جنود إسرائيليون وأمهاتهم يرفضون بشكل متزايد العودة إلى غزة

من اليسار: نوريت فيلسنتال-برغر، بات إيل، يفعات غادوت، باولا كوش، أمهات جنود قاتلوا في غزة، يقفن لالتقاط صورة أمام منزل في تل شاهار، وسط إسرائيل، 23 أغسطس 2025 (أ.ب)
من اليسار: نوريت فيلسنتال-برغر، بات إيل، يفعات غادوت، باولا كوش، أمهات جنود قاتلوا في غزة، يقفن لالتقاط صورة أمام منزل في تل شاهار، وسط إسرائيل، 23 أغسطس 2025 (أ.ب)
TT

جنود إسرائيليون وأمهاتهم يرفضون بشكل متزايد العودة إلى غزة

من اليسار: نوريت فيلسنتال-برغر، بات إيل، يفعات غادوت، باولا كوش، أمهات جنود قاتلوا في غزة، يقفن لالتقاط صورة أمام منزل في تل شاهار، وسط إسرائيل، 23 أغسطس 2025 (أ.ب)
من اليسار: نوريت فيلسنتال-برغر، بات إيل، يفعات غادوت، باولا كوش، أمهات جنود قاتلوا في غزة، يقفن لالتقاط صورة أمام منزل في تل شاهار، وسط إسرائيل، 23 أغسطس 2025 (أ.ب)

مع استدعاء إسرائيل عشرات الآلاف من جنود الاحتياط للمشاركة في اجتياح مدينة غزة، يزداد عدد الجنود، ومعهم أمهاتهم، الذين يعلنون رفضهم العودة إلى القطاع الفلسطيني، حسب تقرير لوكالة «أسوشييتد برس».

لا أرقام رسمية عن عدد الجنود الإسرائيليين الرافضين للعودة إلى غزة، لكن مجموعات جديدة بدأت تروّج علناً لمواقفها الرافضة للخدمة، رغم خطر السجن، في ظاهرة غير مسبوقة منذ اندلاع الحرب التي دخلت عامها الثاني، عقب هجوم «حماس»، في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، على جنوب إسرائيل، وإن لم تؤثر بعد بشكل واضح على العمليات العسكرية.

ويظهر هذا التمرُّد وسط احتجاجات جماهيرية واسعة ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، متهمين إياه بإطالة أمد الحرب لدوافع سياسية، بدلاً من إبرام صفقة مع «حماس» تفضي إلى إطلاق سراح 48 رهينة ما زالوا محتجزين، يُعتقد أن 20 منهم فقط على قيد الحياة.

جنود إسرائيليون وأقارب ينعون زميلهم الجندي أميت أرييه ريغيف الذي قُتل قبل يوم في حرب قطاع غزة خلال جنازته في المقبرة العسكرية بموديعين - 9 سبتمبر 2025 (أ.ف.ب)

مخاوف الأمهات

عدد من معارضي الحرب، بينهم مسؤولون أمنيون سابقون، يخشون أن الهجوم الإسرائيلي الجديد على مدينة غزة لن يحقق إنجازاً حقيقياً، بل يعرّض الرهائن للخطر. كما تواجه إسرائيل انتقادات دولية متزايدة بسبب الكارثة الإنسانية والحصار المفروض على القطاع.

إحدى الحركات التي تقودها أمهات الجنود تطالب بوقف إرسال أبنائهن إلى المعارك. تقول نوريت فيلسنثال - بيرغر، عن أصغر أبنائها: «لم أتوقف عن التفكير في كيفية كسر ساقه أو ذراعه حتى لا يُجبر على العودة (إلى غزة)».

أكد الجندي والطبيب الميداني أفشالوم زوهار سال (28 عاماً)، الذي خدم مرات عدة في غزة، أن الجنود منهكون ومحبطون ولا يعرفون بعد الآن من أجل ماذا يقاتلون. وأضاف أن بعض الوحدات عادت إلى المناطق نفسها التي قاتلت فيها سابقاً؛ ما جعلهم أكثر عرضة لهجمات «حماس»، رغم ضعفها.

أقارب وأنصار الجندي الإسرائيلي دانيال ياهلوم الذي سُجن لرفضه القتال في غزة يطالبون بإنهاء الحرب خارج قاعدة بيت ليد العسكرية في وسط إسرائيل - 16 مايو 2025 (أ.ب)

مجموعات رفض متنامية

تقول مجموعة «جنود من أجل الرهائن» إنها تمثل أكثر من 360 جندياً يرفضون الخدمة. ورغم أن عدد الممتنعين لا يزال محدوداً مقارنة ببداية الحرب، حين اندفع الاحتياط للالتحاق بالجبهات، فإن رفض الخدمة يُعد جريمة يُعاقَب عليها بالسجن، وقد سُجن بعضهم بالفعل لأسابيع.

جنود إسرائيليون يعملون على دبابتهم وهي تقف بالقرب من الحدود مع غزة... إسرائيل 11 سبتمبر 2025 (رويترز)

وقال ماكس كريش، أحد أفراد المجموعة، في مؤتمر صحافي: «حرب نتنياهو العدوانية تعرّض رهائننا للخطر وتدمّر المجتمع الإسرائيلي، بينما تقتل وتجرح وتجوّع سكان غزة المدنيين بأكملهم».

وفي موازاة ذلك، تقول حركة «أنقذوا أرواحنا» إنها تضم نحو ألف أم لجنود. ويرى مراقبون أن حركة مشابهة ساهمت في إنهاء احتلال إسرائيل لجنوب لبنان عام 2000.

ماكس كريش مسعف احتياطي في الجيش الإسرائيلي انضم إلى عدد متزايد من الجنود الإسرائيليين الذين ينتقدون الصراع في غزة ويرفضون مواصلة القتال يقف لالتقاط صورة في القدس في 9 يناير 2025 (أ.ب)

خدمة الجيش «خط أحمر»

رغم تنامي الغضب، لا يزال الجيش يُنظر إليه في إسرائيل باعتباره «مقدساً»؛ فقد استدعت الحكومة مؤخراً 60 ألفاً من الاحتياط، في بلد يقل عدد سكانه عن 10 ملايين؛ حيث الخدمة الإلزامية مفروضة على معظم الرجال اليهود.

إخفاق الحكومة في فرض الخدمة على المتدينين المتشددين زاد من النقمة الشعبية، لا سيما أن المتدينين يتمتعون بإعفاءات تفاوض عليها قادتهم السياسيون المتحالفون مع نتنياهو.

رجال يهود متشددون يقطعون طريقاً خلال احتجاج على التجنيد الإجباري لليهود الحريديم في بني براك بإسرائيل - 11 سبتمبر 2025 (إ.ب.أ)

وأفاد «معهد الديمقراطية» الإسرائيلي، في استطلاع نهاية أغسطس (آب)، بأن نحو ثلثي الإسرائيليين، بينهم 60 في المائة من اليهود، يؤيدون صفقة شاملة تشمل إطلاق جميع الرهائن ووقف القتال وانسحاب القوات من غزة. لكن نتنياهو يرفض متمسكاً بأن الحرب ستنتهي فقط مع إعادة كل الرهائن ونزع سلاح «حماس»، مع بقاء السيطرة الأمنية الإسرائيلية على قطاع غزة.

ويحذّر محللون، مثل مائيراف زونسزاين، من «مجموعة الأزمات الدولية»، من أن دفع الجنود لمواصلة القتال في بلد منقسم قد يترك أثراً عميقاً على قدرات إسرائيل مستقبلاً.


مقالات ذات صلة

ميليشيات لكتم الأفواه تعمل في إسرائيل

شؤون إقليمية النائب العربي في الكنيست أيمن عودة خلال مظاهرة في تل أبيب نوفمبر 2023 ضد الحرب في غزة (أ.ف.ب)

ميليشيات لكتم الأفواه تعمل في إسرائيل

بعد تكرار حوادث الاعتداءات على القادة السياسيين العرب ونشطاء سياسيين يهود من المعارضة وصحافيين ناقدين، بات واضحاً أن هناك ميليشيات لكتم الأفواه.

نظير مجلي (تل أبيب)
أوروبا الحكومة الألمانية ستلغي أمراً يعلق بعض مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل اعتباراً من الأسبوع المقبل (د.ب.أ)

بعد وقف النار بغزة... ألمانيا لاستئناف تصدير أسلحة إلى إسرائيل

الحكومة الألمانية ستلغي أمراً يعلق بعض مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل اعتباراً من الأسبوع المقبل، بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي تم التوصل إليه الشهر الماضي.

«الشرق الأوسط» (برلين)
المشرق العربي خيام يستخدمها النازحون الفلسطينيون في وسط قطاع غزة الذي يواجه أجواء ممطرة (رويترز)

«قوة غزة» أمام اختبار مجلس الأمن اليوم

يصوت مجلس الأمن، اليوم، على مشروع قرار قدمته الولايات المتحدة بدعم دولي وإسلامي وعربي، لتبني خريطة الطريق التي طرحها الرئيس دونالد ترمب حول غزة، والتي من أبرز.

علي بردى (واشنطن) نظير مجلي (تل أبيب)
شؤون إقليمية نتنياهو يزور مرتفعات جبل الشيخ السورية بعد سقوط نظام الأسد (أ.ف.ب)

«اليمين العقائدي» يطالب نتنياهو بسياسة واضحة تجاه سوريا «قبل فوات الأوان»

في أعقاب تكرار وزير الدفاع الإسرائيلي، الأحد، بأن إسرائيل ستبقى إلى الأبد في مواقعها على قمم جبل الشيخ، طالب «اليمين العقائدي» بتحديد سياسة واضحة إزاء سوريا.

«الشرق الأوسط» (تل ابيب)
المشرق العربي الجدار الذي تقوم إسرائيل ببنائه عند الحدود مع لبنان (أ.ف.ب)

تل أبيب تضغط على بيروت بـ«الجدار» وتعتدي على «اليونيفيل»

تتوسّع إسرائيل في انتهاكاتها اليومية جنوب لبنان حيث تواصل منذ أيام «أعمال بناء إضافية لجدار» بالمنطقة.

كارولين عاكوم (بيروت)

إسرائيل تُخلي بؤرة استيطانية وسط عنف في الضفة

جنود أميركيون وإسرائيليون يجتمعون أمس في مركز التنسيق المدني العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة في جنوب إسرائيل (رويترز)
جنود أميركيون وإسرائيليون يجتمعون أمس في مركز التنسيق المدني العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة في جنوب إسرائيل (رويترز)
TT

إسرائيل تُخلي بؤرة استيطانية وسط عنف في الضفة

جنود أميركيون وإسرائيليون يجتمعون أمس في مركز التنسيق المدني العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة في جنوب إسرائيل (رويترز)
جنود أميركيون وإسرائيليون يجتمعون أمس في مركز التنسيق المدني العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة في جنوب إسرائيل (رويترز)

أخلت قوات الأمن الإسرائيلية، أمس، نقطةً استيطانيةً عشوائيةً ضمن مجمع «غوش عتصيون» الاستيطاني الضخم بين بيت لحم والخليل، جنوب الضفة الغربية، وسط أعمال عنف واشتباكات بين المستوطنين وقوات الأمن.

وفككت عناصر أمنية إسرائيلية بؤرة «جفعات تسور مسغافي» غير المرخصة التي كان يعيش فيها نحو 25 عائلة يهودية منذ أكثر من سنة، وفق أمر من الجيش، الأمر الذي فجّر مواجهات عنيفة بين المستوطنين وقوات الأمن.

وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية إن جنديين من شرطة الحدود أصيبا أثناء المواجهات، أحدهما بحجر في عينه، والثاني بكسور في فمه، فيما ألقي القبض على أربعة أشخاص خلال الإخلاء.

ووصل عشرات المستوطنين المتطرفين من مجموعة «شبان التلال» إلى المنطقة بعد نداءات متنوعة من ناشطي اليمين وشخصيات بارزة لمنع تفكيك البؤرة. وعقب الإخلاء، سُجلت هجمات نفذها مستوطنون في تلال الخليل الجنوبية ومنطقة وادي سعير شمال الخليل، تضمنت إضرام النار في مركبة، وأعمال شغب.

وشهدت الأسابيع الأخيرة تصاعداً في هجمات مستوطنين إسرائيليين، استهدفت فلسطينيين وناشطين إسرائيليين وأجانب، وأحياناً جنوداً إسرائيليين، ما جلب انتقادات محلية وأميركية.


ميليشيات لكتم الأفواه تعمل في إسرائيل

النائب العربي في الكنيست أيمن عودة خلال مظاهرة في تل أبيب نوفمبر 2023 ضد الحرب في غزة (أ.ف.ب)
النائب العربي في الكنيست أيمن عودة خلال مظاهرة في تل أبيب نوفمبر 2023 ضد الحرب في غزة (أ.ف.ب)
TT

ميليشيات لكتم الأفواه تعمل في إسرائيل

النائب العربي في الكنيست أيمن عودة خلال مظاهرة في تل أبيب نوفمبر 2023 ضد الحرب في غزة (أ.ف.ب)
النائب العربي في الكنيست أيمن عودة خلال مظاهرة في تل أبيب نوفمبر 2023 ضد الحرب في غزة (أ.ف.ب)

بعد تكرار حوادث الاعتداءات على القادة السياسيين العرب ونشطاء سياسيين يهود من المعارضة وصحافيين ناقدين، بات واضحاً أن هناك ميليشيات لكتم الأفواه تعمل في إسرائيل بنشاط ومثابرة، بما يهدد حياة هؤلاء النشطاء بشكل حقيقي، مما جعل قسماً كبيراً منهم تحت الحراسة المشددة.

وقد بدأت هذه الميليشيا عملها ضد النواب العرب في الكنيست (البرلمان). وحاولت في الأسبوعين الماضيين تنفيذ اعتداء دموي على النائب أيمن عودة، رئيس قائمة الجبهة والعربية للتغيير.

وهاجمت لقاء دُعي إليه عودة مع نشطاء سياسيين يساريين في بلدة برديس حنة، ولقاء آخر في مدينة نس تسيونة، وتم تحطيم زجاج سيارته وإلقاء الحجارة باتجاهه، وتبين أن الشرطة كانت على علم بالنية في الاعتداء في المرتين وأخبرته بذلك وحذرته من الوصول إلى هذين اللقاءين، لكنه أصر على الحضور قائلاً: «نحن لا نرضخ أمام الفاشيين الإرهابيين. ولن نُلغي اللقاءات مع الجمهور تحت أي ظرف كان، ونعلم أن هدفهم منع أي لقاء بين يهود وعرب».

النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي أيمن عودة يتحدث أمام فعالية «قمة السلام الشعبية» في القدس 9 مايو الماضي (أ.ف.ب)

وتعرض نائب آخر من الكتلة نفسها، عوفر كسيف، لاعتداء شبيه في القدس بمشاركة بعض أفراد الشرطة.

كما واجه نائبان يهوديان من حزب شاس لليهود المتدينين الشرقيين اعتداءً دموياً أسفر عن إصابتهما بجراح، وذلك من عناصر يهودية دينية متزمتة أرادت الانتقام منهما لأنهما وافقا على إدارة مفاوضات مع الحكومة لسن قانون يبيح إعفاء الشباب المتدينين من الخدمة العسكرية جزئياً

حراسة مشددة

ونتيجة للتهديدات بالقتل التي تعرض لها صحافيون ناقدون، هم غاي بيلج ودانا فايس ويونيت ليفي ورينا متسلياح، تم وضع حراسة مشددة عليهم وكذلك على أبواب استوديوهات «القناة 12» للتلفزيون، التي يعملون فيها.

وتم إلغاء محاضرة للصحافي بيلج في حيفا كما أُلغيت محاضرة لإحدى قادة المظاهرات التي تقام في كل يوم سبت ضد سياسة الحكومة، المحاضرة الجامعية شيكما ترسلر في طبعون.

وقد اعتبرت «جمعية طهارة الحكم» هذه الأحداث نتيجة طبيعية للهجمة التي تديرها الحكومة ووزراؤها ضد كل من يعترض على سياستها وينتقد قراراتها وممارساتها.

وطالب مركز عدالة القانوني سلطات إنفاذ القانون في إسرائيل بفتح تحقيق شامل وفعّال في أحداث العنف هذه؛ إذ إنها باتت أعمال إرهاب واضحة وفق قانون مكافحة الإرهاب، وقدم للشرطة عشرات الفيديوهات والشهادات التي قال إنها تكشف هوية المعتدين والمحرضين.

وقالت إيفا إيلوز، الباحثة الفرنسية - الإسرائيلية في الاجتماعيات ومديرة بحوث في مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية بباريس، إن ما يجري يدل على نمو هائل لبذور الفاشية اليهودية في إسرائيل، وأكدت أن هؤلاء الفاشيين هم «الشركاء الطبيعيون» لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وحزبه وحلفائه.

صبي إسرائيلي يحمل لعبة على هيئة بندقية في مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة في مارس 2024 (أ.ف.ب)

وأضافت، في مقابلة مع صحيفة «هآرتس»: «منذ عقدين ونتنياهو لا يكف عن التحريض على الكراهية بين اليهود والعرب، أو عن الطعن في مشروعية السلطة القضائية، وهو يرسي الهوية الوطنية على الدين».

وتذهب إيلوز إلى أن الإرهاب اليهودي كان ظاهرة هامشية في إسرائيل قبل عام 1980، ومنذ ذلك العقد، دبرت مجموعات يهودية، على شاكلة «همحتيرت هيهوديت»، و«كاخ»، و«تيرور نيجيد تيرور»، و«بت عايين» و«ليهافا»، هجمات إرهابية أحبطت الشرطة معظمها. وبعض هذه المجموعات كان يدين بقومية مفرطة. وبعض آخر كان يعلن مناهضته للصهيونية (ويريد تقويض دولة إسرائيل واستبدالها بمملكة يهودا).


إيران وروسيا توحدان المواقف بشأن اجتماع «الوكالة الذرية»

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ونظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو يوم 18 أبريل 2025 (أ.ب)
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ونظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو يوم 18 أبريل 2025 (أ.ب)
TT

إيران وروسيا توحدان المواقف بشأن اجتماع «الوكالة الذرية»

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ونظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو يوم 18 أبريل 2025 (أ.ب)
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ونظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو يوم 18 أبريل 2025 (أ.ب)

شدد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، على تجنب الوكالة الدولية للطاقة الذرية التأثر بـ«الضغوط والنفوذ السياسي» للولايات المتحدة والقوى الأوروبية، وذلك قبل يومين من مناقشة ملف طهران النووي، في الاجتماع الفصلي للوكالة التابعة للأمم المتحدة.

وتستعد القوى الغربية لطرح مشروع قرار متحمل، الأربعاء، يدين عدم تعاون طهران مع الوكالة الذرية، بناءً على أحدث تقرير المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي.

ودعت «الوكالة الذرية» إيران للسماح لها بالتحقق «في أقرب وقت ممكن» من مخزوناتها من اليورانيوم خصوصاً عالي التخصيب. وقال مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في بيان لدول الأعضاء، الأسبوع الماضي، إن هناك انقطاعاً لديها في المعلومات «المتعلقة بكميات المواد النووية المعلنة سابقاً في إيران داخل المنشآت المتضررة»، وذلك بعدما علقت طهران في يوليو (تموز) تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية عقب حرب استمرت 12 يوماً في يونيو (حزيران).

وأجرى عراقجي مكالمة هاتفية، مساء الاثنين، مع نظيره الروسي سيرغي لافروف تمحورت حول الملف النووي الإيراني، فضلاً عن العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية والدولية.

وأفادت «الخارجية الإيرانية» في بيان أن الجانبين اتفقا، مع اقتراب اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على تنسيق المواقف بشأن البرنامج النووي الإيراني، مجددين التأكيد على «طبيعته السلمية».

كما جدد وزير الخارجية الإيراني التأكيد على ضرورة أن تلتزم «الوكالة الذرية» بصلاحياتها الفنية «بعيداً عن التسييس، وألا تتأثر بالضغوط أو النفوذ السياسي الأميركي وبعض الأعضاء الأوروبيين»، في إشارة إلى ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.

بدورها، ذكرت «الخارجية الروسية» في بيان أن مكالمة لافروف ونظيره الإيراني تطرقت إلى التطورات الإقليمية، لا سيما مسار التسوية في الشرق الأوسط، وفقاً لبيان «الخارجية الروسية».

وذكرت الوزارة في بيان نُشر على موقعها أن الجانبين «قاما بمواءمة المواقف» بشأن ملف البرنامج النووي الإيراني، وذلك قبيل انعقاد دورة مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفقاً لوكالة «ريا نووستي» الروسية.

وفيما يتعلق بالتسوية بين إسرائيل وحركة «حماس»، أكدت «الخارجية الروسية» أن الوزيرين شدداً على أهمية تحقيق سلام مستدام يستند إلى إطار قانوني دولي معترف به، وعلى ضرورة أخذ القرارات المتعلقة بإنشاء الدولة الفلسطينية في الحسبان بشكل كامل ضمن عمل مجلس الأمن الدولي.

وذكر البيان الرسمي الإيراني أن لافروف رحّب بتشكيل إطار إقليمي للتشاور والتعاون، معلناً استعداد موسكو لمواصلة التنسيق مع طهران. وأشار عراقجي إلى المبادرات والمشاورات الدبلوماسية التي تجريها إيران مع دول المنطقة للحفاظ على السلام والاستقرار، مؤكداً أهمية تعزيز هذا المسار بمشاركة جميع الأطراف المعنية.

وجاء الاتصال بين الوزيرين بعد يومين من مكالمة هاتفية جرت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وأفاد الكرملين، السبت، بأن بوتين ونتنياهو ناقشا الوضع في الشرق الأوسط، بما في ذلك البرنامج النووي الإيراني والتطورات في قطاع غزة وسوريا.

ملصق لمنشأة فوردو لتخصيب الوقود يُعرض عقب مؤتمر صحافي لوزير الدفاع الأميركي في واشنطن 26 يونيو 2025 (أ.ف.ب)

وكشفت روسيا، الشهر الماضي، عن قيامها بنقل رسائل بين كبار المسؤولين الإسرائيليين والإيرانيين، بهدف خفض التوتر بين البلدين. وجاء الإعلان على لسان بوتين نفسه، خلال قمة «روسيا وآسيا الوسطى» التي أقيمت في طاجيكستان، قائلاً إن إسرائيل أبلغت موسكو بعدم رغبتها في الدخول في مواجهة مع إيران، مشدداً على ضرورة حل ملف طهران النووي عبر الدبلوماسية.

وأشار بوتين أن بلاده تتلقى إشارات من القيادة الإسرائيلية تطلب نقلها إلى طهران، وتؤكد تمسك تل أبيب بخيار التسوية، ورفضها لأي شكل من أشكال التصعيد أو المواجهة، حسبما أوردت وكالة «تاس» الروسية.

وفي وقت لاحق، أكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي تلقي طهران رسالة من روسيا تفيد بأن إسرائيل لا تسعى إلى مواجهة جديدة مع طهران. وقال عراقجي: «قبل 3 أو 4 أيام على ما أعتقد، جرى اتصال هاتفي بين (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو و(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين». وأضاف: «قال نتنياهو إنه لا نية لديه لاستئناف الحرب مع إيران»، مشيراً إلى أن هذه الرسالة نُقلت في إحاطة مقدّمة للسفير الإيراني لدى روسيا.

وتتمتع موسكو بعلاقات وثيقة مع طهران، ونددت بالضربات الأميركية والإسرائيلية على المواقع النووية الإيرانية في وقت سابق من هذا العام، والتي كان هدفها المعلن هو منع طهران من امتلاك قنبلة نووية، وتنفي إيران تصنيع سلاح نووي.

وقال عراقجي، الأحد، إنه ليس لدى بلاده أي منشأة غير معلنة لتخصيب اليورانيوم، وإن كل منشآتها تخضع لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة. جاء تأكيد عراقجي بعد أن ذكرت وسائل إعلام أميركية، بينها صحيفتا «واشنطن بوست ونيويورك تايمز»، أن إيران سرّعت وتيرة البناء في موقع نووي سري تحت الأرض يسمى «جبل الفأس» أو «كوه كولانغ»، بالقرب من منشأة نطنز.

وقال عراقجي خلال منتدى في طهران: «ليست هناك منشأة تخصيب نووي غير معلنة في إيران. كل منشآتنا تخضع لحماية الوكالة ومراقبتها». وأضاف: «لا تخصيب» في الوقت الراهن؛ لأن المواقع المعنية تضررت في الحرب التي استمرت 12 يوماً مع إسرائيل. واندلعت الحرب في منتصف يونيو إثر غارات إسرائيلية مفاجئة استهدفت خصوصاً منشآت نووية إيرانية، وتخللتها ضربات أميركية ضد أهداف داخل إيران، ردّت عليها طهران بإطلاق صواريخ ومسيرات على إسرائيل. وأدت الحرب إلى توقف محادثات نووية بين طهران وواشنطن بدأت في أبريل (نيسان). وخلال تلك المحادثات، اختلف الجانبان حول حق إيران في تخصيب اليورانيوم، الذي شدد عراقجي، الأحد، على أنه «لا يمكن إنكاره» و«غير قابل للتصرف». ورغم أن «الخارجية الإيرانية» تصر على أن منشآتها النووية تضررت بشدة جراء الهجمات، وأن مواد مخصبة لا تزال تحت الأنقاض، لكن المرشد الإيراني علي خامنئي وصف تأكيدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتدمير المنشآت النووية الإيرانية بـ«الوهم». وقال: «يقول الرئيس الأميركي بفخر إنهم قصفوا القطاع النووي الإيراني ودمّروه. حسناً، استمروا في أحلامكم!». وتأتي تصريحات عراقجي قبيل اجتماع مجلس لمحافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من المقرر عقده، الأسبوع المقبل.

مراجعة جذرية

خلال منتدى الأحد في طهران، حذّر مسؤولون إيرانيون الهيئة الأممية من اعتماد قرار مناهض لإيران.

ودعا رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأحد، إلى «تحديد موقفها ومسؤوليتها في سياق أي هجوم عسكري وإلحاق أضرار بالمنشآت، حتى نتمكن من إجراء مفاوضات على هذا الأساس». وأضاف أن ظروف إيران بعد الحرب «تغيرت» وأن التهديد «لا يزال قائماً».

وقال نائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي «في حال صدور قرار، ستنظر إيران في مراجعة علاقاتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وستجري مراجعة جذرية»، حسبما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن الإعلام الرسمي. عقب الحرب، علّقت طهران تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومنعت مفتشيها من الوصول إلى المواقع المتضررة، بعد أن اتهمتها بالتحيز وعدم إدانة الهجمات.

ولاحقاً، قال غريب آبادي إن تأكيده على «مراجعة جذرية» لا يعني «تفاهم القاهرة» مشدداً على أن الاتفاق «لم يعد قائماً».

وقال لوكالة «إيسنا» الحكومية: «عندما أتحدث عن مراجعة التوجهات، لا أعني تفاهم القاهرة؛ فهذا التفاهم قد انتهى. نحن لا نقوم بأي عمل مع الوكالة في إطار تفاهم القاهرة، لكن التغييرات ستظهر في مجالات أخرى. فعندما يرسل الأطراف المقابلون رسالة مفادها أن تعاون إيران مع الوكالة لا يهمهم، فإن إيران تكون مضطرة أيضاً إلى إعادة النظر في سياساتها».

وتابع: «نحن على تواصل مع الوكالة. وبعد إعادة العقوبات الأممية (سناب باك)، تقرر أن تُدرس طلبات الوكالة في المجلس الأعلى للأمن القومي. لم يعد الأمر كما كان من قبل حيث تُقبل كل طلبات الوكالة. القضية ليست اتفاق القاهرة. السؤال الأساسي هو: إيران قدمت تعاوناً واسعاً مع الوكالة، ولدينا تفاهم القاهرة الذي أُبرم بعد الهجوم، ومنحنا بموجبه وصولاً إلى المنشآت غير المتضررة. فما موقع هذا التعاون سياسياً؟ وهل رحب الغرب به؟ الإجابة: لا. وهذا واضح أنهم لا يبحثون عن تعاون إيران مع الوكالة».

وأضاف: «لقد وضعوا أهدافاً سياسية، ويسعون إلى الضغط. تعاون إيران مع الوكالة أو صياغة مداليتي جديدة أو تنفيذ إجراءات الضمانات لا يهمهم. ومن ثم، فمن الطبيعي أن تعيد الجمهورية الإسلامية النظر في توجهاتها بعد صدور القرار».

وأشار غريب‌ آبادي إلى أنّ «هناك احتمالاً لصدور قرار؛ لأن تركيبة المجالس تمنح الغربيين أغلبية»، لكنه طرح سؤالاً: «أيّ مشكلة سيحل مثل هذا القرار؟ إيران كانت دائماً متفاعلة مع الوكالة. إصدار قرار سيزيد المشكلات، ويعقد الأوضاع. في الحقيقة، هذه الدول هي التي تجب مساءلتها، لا أن تمارس مزيداً من الضغط على إيران».

وفي سبتمبر (أيلول)، اتفقت إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية في القاهرة على إطار عمل جديد للتعاون، لكن بعد أسابيع، اعتبرته طهران باطلاً بعد أن فعّلت بريطانيا وفرنسا وألمانيا إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة التي رُفعت بموجب الاتفاق النووي لعام 2015. وانتهت مفاعيل هذا الاتفاق رسمياً في أكتوبر (تشرين الأول)، لكنه أُلغي فعلياً قبل سنوات بعد انسحاب واشنطن منه خلال الولاية الأولى للرئيس دونالد ترمب. وتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران في 24 يونيو، لكن كلاً من إسرائيل والولايات المتحدة هدد بشن ضربات جديدة إذا أعادت طهران إحياء برنامجها النووي.