في رسالة مسجلة بالفيديو، خاطب الرئيس الفلسطيني محمود عباس زعماء العالم المجتمعين في نيويورك في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، داعياً الدول التي لم تعترف بدولة فلسطين لفعل ذلك، ومبدياً استعداده للعمل مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب للشروع في تطبيق «حل الدولتين».
وقال عباس، الذي حرمته الإدارة الأميركية من المشاركة شخصياً في اجتماعات نيويورك، في الكلمة التي ألقاها، الخميس، إن حركة «حماس» لن يكون لها دور في الحكم، ويتوجب عليها وعلى غيرها من الفصائل تسليم سلاحها للسلطة الفلسطينية في إطار عملية التوجّه لبناء مؤسسات الدولة الواحدة.
في الوقت ذاته صرّح مصدر وثيق الاطلاع على التحركات الجارية في أروقة الأمم المتحدة في نيويورك، وكذلك في واشنطن، لـ«الشرق الأوسط»، بأن جهوداً تُبذل لـ«الدمج» بين الخطة الأميركية لوقف الحرب في غزة وخريطة الطريق السعودية - الفرنسية لإقامة الدولة الفلسطينية وإحلال السلام في الشرق الأوسط.
وجاءت كلمة عباس غداة تأكيد المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف أن ترمب عرض على دول عربية وإسلامية خطة جديدة ترمي إلى وضع حد للحرب في غزة. وأكد من نيويورك أن الولايات المتحدة عرضت «خطة جديدة للسلام في الشرق الأوسط وغزة مؤلفة من 21 نقطة»، خلال اجتماع جمعه مع زعماء ومسؤولين بهذه الدول، الثلاثاء الماضي، في نيويورك.

وقال ويتكوف: «لدينا أمل، ويمكنني القول إننا واثقون بأننا سنتمكن في الأيام المقبلة من إعلان اختراقٍ ما»، موضحاً أن الخطة «تعالج هواجس إسرائيل، وكذلك هواجس كل الجيران في المنطقة».
وأكد مسؤول في البيت الأبيض أن ترمب يريد «وضع حد سريع» للحرب في غزة، مشيراً إلى أن الدول المشاركة في الاجتماع «أملت العمل مع المبعوث الخاص ويتكوف لدراسة خطة الرئيس».
كذلك توقع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن تتضمن الخطة، التي لم يذكر ويتكوف تفاصيلها، عناصر عرضها على الرئيس الأميركي، وعبّر عن اعتقاده بأنه إذا أمكن توحيد الصفوف بين الولايات المتحدة والعرب والأوروبيين حول خطة السلام هذه «فيمكننا تحقيق نتيجة».
ونقل عن ترمب معارضته ضمّ إسرائيل للضفة الغربية، وهو ما يلوّح به وزراء إسرائيليون لنسف آفاق قيام دولة فلسطينية. وأضاف: «قال لي الرئيس ترمب إن موقف الأوروبيين والأميركيين هو نفسه».
كلمة عباس
كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد تبنت في 19 سبتمبر (أيلول) الجاري قراراً بغالبية 145 من الدول الأعضاء الـ193 يسمح للرئيس عباس باستخدام الوسائل التقنية لمخاطبة الاجتماع السنوي في نيويورك، بعدما قررت إدارة ترمب حرمان وفد فلسطين من تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة على خلفية «الجهود الرامية إلى ضمان الاعتراف الأحادي بدولة فلسطينية»، كما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية في حينه.
وقال عباس في رسالته المسجلة: «الأوان آن لأن ينصف المجتمع الدولي الشعب الفلسطيني، لينال حقوقه المشروعة في الخلاص من الاحتلال»، مشيراً لمعاناة الشعب الفلسطيني من جراء استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية.
وأكد أن «ما تقوم به إسرائيل ليس مجرد عدوان، بل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية موثقة»، مطالباً بـ«الوقف الفوري والدائم للحرب في غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية من دون شروط من خلال منظمات الأمم المتحدة بما فيها وكالة (الأونروا)، ووقف استخدام التجويع كسلاح، والإفراج عن جميع الرهائن والأسرى من الجانبين، والانسحاب الكامل للاحتلال من قطاع غزة، وضمان بقاء سكان قطاع غزة في أرضهم من دون تهجير، وتنفيذ خطة التعافي وإعادة الإعمار في كل من غزة والضفة».
وشدد عباس على أن دولة فلسطين ستتولى «مسؤولياتها كاملة، بدءاً باللجنة الإدارية لقطاع غزة» بـ«دعم عربي ودولي لحماية المدنيين في غزة، ودعم القوات الفلسطينية تحت مظلة الأمم المتحدة».
وأكد أن القطاع «جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين، ومستعدون لتحمل كامل المسؤولية عن الحكم والأمن فيه، ولن يكون لـ(حماس) دور في الحكم، حيث يتوجب عليها وغيرها من الفصائل تسليم سلاحها للسلطة الوطنية الفلسطينية في إطار عملية التوجّه لبناء مؤسسات الدولة الواحدة، والقانون الواحد، وقوات الأمن الشرعية الواحدة»، مجدداً التأكيد: «لا نريد دولة مسلحة».
وتسعى دول عربية وغربية إلى أن يكون للسلطة الفلسطينية دور في إدارة غزة عقب الحرب التي تسببت في دمار هائل في القطاع، وأزمة إنسانية كارثية بلغت حد المجاعة بحسب ما أعلنت الأمم المتحدة في أغسطس (آب) الماضي.
ودعا الرئيس الفلسطيني إلى «رفض مخططات التهجير، وضرورة وقف الاستيطان وإرهاب المستوطنين، وسرقة الأرض والممتلكات الفلسطينية تحت مسميات الضم، ووقف الاعتداءات على الوضع التاريخي والقانوني في الأماكن المقدسة، والتي تشكل جميعها أعمالاً أحادية تقوّض (حل الدولتين) في غزة والضفة والقدس».
وطالب بـ«رفع الحواجز والحصار الاقتصادي عن المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، ودعم الجهود الوطنية في الإصلاح، وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية خلال عام بعد انتهاء الحرب»، مشيراً إلى أن السلطة الفلسطينية «بدأت إجراءات عملية بتكليف لجنة صياغة الدستور المؤقت التي تنهي أعمالها خلال ثلاثة أشهر، للانتقال من السلطة للدولة».

كما أكد «الاستعداد للعمل» مع الرئيس الأميركي، وقادة المملكة العربية السعودية وفرنسا والأمم المتحدة وجميع الشركاء، داعياً الدول التي لم تعترف بدولة فلسطين إلى أن تقوم بذلك، مطالباً بـ«دعم حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة».
نتنياهو يلقي خطابه الجمعة
ومن المقرر أن يخاطب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الجمعية العامة للأمم المتحدة الجمعة، على أن يتوجه لاحقاً إلى واشنطن للاجتماع مع ترمب.
وقبيل مغادرته مطار بن غوريون قال: «في الجمعية العامة سأتحدث عن حقيقتنا - حقيقة مواطني إسرائيل، حقيقة جنودنا»، مضيفاً: «سأدين هؤلاء القادة الذين عوضاً عن إدانة المجرمين... يريدون منحهم دولة في قلب إسرائيل. هذا لن يحصل».
وتواجه إسرائيل ضغوطاً دولية لوقف الحرب التي بدأت عقب هجوم «حماس» على مستوطنات وبلدات إسرائيلية محيطة بالقطاع في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
رسالة مشرّعين ديمقراطيين
في غضون ذلك، وجّه عشرات الديمقراطيين في مجلس النواب الأميركي رسالة إلى ترمب ووزير خارجيته ماركو روبيو، يحضّون فيها الإدارة على الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وحملت الرسالة، التي قادها النائب الديمقراطي رو خانا، 46 توقيعاً، وجاء فيها: «نشجع حكومات الدول الأخرى التي لم تعترف بعد بالدولة الفلسطينية، بما في ذلك الولايات المتحدة، على أن تفعل ذلك أيضاً». وانضم إلى خانا نواب بينهم غريغ كاسار، وبراميلا جايابال، وماكسويل فروست.
وتدعو الرسالة إلى اعتماد الإطار نفسه الذي وضعه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في وقت سابق من هذا العام لـ«ضمان أمن إسرائيل»، بما يشمل «نزع سلاح (حماس) وتسليمها السلطة في غزة»، بالإضافة إلى العمل مع الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية والحلفاء العرب وإسرائيل لضمان تحقيق ذلك.






