أثار عزم نواب أتراك زيارة زعيم حزب «العمال الكردستاني»، عبد الله أوجلان، في سجنه الواقع في جزيرة إيمرالي جدلاً حاداً في الشارع التركي، وانقساماً على الساحة السياسية.
وعلى الرغم من تأييد غالبية الشعب التركي لعملية «تركيا خالية من الإرهاب»، التي يسميها الجانب الكردي «عملية السلام والمجتمع الديمقراطي»، والتي انطلقت فعلياً بدعوة أوجلان، في 27 فبراير (شباط) الماضي، حزب «العمال الكردستاني» إلى حلّ نفسه وإلقاء أسلحته، هناك اعتراض كبير على ذهاب نواب من البرلمان للقائه.
وبعد قرار زيارة أوجلان، الذي اتخذته لجنة «التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية» المعنية بوضع الإطار القانوني لنزع أسلحة حزب «العمال الكردستاني» يوم الجمعة الماضي بأغلبية 32 صوتاً من أصل 51 عضواً، في ظلّ مقاطعة حزب «الشعب الجمهوري» أكبر أحزاب المعارضة، اتّضح أن الوفد سيتشكل من 3 نواب فقط.
قلق ومخاوف
من المتوقّع أن يُمثل النواب 3 أحزاب فقط من بين 11 حزباً في اللجنة البرلمانية، هي أحزاب «العدالة والتنمية الحاكم» وحليفه «الحركة القومية» و«الديمقراطية والمساواة للشعوب» المؤيد للأكراد، بينما أعلنت كتلة «الطريق الجديد» التي تضم أحزاب «الديمقراطية والتقدم، المستقبل والسعادة» انضمامها إلى حزب «الشعب الجمهوري» الذي رفض إرسال أي من نوابه إلى إيمرالي.

وعكس حجم الوفد وتشكيله حجم الانقسام على الساحة السياسية، والمخاوف لدى الأحزاب من أن تؤثر زيارة أوجلان للاستماع إلى آرائه وتقييماته حول العملية التي يقودها البرلمان، على قواعدها الشعبية.
وهذه هي المرة الأولى التي سيزور وفد برلماني أوجلان في محبسه الذي يقبع به منذ عام 1999، على الرغم من شروع الدولة سابقاً في عمليات مماثلة لحل المشكلة الكردية من خلال الحوار معه، وللمرة الأولى أيضاً ستدرج آراءه وملاحظاته في محاضر البرلمان التركي.
ومن المتوقع، حسب مراقبين، أن تكون للزيارة «عواقب سياسية» على كل من الحكومة والمعارضة، فهناك قلق مشترك لدى حزب «العدالة والتنمية» الحاكم وحزب «الشعب الجمهوري»، يرتكز على حساسية المجتمع والقواعد الشعبية لهما تجاه زيارة أوجلان، الذي كان يوصف قبل أشهر قليلة بـ«زعيم إرهابي» و«قاتل الأطفال».

وأظهر العديد من استطلاعات الرأي العام أن نسبة التأييد لعملية السلام الجديدة بلغت نحو 85 في المائة. في المقابل، فإن استطلاعات أجراها حزب «العدالة والتنمية» حول ما إذا كان ينبغي زيارة وفد برلماني لأوجلان أظهرت أن 25 في المائة فقط من الشعب يؤيدون هذه الخطوة.
«الشعب الجمهوري» بين الترحيب والانتقاد
كما أظهرت الاستطلاعات صواب الخطوة التي اتخذها حزب «الشعب الجمهوري» بمقاطعة التصويت وزيارة أوجلان، بنسبة تجاوزت 70 في المائة، وبدا أن الشباب كانوا أكثر فئات المجتمع تفاعلاً مع الزيارة.
وأعلن رئيس الحزب، أوزغور أوزيل، أن قرار حزبه بشأن الزيارة لا يعني التخلي عن وعوده بالتوصل إلى حل ديمقراطي للمشكلة الكردية، وأنه «الحزب الذي يقول صراحة إن هناك مشكلة كردية في تركيا بعكس حزب العدالة والتنمية وحليفه الحركة القومية».

وقال أوزيل، خلال مؤتمر شعبي في ولاية زونغولداك شمال تركيا، السبت: «لن نخلف وعودنا، ولن نتخلى عما بدأناه. لكننا لن نتّبع تعليمات أحد، ولن نكون عربة في قاطرة (الرئيس رجب طيب إردوغان)، ونحترم أيضاً مَن يفعل ذلك».
وبرى العديد من قادة الأحزاب السياسية أن زيارة وفد من البرلمان لأوجلان تمنحه الشرعية، وتذهب الأحزاب القومية المعارضة إلى أن هذه الخطوة تُشكّل «إهانة للجمهورية التركية».
ودعا رئيس حزب «الجيد» القومي، مساوات درويش أوغلو، الأحد، حزب «الشعب الجمهوري» إلى «الانسحاب من اللجنة البرلمانية بعدما فشل في منع تشكيل وفد لزيارة أوجلان، وألا يستمر في هذه الإهانة».
وبينما يواجه حزب «الشعب الجمهوري» مطالبات الانسحاب من جانب القوميين، فإنه يواجه انتقادات من جانب حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، الذي شكَّل ما يشبه الائتلاف غير المعلن معه في الانتخابات المحلية الأخيرة في عام 2024، إذ حمّل الحزب المؤيد للأكراد، «الشعب الجمهوري»، كونه الحزب المؤسس للجمهورية التركية، جانباً كبيراً من المسؤولية عن عدم حل المشكلة الكردية على مدى 100 عام.

لكن الملاحظ أن الرئيسين المشاركين للحزب، تولاي حاتم أوغولاري وتونجر باكيرهان، امتنعا عن الإدلاء بتصريحات حادة بشكل كبير ضد «الشعب الجمهوري»، مكتفين بانتقاد ما وصفوه «بتردده في الوقت الذي يسعى فيه إلى الفوز بحكم البلاد».
وحسب المراقبين، فإن حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» يرغب في بقاء «الشعب الجمهوري» على طاولة المفاوضات واستمرار انخراط في العملية، لأن ذلك يعزز قوته في المطالبة بإصلاحات قانونية وديمقراطية في مواجهة «تحالف الشعب» (حزبا العدالة والتنمية والحركة القومية).





