلى للإصابة بارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة.

هناك عدة طرق يمكن أن تساعد في تحسين النوم. يعاني العديد من الأشخاص لأنهم ببساطة لا يملكون وقتاً كافياً للراحة. حاوِلْ إعطاء الأولوية لـ8 ساعات على الأقل في السرير، وهدفك هو الذهاب إلى السرير والاستيقاظ في الوقت نفسه تقريباً كل يوم. تشمل العناصر الأخرى لتحسين النوم عدم استخدام الشاشات قبل فترة من النوم، وتهيئة بيئة الغرفة لتكون هادئة ومظلمة.

هل من عادات يجب علينا التوقف عن ممارستها؟

تجيب وين: «نعم. أهمها تجنُّب التدخين والإفراط في تناول الكحول».

وتشرح الطبيبة أن كثيراً من الدراسات تربط التدخين بالتأثيرات قصيرة وطويلة الأمد على المناعة، بما في ذلك إضعاف قدرة الجسم على محاربة العدوى الفيروسية والبكتيرية. يتم عكس بعض هذه التأثيرات بالإقلاع عن التدخين. يمكن للإفراط في تناول الكحول أيضاً إضعاف استجابة الجهاز المناعي.

هل فات الأوان لتلقي التطعيم ضد الفيروسات التنفسية؟

تقول وين: «قد يستغرق الأمر بضعة أسابيع حتى يبني الجسم استجابات الأجسام المضادة بعد التطعيم. بشكل عام، من الجيد التأكد من تحديث اللقاحات الموصى بها والحصول على لقاحات الإنفلونزا و(كوفيد - 19) السنوية».

وتتابع: «إذا كنتَ ستجتمع، على سبيل المثال، بعد بضعة أيام مع أحبائك المعرَّضين للخطر، فإن الحصول على اللقاحات الآن ربما لن يغير من حمايتك أثناء هذه الزيارة، ولكن لا يزال من الجيد الحصول عليها لأنها ستساعدك بالتأكيد طوال موسم الفيروسات التنفسية».