الآلام النفسية للأم... وميكروبيوم الطفل

تلعب دوراً سلبياً في تشكيل الميكروبات النافعة

الآلام النفسية للأم... وميكروبيوم الطفل
TT

الآلام النفسية للأم... وميكروبيوم الطفل

الآلام النفسية للأم... وميكروبيوم الطفل

تنعكس الحالة النفسية للأم في أغلب الأحوال على طفلها سلباً وإيجاباً بشكل مباشر، بداية من حالات الولادة المبكرة أو نقص الوزن الشديد للمولود، ونهاية بحدوث آثار صحية لاحقة في حياة الطفل، سواء على المستوى العضوي أو النفسي.

وأشارت أحدث دراسة تناولت تأثير الأحداث السيئة في حياة الأم على صحة الأطفال إلى احتمالية أن تلعب الضغوط النفسية التي تعرضت لها الأم دوراً هاماً في تغيير تركيب الميكروبيوم microbiomes (مجموع الميكروبات المتعايشة مع الإنسان) الموجود في أمعاء الأطفال.

تأثير الآلام النفسية

الدراسة التي تعدّ الأولى من نوعها نُشرت في مجلة «وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم» Proceedings of the National Academy of Sciences في منتصف شهر يوليو (تموز) من العام الحالي لعلماء من جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة، بينهم أطباء نفسيون، رصدت التغيرات العضوية التي تحدث للميكروبيوم البشري عبر الأجيال كنوع من الاستجابة للمصاعب النفسية المختلفة في جسم الأم وجسم طفلها. وحاول الباحثون التأكد من الأثر السلبي للاكتئاب على الميكروبيوم، خاصة مع وجود كثير من الأدلة السابقة التي تربط تنوع ميكروبيوم الأمعاء وسلامته العضوية بسلامة أعضاء الجسم الأخرى، وأهمها المخ والجهاز المناعي. ولذلك فإن التغيرات الكيميائية التي تحدث في المخ نتيجة للاكتئاب والقلق يمكن أن تؤدي إلى تغيير عضوي حقيقي أيضاً في ميكروبيوم الأمعاء.

تبعاً للأبحاث السابقة يلعب القلق والمشاعر النفسية السلبية في مرحلة ما قبل الولادة دوراً في حدوث خلل في تكوين الميكروبيوم الموجود في جسم الأم، سواء في الأمعاء أو في المهبل، ونظراً لأن الأطفال يكتسبون مجموعات الميكروبيوم الأولى من الأم أثناء مرورهم عبر مهبل الأم، فإن أي تغيير في هذه الميكروبات النافعة ينعكس بالسلب عليهم لاحقاً بعد الولادة حيث يتطور ارتباط الميكروبيوم بالمخ بسرعة كبيرة خلال أول سنتين من العمر. وفي الأغلب يكون للتغييرات الناتجة عن الحالة النفسية تأثير هام على النمو الاجتماعي والعاطفي للأطفال في مرحلة التكوين.

وأظهرت الأبحاث الحالية أنه بعد الولادة بفترة قصيرة تبدأ آثار الحالة النفسية السيئة للأم في الانعكاس على التركيب البيولوجي لميكروبيم الرضيع. وبجانب الإجهاد الذي يتعرض له الرضيع نتيجة تغير البيئة الحاضنة له (رحم الأم) وخروجه إلى العالم الخارجي، تتضاعف احتمالات حدوث خلل في الميكروبيوم الذي حصل عليه من الأم في البداية، وبدأ بتكوينه بعد ذلك في الأمعاء، وفي الأغلب تستمر هذه التغيرات لمدة عامين بعد الولادة.

قام الباحثون بفحص بيانات 450 زوجاً من الأمهات والأطفال في سنغافورة عندما كان الأطفال يبلغون من العمر عامين. وطلب الباحثون من الأمهات أن يتذكرن أي أحداث سيئة مرت عليهن أثناء الطفولة، سواء أكانت اعتداء جسدياً أو لفظياً متكرراً أو اعتداء جنسياً وإهمالاً من الآباء وتنمراً من الأقران وفقدان شخص عزيز أو التعرض لكوارث طبيعية وغيرها. وأيضاً، تم فحص الأمهات للكشف عن أعراض الاكتئاب والقلق والمخاوف المختلفة نتيجة ظروف صعبة أو معاملة سيئة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل.

قام الباحثون أيضاً بسؤال مقدمي الرعاية الصحية للأطفال، وكذلك الإخصائيون الاجتماعيون، عن تعرض الأطفال لأي أزمات سابقة، سواء على المستوى العضوي أو النفسي بسبب مشكلات تعرضت لها الأسرة يمكن أن تؤثر على سلوك الأطفال خلال العامين الأولين من حياتهم. وقاموا بتثبيت العامل الاقتصادي للأسر المشاركة، لأنه في الأغلب يؤثر بالسلب على الأسرة، وكذلك قام الباحثون بعمل تحليل لعينات من البراز تم جمعها من الأطفال.

اختلال الميكروبيوم

أظهرت النتائج أن عينات البراز التي تم جمعها من الأطفال الذين عانت أمهاتهم من القلق والحالة النفسية السيئة أثناء الحمل كان لديهم تقريباً نفس الحجم ونفس الشكل ونفس النوعية من الميكروبيوم في أمعائهم، وهو شيء غير معهود في هذه الكائنات الدقيقة، لأن هذه المجموعات من البكتيريا عادةً ما تكون مختلفة مع وفرة في بعض الأنواع وندرة في البعض الآخر، وكلما كانت أكثر تنوعاً كلما زادت قدرتها المناعية.

ويشير تماثل هذه الميكروبات إلى الأثر السلبي للقلق على تكوينها. وأيضاً كان لدى الميكروبات الحميدة الموجودة في أمعاء الأطفال الذين عانوا من أحداث حياتية مؤسفة وضاغطة بعد الولادة، تنوع جيني أقل مما يعني ارتباط الميكروبيوم بالحالة النفسية للأم والطفل معاً.

وأوضحت الدراسة أنه على الرغم من ارتباط الحالة النفسية السيئة بتنوع جيني بكتيري أقل في كل طفل، فإنها لم تؤثر في كل الأطفال المقدار نفسه من التأثير، بمعنى أن الاختلاف في تنوع الميكروبيوم لم يكن متماثلاً في الجميع، وتبعاً لذلك يختلف تأثيره على الجهاز المناعي للطفل. وفى المقابل، لاحظ الباحثون أيضاً ارتباط وجود أنواع معينة من الميكروبيوم بوجود مشكلات في الصحة العقلية والنفسية للأطفال، ما يعنى أن الصلة وثيقة بين ميكروبات الأمعاء والصحة النفسية.

وأكد الباحثون ضرورة فهم العلاقة بين صحة الإنسان النفسية ونوعية الغذاء الذي يتناوله وأثر ذلك الغذاء في تغيير التنوع البكتيري في الأمعاء، خاصة مع وجود كثير من الأبحاث التي تتناول علاقة الطب النفسي بالتغذية nutritional psychiatry عبر الأجيال، كما في الدراسة الحالية. وكلما أمكن إجراء تغييرات في النظام الغذائي، كلما انعكس ذلك بشكل أفضل على الصحة النفسية، والعكس صحيح، حيث يمكن من خلال الاهتمام بصحة الأم النفسية أثناء الحمل الحفاظ على التنوع الجيني في البكتيريا النافعة التي سوف تمر لاحقاً إلى طفلها.

* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

بسبب «إنفلونزا الطيور»...«ماكدونالدز» تقلص وقت وجبات الفطور بمطاعمها الأسترالية

يوميات الشرق مزرعة دواجن مصابة بـ«إنفلونزا الطيور» (أرشيفية - الشرق الأوسط)

بسبب «إنفلونزا الطيور»...«ماكدونالدز» تقلص وقت وجبات الفطور بمطاعمها الأسترالية

تعتزم مطاعم «ماكدونالدز» في أستراليا تقليص ساعات تقديم وجبة الفطور، بسبب وباء «إنفلونزا الطيور» الذي يضرب البلاد ويؤثر على إمدادات البيض.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
صحتك إبر وحبوب خفض الوزن الحديثة

إبر وحبوب خفض الوزن... دراسات جديدة حول فاعليتها وآثارها

برزت السمنة في السنوات الأخيرة كأزمة صحية عالمية تؤثر على ملايين الأفراد في جميع أنحاء العالم. واستمرت معدلات انتشارها في الارتفاع بشكل ينذر بالخطر

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)
صحتك المسح المبكر للأطفال المعرضين للإصابة بالسرطان يقلل ظهور أورام جديدة

المسح المبكر للأطفال المعرضين للإصابة بالسرطان يقلل ظهور أورام جديدة

على الرغم من الدور الكبير الذي يلعبه العامل الجيني في زيادة فرص الإصابة بالأورام المختلفة، فإنه لم يكن من الواضح لدى الخبراء متى يجب بدء متابعة هذه الأورام

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك 7 سلوكيات يومية شائعة قد تسبِّب آلام الرقبة

7 سلوكيات يومية شائعة قد تسبِّب آلام الرقبة

الرقبة لديها وظيفة متواصلة دون أي فترة من الراحة، أي 24 ساعة/ 7 أيام بالأسبوع. ولذا، إذا كان لديك آلام في الرقبة، فإنها ستطاردك طوال الوقت في كل وضعية

د. عبير مبارك (الرياض)
صحتك توظيف الذكاء الاصطناعي في طب القلب

توظيف الذكاء الاصطناعي في طب القلب

كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز جهود الأطباء بمجالات الوقاية من أمراض القلب واكتشافها وعلاجها؟

جولي كورليس (كمبردج - ولاية ماساشوستس الأميركية)

المسح المبكر للأطفال المعرضين للإصابة بالسرطان يقلل ظهور أورام جديدة

المسح المبكر للأطفال المعرضين للإصابة بالسرطان يقلل ظهور أورام جديدة
TT

المسح المبكر للأطفال المعرضين للإصابة بالسرطان يقلل ظهور أورام جديدة

المسح المبكر للأطفال المعرضين للإصابة بالسرطان يقلل ظهور أورام جديدة

على الرغم من الدور الكبير الذي يلعبه العامل الجيني في زيادة فرص الإصابة بالأورام المختلفة، فإنه لم يكن من الواضح لدى الخبراء متى يجب بدء متابعة هذه الأورام وتشخيصها وعلاجها. وحسب الإحصاءات الطبية، فإن هناك نسبة تبلغ من 5 إلى 15 في المائة من الأطفال المصابين بالسرطان لديهم استعداد وراثي، لذلك يجب رصد هؤلاء الأطفال المعرضين لخطورة الإصابة مبكراً.

الاستعداد الوراثي للسرطان

من المعروف أن الاستعداد الوراثي (genetic predisposition) لا يزيد فقط من خطر الإصابة بالأورام المختلفة، ولكن يزيد من احتمالية عودة الإصابة سواء بالورم نفسه أو أورام أخرى جديدة بعد العلاج. وقد وجد العلماء في مستشفى سانت جود لأبحاث الأطفال (St. Jude Children’s Research Hospital) في ممفيس بولاية تنيسي الأميركية، أن المسح المبكر للأطفال يمكنهم من اكتشاف سرطانات جديدة لهؤلاء الأطفال في المراحل القابلة للعلاج.

وأوضحت الدراسة التي نُشرت في نهاية شهر يونيو (حزيران) من العام الحالي، في مجلة الرابطة الطبية الأميركية لعلم الأورام (JAMA Oncology)، أن بدء المتابعة عن طريق المسح الدوري بعد وقت قصير من التعرف على الاستعداد الجيني - سواء كان الطفل مصاباً بالفعل بنوع معين من السرطانات أو غير مصاب - يؤدي في الأغلب إلى اكتشاف ورم أو أكثر من دون أعراض.

ويمكن إزالة ما يقرب من نصف هذه الأورام بالكامل عن طريق الجراحة وحدها، وتجنب الحاجة إلى العلاج الكيميائي أو الإشعاعي، وبالتالي تجنب الأعراض الجانبية المتعددة المتعلقة بهذه الأنواع من العلاج.

وقال الباحثون إن اتباع بروتوكولات التشخيص في المتابعة الموحدة لكل المرضى المعرضين للخطورة، يوفر طريقة فعالة للغاية لاكتشاف الأورام الجديدة في مراحلها الأولى، ويؤثر بشكل كبير على الرعاية السريرية لهم حتى لو لم تظهر أعراض مرتبطة بالورم عليهم.

وفحص الباحثون 274 طفلاً ومراهقاً من أعمار مختلفة في مستشفى سانت جود (كان متوسط العمر 8 سنوات تقريباً) يعانون جميعاً من 35 عاملاً مختلفاً من مسببات السرطان على مدى 3 سنوات. وأظهرت النتيجة وجود أورام من دون أعراض في 27 طفلاً، وظهرت أورام أخرى بأعراض في 5 من المشاركين، وكانت هذه الأورام في معظم أجهزة الجسم؛ وبشكل خاص في الجهاز العصبي المركزي.

وفي الأغلب في الطريقة المعتادة للتعامل مع الطفل، تبدأ الإجراءات العلاجية بعد عدة أشهر وتطول في بعض الأحيان إلى عدة سنوات (خصوصاً إذا كان الطفل قد أُصيب بالفعل بورم معين أولي).

ولكن تبعاً للطريقة الجديدة في الدراسة فإنه يجب البدء بالفحوصات قبل الانتهاء من العلاج، والمتابعة عن طريق الفحوصات لمسح جميع أجزاء الجسم مباشرة بعد اكتشاف الاستعداد الوراثي والتعامل معها.

وقد تم التعرف على واحد من كل 3 أورام في أول متابعة بعد وقت قصير من التشخيص. وأيضاً تم التعرف على اثنين من كل 3 أورام في غضون عامين فقط من أول متابعة. والمثير للدهشة أن هذه الطريقة أسهمت في تشخيص أورام جديدة في مجموعة صغيرة من الأطفال يعالجون بالفعل من ورم مختلف.

رصد الأورام بسرعة

حذرت الدراسة من خطورة الانتظار حتى ينتهي الطفل المصاب بأورام بالفعل من علاج السرطان الأول قبل البدء في فحص الأورام، لأنه في كثير من الأحيان يمكن أن يغفل الأطباء وجود الورم الجديد. وعلى سبيل المثال في الدراسة الحالية، تم اكتشاف ورم جديد في نحو 17 في المائة من الأطفال الذين كانوا لا يزالون يخضعون للعلاج من سرطان سابق، لذلك يجب على المستشفيات التي تعالج الأورام إدراك أهمية البدء بالمتابعة في الوقت نفسه الذي يثبت فيه وجود العامل الوراثي في الطفل المصاب.

وتبعاً للدراسة نجحت الجراحة المبكرة في التخلص بشكل شبه كامل من الأورام التي تم اكتشافها، وفي 70 في المائة من الحالات لم يكن هناك أي أثر مجهري للورم عند فحص الخلايا بعد الاستئصال. وقلت احتمالية العلاج بالإشعاع بعد الجراحة إلى حد كبير. وفي حالات كثيرة لم يكن هناك أي ضرورة لعلاج آخر.

والجدير بالذكر أن المتابعة المبكرة لعبت دوراً مهماً لأن معظم هذه الأورام التي تمت إزالتها بالفعل كانت من دون أعراض على الإطلاق، وإذا لم يتم المسح فإن معظم هؤلاء الأطفال سوف يصابون بالورم لاحقاً.

الاستعداد الوراثي يزيد من احتمالية عودة الإصابة بأورام جديدة حتى بعد العلاج

واستخدم العلماء كثيراً من الطرق للبحث عن الأورام المختلفة تبعاً لطبيعة كل ورم سواء تحاليل أو أشعة. وعلى سبيل المثال لتشخيص الأورام الصلبة قاموا بعمل رنين مغناطيسي كامل لجميع أجزاء الجسم، وأيضاً قاموا بعمل تحاليل لدلالات الأورام الخاصة بكل مرض. وعلى الرغم من وجود نتائج إيجابية كاذبة (false positive) ونتائج سلبية كاذبة (false negative) فإنها كانت قليلة جداً وبنسب لا تذكر (0.4 في المائة). وكانت معظم النتائج دقيقة وذات أهمية كبيرة في التشخيص، لأن ذلك يعني عدم الاحتياج إلى عمل إجراءات طبية غير ضرورية مكلفة أو مؤلمة أو إغفال أي أورام أساسية.

وقال الباحثون إن عمل مسح ومتابعة مستمرين للأطفال المهيئين جينياً للإصابة بالأورام على الرغم من كلفته المادية المرتفعة نتيجة للفحوصات المختلفة، فإنه يمكن أن يكون نوعاً من الإنقاذ لهؤلاء الأطفال. لذلك يجب على الحكومات المختلفة والمراكز المتخصصة في تشخيص وعلاج الأورام أن تقوم بهذا الدور بشكل تلقائي ومجاني لأي طفل تحمل جيناته احتمالية الإصابة، لأن كثيراً من الأطباء في الأغلب لا يطلبون إجراءات إضافية بعد علاج الورم الأولي لعلمهم بالتكلفة الكبيرة للفحوصات، خصوصاً في البلدان ذات الدخل المنخفض.

• استشاري طب الأطفال