قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، اليوم (الثلاثاء)، إن الوكالة تريد إعادة التعامل بشكل كامل مع إيران من أجل استعادة أنشطة التفتيش في البلاد.
وتأتي تعليقاته في مانيلا في أعقاب قرار مجلس محافظي الوكالة الذي يضم 35 دولة، يوم الخميس، بأن على إيران إبلاغها «دون تأخير» بوضع مخزونها من اليورانيوم المخصّب ومواقعها النووية التي تعرّضت للقصف.
وشنَّت إسرائيل في 13 يونيو (حزيران) هجوماً غير مسبوق على منشآت استراتيجية في إيران؛ ما أسفر عن مقتل عشرات من قادة «الحرس الثوري»، الجهاز الموازي للجيش النظامي، إضافة إلى مسؤولين وعلماء في البرنامج النووي الإيراني.
وأشعلت تلك الضربات حرباً استمرّت 12 يوماً بين البلدين، شاركت خلالها الولايات المتحدة بقصف 3 مواقع نووية داخل إيران.
تعاون طهران
وعلَّقت طهران تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقيدت وصول مفتشيها إلى المواقع المستهدَفة، منتقدةً الوكالة لامتناعها عن إدانة الهجمات على منشآتها النووية.
وتبنَّت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الخميس، قراراً يدعو إيران إلى «تعاون كامل ودون تأخير»، ويُلزم طهران بتقديم «تعاون كامل وسريع» من خلال تأمين المعلومات، وإتاحة الوصول إلى منشآتها النووية؛ استجابةً لطلبات مدير الوكالة، رافائيل غروسي.
وقالت فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة في بيان: «ينبغي على إيران أن تلتزم تماماً، ودون أي تحفظ، باتفاق الضمانات لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (...) لتقدم للوكالة، ودون أي تأخير، معلومات دقيقة حول موادها ومنشآتها النووية، وأن تمنح الوكالة كل ما يلزم للتثبت من هذه المعلومات».

ورداً على القرار، أعلن عباس عراقجي، وزير خارجية إيران، تخلي بلاده عن تفاهم القاهرة رسمياً، رغم أن كثيراً من المسؤولين الإيرانيين تحدَّثوا في مناسبات مختلفة عن تخلي طهران عن التفاهم؛ بسبب تفعيل آلية «سناب باك»، وإعادة العقوبات الأممية على طهران في بداية الشهر الماضي.
والأحد الماضي، اتهم المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، القوى الغربية بعرقلة تعاون طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، نافياً في الوقت نفسه وجود أي جمود أو حاجة لوساطة مع الهيئة التابعة للأمم المتحدة.
وقال بقائي: «لسنا بحاجة إلى أي وساطة في تعاملنا مع الوكالة. ممثلنا في فيينا يقوم بدوره، ونحن نطرح مواقفنا علناً ومباشرة خلال الحوار مع مسؤولي الوكالة. وما دمنا عضواً في معاهدة عدم الانتشار، فنحن ملتزمون بتعهداتنا». مضيفاً أن «المشكلة بدأت عندما عمدت الولايات المتحدة وإسرائيل إلى مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، وهو ما أعاق التعاون الطبيعي بين إيران والوكالة».
ماذا تريد الوكالة؟
وكان غروسي قد أكّد الأسبوع الماضي في فيينا، أن الوكالة تنتظر الصيغة النهائية لمشروع القرار الأوروبي - الأميركي بشأن إيران، المتعلق بتجديد تفويض الوكالة في مراقبة البرنامج النووي الإيراني، مؤكداً أن أي تكليف جديد «سيُنفَّذ وفق ما يقرره مجلس المحافظين»، مشدداً على أن الالتزامات المفروضة على طهران، بموجب اتفاق الضمانات الشاملة ومعاهدة عدم الانتشار، لا تسقط، رغم الهجمات التي تعرَّضت لها المنشآت النووية خلال الأشهر الماضية.
وقال غروسي: «(الوكالة الذرية) لا تزال تفتقر إلى تقرير إيراني حول حالة المواقع المتضررة والمواد النووية المرتبطة بها، وهو تقرير يجب تقديمه دون تأخير»، وفقاً لالتزامات إيران بموجب اتفاق الضمانات. وأوضح أن «الوكالة الذرية» لم تتمكَّن، حتى الآن، من إجراء أي نشاط تحقق في المنشآت النووية التي تضرَّرت خلال الهجمات، مشيراً إلى أن غياب وصول المفتشين إلى مخزونات إيران من اليورانيوم منخفض وعالي التخصيب لمدة 5 أشهر جعل عملية التحقق «متأخرة منذ زمن طويل».
وحثَّ غروسي طهران على التعاون الكامل وتسهيل التنفيذ الفعّال لجميع أنشطة الضمانات، مؤكداً استعداده لمواصلة الحوار معها. وأضاف أن التحقق من مخزونات اليورانيوم «أمر ضروري، ويجب أن يجري في أقرب وقت ممكن».
وأشار غروسي إلى الاتفاق الذي وقَّعه مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في القاهرة، موضحاً أنه يُحدِّّد فهماً للإجراءات الخاصة بتفتيش الوكالة، والإخطارات، وتنفيذ الضمانات في إيران، في أعقاب الهجمات العسكرية التي وقعت في يونيو.
وقال غروسي: «منذ ذلك الحين، سهّلت إيران وصول الوكالة لإجراء عمليات التفتيش والتحقق من معلومات التصميم، مع إشعار مسبق في معظم المنشآت غير المتأثرة في طهران، وهذا أمر مرحَّب به». وأضاف: «على الرغم من تسجيلي تعاون إيران في عمليات التفتيش بعدد من المنشآت، فلا تزال هناك حاجة إلى مزيد من الانخراط البنّاء».
ووصف دبلوماسيون غربيون مشروع القرار بأنه «تقني في المقام الأول»، إذ يصدر تفويضاً جديداً لـ«الوكالة الذرية» لتقديم تقارير عن الأنشطة النووية الإيرانية بعد انتهاء آخر استمرّ 10 سنوات اعتباراً من 2015، وهو العام الذي شهد إبرام الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى، حسب «رويترز».
ومع ذلك، لم يقتصر مشروع القرار على انتقاد إيران لضعف تعاونها، والدعوة إلى حل دبلوماسي - في إشارة واضحة إلى محادثات محتملة مع الولايات المتحدة - بل تضمَّن مطالبة طهران بتنفيذ ما يُسمى «البروتوكول الإضافي» الذي يوسِّع صلاحيات «الوكالة الذرية».
وكان تطبيق «البروتوكول الإضافي»، الذي وقَّعته إيران عام 2003 ولم تصادق عليه حتى الآن، حجر الزاوية في اتفاق 2015 الذي رفع العقوبات عن إيران مقابل فرض قيود صارمة على أنشطتها النووية.
ويمنح «البروتوكول الإضافي» الوكالةَ رقابةً أوسع على الأنشطة النووية لأي دولة، مثل سلطة إجراء عمليات تفتيش مفاجئة في مواقع غير معلنة.
مخزون اليورانيوم
وقبل تعرض منشآتها النووية للهجوم، كانت إيران تخصّب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة، القريبة من مستوى 90 في المائة المطلوب للاستخدامات العسكرية.
وأشارت الوكالة إلى أن إيران كانت تملك، حتى تاريخ بداية الحرب، نحو 440.9 كيلوغرام من اليورانيوم المخصّب بنسبة تصل إلى 60 في المائة، بزيادة قدرها 32.3 كيلوغرام مقارنة بـ17 مايو (أيار)، مؤكدة أنها لم تتمكَّن من التحقق من مستويات اليورانيوم منذ 13 يونيو.
وتقول الدول الغربية إنه لا حاجة مدنية لإنتاج اليورانيوم بنسبة 60 في المائة. وتفيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران هي الدولة الوحيدة غير الحائزة على السلاح النووي التي تخصّب اليورانيوم عند مستوى 60 في المائة.

وقال غروسي، نهاية الشهر الماضي، إن إيران لا تبدو حالياً منشغلةً بتخصيب اليورانيوم بنشاط، إلا أن الوكالة التابعة للأمم المتحدة رصدت في الآونة الأخيرة حركةً متجددةً في مواقعها النووية.
وقال: «المواد النووية المخصّبة بنسبة 60 في المائة لا تزال في إيران. وهذه إحدى النقاط التي نناقشها؛ لأننا بحاجة إلى العودة إلى هناك، والتأكد من أن المواد موجودة في أماكنها، ولم يتم تحويلها إلى أي استخدام آخر. وهذا أمر مهم جداً جداً».






