حرب إسرائيل وإيران ترسم ديناميكيّات جديدة في الشرق الأوسط

القاذفة الشبح «بي 2 سبيريت» التابعة لسلاح الجو الأميركي تعود من عملية «مطرقة منتصف الليل»... وهي الهجوم الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية... إلى قاعدة «وايتمان» الجوية في ميزوري (رويترز)
القاذفة الشبح «بي 2 سبيريت» التابعة لسلاح الجو الأميركي تعود من عملية «مطرقة منتصف الليل»... وهي الهجوم الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية... إلى قاعدة «وايتمان» الجوية في ميزوري (رويترز)
TT

حرب إسرائيل وإيران ترسم ديناميكيّات جديدة في الشرق الأوسط

القاذفة الشبح «بي 2 سبيريت» التابعة لسلاح الجو الأميركي تعود من عملية «مطرقة منتصف الليل»... وهي الهجوم الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية... إلى قاعدة «وايتمان» الجوية في ميزوري (رويترز)
القاذفة الشبح «بي 2 سبيريت» التابعة لسلاح الجو الأميركي تعود من عملية «مطرقة منتصف الليل»... وهي الهجوم الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية... إلى قاعدة «وايتمان» الجوية في ميزوري (رويترز)

تحوّلت الحرب التي كانت مُتخيّلة بين إسرائيل وإيران واقعاً ملموساً. خلقت الشيطنة المتبادلة أجيالاً تكره أجيالاً أخرى. إسرائيل هي «الشيطان الأصغر»، ومدعومة من «الشيطان الأكبر... العم سام». إيران هي التهديد الوجودي للدولة العبريّة. رُسمت الاستراتيجيات، وحُضّرت الوسائل، ومُهّدت الطريق للصدام الأكبر، لتتحقّق النبوءة.

وقد يمكن مقارنة مسار هذه الحرب بما كتبته بربارا توخمان في كتابها «مدافع أغسطس»، بشأن فشل الدبلوماسية في الحرب العالمية الأولى، كما الحسابات العسكرية الخاطئة. تَمثّل فشل الدبلوماسية في غياب قنوات التواصل بين القوى الكبرى المتنازعة، كما تمثّل الفشل العسكري في الاعتقاد الذي كان سائداً في ذلك الوقت لدى القيادات العسكرية، بأن الحرب ستكون قصيرة وسريعة وخاطفة. لكن الأكيد، ووفق توخمان، أنّ هذه الحرب ضربت نظاماً أوروبيّاً قديماً، لتفتح الباب لنظام جديد. قبل الحرب شيء؛ وما بعد الحرب مرحلة مختلفة كليّاً.

في الحرب بين إسرائيل وإيران، تَظهّر كثير من المعادلات الجديدة، كما سقطت غالبية المعادلات القديمة. في هذه الحرب، شكّل الداخلُ الإسرائيليّ والداخلُ الإيرانيّ مسرحَيَّ الحرب الأساسيّين. نصح بن ديفيد بن غوريون بالقتال على أرض العدو، وها هو الداخل الإسرائيليّ يعاني بشكل لم يعهده منذ تأسيس الكيان. خطّط المرشد الإيراني علي خامنئي لاستراتيجيّة «الدفاع المُتقدّم»، ليكون القتال بعيداً عن الداخل الإيرانيّ، وبالواسطة. ضُرب الوكلاء، ودُمّر الداخل الإيراني، كما استُهدفت جوهرة التاج النووي الإيرانيّ؛ «فوردو». هذا عدا اغتيال القيادات العسكريّة والعلميّة من الصف الأوّل.

في التسعينات، ورثت أوكرانيا عن الاتحاد السوفياتي نحو 1900 رأس نوويّ استراتيجي، و2500 رأس نوويّ تكتيكي، وكانت ثالثة الدول في التصنيف العالميّ. سلّمت أوكرانيا هذه الترسانة إلى روسيا عام 1994. في عام 2022، غزا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوكرانيا. في عام 2003، فكّك العقيد معمّر القذافي المشروع النووي الليبي، وذلك بضغط غربيّ، خصوصاً بضغط أميركيّ. في عام 2011، سقط نظام القذافي تحت تأثير هجوم «الناتو» على ليبيا، وقُتل القائد على قارعة الطريق.

خلال 12 يوماً من الحرب بين إيران وإسرائيل، تدخّلت الولايات المتحدة لضرب مركز ثقل المشروع النووي الإيراني (فوردو - نطنز - أصفهان). بعد ذلك، دعا الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، إلى وقفٍ لإطلاق النار. وبذلك، يكون الرئيس ترمب هو الخصم والحكم في المسألة الإيرانية. وبهذا، استعاد ترمب المصداقية الأميركية لدى الحلفاء، خصوصاً في المنطقة.

فهل يمكن القول إن توفّر السلاح النووي لدى الدول يرفع من مستوى الردع لديها؟ وهل يمكن القول إن السلاح النووي ورقة الدول الكبرى، خصوصاً الحليفة لأميركا، لضمان أمنها القومي، تحديداً بعد التحوّل في المواقف الأميركية من الأمن الأوروبي عموماً؟

القَطبَة المخفية في وقف النار الأخير

هناك مؤشرات عدّة تدلّ على المسار الذي أدّى إلى وقف النار. فما هذه المؤشرات؟

نشرت جريدة «واشنطن بوست»، وقبيل الضربة الأميركية على مفاعل «فوردو»، صورة جوية لـ16 شاحنة متوقفة قرب المفاعل. فما كانت مهمة هذه الشاحنات؟ ولماذا لم تُدمَّر، خصوصاً أن المفاعل يخضع لمراقبة مستدامة؟ فهل سُمح بنقل الـ409 كيلوغرامات من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60 في المائة إلى مكان آمن؟ ولماذا 16 شاحنة لنقل 409 كيلوغرامات من اليورانيوم المخصّب؟ هل هذا العدد مخصّص لنقل الطرود المركزية من «فوردو»؟

بعد الضربة الأميركية، قال جي دي فانس، نائب الرئيس الأميركي، خلال مقابلة تلفزيونية، إن مقياس النصر بالنسبة إلى أميركا هو بضرب إمكانات إيران في مجال تخصيب اليورانيوم.

فما نفعُ امتلاك يورانيوم مخصّب بنسبة عالية إذا لم تكن هناك قدرة على تخصيبه إلى مستوى أعلى، أي إلى 90 في المائة؟ كان مفاعل «فوردو» يحتوي 6 آلاف طارد مركزي من الجيل السادس، هذا عدا المفاعلات الأخرى التي استهدفتها الغارات الأميركية. ووفق فانس، فإن إيران غير قادرة حالياً على تخصيب اليورانيوم بنسبة 90 في المائة، أي إلى المستوى اللازم لتصنيع قنبلة نووية حقيقية.

وقد تدخل هنا استراتيجيّة إسرائيل في اغتيال العلماء (Know How). لكن الحصول على يورانيوم مُخصّب بنسبة 90 في المائة، لا يعني الحصول على القنبلة فوراً. فالوصول إلى القنبلة مسار مُعقّد وطويل يقوم على ما يلي: تجهيز الكميّة اللازمة للقنبلة؛ 47 كيلوغراماً من اليورانيوم المُخصّب بنسبة 90 في المائة. ثم التجربة، مع توفّر المُفجّر، أو آليّة التفجير. وبعد نجاح التفجير، يلزم تحويل القنبلة إلى رأس حربيّ، وبعده السعي إلى تأمين وسيلة الإطلاق (الأسهل لإيران هو الصاروخ الباليستيّ)، واختبار هذا الأمر. بعد هذه المرحلة، السعي إلى تنويع وسيلة الإطلاق لخلق ردع نوويّ موثوق وفعّال، كتأمين الإطلاق من البحر والجو.

إنّ الرّد الإيرانيّ على الهجمة الأميركيّة لا يتناسب مع الخسائر التي مُنيت بها (Proportionality). لكنها اختارت جوهرة التاج الأميركيّ في المنطقة، قاعدة «العديد»، لتضربها، لكن بعد تنسيق مُسبق كما قال الرئيس ترمب. بعد هذا الرّد الإيرانيّ، أعلن الرئيس ترمب وقف النار.

إذا تبجح نتنياهو بأنه حقق كلّ أهدافه، فهذا يعني أنّ إيران هي الخاسر الأكبر. وإذا صمد وقف النار وفُتح باب الدبلوماسية مع طهران، فما الإغراءات لإيران؟ وهل سيحصل تغيير جذريّ في الداخل الإيرانيّ، تحت مقولة إن «من يبدأ الحرب لا يمكن له صناعة السلم»؟ لكن الأكيد أنّ هذه الحرب شكّلت المسرح الجديد والأهمّ لتجربة الأسلحة، والاستراتيجيّات، والتكتيك، وذلك بعد أوكرانيا، وغزّة، ولبنان.

في هذه الحرب، وصلت إسرائيل إلى امتدادها الأقصى باستعمال أفضل ما تملك من السلاح، حتّى حدود النوويّ. في المقابل، وصلت إيران إلى الحدّ الأقصى باستعمال ترسانتها من صواريخ باليستيّة ومسيّرات، فقط لتنقذ مشروعها النوويّ. ولأنّنا تحدثنا عن ديناميكيات جديدة في الشرق الأوسط، فقد يمكن، وبعجالة، مقارنة ما رسمه قائد «فيلق القدس» السابق، قاسم سليماني، لإيران في المنطقة، مع الواقع الذي نتج بعد عمليّة «طوفان الأقصى». فهو قال لرئيس أركان الجيش الإيرانيّ، نقلاً عن الجنرال غلام علي رشيد، قائد العمليات الإيرانية في هيئة الأركان، الذي بدوره اغتيل من قبل إسرائيل في حرب الـ12 يوماً (وفق إليوت كوفمان): «لقد جمعتُ لكم 6 جيوش خارج إيران. وبنيتُ كوريدوراً بطول 1500 كيلومتر وبعرض ألف كيلومتر، يصل مباشرة إلى البحر المتوسّط. فإذا أراد أيّ عدوّ قتال الجمهوريّة الإسلاميّة، فعليه أن يمرّ عبر هذه الجيوش الستّة، وهو حتماً لن يستطيع ذلك».

في الختام، قد يمكن تشبيه تاريخ إيران بتاريخ روسيا في بعض الزوايا؛ فهما تأرجحتا بين الامتداد الأقصى جغرافياً خلال عصر الإمبراطوريات، ومن ثمّ الانحسار. وعند كلّ تمدّد وانحسار، تتبدّل الديناميكيّات في المحيط المباشر لهما. امتدّ سليماني إلى الحدّ الأقصى... أُسقط مشروعه بالضربة القاضية بعد «طوفان الأقصى». فكيف سيكون شكل الشرق الأوسط والمحيط المباشر لإيران خصوصاً أنّ إسرائيل بدأت الاستعداد لمرحلة ما بعد حرب الـ12 يوماً؟


مقالات ذات صلة

شؤون إقليمية العلَم الإيراني ورمز الذرّة وعبارة «البرنامج النووي»... (رويترز)

طهران: الاعتراف بحقوقنا هو الحل الوحيد لملفنا النووي

«كيف يُطلب من إيران السماح بتفتيش منشآت تعرضت لهجمات، وتوجد فيها مخاطر إشعاعية وتسرب مواد مشعة؟».

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية عراقجي مصافحاً فيدان خلال استقباله في طهران (الخارجية التركية)

تركيا وإيران تؤكدان ضرورة الحفاظ على وقف إطلاق النار في غزة

أكدت تركيا وإيران ضرورة الحفاظ على وقف إطلاق النار في غزة ووقف التوسع الإسرائيلي الذي يهدف إلى زعزعة الاستقرار في كل من سوريا ولبنان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية أفراد من القوات الإيرانية يحملون نعش العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده خلال مراسم تشييعه في طهران (رويترز)

قائد الجيش الإيراني ينفي وجود «أبعاد عسكرية» للمشروع النووي لبلاده

«إذا كانت القضية قد أغلِقت رسمياً، فلماذا تُعاد إثارتها استناداً إلى ادعاءات أعداء إيران؟».

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية نواب في جلسة شهدت انتقادات حادة لروحاني وظريف في 26 أكتوبر الماضي (أ.ب)

روحاني: إيران عالقة في حالة «لا حرب ولا سلام»

قال الرئيس الإيراني الأسبق، حسن روحاني، إن إيران تحتاج إلى «فضاء آمن، لا فضاء أمني»، وإن تعزيز الردع يمر عبر جذب النخب وإزالة الأجواء الأمنية.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)

إسرائيل تحدد ميزانية «الدفاع» لعام 2026 عند أكثر من 34 مليار دولار

مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تحدد ميزانية «الدفاع» لعام 2026 عند أكثر من 34 مليار دولار

مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

أعلن مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس اليوم (الجمعة)، أن ميزانية الدفاع الإسرائيلية لعام 2026 قد حُددت عند 112 مليار شيقل (34.63 مليار دولار)، بزيادة على 90 مليار شيقل كانت مُدرجة في مسودة سابقة، وفقاً لوكالة «رويترز».

واتفق كاتس ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، على إطار الإنفاق الدفاعي، حيث بدأ مجلس الوزراء مناقشة ميزانية العام المقبل، والتي تجب الموافقة عليها بحلول مارس (آذار)، وإلا قد تؤدي إلى انتخابات جديدة.

وبدأ الوزراء ما يُعرف بجلسة ماراثونية يوم الخميس قبل التصويت الذي قد يُجرى صباح الجمعة. وفي حال إقرارها، ستُعرض على البرلمان للتصويت الأولي.

وأكد كاتس أن الجيش سيواصل جهوده لتلبية احتياجات مقاتليه وتخفيف العبء عن جنود الاحتياط.

ونقل مكتبه عنه قوله: «سنواصل العمل بحزم لتعزيز جيش الدفاع الإسرائيلي، وتلبية احتياجات المقاتلين بشكل كامل، وتخفيف العبء عن جنود الاحتياط - من أجل ضمان أمن دولة إسرائيل على جميع الجبهات».

وكانت حرب غزة مكلفة لإسرائيل، التي أنفقت 31 مليار دولار في عام 2024 على صراعاتها العسكرية مع «حماس» و«حزب الله» في لبنان.

ومنذ ذلك الحين، أبرمت إسرائيل اتفاقيات لوقف إطلاق النار مع الجماعتين المسلحتين. وصرح مكتب سموتريتش بأن ميزانية الدفاع لعام 2026، شهدت زيادة قدرها 47 مليار شيقل مقارنة بعام 2023 عشية الحرب. وقال سموتريتش، وفقاً لمكتبه: «نخصص ميزانية ضخمة لتعزيز الجيش هذا العام، ولكنها أيضاً ميزانية تسمح لنا بإعادة دولة إسرائيل إلى مسار النمو والراحة للمواطنين».


لجنة نزع أسلحة «الكردستاني» تنهي جلسات الاستماع حول عملية السلام

اجتماع للجنة البرلمانية لوضع الإطار القانوني لعملية السلام في تركيا (البرلمان التركي - إكس)
اجتماع للجنة البرلمانية لوضع الإطار القانوني لعملية السلام في تركيا (البرلمان التركي - إكس)
TT

لجنة نزع أسلحة «الكردستاني» تنهي جلسات الاستماع حول عملية السلام

اجتماع للجنة البرلمانية لوضع الإطار القانوني لعملية السلام في تركيا (البرلمان التركي - إكس)
اجتماع للجنة البرلمانية لوضع الإطار القانوني لعملية السلام في تركيا (البرلمان التركي - إكس)

اختتمت لجنة «التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية» البرلمانية المعنية بوضع الإطار القانوني لنزع أسلحة حزب العمال الكردستاني وعملية السلام في تركيا جلسات الاستماع الخاصة بالعملية.

وقال رئيس البرلمان التركي رئيس اللجنة، نعمان كورتولموش: «من الآن فصاعداً، سنُنجز أخيراً بعض واجباتنا الأساسية، وسنعرض النتائج التي حققناها على البرلمان»، مُعرباً عن أمله أن تثمر جهود اللجنة عن نتائج إيجابية. وأضاف كورتولموش، في مستهل أعمال الجلسة 19 للجنة التي عقدت بالبرلمان التركي، الخميس، أن عملية «تركيا خالية من الإرهاب» (الاسم الذي تستخدمه الحكومة التركية للإشارة إلى «عملية السلام والمجتمع الديمقراطي» كما يسميها الأكراد)، لا تقتصر على عمل اللجنة، لكنه جزء منها فقط.

رئيس البرلمان التركي نعمان كوتولموش (حساب البرلمان في إكس)

وأشار كورتولموش إلى أنه «بعد إعلان المنظمة الإرهابية (حزب العمال الكردستاني) قرارها بحلّ نفسها - في 12 مايو (أيار) الماضي - وبدء عملية تسليم أسلحتها بمراسم رمزية، تسارعت وتيرة هذه العملية»، وأن «اللجنة البرلمانية، المؤلفة من 11 حزباً بالبرلمان، أوفت بمسؤولياتها، حتى وصلت العملية إلى المرحلة الحالية».

مرحلة حساسة

وذكر كورتولموش أن اللجنة استمعت، منذ تأسيسها في 5 أغسطس (آب) حتى الآن، إلى 134 فرداً ومنظمة من المجتمع المدني.

وتابع كورتولموش: «من الواضح أننا دخلنا مرحلة تتطلب من الجميع توخي المزيد من الحذر والتصرف بحساسية أكبر من الآن فصاعداً، واختيار الكلمات والأسلوب بعناية، لأن أي كلمة ممكن أن تؤثر على هذه العملية سلباً أو إيجاباً».

وخلال الاجتماع، استمع أعضاء اللجنة، في الجلسة التي عقدت بشكل مغلق أمام الصحافة، إلى إحاطة من وفدها الذي زار زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان في سجن إيمرالي في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

امرأة كردية ترفع صورة لأوجلان وهو يقرأ نداءه لحزب العمال الكردستاني في 27 فبراير الماضي خلال احتفالات عيد النوروز في تركيا في 21 مارس (رويترز)

وقال كورتولموش، خلال كلمته الافتتاحية، إنه «بهذه الزيارة، اختتمت لجنة التحقيق مرحلة الاستماع، وانتقلت إلى مرحلة إعداد التقارير»، مُعرباً عن أمله في إعداد تقرير نهائي يعكس رؤية اللجنة لتحقيق هدف «تركيا خالية من الإرهاب»، من خلال مراعاة الحساسيات والآراء المشتركة.

وأضاف أنه بإعداد هذا التقرير تكون هذه العملية «التاريخية» تجاوزت مرحلة حاسمة أخرى، وتكون اللجنة أوفت بمسؤولياتها، لافتاً إلى أنها «ليست عملية تفاوض، بل سياسة دولة».

موقف أوجلان

وفي تصريحات سبقت اجتماع اللجنة، قال كورتولموش إن اجتماع وفد اللجنة مع أوجلان كان قراراً اتخذ بالأغلبية المطلقة داخل اللجنة، ولن يبقى مضمونه سراً.

وأكّد كورتولموش ضرورة اختتام العملية بنجاح، نظراً للظروف الإيجابية في تركيا وسوريا والعراق. ولفت إلى أن أوجلان لم يتخل عن الإطار العام المتمثل في «تلبية مطالب مواطنينا الأكراد بمعايير ديمقراطية أكثر تقدماً»، لكنه لم يقدّم أيّ مطالباتٍ بفيدرالية أو كونفدرالية أو دولة مستقلة، أو مناقشة المواد الأربع الأولى من الدستور التركي، التي تحدد شكل الجمهورية وهويتها وعلمها ولغتها.

بروين بولدان ومدحدت سانجار عضوا وفد إيمرالي (حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب - إكس)

وعشية اجتماع اللجنة، أكّد أوجلان إرادته القوية وموقفه الحازم تجاه عملية السلام، رغم كل محاولات «الانقلاب» عليها، فيما يُعدّ رداً على إعلان قياديين في الحزب تجميد أي خطوات جديدة بإقرار قانون للمرحلة الانتقالية لـ«عملية السلام» التي بدأت في تركيا عقب دعوته لحل الحزب ونزع أسلحته.

وقال حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، في بيان حول زيارة وفده لأوجلان، الثلاثاء، إن الأخير أكد ضرورة وضع قانون انتقالي لعملية السلام. وطالب الرئيس المشارك للحزب، تونجر باكيرهان، ضرورة الكشف عن محاضر اجتماع وفد اللجنة مع أوجلان.

وزير العدل التركي يلماظ تونتش (من حسابه في إكس)

في السياق، حذر وزير العدل، يلماظ تونتش، من أنه «في هذه المرحلة، قد يكون هناك من يسعى لتخريب العملية، ومن لا يريدها أن تستمر، ومن يريد عودة الإرهاب كما حدث في الماضي، ومن يريد نصب الفخاخ لتركيا وشعبها»، مؤكداً أن الدولة ستواصل توخي اليقظة.


«إكس» تكشف عن «الإنترنت الخاص» لكبار المسؤولين الإيرانيين

بزشكيان يصافح قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي على هامش اجتماع اللجنة العليا لإدارة الإنترنت (الرئاسة الإيرانية)
بزشكيان يصافح قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي على هامش اجتماع اللجنة العليا لإدارة الإنترنت (الرئاسة الإيرانية)
TT

«إكس» تكشف عن «الإنترنت الخاص» لكبار المسؤولين الإيرانيين

بزشكيان يصافح قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي على هامش اجتماع اللجنة العليا لإدارة الإنترنت (الرئاسة الإيرانية)
بزشكيان يصافح قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي على هامش اجتماع اللجنة العليا لإدارة الإنترنت (الرئاسة الإيرانية)

يواجه الإيرانيون العاديون عقوبة قد تصل إلى السجن 10 سنوات أو حتى الإعدام إذا استخدموا منصة «إكس» لكتابة أي شيء تراه الحكومة انتقاداً لها. لكن ما لم يكن المواطنون يدركونه هو أنّ المسؤولين الحكوميين ومؤيدي النظام يستخدمون الموقع نفسه، رغم أنّه محظور داخل إيران.

وقد كُشف عن هذا الأمر بعد أن أطلقت منصة «إكس»، التي يملكها الملياردير الأميركي إيلون ماسك، تحديثاً يُظهر موقع كل مستخدم.

وفضح التحديث وزراء حكوميين، وشخصيات في وسائل الإعلام الرسمية، ومسؤولين سياسيين، وحسابات موالية للنظام، إذ ظهر أنهم يدخلون إلى المنصة المحظورة من داخل إيران باستخدام شرائح «وايت سيم» (الشرائح البيضاء) الخاصة.

كان من المفترض أن تساعد ميزة تحديد الموقع الجديدة على رصد الحسابات الوهمية، لكنها بدلاً من ذلك كشفت عن الفجوة الرقمية في إيران، التي تُعد إحدى أكثر دول العالم خضوعاً للرقابة، وفق ما ذكرت صحيفة «التلغراف» البريطانية.

ويصف منتقدو النظام هذه الفجوة بأنها نوع من «الفصل العنصري الرقمي»، حيث لا يستطيع الوصول الحر إلى الإنترنت إلا مجموعات معينة.

الإيرانيون العاديون

متسوقون في بازار بشمال طهران (أرشيفية - أ.ف.ب)

في المقابل، يضطر الإيرانيون العاديون إلى استخدام تطبيقات «في بي إن» (VPN) التي تُخفي موقعهم الحقيقي، لتجاوز الحظر. وإذا ضُبطوا وهم ينشرون على منصة «إكس» فإن السلطات الإيرانية تعاقبهم، وإن كانت منشوراتهم مناهضة لإيران أو مؤيدة لإسرائيل، فهم يواجهون الإعدام أو أحكاماً بالسجن.

أما الحسابات الحكومية والموالية للنظام فتستخدم شرائح الـ«وايت سيم» للحصول على دخول غير مقيّد إلى الإنترنت وتجاوز القيود التي يفرضونها هم أنفسهم.

أحمد بخشايش أردستاني، وهو سياسي إيراني وعضو في لجنة الأمن القومي، انتقد استخدام هذه الشرائح، قائلاً: «كثير من الناس يريدون استمرار الحجب لأنهم يريدون تطبيقات (في بي إن) والمتاجرة فيها».

وأضاف أن سوق هذه التطبيقات المستخدمة من قبل المواطنين العاديين «حجمها المالي كبير، وتتحكم به عصابات مافيا».

وعند الدخول إلى منصة «إكس» باستخدام تطبيقات «في بي إن»، يظهر الموقع الجغرافي للدولة التي يوجد فيها الخادم (Server) وليس الموقع الحقيقي للشخص المستخدم.

ومن المنصات المحظورة الأخرى في إيران: «فيسبوك»، و«يوتيوب»، و«تلغرام». وقال أحد المواطنين الإيرانيين لصحيفة البريطانية إن «هذا تمييز واضح في الحقوق العامة ويتعارض مع النص الصريح للدستور»، في إشارة إلى ضمان الدستور الإيراني للمساواة بين المواطنين.

وقال آخر: «عندما تستخدمون أنتم أنفسكم شرائح (وايت سيم) الخاصة، فكيف يمكن أن نتوقع منكم أن تفهموا معاناتنا مع الحجب؟ وكيف نتوقع منكم السعي لرفعه؟».

شخصيات وحسابات مستثناة

أرشيفية لوزير الخارجية الإيراني الأسبق محمد جواد ظريف خلال حضوره تأبيناً لدبلوماسيين إيرانيين (تسنيم)

وزير الاتصالات ستّار هاشمي، ووزير الخارجية السابق جواد ظريف، والمتحدثة الحكومية فاطمة مهاجراني، إضافة إلى عشرات الصحافيين العاملين في وسائل إعلام رسمية.

كما كُشف أيضاً عن شخصيات سياسية، ومنشدين دينيين يمدحون النظام الإيراني في المناسبات الرسمية، وحسابات ادّعت عبر الإنترنت أنها معارضة، بما في ذلك صفحات مَلَكية وانفصالية تعمل من داخل إيران على ما يبدو بموافقة رسمية.

ويقول محللون إن الهدف هو إبقاء أجزاء من الخطاب المعارض - الصفحات المَلَكية والانفصالية - تحت سيطرة المؤسسة الدينية الحاكمة. وكانت الفضيحة محرجة بشكل خاص للمسؤولين الذين سبق أن عارضوا علناً الامتيازات في الوصول إلى الإنترنت.

فقد ادّعت مهاجراني أنها تستخدم برامج «في بي إن»، مثلها مثل المواطنين العاديين، قائلة: «الإنترنت الطبقي لا أساس قانونياً له، ولن يكون أبداً على جدول أعمال الحكومة».

وقال مهدي طباطبائي، نائب وزير الاتصالات وله دور في متابعة رفع حجب الإنترنت، إن «تقسيم المجتمع إلى أبيض وأسود هو لعب في ملعب العدو». وشبّه الصحافي ياشار سلطاني الوضع برواية جورج أورويل «مزرعة الحيوان»، قائلاً: «عندما تُقنّن الحرية، فهي لم تعد حرية – إنها تمييز بنيوي».