أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي انتهاء «تفاهم القاهرة» رسمياً عقب قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك غداة تأكيده أن طهران لن تسمح للوكالة بدخول منشآتها النووية التي قصفت خلال الحرب مع إسرائيل قبل التوصل إلى اتفاق ملموس.
وقال عراقجي إن تقديم الدول الأوروبية الثلاث والولايات المتحدة مشروع قرار «ضد إيران» داخل مجلس المحافظين يُمثل «إجراءً غير قانوني وغير مبرر»، مضيفاً أنه تم تمريره «بضغط من الدول، رغم تصويت 15 عضواً ضده أو امتناعهم».
ونال القرار 19 صوتاً، فيما عارضه 3، وامتنع 12 عن التصويت، من 35 دولة في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابع للأمم المتحدة.
ونقل التلفزيون الرسمي عن عراقجي قوله إن هذه الدول «بخطوتها هذه، وتجاهلها مسار التفاعل وحسن نية إيران، أساءت إلى سمعة الوكالة واستقلاليتها، وأحدثت خللاً في مسار التعاون والتعامل بين إيران والوكالة».
وأضاف عراقجي أن «(تفاهم القاهرة) فقد عملياً دوره في علاقات إيران مع الوكالة منذ إقدام الدول الأوروبية الثلاث على تفعيل آلية إعادة القرارات الملغاة في مجلس الأمن»، موضحاً أنه «جرى اليوم إبلاغ المدير العام للوكالة رسمياً بانتهاء صلاحية التفاهم، وعدم اعتباره أساساً للتعامل بعد الآن».
وجاء إعلان عراقجي بعدما تحدّث عدة مسؤولين إيرانيين كبار عن نهاية «اتفاق القاهرة» ردّاً على إعادة العقوبات الأممية.
وقال مندوب إيران، رضا نجفي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «لن يضيف هذا القرار شيئاً إلى الوضع الراهن. لن يكون مفيداً، وسيعود بنتائج عكسية»، مضيفاً: «سيكون له بالتأكيد أثر سلبي على التعاون الذي كان قد بدأ بين إيران والوكالة».
ورفض عراقجي، الأربعاء، تفتيش المنشآت النووية التي تعرّضت لهجوم من جانب إسرائيل والولايات المتحدة في يونيو (حزيران)، وذلك بعدما جدَّد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، الأربعاء، دعوته إيران للسماح بعمليات تفتيش تلك المواقع.
وكتب عباس عراقجي في قناته على «تلغرام»، الأربعاء، أن طهران «لن تقبل مطلقاً بسياسة التخصيب الصفري». وأضاف أن قبول وقف التخصيب في إيران يُعد «خيانة». وأضاف: «المنشآت التي تعرضت للهجوم لها وضعها الخاص، وإلى حين اتخاذ قرار والتوصل إلى نتيجة بيننا وبين الوكالة الدولية للطاقة الذرية والآخرين، فإن التعاون غير ممكن».
وفي المقابلة مع موقع «خبر أونلاين» الإخباري المحلي، قال عراقجي: «حقيقة أنهم جاؤوا وهاجموا وغادروا... والآن تأتي الوكالة لإعداد تقرير لهم حول ما الذي (تعرض للهجوم) وماذا حدث ومدى الضرر هو أمر غير ممكن، ومن الواضح أنه لن يكون حكيماً».
وقال عراقجي إن المطالب الأميركية تظل «ضارة بمصالحنا الوطنية»، مستبعداً إجراء أي محادثات بشأن برنامج بلاده الصاروخي أو «قدراتها الدفاعية» الأخرى، مشيراً إلى أن المحادثات مع الحكومات الأوروبية «لم تعد مفيدة» بعد تفعيلها «آلية سناب باك» حسبما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية».
اتفاق القاهرة
وأشار غروسي في مؤتمر صحافي الأربعاء إلى الاتفاق الذي وقَّعه مع عراقجي في سبتمبر الماضي، موضحاً أنه يُحدد فهماً للإجراءات الخاصة بتفتيش الوكالة، والإخطارات، وتنفيذ الضمانات في إيران، في أعقاب الهجمات العسكرية التي وقعت في يونيو.

و قال نائب وزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية، كاظم غريب آبادي، إن طهران ستجري مراجعة شاملة في علاقاتها مع «الوكالة الذرية» إذا صدر قرار ضدها، مشدداً على أن طهران «تدرس بالفعل إعادة النظر في مستوى تعاونها مع الوكالة».
وأضاف غريب آبادي الذي كان مندوباً لإيران لدى الوكالة قبل سنوات أن بلاده « أبدت حُسن نيتها تجاه الوكالة، وجرى التوصل إلى اتفاق في القاهرة، لكن ما الذي تسعى إليه الآن؟». وأوضح أن آلية استعادة العقوبات (سناب باك): «لم تستطع التأثير بالطريقة التي كانوا يتوقعونها، وتمت السيطرة على تبعاتها بالكامل».
وتابع: «ما يقومون به الآن هو محاولة للضغط. وهذا يبعث برسالة واضحة: التفاعل مع إيران لم يعد مهماً بالنسبة إليهم. ومن الطبيعي أن يكون وضعنا بعد أي قرار يصدر عن مجلس المحافظين مختلفاً، فالاتفاق الذي تم في القاهرة بات مهملاً تماماً».
وقال أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، في 20 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن بلاده «ألغت اتفاق التعاون الذي وقَّعته مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في سبتمبر الماضي، بسبب إعادة فرض العقوبات الأممية على طهران». لكن لاريجاني قال حينها إن «مجلس الأمن القومي سيدرس أي مقترح تقدمه الوكالة الدولية للتعاون».
ونقل التلفزيون الرسمي اليوم(الخميس)، عن رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، إبراهيم عزيزي، قوله إن الاتفاق الذي توصلت إليه طهران مع غروسي في القاهرة سبتمبر (أيلول) الماضي «لم يُقبل أوروبياً»، مضيفاً أن البروتوكول الإضافي الذي وافقت عليه إيران في عهد الرئيس حسن روحاني جرى إلغاؤه لاحقاً بقانون «الإجراء الاستراتيجي».
لا مفاوضات مع واشنطن
وقال إنه لا توجد أي مفاوضات حالياً بين طهران وواشنطن، مشيراً إلى أن بلاده ستتجه للتفاوض في حال رعاية المصالح الوطنية، والتزمت الولايات المتحدة بأطر التفاوض، واعترفت بمبدأ التخصيب في الملف النووي.
وأوضح عزيزي أن الولايات المتحدة ترى إيران «أكبر تهديد لأمنها القومي»، وأن استراتيجيتها تقوم على «احتواء طهران سريعاً قبل الانتقال إلى مواجهة الصين». وأضاف أن إيران لم تبحث في المفاوضات النووية مبدأ برنامجها النووي، بل ركَّزت على نسب التخصيب فقط.

وأشار إلى أن الضغوط الأميركية بدأت عبر آلية «سناب - باك»، ثم تصاعدت مع سياسة «الضغط الأقصى» في عهد ترمب، مؤكداً أن إيران «صمدت عبر المقاومة الفاعلة والقدرات الداخلية».
ولفت عزيزي إلى أن البرلمان «تجنب القرارات الانفعالية»، لافتاً إلى أن ترمب أرسل رسالة تهديد لإيران تضمنت مهلةً للتفاوض ووعيداً بالحرب، لكنها قوبلت بالرفض. وأشار إلى أن «ظروفاً داخل الولايات المتحدة» عطّلت استمرار المفاوضات.
وشدد على أن وزارة الخارجية «تنفّذ السياسة الخارجية ولا تقررها»، مؤكداً أن مؤسسات النظام هي صاحبة القرار. وقال إن الجهود انصبت على منع تفعيل آلية «سناب باك»، عادّاً أن الأوروبيين «تابعون للولايات المتحدة».
في وقت سابق، قال كمال خرازي، مستشار السياسة الخارجية للمرشد الإيراني في مقابلة مع شبكة «سي إن إن»، أجريت الثلاثاء، إن «شروط إيران لم تتغير»، موضحاً أن تخصيب اليورانيوم سيستمر، وأن برنامج الصواريخ الباليستية «خارج طاولة المفاوضات». وقال: «الملف النووي فقط قابل للنقاش مع الولايات المتحدة».
وفي تصريح آخر، قال خرازي أن طهران مستعدة لبحث مقترح وساطة من الصين وروسيا بهدف إحياء التعاون بين إيران والوكالة الذرية.






