تطورات حديثة في رعاية مرضى السرطان

مجموعات دوائية جديدة من مثبطات المناعة

تطورات حديثة في رعاية مرضى السرطان
TT

تطورات حديثة في رعاية مرضى السرطان

تطورات حديثة في رعاية مرضى السرطان

شهدنا خلال السنوات الأخيرة تحولاً لافتاً في مشهد الرعاية الصحية، على المستوى العالمي، وخاصة مع تطور أدوية مثبطات المناعة، التي تُعد اليوم من الأدوية عالية الفاعلية. وقد أحدث هذا النوع من العلاج ثورة في رعاية مرضى الأورام مقارنة بالبدائل الأخرى. وباتت هذه الأدوية تستخدم لعلاج عدد من الأمراض، وحصلت هذه المجموعات الدوائية على ما يزيد على 195 ترخيصا منذ عام 2012 حتى يومنا هذا.

ومقارنة بالبدائل الأخرى، نجحت هذه المجموعة الدوائية بزيادة نسبة النجاة من المرض وتقليل الأعراض الجانبية، كما رفعت من فترات بقاء المريض من دون أعراض جانبية وحسنت من جودة حياة المرضى، وترتفع فاعليتها مع استخدام علاجات ثانوية.

وسوف نتعرف هنا ما يجب معرفته عن هذه المجموعة من الأدوية، وما تأثيراتها، وكيفية عملها، وكيف يتقبلها المريض، وما التوقعات عند تناول دواء مثبط للمناعة.

د. احمد الغامدي

خيارات علاجية جديدة

التقت «صحتك» الدكتور أحمد علي الغامدي، أستاذ مشارك في اقتصاديات الصحة بكلية الصيدلة بجامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية، حول تطور رعاية مرضى السرطان في السنوات الخمس الماضية، وتحديداً مع إطلاق خيارات علاجية جديدة، وعن آخر تطورات العلاج المناعي ومثبطات نقاط التفتيش المناعية المعتمدة. وأجرينا معه الحوار التالي:

* بداية، كيف تختلف مثبطات PD - 1 -PD - L1 عن الخيارات العلاجية الأخرى للسرطان؟ مع توضيح آلية عملها وأنواع الأورام الفعالة في معالجتها؟

- أجاب د. أحمد الغامدي: يوجد في جسم الإنسان بعض البروتينات التي تسمى بروتين موت الخلية المبرمج 1 (PD - 1) وبروتين «الموت المنفرد المبرمج 1» (PD - L1). وعند مرضى الأورام، تهاجم هذه البروتينات جسم المصاب، وتتسبب في استمرار إنتاج الخلايا السرطانية. وتعمل هذه المجموعة الدوائية على منع هذه البروتينات التي توجد على سطح الخلايا المناعية من الارتباط بمستقبلاتها على سطح الخلايا المناعية، وبالتالي تقلل من التفاعل المناعي، وتدمير الخلايا الذي يعاني منه مرضى السرطان.

وفي دراسة حديثة، أثبتت مثبطات PD - 1 -PD - L1 قدرتها على علاج العديد من الأورام، ويمكن استخدامها لعلاج سرطان الجلد، الرئة، الثدي، الكبد، الكلى، المثانة، الرحم، وغيرها.

* بالنسبة لهذه الدراسة الحديثة، ما الذي يميزها في رأيكم، وما أهميتها؟

- أفاد الدكتور الغامدي بأن الدراسة الحديثة تتميز بكونها فريدة من نوعها في المملكة العربية السعودية والشرق الأوسط، وهدفت بشكل أساسي إلى دراسة التأثيرات الاقتصادية والصحية المحتملة لأدوية مثبطات المناعة على ميزانيات القطاعات الصحية في المملكة العربية السعودية.

وما يعزز أهمية هذه الدراسة أن النتائج المتوقعة تأتي في ظل مرحلة مهمة للأنظمة الصحية على مستوى المملكة والعالم؛ حيث نشهد ارتفاعاً في أعداد مرضى الأورام والوفيات الناتجة عن هذه الأمراض، مصحوبة بارتفاع في الأعباء الاقتصادية المترتبة على ذلك. فعادة ما يصاحب الارتفاع بأعداد المرضى زيادة مقابلة في الطلب على خدمات الرعاية الصحية، وتوفير خدمات طبية لهؤلاء المرضى. وقد يؤدي ذلك إلى عجز ميزانيات الدول على تلبية احتياجات المرضى، خاصة مع التطور الذي يشهده القطاع الصحي فيما يخص أدوية الأورام، التي قد تكون مكلفة للغاية.

والهدف من هذه الدراسة يتمثل في توفير رؤى ومعلومات قيّمة لصانعي القرار، وبالتالي وضع أفضل السياسات الممكنة لتوفير الأدوية الفعالة والآمنة والإسهام بتحسين جودة حياة المرضى بتكاليف مناسبة.

* ما الذي عزز الحاجة إلى نموذج دراسة التأثير الصحي؟

- يقول الدكتور الغامدي إننا نشهد اليوم تقدماً علمياً ملحوظاً في اكتشاف وتطوير أدوية الأورام؛ حيث تعددت الخيارات العلاجية لمختلف الأورام، التي انعكست في الحد من ارتفاع معدلات الإصابة والوفيات التي باتت تشكل عبئاً اقتصادياً وإكلينيكياً من خلال الإنفاق المستمر على علاج المرضى. إلا أن هذه الخيارات الدوائية الجديدة عالية التكلفة، وتلقي على كاهل الدول ارتفاعاً في الإنفاق.

ومع هذا التطور الهائل، ينبغي على صناع القرار ضمان التوزيع الأمثل للموارد. وهنا تنبع أهمية البحث لدراسة الوضع الراهن، وتوفير التصور الأمثل لاستخدام الموارد، مع وجود شكوك حول مدى قدرة الميزانيات الحكومية على تحمل تكاليف هذه الأدوية مع ارتفاع معدلات الإصابة، كما وفرت الدراسة تصورات لمستقبل مشهد القطاع الصحي على الصعيد الاقتصادي والصحي في ظل زيادة الإنفاق على العلاجات المناعية.

اختبارات دوائية على الأورام

* ما المصادر التي تم استخدامها لاستخلاص نتائج الدراسة؟

- فضلاً عن اعتمادنا في هذه الدراسة على العديد من المصادر، فقد اختبرنا أثر مثبطات PD - 1 -PD - L1 على 11 نوعاً من الأورام، من منظور مقدمي خدمات الرعاية، على سبيل المثال، وضعنا تصوراً للتكاليف المتوقعة من منظور وزارة الصحة، وقمنا بدراسة أثر هذه التكاليف على مدى 5 سنوات.

وللوصول إلى النتائج الدقيقة، اعتمدنا على عدة مصادر، منها ما هو عالمي. وشمل ذلك دراسات سريرية لمثبطات المناعة، وعلى معدلات النجاة والحياة باستخدام هذه المجموعة الدوائية، وفترات عدم تطور المرض، ومعدلات التحسن في جودة الحياة خلال وجود المرض والشفاء منه. كما اعتمدنا على المصادر التي تعنى بالأعراض الجانبية لهذه الأدوية. أما محلياً، فاستخدمنا بيانات إحصائية خاصة بمعدلات الإصابة والوفيات للمرضى الذين سيباشرون في استخدام هذا النوع من الأدوية. كما اعتمدنا على الحصة السوقية للسوق الدوائية لهذه الأدوية ومن ضمنها مثبطات المناعة.

كما درسنا التكاليف المباشرة المصاحبة لاستخدام مثبطاتPD - 1 -PD - L1 المستخدمة في الـ11 نوعاً من الأورام، وأيضا التكاليف غير المباشرة الناتجة عن الإصابة، مثل تكاليف تقليل ساعات العمل للموظف المصاب بالمرض، وأثرها على الاقتصاد المحلي، والمصدر الأخير الذي لجأنا له في هذه الدراسة كان رأي الخبراء المشاركين في الدراسة، الأمر الذي ضمن لنا تقديم أفضل تصور للبيانات الإكلينيكية أو الاقتصادية، وذلك في حال تعذر الوصول إلى بيانات محلية أو عالمية.

نتائج ومردودات

* ما أبرز النتائج السريرية التي يمكنك تسليط الضوء عليها؟

- أظهرت مثبطات المناعة PD - 1 -PD - L1 قدرة على مقاومة مرض السرطان، ومن خلال هذه الدراسة، استطعنا الوصول إلى تصور مستقبلي لتطور المرض. إذ تشير الدراسة التي شملت 6557 مريضا ممن تلقوا هذه الأدوية، إلى ارتفاع في معدلات بقاء المرضى على قيد الحياة بما يعادل 6 أشهر لكل مريض، وذلك مقارنة بالبدائل العلاجية الأخرى، كما وجدنا انخفاضا في الأعراض الجانبية بنسبة 22 في المائة، وتحسناً بجودة الحياة بنسبة 23 في المائة، وزيادة في الفترة التي يقضيها المريض من دون أعراض جانبية بنسبة 52 في المائة.

* ما أهمية الدراسة من الناحية الاقتصادية؟

- أشار الدكتور الغامدي إلى أن نتائج الدراسة اعتمدت على البيانات التي تم الحصول عليها من مصادر محلية، وأتاحت لنا إمكانية توقع الأثر الاقتصادي للمرض للأعوام الخمسة المقبلة. ونعتقد أنه بزيادة الإنفاق المباشر إلى ما يقارب 460 مليون ريال على مثبطات المناعة PD - 1 -PD - L1 سترتفع معدلات الأعمار لمستقبلي هذه العلاجات، إلى جانب تقليل الأعراض الجانبية وزيادة فترة عدم حدوث أي مضاعفات، وبالتالي تحسين جودة حياة المريض، ما يوفر للمرضى فرصة ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.

- إضافة إلى ذلك، سيصاحب استخدامَ هذه المجموعة الدوائية انخفاض كبير في تكلفة معالجة الأعراض الجانبية والتكلفة غير المباشرة على المرضى والمجتمع بما يتجاوز 10 ملايين ريال. وبناء عليه ستكون على صانع القرار الموازنة بين الإنفاق والأثر الطبي، والنظر فيما لو كانت مبررة، مقارنة بالمكاسب المرجوة منها.

* أخيرا، ما الاستنتاج الرئيسي الذي يمكننا استخلاصه من الدراسة؟ وما تأثيرها المحتمل على مشهد صنع القرار؟ وكيف يتوافق هذا مع رؤية القطاع الصحي بالسعودية؟

- وجدت الدراسة أن استخدام مثبطات PD - 1 -PD - L1 سيكون له أثر اقتصادي كبير، ومن الممكن أن يسهم في الحد من الهدر الدوائي، وتقليل التكاليف غير المباشرة التي ترتبط بقدرة المريض على ممارسة حياته بشكل طبيعي، وفي ظل رؤية «المملكة 2030»، نشهد تحول القطاع الصحي من الكم إلى النوع، وذلك بالاعتماد على القيمة. ويشمل كذلك العمل على تحسين النتائج السريرية لكل الأمراض بما في ذلك أمراض الأورام التي تعد أولوية مهمة.

- وفي سبيل تحقيق هذه المستهدفات، ينبغي النظر في البدائل العلاجية التي قد تساهم في تقليل الإصابات والوفيات الناتجة عن هذه الأمراض والارتقاء بجودة حياة المرضى، وهنا تكمن أهمية الدراسة، إذ إنها توفر لصناع القرار رؤى واضحة للقيمة المضافة المتوقعة من استخدام مثبطات PD - 1 -PD - L1.

مثبطات المناعة أثبتت فاعليتها وقدرتها على علاج العديد من الأورام

استخدامات وآثار جانبية

* استخدامات أخرى مهمة للأدوية المثبطة للمناعة:

- علاج رفض الأعضاء المزروعة

الأدوية المثبطة للمناعة بشكل عام هي فئة من الأدوية التي تعمل على تثبيط أو تقليل قوة الجهاز المناعي في الجسم. وإلى جانب استخدامها في علاج السرطانات، فإن بعض هذه الأدوية تُستخدم لتقليل احتمالية رفض الجسم للعضو المزروع، مثل الكبد أو القلب أو الكلى. وتسمى هذه الأدوية «الأدوية المضادة للرفض».

- علاج اضطرابات المناعة الذاتية

غالباً ما تُستخدم الأدوية المثبطة للمناعة الأخرى لعلاج اضطرابات المناعة الذاتية مثل الذئبة والصدفية والتهاب المفاصل الروماتويدي.

في حالة الإصابة بأحد أمراض المناعة الذاتية، يهاجم الجهاز المناعي أنسجة الجسم نفسه. ولأن الأدوية المثبطة للمناعة تضعف الجهاز المناعي، فإنها تثبط رد الفعل هذا. وهذا يساعد على تقليل تأثير أمراض المناعة الذاتية على الجسم.

تشمل أمراض المناعة الذاتية التي يتم علاجها بالأدوية المثبطة للمناعة: الصدفية – الذئبة - التهاب المفصل الروماتويدي - مرض كرون - التصلب المتعدد - داء الثعلبة.

- الآثار الجانبية للأدوية المثبطة للمناعة

الأدوية المثبطة للمناعة (Immunosuppressive drugs) أو العوامل المثبطة للمناعة هي تلك الأدوية التي تمنع نشاط الجهاز المناعي ويتم استخدامها ضمن مرحلة العلاج المثبط للمناعة. ولا تخلو هذه الأدوية من الآثار الجانبية والمخاطر، مثلها في ذلك مثل باقي الأدوية.

- لأن غالبية هذه الأدوية تعمل بشكل غير انتقائي (act non - selectively)، فإن الجهاز المناعي يكون أقل قدرة على مقاومة العدوى وانتشار الخلايا الخبيثة.

- هناك أيضاً آثار جانبية أخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم، واضطراب شحوم الدم، وارتفاع السكر في الدم، والقرحة الهضمية، وإصابة الكبد والكلى.

- ومن جانب آخر، تتفاعل الأدوية المثبطة للمناعة أيضاً مع أدوية أخرى وتؤثر على استقلابها وعملها.

- يمكن تقييم العوامل المثبطة للمناعة الفعلية أو المشتبه بها من حيث تأثيرها على مجموعات الخلايا الليمفاوية الفرعية في الأنسجة باستخدام الكيمياء المناعية.

* استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

للتغلب على السمنة... عليك اتباع هذه القواعد

صحتك السمنة مرضٌ مزمن (أرشيفية - رويترز)

للتغلب على السمنة... عليك اتباع هذه القواعد

لسنوات؛ تلقى المصابون بالسمنة النصيحة الأساسية نفسها: «تناولوا طعاماً أقل، وتحركوا أكثر».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك تناول المزيد من الفاكهة والخضراوات يمكن أن يُفيد أثناء النوم (أ.ف.ب)

تريد تحسين جودة نومك... تناول المزيد من هذه الأطعمة

يحاول معظم الناس اتباع نظام غذائي صحي ليشعروا باليقظة خلال النهار. لكن دراسة جديدة أظهرت أن تناول المزيد من الفاكهة والخضراوات يمكن أن يُفيد أيضاً أثناء النوم.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك يمكن أن يُؤدي ضعف صحة القلب إلى كثير من الأمراض المُهددة للحياة (أرشيفية- رويترز)

7 أطعمة يجب تناولها للحفاظ على شرايين القلب

النظام الغذائي يلعب دوراً حاسماً في الحفاظ على صحة الشرايين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي تؤكد مصر سيطرتها على النوع البكتيري المعدي من مرض الالتهاب السحائي منذ عام 1989 بفضل التطعيمات الوقائية (يونيسف)

ما حقيقة انتشار «الالتهاب السحائي» بمصر؟

أثارت وفاة 4 أشقاء في محافظة المنيا (جنوب القاهرة) مخاوف من انتشار مرض «الالتهاب السحائي» الذي يصيب الأطفال في البلاد، لكن وزارة الصحة المصرية نفت ذلك.

عصام فضل (القاهرة)
صحتك اختيار كل شخص للتمرين الذي يتناسب مع شخصيته يجعله أكثر استمتاعاً به (رويترز)

شخصيتك تحدد مدى استمتاعك بممارسة التمارين الرياضية

أشارت دراسة جديدة إلى أن اختيار كل شخص للتمرين الذي يتناسب مع شخصيته قد يجعله أكثر استمتاعا به.

«الشرق الأوسط» (لندن)

للتغلب على السمنة... عليك اتباع هذه القواعد

السمنة مرضٌ مزمن (أرشيفية - رويترز)
السمنة مرضٌ مزمن (أرشيفية - رويترز)
TT

للتغلب على السمنة... عليك اتباع هذه القواعد

السمنة مرضٌ مزمن (أرشيفية - رويترز)
السمنة مرضٌ مزمن (أرشيفية - رويترز)

لسنوات؛ تلقى المصابون بالسمنة النصيحة الأساسية نفسها: «تناولوا طعاماً أقل، وتحركوا أكثر». ورغم بساطة هذه النصيحة، فإنها ليست فقط غير فعالة لكثيرين، بل قد تكون مضللة ومدمرة للغاية.

وفقاً لموقع «ساينس أليرت» الطبي، فالسمنة ليست مجرد أمر متصل بالإرادة... إنها حالة معقدة ومزمنة ومتكررة، وتؤثر على نحو 26.5 في المائة من البالغين في إنجلترا، و22.1 في المائة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 سنوات و11 عاماً.

يقدر تقرير جديد أن العدد المتنامي بسرعة من الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة يكلف المملكة المتحدة 126 مليار جنيه إسترليني سنوياً. يشمل هذا 71.4 مليار جنيه إسترليني من انخفاض جودة الحياة والوفيات المبكرة، و12.6 مليار جنيه إسترليني من تكاليف علاج هيئة الخدمات الصحية الوطنية، و12.1 مليار جنيه إسترليني من البطالة، و10.5 مليار جنيه إسترليني من الرعاية غير الرسمية.

ويدعو نشطاء حماية الغذاء وخبراء الصحة إلى اتخاذ إجراءات حكومية عاجلة، بما فيها توسيع ضريبة السكر لتشمل مزيداً من المنتجات، وتقييد إعلانات الوجبات السريعة، وفرض إعادة صياغة الأطعمة فائقة التصنيع.

وقال هنري ديمبلبي، المؤلف لتقرير مستقل بتكليف حكومي بعنوان: «الاستراتيجية الوطنية للغذاء»، محذراً: «لقد أنشأنا نظاماً غذائياً يُسمّم سكاننا ويُفلس الدولة».

ودون تغيير كبير في السياسات، فمن المتوقع أن ترتفع هذه التكاليف إلى 150 مليار جنيه إسترليني سنوياً بحلول عام 2035. ورغم ذلك، فإن نهج المملكة المتحدة لا يزال يُصوّر السمنة على أنها مشكلة تتعلق بأسلوب الحياة، ويمكن معالجتها من خلال التركيز على المسؤولية الشخصية. لكن هذا الإطار يتجاهل الصورة الكبرى.

عوامل مسؤولة عن السمنة

نحن نُدرك الآن أن السمنة متعددة العوامل... فالجينات، وتجارب الطفولة، والأعراف الثقافية، والحرمان الاقتصادي، والصحة النفسية، والأمراض العقلية، وحتى نوع الوظيفة، كلها عوامل تلعب أدواراً.

هذه ليست أموراً يُمكن تغييرها ببساطة باستخدام جهاز تتبع اللياقة البدنية وأطباق السلطة.

هذا المنظور الأوسع ليس جديداً. في عام 2007، بيّن تقرير «فورايست»، الصادر عن حكومة المملكة المتحدة، شبكة العوامل المعقدة الكامنة وراء ارتفاع معدلات السمنة، واصفاً كيف تُعزز «البيئات الحديثة» زيادة الوزن بشكل نشط.

يشير مصطلح «البيئة المُسبِّبة للسمنة» إلى العالم الذي نعيش فيه. إنه عالمٌ تُباع فيه الأطعمة عالية السعرات الحرارية ومنخفضة القيمة الغذائية بأسعار معقولة وفي كل مكان، حيث أُقصي النشاط البدني من الحياة اليومية؛ من المدن التي تعتمد على السيارات، إلى أوقات الفراغ التي تهيمن عليها الشاشات.

لا تؤثر هذه البيئات على الجميع بالتساوي. فالناس في المناطق الأكبر حرماناً أعلى عرضة بشكل ملحوظ للظروف التي تُسبب السمنة، مثل «الصحارى الغذائية (المناطق التي يصعب فيها الحصول على طعام مغذٍّ وبأسعار معقولة)»، وسوء وسائل النقل العام، ومحدودية المساحات الخضراء. في هذا السياق، تُصبح زيادة الوزن استجابة بيولوجية طبيعية لبيئة غير طبيعية.

لماذا لا يُجدي نفعاً مبدأ «تناولْ طعاماً أقل وتحرَّك أكثر»؟

على الرغم من الوعي المتنامي بهذه القضايا النظامية، فإن معظم استراتيجيات مكافحة السمنة في المملكة المتحدة لا تزال تُركز على تغيير السلوك الفردي، غالباً من خلال برامج إدارة الوزن التي تُشجع الناس على تقليل السعرات الحرارية وممارسة مزيد من التمارين الرياضية.

ورغم أهمية تغيير السلوك، فإن التركيز عليه وحده يُرسخ فكرةً خطيرةً مفادها بأن من يعانون من زيادة الوزن هم ببساطة كسالى أو يفتقرون إلى قوة الإرادة.

تؤجج هذه الفكرة وصمة الوزن، التي قد تكون ضارةً للغاية. ومع ذلك، تُظهر البيانات صلةً واضحةً بين ارتفاع معدلات السمنة والحرمان، خصوصاً بين الأطفال.

من الواضح أن كثيرين ما زالوا لا يفهمون دور العوامل الهيكلية والاجتماعية والاقتصادية في تشكيل خطر السمنة. ويؤدي سوء الفهم هذا إلى إصدار الأحكام والشعور بالعار والوصمة، خصوصاً للأطفال والأسر المعرضة للخطر أصلاً.

كيف تتغلب على السمنة؟

بدلاً من النصائح البالية واللوم، نحتاج إلى نهجٍ شاملٍ، خالٍ من وصمة العار، ومستندٍ إلى العلم؛ لرعاية المصابين بالسمنة؛ نهجٍ يعكس الإرشادات الحالية من «المعهد الوطني للصحة» وتوصيات «تحالف صحة السمنة»... فهناك أمور عدة يجب فعلها.

1-مرض مزمن يتطلب دعماً مستمراً

يجب أن نُدرك أن السمنة مرضٌ مزمن. السمنة ليست فشلاً في قوة الإرادة، بل هي حالة طبية متكررة وطويلة الأمد. كما هي الحال مع داء السكري أو الاكتئاب. يتطلب الأمر دعماً منظماً ومستمراً، وليس حلولاً مؤقتة أو حميات غذائية قاسية.

2-تعزيز الرعاية الشاملة

علينا التصدي لوصمة الوزن بشكل مباشر. فالتمييز القائم على الوزن منتشر على نطاق واسع في المدارس، وأماكن العمل، وحتى في مؤسسات الرعاية الصحية. نحتاج إلى تدريب المهنيين للحد من التحيز، وتعزيز الرعاية الشاملة، واعتماد لغة تركز على الشخص ولا تصمه. يجب التصدي للممارسات التمييزية والقضاء عليها.

3- خطط علاجية فردية

تقديم دعم شخصي متعدد الأبعاد. يجب أن تُصمم خطط العلاج لتناسب حياة كل شخص، بما في ذلك خلفيته الثقافية، وتاريخه النفسي، وسياقه الاجتماعي. ويشمل ذلك اتخاذ القرارات بشكل مشترك، والمتابعة الدورية، والدعم المتكامل للصحة النفسية.

4-تغيير البيئة

التركيز على تغيير البيئة، وليس فقط الأشخاص. يجب أن نحوّل التركيز إلى الأنظمة والهياكل التي تجعل الخيارات الصحية صعبة للغاية. وهذا يعني الاستثمار في طعام مغذٍّ وبأسعار معقولة؛ وتحسين فرص ممارسة النشاط البدني؛ ومعالجة عدم المساواة من الجذور.

حان وقت التغيير الجذري

السمنة لا تقتصر على ما يأكله الناس أو عدد مرات ممارستهم الرياضة، بل إنها تتشكل بفعل العوامل البيولوجية، والخبرة والبيئة التي نبنيها بشأن الناس. إن عَدّها فشلاً شخصياً لا يتجاهل عقوداً من الأدلة فحسب، بل يضرّ أيضاً بالأشخاص الذين يحتاجون إلى الدعم.

إذا أردنا الحد من الوصمة الاجتماعية، وتحسين النتائج الصحية، وتجنب أزمة بقيمة 150 مليار جنيه إسترليني، فلا بد من نهاية عصر «تناول طعاماً أقل، وتحرك أكثر». ما نحتاجه بدلاً من ذلك هو نهجٌ جريء، ورحيم، وقائم على الأدلة؛ نهجٌ ينظر إلى الشخص بشكل كُليّ والعالم الذي يعيش فيه.