«داكسي» أطول مفعولاً من «بوتوكس»... ومنافس للأدوية المضادة للتجاعيد

أول تقدم كبير في حقن الوجه منذ عقود

«داكسي» أطول مفعولاً من «بوتوكس»... ومنافس للأدوية المضادة للتجاعيد
TT

«داكسي» أطول مفعولاً من «بوتوكس»... ومنافس للأدوية المضادة للتجاعيد

«داكسي» أطول مفعولاً من «بوتوكس»... ومنافس للأدوية المضادة للتجاعيد

منحت إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA موافقتها على دواء داكسي (داكسيفاي Daxxify) الجديد للاستخدام كحقنة لتخفيف تجاعيد الوجه لدى البالغين. وتعتبر أوساط طب الجلدية أنه المنافس الرئيسي الأول للبوتوكس Botox الذي يظهر منذ عقود.
ووفق إعلان الإدارة في 7 سبتمبر (أيلول) الحالي، كانت الموافقة لاستخدام حقن هذا الدواء الجديد في علاج الخطوط القطبية المتوسطة إلى الشديدة في تجاعيد الوجه Facial Wrinkles، ذات الصلة بعضلات منطقة ما بين الحاجين. وهي التي تؤثر في تكوين التجاعيد بمنطقة التقطيب، أي المناطق السفلية من الجبين فيما بين الحاجبين. ورغم أن العلاج الجديد لا يتوفر حتى اليوم في الأسواق العالمية للاستخدام العلاجي، إلا أن من المتوقع أن يتم ذلك في وقت ما خلال النصف الأول من العام القادم. ووفق ما تذكره الرابطة الأميركية لجراحة الجلد ASDS، ينتمي هذا الدواء المحتوي على عقار Daxibotulinumtoxin A، إلى عائلة من الأدوية تعرف باسم «المعدلات العصبية» Neuromodulators. والتي تشمل مجموعة من الأدوية السابقة، التي من بينها البوتوكس.

- «معدلات عصبية»
وأدوية فئة «المعدلات العصبية» تعمل بشكل أساسي على إزالة التجاعيد عن طريق حقن كمية دقيقة من سم البوتولينوم في العضلات المتسببة بها، مما يتسبب في استرخاء هذه العضلات، وزوال التجعدات الجلدية (الناجمة عن انقباض العضلات تلك)، وبالتالي تكوين مظهر أكثر سلاسة للجلد المغطى للعضلات تلك. ووفقاً للرابطة الأميركية لجراحة الجلد فإن هذا التأثير التجميلي سيتلاشى بمرور الوقت، ما يضطر الشخص إلى ضرورة تكرار أخذ عدة حقن جلدية كل عام، بغية دوام الحفاظ على مظهر بشرة خالية من التجاعيد في منطقة الجبين أو أي مناطق أخرى في الوجه.
وتدوم آثار حقن الأنواع المستخدمة حالياً من المعدلات العصبية عادة، حوالي ثلاثة أشهر في الغالب. ولكن الأمر المختلف والجديد في دواء داكسي، أنه قد يحافظ على إزالة التجاعيد لفترة أطول، تقارب ستة أشهر. وأظهرت نتائج التجارب الإكلينيكية التي تم تقديمها إلى إدارة الغذاء والدواء الأميركية لنيل موافقتها على استخدام هذا الدواء، أن لدى 80 في المائة من الأشخاص الذين تم حقن هذا الدواء الجديد موضعياً لديهم في منطقة التجاعيد، لم تحصل أي عودة مرئية للتجاعيد بعد أربعة أشهر، ولدى نصف المشاركين تقريباً لم تظهر البدايات الخفيفة للتجاعيد إلا بعد ستة أشهر.
وعلق الدكتور جوشوا زيشنر، الأستاذ المساعد ومدير التجميل والأبحاث السريرية في قسم الأمراض الجلدية في مستشفى ماونت سيناي في مدينة نيويورك، بالقول: «سيغير داكسيفاي بالتأكيد سوق المعدلات العصبية بسبب طول عمر تأثيره المتزايد». ويضيف د. زيشنر: «بينما يقال إن معظم المنتجات الأخرى (السابقة كالبوتوكس) تدوم في حدود ثلاثة إلى خمسة أشهر، فإن معظم المرضى يحصلون على تأثير لمدة ثلاثة أشهر فقط. وتشير التقارير إلى أن النتائج مع داكسيفاي تدوم حوالي ستة أشهر، مما يعني في النهاية عدداً أقل من الرحلات إلى العيادة، ومرضى أكثر سعادة».
وبالإضافة إلى مدة التأثير، فإن البوتوكس والمعدلات العصبية الأخرى السابقة، مصنوعة مما يعرف بألبومين المصل البشري أو الحيواني، بينما الدواء الجديد لا يحتوي على أي منتجات بشرية أو حيوانية، وهو مصنوع بدلاً من ذلك مباشرة من الببتيدات Peptides أو الأحماض الأمينية (الوحدات الأساسية في تكوين البروتينات). ولذا يقول أطباء الجلد إن الببتيدات قد تساعد في جعل تأثير العقار الجديد يدوم لفترة أطول. والفرق الثالث أنه على عكس البوتوكس وبعض المعدلات العصبية الأخرى التي تتطلب التبريد في درجات منخفضة أثناء الحفظ، فإن الدواء الجديد يمكن حفظه في درجة حرارة الغرفة.

- التجاعيد
وبالتعريف الطبي، فإن التجاعيد هي خطوط وثنيات سطحية تتشكل في الجلد، وقد تتطور بمرور الوقت إلى تجعدات عميقة أو شقوق. وظهور التجاعيد أمر طبيعي مع التقدم في العمر، وخاصةً في أجزاء الجلد المكشوفة، مثل حول العينين والجبين والفم في الوجه، ومقدمة الرقبة، واليدين والساعدين. وللتوضيح، مع تقدم العمر، تقل مرونة البشرة نتيجة لاضطراب إنتاج المواد الكولاجينية وغيرها، وينخفض إنتاج الزيوت الطبيعية، ما يجفف البشرة ويجعل تجاعيدها تبدو بشكل أوضح. كما أن التناقص في سمك طبقة الدهون تحت الجلد، يسبب في بشرة رخوة مترهلة، ويظهر خطوط التجاعيد وتشققاتها بشكل أكثر وضوحاً.
وإضافة إلى الموروثات الجينية، كعامل رئيسي في تحدد خصائص بنية الجلد وقوامه ودوام نضارته وتماسك مرونته، فإن التعرض للشمس سبب رئيسي آخر لظهور التجاعيد لدى عموم الناس، ولكن بشكل خاص لدى ذوي البشرة الفاتحة. وللتوضيح، فإن إفراط تعريض الجلد للأشعة فوق البنفسجية، هو السبب الرئيسي للتجاعيد المبكرة. لأنها تكسر مكونات الأنسجة الضامة في البشرة، أي ألياف الكولاجين والإيلاستين، داخل الطبقة العميقة من الجلد (الأدمة).
كما تلعب عوامل سلوكية أخرى في ظهور التجاعيد، كالتعرض للملوثات وطبيعية نوعية العمل والتدخين واضطرابات التغذية. وللتوضيح، فإن كثيرا من المواد الكيميائية الموجودة في دخان التبغ تتلف الكولاجين والإيلاستين Elastin في الجلد، وهما المكونان الرئيسيان في طبقة الأدمة من الجلد، ويعطيان البشرة قوام نضارتها. كما يضيق النيكوتين الأوعية الدموية في الطبقات الخارجية من الجلد، وهذا يضر بصحة الجلد عن طريق تقليل توصيل العناصر الغذائية والأكسجين إليه.
والإكثار من تناول السكريات الحلوة الطعم، يرفع من معدل السكر في الدم، ويزيد نشاط عملية التصاق السكريات بالبروتينات، لتتشكل بالتالي مركبات كيميائية جديدة، تسمى المنتجات النهائية المتقدمة للسكري Advanced Glycation End Products، وهذه المركبات الضارة تتلف الكولاجين، ما يجعله جافاً وهشاً وضعيفاً في بنية الجلد.
ويضيف أطباء الجلدية في مايوكلينك عاملاً آخر بقولهم: «إن تكرار حركات الوجه والتعبيرات، مثل التحديق أو الابتسام، يؤدي إلى ظهور الخطوط الدقيقة والتجاعيد. في كل مرة تستخدم فيها عضلة للوجه، تتشكل شقوق تحت سطح الجلد. ومع تقدم عمر الجلد، يفقد مرونته ولا يعود قادراً على العودة إلى مكانه. ثم تصبح هذه التشققات علامات دائمة في وجهك».

- أنواع تجاعيد الوجه
ومما تجدر الإشارة إليه لأهميته، ووفق ما تذكره الأكاديمية الأميركية لتجميل الوجه American Academy of Facial Esthetics، فإن هناك ثلاثة أنواع مختلفة من تجاعيد الوجه، وسبب نشوء كل منهما مختلف عن الآخر، ولذا يجب التعامل علاجيا مع كل منهما بشكل مختلف.
> الأول نوع ديناميكي Dynamic Wrinkles. وتنشأ «التجاعيد الديناميكية» بسبب حركة العضلات، مثل تلك التي تظهر عند الابتسام أو الضحك أو التحديق. وتشمل التجاعيد الديناميكية الشائعة تلك الخطوط الدقيقة حول العينين، والتي تزداد عمقاً عند الضحك أو العبوس، والتي تسمى «أقدام الغراب» Crow’s Feetـ، وكذلك خطوط التجاعيد على الجبين، وفيما بين الحاجبين. وهذه النوعية من التجاعيد ستنشأ لا محالة مع التقدم في العمر، ولكن أيضاً قد تحصل في وقت مبكر.
> والنوع الثاني ثابت Static Wrinkles. و«التجاعيد الثابتة» هي الطيات والخطوط التي تظهر عندما لا نشكل أي تعابير في الوجه (أي لا نستخدم عضلات الوجه)، وتتكون بسبب فقدان المرونة والكولاجين والإيلاستين وحمض الهيالورونيك Hyaluronic Acid في البشرة، كتلف ناتج عن طول وتكرار التعرض لأشعة الشمس أو التدخين. وفيها تصبح البشرة أكثر نحافة وجفافاً ورقة، وتتغير بالتالي صورة الوجه مع تقدم العمر بسبب فقدان الحجم وهيكلية بناء الجلد.
> والنوع الثالث يسمى تجاعيد الطيات Wrinkle Folds، وهو غالبا ما يكون بسبب ترهل مكونات هيكل الوجه وتأثير ثقلها بفعل الجاذبية الأرضية. كما فيما بين الأنف والفم، وترهل جلد الذقن.

- مقاربات مختلفة للتعامل العلاجي مع تجاعيد الوجه
تقدم كثير من العيادات والمنتجعات الصحية حقن البوتوكس كوسيلة وحيدة للقضاء على تجاعيد الوجه. ولكن من المهم أن نفهم ما يمكن أن يفعله البوتوكس، والأهم من ذلك ما لا يمكنه القيام به. وهو ما يشبه النجار الذي لا يحمل سوى المطرقة، لأن ما سيستخدمه هو المسمار فقط. وينطبق الشيء نفسه على البوتوكس، لأن العيادة أو المنتجع الصحي عندما يقدمان فقط حقن البوتوكس، فإن ذلك لا يعني أنه العلاج المناسب لجميع تجاعيد الوجه.
ويلخص أطباء الجلدية في مايوكلينك نصيحتهم بالقول: «إذا كنت تشعر بالقلق تجاه مظهر جلدك، راجع طبيب الجلد. يمكنه تقييم حالة جلدك ومساعدتك في عمل خطة مخصصة لك للعناية بالجلد وبمعالجة التجاعيد الطبية أيضاً».
وتقدم أوساط طب الجلدية عدداً من الحلول للتخفيف من مظهر التجاعيد الجلدية عند حصولها، كما تبذل جهوداً مقابلة في استخدام وسائل الوقاية لتأخير ظهورها بشكل مبكر.
وتلك الحلول العلاجية يتم انتقاء كل منها وفق نوعية التجاعيد وعمقها وسبب ظهورها. وما يفيد في البعض منها، قد لا يفيد البتة في البعض الأخر. وفي هذا الشأن، ثمة عدد من الأدوية الموضعية أو الأدوية التي يتم حقنها في الجلد، وعدة أنواع من تقنيات تغطية التجاعيد (تجديد سطح البشرة)، وأنواع مختلفة من حشوات الحقن الجلدية، وكذلك المعالجات الجراحية، ذات الفاعلية في تخفيف أو إزالة مظاهر التجاعيد الجلدية المختلفة الأسباب والأنواع.
وعلى سبيل المثال، ففي التجاعيد الديناميكية، قد تفيد حقن الأدوية التي تعمل على ارتخاء العضلات، للتخفيف من مظهر تلك التجاعيد. بينما للتجاعيد الساكنة فإن الحل الأفضل هو الحشوات التي تحقن فيها. ولذا يتم التعامل مع التجاعيد المختلفة في الوجه بالوسيلة الملائمة، وغالباً ما يتطلب ذلك الجمع مع حقن البوتوكس مع حقن الحشوات.
وثمة كريمات ترطيب التجاعيد، وتحتوي على الرتينويدات، المستمدة من فيتامين إيه A، أو مواد مضادة للتأكسد أو أحماض ألفا هيدروكسي أو غيره. وهي تفيد في تقليل فرص ظهور وإخفاء التجاعيد الدقيقة والبقع والخشونة على الجلد. وأيضاً بعضها مفيد في إزالة الطبقة العليا من الجلد الميت وتحفيز نمو الجلد الجديد.
وبالإضافة إلى ذلك، ثمة مجموعة متنوعة من الإجراءات التدخلية للتخلص من التجاعيد. والتي منها:
> تجديد سطح الجلد بالليزر أو بالعلاج الضوئي الديناميكي PDT، أي إزالة الطبقة الخارجية للجلد (البشرة) وتسخين الجلد الأساسي (الأدمة)، لتحفيز نمو ألياف كولاجين جديدة وجعل جلد أكثر سلاسةً وشدة. ولكنها وسيلة لا تفيد في إزالة الجلد الزائد أو المترهل.
> التقشير الكيميائي أو سنفرة الجلد (تسحيج الجلد)، أي إزالة الطبقات العليا من الجلد، لتسهيل عودة نموه بشكل أكثر نعومة. ووفق عمق عملية التقشير، وتكرار أجرائها، سيكون وضوح نتائج ذلك، وزوال آثاره الجانبية (احمرار البشرة والتورم الموضعي).
> حقن البوتوكس أو غيره من فئة أدوية المعدلات العصبية. وهو كما يقول أطباء الجلدية في مايوكلينك: «جيد الفعالية تجاه خطوط التجهم بين الحاجبين وعبر الجبهة وعلى تجاعيد العين عند زوايا العين. يستغرق الأمر من يوم إلى ثلاثة أيام لرؤية النتائج. يستمر التأثير عادةً بضعة أشهر. يتعين تكرار الحقن للحفاظ على النتائج».
> حقن حشوات من الأنسجة الرخوة. أي حقن الدهون والكولاجين وحمض الهيالورونيك وغيره، في التجاعيد على الساكنة بالوجه. وهي تملأ وتنعم التجاعيد، ولكن تأثير معظم المنتجات مؤقت، كما البوتوكس.
> عمليات شد الوجه الجراحية. وفي حالات قد يتطلب التغلب على التجاعيد الناجمة عن الترهل بفعل ثقل الجلد والجاذية الأرضية كالتجاعيد المتقدمة في منطقة الذقن أو الرقبة أو الفك. وهذه يتقن إجرائها الجراح التجميلي المتخصص.

- استشارية في الباطنية


مقالات ذات صلة

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

صحتك استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

وجدت دراسة أن استهلاك «أوميغا 3» و«أوميغا 6»، وهي الأحماض الدهنية التي توجد في الأطعمة النباتية والأسماك الزيتية، قد يؤثر على معدل خطر الإصابة بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال
TT

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص. وأوضحت أن قضاء وقت من دون حركة كافية لفترة أكثر من 6 ساعات يومياً، يمكن أن يسبب زيادة في ضغط الدم الانقباضي (الخارج من البطين الأيسر- systolic blood pressure) بمقدار 4 ملِّيمترات زئبقية، وذلك في الفترة العمرية من الطفولة، وحتى بداية مرحلة البلوغ.

الخمول ومؤشرات الأمراض

أجريت الدراسة بالتعاون بين جامعتي «بريستول» و«إكستر» في المملكة المتحدة، وجامعة «شرق فنلندا»، ونُشرت في مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي، في مجلة «الهزال وضمور العضلات» (Journal of Cachexia, Sarcopenia and Muscle). وأكدت أن النشاط والخمول يلعبان دوراً رئيسياً في تنظيم الضغط؛ حيث يساهم الخمول وعدم الحركة في رفع ضغط الدم، بينما يساهم النشاط البدني الخفيف بشكل يومي في خفض الضغط. وفي الماضي وقبل التقدم التكنولوجي المعاصر، ولأن الأطفال كانوا في نشاط مستمر، كان ارتفاع ضغط الدم من الأمور شديدة الندرة في الأطفال.

قام الباحثون بمتابعة 2513 طفلاً من دراسة خاصة بجامعة «بريستول» على أطفال التسعينات من القرن الماضي، وتمت المتابعة من سن 11 إلى 24 عاماً. وركَّز الباحثون على الأطفال الذين قضوا تقريباً 6 ساعات يومياً من دون أي نشاط يذكر، ثم 6 ساعات يومياً في ممارسة تمارين خفيفة (LPA)، وأخيراً نحو 55 دقيقة يومياً في نشاط بدني يتدرج من متوسط إلى قوي (MVPA)، وبعد ذلك في بداية مرحلة المراهقة والشباب قضوا 9 ساعات يومياً في حالة خمول، ثم 3 ساعات يومياً في التمارين الخفيفة، ونحو 50 دقيقة يومياً في تمارين متوسطة إلى قوية.

تم أخذ عينات دم بعد فترة صيام لعدة ساعات للأطفال بشكل متكرر، لتثبيت العوامل التي يمكن أن تلعب دوراً مهماً في ارتفاع ضغط الدم، مثل قياس مستويات الكوليسترول منخفض الكثافة (LDL)، والكوليسترول عالي الكثافة (HDL)، والدهون الثلاثية (TG)، وأيضاً تم قياس منحنى الغلوكوز لكل 3 شهور (hba1c) في الدم، وكذلك هرمون الإنسولين، ودلالات الالتهاب مثل البروتين التفاعلي سي (C-reactive protein)، وقاموا بقياس معدل ضربات القلب.

بعيداً عن التحاليل الطبية، قام الباحثون برصد بقية العوامل المؤثرة في ارتفاع ضغط الدم، وتم سؤال الأطفال عن التاريخ العائلي للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بجانب الحالة الاقتصادية والاجتماعية للعائلة، وحالة الطفل النفسية، وتعامل العائلة معه، وأيضاً نوعية الغذاء، وهل تحتوي على دهون أم لا، واستخدام ملح الطعام باعتدال. وبالنسبة للمراهقين والبالغين تم سؤالهم عن حالة التدخين، بالإضافة إلى قياس كتلة الدهون في الجسم، وكذلك الكتلة العضلية.

ضغط الدم في الأطفال

قال العلماء إن الدراسة الحالية تُعد أكبر وأطول دراسة متابعة في العالم، لرصد العلاقة بين حجم النشاط البدني ومستوى ضغط الدم في الأطفال والمراهقين، وصولاً لمرحلة البلوغ. وحتى تكون الدراسة معبرة عن التغيرات الطبيعية التي تحدث للضغط في المراحل العمرية المختلفة، قام الباحثون بقياس ضغط الدم بعد فترات الخمول والتمرينات الخفيفة ومتوسطة الشدة، في عمر الحادية عشرة (نهاية فترة الطفولة) وفي عمر الخامسة عشر (فترة المراهقة والتغيرات الهرمونية) وأخيراً في عمر الرابعة والعشرين (مرحلة البلوغ).

وجد الباحثون أن متوسط ضغط الدم في مرحلة الطفولة كان 106/ 56 ملِّيمتراً زئبقياً، وبعد ذلك ارتفع إلى 117/ 67 ملِّيمتراً زئبقياً في مرحلة الشباب. ويرجع ذلك جزئياً -في الأغلب- إلى النمو الفسيولوجي الطبيعي المرتبط بالسن، وأيضاً ارتبطت الزيادة المستمرة في وقت الخمول من سن 11 إلى 24 عاماً بزيادة ضغط الدم الانقباضي في المتوسط بمقدار 4 ملِّيمترات زئبقية.

لاحظ الباحثون أن المشاركة في التمرينات الخفيفة بانتظام من الطفولة وحتى البلوغ، ساهمت في خفض مستوى الضغط الانقباضي بمقدار 3 ملِّيمترات زئبقية تقريباً. وفي المقابل تبين أن ممارسة التمرينات الشاقة والقوية لم تساهم في خفض الضغط بعكس المتوقع، وذلك لأن زيادة حجم الكتلة العضلية ارتبط بزيادة الدم المتدفق إليها، مما سبب زيادة طفيفة في ضغط الدم، ما يوضح الأهمية الكبرى للنشاط البدني الخفيف بانتظام؛ لأنه يُعد بمثابة وقاية من خطر ارتفاع ضغط الدم.

النشاط البدني الخفيف المنتظم يقي من خطره

أكد الباحثون أن أي فترة صغيرة في ممارسة النشاط الحركي تنعكس بالإيجاب على الطفل. وعلى سبيل المثال عندما استُبدلت بعشر دقائق فقط من كل ساعة تم قضاؤها في حالة خمول، فترة من التمرينات الخفيفة (LPA) في جميع مراحل النمو من الطفولة إلى مرحلة الشباب، انخفض ضغط الدم الانقباضي بمقدار 3 ملِّيمترات زئبقية، وضغط الدم الانبساطي بمقدار ملِّيمترين زئبقيين، وهو الأمر الذي يُعد نوعاً من الحماية من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتة الدماغية؛ لأن خفض ضغط الدم الانقباضي بمقدار 5 ملِّيمترات زئبقية فقط يقلل بنسبة 10 في المائة من الذبحة الصدرية وجلطة المخ.

من المعروف أن منظمة الصحة العالمية (WHO) أصدرت تقارير تفيد باحتمالية حدوث 500 مليون حالة مرضية جديدة من الأمراض غير المعدية المرتبطة بالخمول البدني بحلول عام 2030، ونصف عدد هذه الحالات بسبب ارتفاع ضغط الدم. ونصحت المنظمة بضرورة ممارسة النشاط البدني الخفيف لمدة 3 ساعات على الأقل يومياً، للحماية من الإصابة بضغط الدم، وأيضاً لأن هذه التمرينات بمثابة علاج للضغط العالي للمرضى المصابين بالفعل. وأكدت أن النشاط البدني لا يشترط وقتاً أو مكاناً معيناً، مثل المشي لمسافات طويلة، وركوب الدراجات، وحتى القيام بالأعمال المنزلية البسيطة.

* استشاري طب الأطفال