فيروس إنفلونزا الطيور «يتغير بسرعة»... فهل يكون الوباء المقبل؟

خبراء حذروا من التقاطه سمات وراثية تسمح له بالانتقال بين البشر

إنفلونزا الطيور تسببت في وفاة ثدييات بحرية في تشيلي (أ.ف.ب)
إنفلونزا الطيور تسببت في وفاة ثدييات بحرية في تشيلي (أ.ف.ب)
TT

فيروس إنفلونزا الطيور «يتغير بسرعة»... فهل يكون الوباء المقبل؟

إنفلونزا الطيور تسببت في وفاة ثدييات بحرية في تشيلي (أ.ف.ب)
إنفلونزا الطيور تسببت في وفاة ثدييات بحرية في تشيلي (أ.ف.ب)

حذرت دراسة من أن الفيروس الذي تسبب في تسجيل حالات إصابة قياسية بإنفلونزا الطيور في جميع أنحاء العالم «يتغير بسرعة»، مع تزايد الدعوات للدول لتلقيح دواجنها.

ومنذ ظهوره لأول مرة في عام 1996، كان فيروس إنفلونزا الطيور H5N1 يقتصر على الفاشيات الموسمية في الغالب، لكن «حدث شيء ما» في منتصف عام 2021 جعل الفيروس أكثر عدوى، فمنذ ذلك الحين، استمر تفشي المرض على مدار السنة، وانتشر إلى مناطق جديدة، وأدى إلى نفوق جماعي بين الطيور البرية وعشرات الملايين من الدواجن التي يتم إعدامها.

وأظهر البحث المنشور هذا الأسبوع بدورية «نيتشر كومينيكيشن»، كيف تطور الفيروس سريعا أثناء انتشاره من أوروبا إلى أميركا الشمالية. وأوضحت الدراسة أن الفيروس زاد في شدته، مما يعني أنه يسبب مرضاً أكثر خطورة عند وصوله إلى أميركا الشمالية.

كما أصاب الباحثون «نمسا» بإحدى السلالات الجديدة من الفيروس، وتم العثور على كمية «ضخمة» غير متوقعة من الفيروس في دماغه، مما يشير إلى أنه يتسبب في مرض أكثر خطورة من السلالات السابقة.

وتم اكتشاف الفيروس أيضا في عدد كبير من الثدييات، حيث قالت تشيلي، الأسبوع الماضي، إن ما يقرب من 9 آلاف من حيوانات أسد البحر، وطيور البطريق، وثعالب الماء، وخنازير البحر، والدلافين قد ماتت بسبب إنفلونزا الطيور على طول ساحلها الشمالي منذ بداية العام.

ويُعتقد أن معظم الثدييات قد أصيبت بالفيروس عن طريق أكل طائر مصاب، وهو ما يعني أن هذا الفيروس ليس ثابتا، بل يحدث له تغيير، يخشى معه أن يكون قادرا على الانتقال بين البشر، ويتحول إلى وباء جديد.

وفي حالات نادرة، يصاب البشر بالفيروس القاتل، عادة بعد الاتصال الوثيق بالطيور المصابة، مثلما حدث قبل شهور مع حالة طفلة في كمبوديا، ولم يتم تسجيل انتقاله من إنسان لآخر، إلا في عام 2003، حيث تم تسجيل انتقال الفيروس داخل عائلة واحدة في الصين، ولكن لم يتم تسجيل حدث شبيه منذ ذلك التاريخ.

ولا يميل الخبراء عند الحديث عن إنفلونزا الطيور إلى التعويل كثيرا على تلك الحالة الصينية التي لم تتكرر، ويقولون إن الفيروس لا ينتقل من إنسان لآخر، لكن انتشاره بين الثدييات مؤخرا بدأ يثير بعض القلق.

ويقول محمد أحمد، أستاذ الفيروسات بالمركز القومي للبحوث، إن «هناك مخاوف من أن يؤدي انتقاله بين الثدييات إلى التقاط الفيروس صفات وراثية تسمح له بأن يكون أكثر عدوى للبشر».

ويضيف أن «التفشي الحالي للفيروس، والمستمر منذ منتصف عام 2021، ناجم عن نوع جديد شديد العدوى منه، ولا يبدو أن هناك أي علامات على التباطؤ، ومع اقتراب موسم هجرة الطيور، ستكون هناك فرصة لمزيد من الانتشار، يخشى أن يتسبب في حدوث السيناريو السلبي الذي لا يتمناه العالم».

ويركز هلال فؤاد حتة، المدرس بقسم الميكروبيولوجيا الطبية والمناعة بكلية الطب جامعة أسيوط (جنوب مصر)، هو الآخر على التطور الجديد، المتعلق بانتقال الفيروس في الفاشية الحالية لعدد أكبر من الثدييات، ويقول إن «هناك قلقا بشأن أي عامل مُعد لديه القدرة على الانتقال من نوع إلى نوع آخر، فهناك خوف من أن تكون هذه الثدييات وسيطاً لانتقال الفيروس من الطيور إلى الإنسان، وهو السيناريو الذي يرجحه خبراء لانطلاق جائحة (كوفيد - 19)».

ويضيف أن «الأمر لا يتطلب سوى تغيرين أو ثلاثة تغييرات طفيفة في بروتين واحد بالفيروس، ليصبح أكثر تكيفاً مع البشر».

والحل لاتقاء هذا الشر، كما يؤكد حتة، هو خفض العدد الإجمالي لحالات إنفلونزا الطيور، وبالتالي تقليل المخاطر على البشر، عن طريق تلقيح الدواجن، وأن تكون هناك أنظمة رصد قوية قادرة على التقاط أي تغيير في الفيروس يؤدي لانتقاله بسهولة بين البشر.



ازدياد حالات اضطراب الأمعاء لدى المراهقين الأميركيين

ازدياد حالات اضطراب الأمعاء لدى المراهقين الأميركيين
TT

ازدياد حالات اضطراب الأمعاء لدى المراهقين الأميركيين

ازدياد حالات اضطراب الأمعاء لدى المراهقين الأميركيين

كشفت أحدث دراسة نُشرت في مجلة الجهاز الهضمي (Gastroenterology) في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي عن انتشار أمراض اضطراب الأمعاء (IBD) في الأطفال والمراهقين بالولايات المتحدة.

وتشمل هذه الأمراض بشكل أساسي مرض كرون (Crohn’s disease)، ومرض التهاب القولون المتقرح (ulcerative colitis)، وهي تُحدث التهاباً في الأمعاء في الأغلب يكون نتيجة لتفاعل مناعي. وفي بعض الأحيان يمكن أن يكون نتيجة لجود خلل في بنية الأمعاء. ويتسبب في حدوث تقلصات في البطن، وغازات تؤدي إلى انتفاخ وعدم ارتياح، وإسهال، وفي بعض الأحيان إمساك.

أمراض التهاب الأمعاء

وتُعدّ أمراض التهاب الأمعاء من الحالات المزمنة التي تلازم المريض وتستمر طيلة حياته. ويكون العلاج في الأغلب موجهاً للسيطرة على الأعراض أو تثبيط التفاعلات المناعية، ولكنه لا يوفر الشفاء التام، لذلك يمكن أن تحدث عودة للأعراض بعد فترة طويلة من التحسن.

وعلى الرغم من أن هذه الأمراض تعد نادرة الحدوث عند الأطفال، فإن الأعراض تكون أعنف بينهم. ومع الأسف فإن انتشار مرض التهاب الأمعاء آخذ في الازدياد؛ خصوصاً في المناطق ذات الدخل المرتفع، مثل أميركا الشمالية.

وبعيداً عن شدة الأعراض في الطفولة عنها في البلوغ، هناك مشكلات إضافية للمرض عند الأطفال، تتعلق بفشل في النمو نتيجة للأعراض المتكررة للجهاز الهضمي، مثل الإسهال والإمساك، بجانب الأثر النفسي والاجتماعي للمرض المزمن في مرحلة المراهقة؛ خصوصاً في وجود الخوف من تناول بعض أنواع الطعام التي يمكن أن تكون مثيرة للأمعاء بطبعها، وربما تؤدي إلى ظهور الأعراض، مثل الأطعمة التي تحتوي على المواد الحريفة (الحارة) أو منتجات الألبان، ما يمكن أن يسبب الحرج للمراهق.

وأوضحت الدراسة التي قام بها باحثون من جامعة نورث كارولاينا في تشابل هيل وجامعة بنسلفانيا، وتم تمويلها من مراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها (CDC)، وجود ما يزيد على 100 ألف شاب أميركي تحت عمر 20 عاماً، يعيشون مع مرض التهاب الأمعاء. وهذا العدد مرشح للزيادة. وحذَّرت من المخاطر الصحية التي يمكن أن تحدث للمراهقين في المستقبل؛ خصوصاً مع استمرار ارتفاع معدلات الإصابات كل عام.

قام الباحثون بتحليل بيانات طبية من 5 ولايات: (فلوريدا، ونيويورك، وبنسلفانيا، وأوهايو، وكاليفورنيا) ما يوفر صورة شاملة لمرض التهاب الأمعاء في الأطفال والمراهقين، حسب التشخيص النهائي من قبل الأطباء في جميع أنحاء البلاد. وكذلك قاموا بتحليل مطالبات التأمين الطبي الخاص على الطلاب، لمراجعة الوصفات الطبية التي تمت كتابتها، وكذلك التوصيات اللازمة للتشخيص، سواء تحاليل أو أشعات. واستعان الباحثون أيضاً بالمعلومات الطبية الخاصة بكثير من المراكز البحثية.

انتشار الحالات بين المراهقين

لتحديد مدى انتشار هذه الأمراض بين المراهقين والأطفال، اعتمد الباحثون على مجموعة موثقة من التشخيصات الطبية والأدوية الموصوفة لتحديد حالات التهاب الأمعاء، وقاموا بحساب تقديرات الانتشار تبعاً للعمر والجنس والعرق، وفقاً لتعداد الولايات المتحدة لعام 2020، لمعرفة النسب على وجه الدقة. ووجدت الدراسة زيادة في الإصابات بنحو 22 في المائة لمرض كرون، و29 في المائة لالتهاب القولون المتقرح في الأطفال، مقارنة ببيانات الانتشار لعام 2009. واتضح أن الانتشار يزداد مع التقدم في العمر، وكان أعلى لدى الذكور بالنسبة لمرض كرون، ولكن ليس بالنسبة لالتهاب القولون المتقرح.

لاحظ الباحثون وجود اختلافات كبيرة في الانتشار عبر المجموعات العرقية والإثنية، وكانت أعلى معدلات الانتشار بين المراهقين أصحاب البشرة البيضاء. والسبب في ذلك غير معروف تماماً؛ خصوصاً لأن المرض مناعي في المقام الأول. وقال الباحثون إن الأمر يحتاج إلى مزيد من الدراسات لمعرفة أسباب الاختلافات العرقية والإثنية، وهل يمكن أن يؤدي تناول أنواع معينة من الطعام إلى هذه التفاعلات المناعية؟ أو هل يمكن لعادات يومية معينة أن تكون محفزة لهذه الالتهابات؟ وبالطبع يستلزم ذلك إجراء أبحاث إضافية لجمع هذه المعلومات.

أوضحت الدراسة أن النسبة الحقيقية لانتشار المرض في الأطفال عالمياً يمكن أن تكون كبيرة، ولكن نظراً لتأخر التشخيص في كثير من الدول؛ خصوصاً التي لا تتمتع برعاية صحية جيدة، يتم بداية رصد المرض في مرحلة البلوغ. وتمر الأعراض كما لو كانت نوعاً من النزلات المعوية أو عدوى الجهاز الهضمي. وعلى سبيل المثال، فإن الأعراض الأكثر شيوعاً في مرض كرون هي آلام البطن والإسهال وفقدان الوزن، ومع ذلك يعاني واحد من كل 4 أطفال من أعراض غير محددة، بما في ذلك الخمول وفقدان الشهية.

وقال الباحثون إن زيادة نسبة تشخيص حالات التهاب القولون المتقرح عالمياً ربما تكون أكبر من مرض كرون؛ لأن الإسهال الدموي هو العرَض الأكثر وضوحاً في المرض، ولذلك يلفت نظر الأطباء لعمل تحاليل تساعد في كشف طبيعة المرض مبكراً. وهناك أيضاً أعراض للقولون المتقرح في الأطفال بعيداً عن الجهاز الهضمي، بما في ذلك آلام المفاصل وقرح بالفم (aphthous ulcers). وفي الأغلب ترتبط بزيادة شدة المرض.

ونصحت الدراسة الأطباء بضرورة عدم استبعاد تشخيص التهاب الأمعاء عند الأطفال، وعمل الفحوصات اللازمة في حالة الشكوى المتكررة من أعراض الجهاز الهضمي، حتى لو كانت غير محددة.

في النهاية، أكد العلماء على ضرورة أن يكون هدف العلاج ليس فقط محاولة السيطرة على الأعراض، ولكن محاولة شفاء الغشاء المخاطي للأمعاء، واختفاء الأعراض والالتهاب (deep remission) خصوصاً مع تبني إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) سياسة الشفاء بوصفها هدفاً علاجياً لجميع التجارب الدوائية الجديدة المتعلقة بمرض التهاب الأمعاء.

* استشاري طب الأطفال