أثارت «صفقة» غاز طبيعي مُسالة أبرمتها مصر مع الجانب الأميركي تساؤلات حول أبعادها، وما إذا كانت بمثابة منافسة «غير مباشرة» من جانب شركات الطاقة الأميركية لصفقة الغاز الإسرائيلي المتعثرة، أم ورقة ضغط على الحكومة الإسرائيلية لدفعها نحو إتمام «الصفقة» وضخ الغاز بشكل منتظم عبر الأنابيب إلى المحطات المصرية لإسالتها.
وأعلن نائب وزير الخارجية الأميركي، كريستوفر لانداو، عبر منصة «إكس»، الخميس، أن «مصر اختارت شركة (هارتري بارتنرز) لإبرام اتفاقية توريد غاز بما يعزز المصالح الاقتصادية والتجارية الأميركية حول العالم، وتُولّد فرص عمل محلية، وتوفر طاقة رخيصة وموثوقة لدول مثل مصر».
والشهر الماضي، نسبت صحف عبرية بينها «يديعوت أحرونوت» إلى مسؤولين قولهم إنّ «وزير الطاقة الأميركي، كريس رايت، ألغى زيارة مقرّرة إلى إسرائيل، بعد رفض الحكومة الإسرائيلية الموافقة على اتفاقية كبيرة لتصدير الغاز الطبيعي مع مصر».
وفي أغسطس (آب) الماضي، أعلنت شركة «نيو ميد» الأميركية، أحد الشركاء في «حقل ليفياثان» الإسرائيلي للغاز الطبيعي، تعديل اتفاق توريد الغاز لمصر ليمتد إلى عام 2040 بقيمة تصل إلى 35 مليار دولار (الدولار يساوي 47.2 جنيه في البنوك المصرية).
لكن في مطلع سبتمبر (أيلول) وفي خضم توترات حرب غزة، ظهرت بوادر «انقلاب» إسرائيلي على الاتفاق، وفي ذلك الحين أشارت صحف عبرية إلى «اعتزام رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو التأكد من تعهد مصر بالالتزام الكامل ببنود اتفاقية السلام قبل المضي في المصادقة النهائية على الصفقة».
وأكد خبراء لـ«الشرق الأوسط» أن «الصفقة الأخيرة (الأميركية) تبرهن على أن مصر ماضية في تنويع مصادر حصولها على الطاقة ولن تقف كثيراً أمام (مراوغات) إسرائيل ولديها بدائل عديدة تتجه إليها وفقاً لما يحقق مصالحها، وذلك من شأنه التأكيد على أن القاهرة لن تذعن للضغوطات الإسرائيلية بل أنها تمارس ضغطاً غير مباشر بإبرام اتفاقيات عديدة إلى جانب تنشيط حركة الاستكشافات المحلية».
وتحدثت صحيفة «غلوبس» الاقتصادية الإسرائيلية، أخيراً، أن الولايات المتحدة أعلنت عن صفقة غاز طبيعية مُسَيَّل بقيمة 4 مليارات دولار بين شركة (هارتري بارتنرز) الأميركية، ومصر، في خطوة عدّتها الصحيفة «قد تُشكل منافسة غير مباشرة لصفقات الغاز الإسرائيلية مع القاهرة، رغم الفارق الكبير في الحجم والتكلفة».
وأشارت الصحيفة إلى «أن تأجيل التصريح الإسرائيلي دفع مصر إلى البحث عن بدائل، بما في ذلك الصفقة الأميركية الجديدة. ومع أن كمية الغاز الأميركي تبقى صغيرة مقارنة بالصفقة الإسرائيلية (35 مليار دولار)، فإنها تُضاف إلى خيارات القاهرة لتنويع مصادر إمدادها، رغم أن تكلفة الغاز المسال البحري أعلى بكثير من الغاز المنقول عبر الأنابيب».

خبير أسواق الطاقة، رمضان أبو العلا، قال إن «إمدادات الغاز الإسرائيلي إلى مصر توقفت أكثر من مرة بمبررات الحرب على قطاع غزة والتصعيد في المنطقة واستخدام إسرائيل للصفقة ورقة ضغط»، وهو ما كان دافعاً نحو «تسريع تحركات القاهرة في اتجاهات مختلفة لتنويع مصادر الطاقة لكيلا تتعرض إلى مشكلات بشأن توفير الاحتياجات المحلية للصناعة أو الاستخدام المنزلي».
وأوضح أن «هذا التنوع يُظهر قدراً من المرونة للتأكيد على أنه حال عدم التزام إسرائيل بتعهدات صفقة الغاز فهناك مصادر أخرى من السهل التوجه إليها»، مشيراً إلى أن الصفقة المبرمة أخيراً مع الشركات الأميركية لم تذكر سعر الوحدة الحرارية وهي أعلى مما تستورده مصر من إسرائيل عبر الأنابيب.
«الصفقة الأخيرة مع الشركات الأميركية تجعل الغاز المسال في صدارة واردات الغاز الطبيعي بعدما كان الغاز القادم عبر الأنابيب في المقدمة، ويبرهن التوجه المصري للولايات المتحدة على أن الجوانب السياسية تؤثر في الاتفاقيات الاقتصادية»، بحسب أبو العلا، الذي شدد على «أهمية أن يكون هناك شرط جزائي تتحمله إسرائيل نتيجة عدم الوفاء بالتزاماتها».
وارتفعت واردات مصر من الغاز 51 في المائة في أول 9 أشهر من العام الحالي لتصل إلى 15.6 مليار متر مكعب وفق بيانات قاعدة الطاقة المشتركة «جودي».
وكانت مصر ثاني أكبر مستورد للغاز المسال الأميركي في أغسطس الماضي بنحو 57 مليار قدم مكعبة تمثل 13 في المائة من إجمالي الغاز الأميركي المصدر خلال الشهر، بحسب بيانات وزارة الطاقة الأميركية.
وأكد الخبير المتخصص في الشأن الإسرائيلي بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، سعيد عكاشة، أن مصر تدرك إمكانية تخلي إسرائيل عن التزاماتها، ومن ثمّ فإن صانع القرار المصري لا يعول على استدامة الاتفاقية، وهناك تفكير استراتيجي بشأن سد احتياجات الطاقة على المدى المتوسط، ووضع بدائل عديدة بينها تعزيز التعاون مع شركات أخرى حول العالم.
وقال عكاشة: «القاهرة لن تذعن للضغوط الإسرائيلية؛ بل تمارس عليها ضغوطاً غير مباشرة مع اتجاهها لتنويع مصادر الطاقة»، مشيراً إلى أن الأزمة المثارة بشأن الصفقة الإسرائيلية تعود إلى «أن حكومة نتنياهو ترى أن الدور المصري كان معرقلاً لأهدافها في قطاع غزة مع إحباط التهجير واحتلال رفح الفلسطينية بشكل دائم، ومن ثم تظهر محاولات للإضرار بمصر اقتصادياً»، وفق رأيه.
وبحسب عكاشة فإن «التوجه نحو الجانب الأميركي يرجع لأن صانع القرار المصري يفهم أفكار الرئيس دونالد ترمب، فهو يبحث عن المصالح الاقتصادية بشكل أكبر، ورغم الضغوط الأميركية على تل أبيب لإتمام (الصفقة الإسرائيلية)؛ فإن القاهرة لا تعوّل كثيراً على هذا الدور لتغيير الموقف الإسرائيلي، والمهم هو البحث عن بدائل متوفرة سواء بمزيد من الاكتشافات في الداخل أو بعمل اتفاقيات مع شركات دولية مختلفة بينها شركات روسية أيضاً».
وتحاول مصر زيادة إنتاج الغاز الطبيعي إلى 6.6 مليارات قدم مكعبة يوميا بحلول 2030، بزيادة 58 في المائة عن المعدل الحالي البالغ 4.2 مليار قدم، بحسب وزير البترول والثروة المعدنية المصري، كريم بدوي، إضافة إلى حفر 14 بئراً استكشافية في البحر المتوسط عام 2026 لتقييم احتياطيات بـ12 تريليون قدم مكعبة.






