تسارع التحضيرات لمؤتمر «حل الدولتين» في الأمم المتحدة برئاسة سعودية - فرنسية

يستهدف إيجاد «دينامية سياسية» واقتراح خريطة طريق عملية لحل الدولتين

وزراء خارجية فرنسا والسعودية ومصر والأردن في مقر وزارة الخارجية الفرنسية الجمعة قبل اجتماع مخصص للتحضير لمؤتمر نيويورك حول حل الدولتين (أ.ب)
وزراء خارجية فرنسا والسعودية ومصر والأردن في مقر وزارة الخارجية الفرنسية الجمعة قبل اجتماع مخصص للتحضير لمؤتمر نيويورك حول حل الدولتين (أ.ب)
TT

تسارع التحضيرات لمؤتمر «حل الدولتين» في الأمم المتحدة برئاسة سعودية - فرنسية

وزراء خارجية فرنسا والسعودية ومصر والأردن في مقر وزارة الخارجية الفرنسية الجمعة قبل اجتماع مخصص للتحضير لمؤتمر نيويورك حول حل الدولتين (أ.ب)
وزراء خارجية فرنسا والسعودية ومصر والأردن في مقر وزارة الخارجية الفرنسية الجمعة قبل اجتماع مخصص للتحضير لمؤتمر نيويورك حول حل الدولتين (أ.ب)

شهدت باريس ونيويورك، في اليوم نفسه، اجتماعين متوازيين حول «المؤتمر الدولي الرفيع المستوى من أجل التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حلّ الدولتين» (الاسم الرسمي للمؤتمر) المقرر أن تستضيفه الأمم المتحدة في نيويورك ما بين 17 و20 يونيو (حزيران) المقبل، برئاسة مشتركة سعودية - فرنسية.

ودل الاجتماعان على أن التحضيرات قد انطلقت بوتيرة مكثفة للمؤتمر، وأن الطرفين الراعيين يريدان فعلاً تحقيق اختراق فعلي من شأنه فتح الباب، مجدداً، أمام الحل السياسي المغيّب، من خلال العودة إلى أساسيات النزاع، وأولى ركائزها تمكنين الفلسطينيين من بناء دولتهم الموعودة.

ففي باريس، استضاف وزير الخارجية، جان نويل بارو، بعد ظهر الجمعة، نظراءه من السعودية ومصر والأردن (الأمير فيصل بن فرحان وبدر عبد العاطي وأيمن الصفدي)، لجلسة عمل مخصصة للتحضير للمؤتمر المذكور، الأمر الذي يعكس اهتمام فرنسا بالعمل يداً بيد مع الشركاء العرب، وخصوصاً مع الجانب السعودي.

وأفادت مصادر رسمية فرنسية بأن باريس «تعوّل» على وزن السعودية على المستويات العربية والإسلامية والدولية بوصفها شريكاً في رئاسة المؤتمر بتوكيل من الأمم المتحدة بموجب قرار تم اتخاذه في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي.

وبالمقابل، فإن انخراط باريس التام يوفر للمؤتمر دعماً أساسياً بالنظر لكون فرنسا عضواً دائماً في مجلس الأمن، وتتمتع بقدرة تأثيرية داخل الاتحاد الأوروبي، وبالتالي، فإن هناك نوعاً من «التكامل» بين الطرفين العربي والأوروبي، وفق ما يشدد عليه دبلوماسي عربي في باريس.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عازم على الاعتراف بالدولة الفلسطينية (أ.ف.ب)

الدينامية السياسية

بموازاة اجتماع باريس، انعقد في مقر الأمم المتحدة في نيويورك اجتماع تحضيري لتقييم ما أنجزته مجموعات العمل الثماني التي تم تشكيلها سابقاً، والغرض منها تقديم مقترحات «عملية» ملموسة للدفع باتجاه تنفيذ حل الدولتين الذي يرى فيه الراعيان «الخيار الوحيد» لوضع حد للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي.

ومن المفترض أن تواصل هذه المجموعات أنشطتها حتى موعد المؤتمر بحيث توفر خلاصاتها الأساس الذي ستبنى عليه «الوثيقة النهائية» المفترض بها أن ترسم السبيل والإجراءات لقيام الدولة الفلسطينية.

وتغطي المجموعات الثماني طيفاً واسعاً من القطاعات؛ منها المسائل الأمنية والمساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار.

ووفق العرض الذي قدمه الجانب الفرنسي، فإن مؤتمر يونيو (حزيران) مفتوح أمام كافة أعضاء المنظمة الدولية، ولكن أيضاً أمام الأطراف المتمتعة بصفة «مراقب».

ويراهن الراعيان على أن يحظى المؤتمر بحضور واسع رفيع المستوى. ويتوقع أن يفتتحه الأمين العام للمنظمة الدولية، يليه الرئيس الدوري للجمعية العامة، ثم رئيسا المؤتمر، وبعدها لمن يريد التعبير عن وجهة نظره.

وستشهد الجلسة الأولى عرضاً يقدمه رؤساء المجموعات الثماني لخلاصات أعمالهم.

ومن المقرر أن تنشر الوثيقة النهائية التي يراد لها أن تكون بمثابة «خريطة طريق» للحل السياسي القائم على وجود دولتين تعيشان جنباً إلى جنب.

والمطلوب أن تركز الوثيقة على «الأعمال الملموسة التي ترسم الطريق نحو الحل السلمي وقيام الدولتين».

وتضيف باريس أن المطلوب «ليس مناقشة قرارات دولية بل التركيز على التدابير العملية التي تيسّر الوصل إلى الحل ووضعه موضع التنفيذ».

نزوح من مدينة غزة يوم الخميس (د.ب.أ)

يعي الطرفان الجميع صعوبة المرحلة التي ينعقد المؤتمر في سياقها. فحرب غزة التي ترفض الحكومة الإسرائيلية وضع حد لها، وعنف المستوطنين في الضفة الغربية، وعمليات الجيش الإسرائيلي المتواصلة، والأصوات الداعية إما لضم الضفة الغربية وإما لترحيل الفلسطينيين عن غزة، والهوة التي تزداد اتساعاً بين الشعبين، كل ذلك لا يوفر أفضل الظروف للمؤتمر والحل المطلوب.

بيد أن هناك، وفق القراءة الفرنسية، هدفاً وقناعة: الهدف هو تعبئة الأسرة الدولية حول الحاجة للحل السياسي. والقناعة: القدرة على إطلاق «دينامية سياسية» تعيد الحل السياسي إلى الواجهة باعتبار أن لا بديل سواه بما في ذلك الحل العسكري».

صورة للاجتماع الرباعي في مقر وزارة الخارجية في باريس بعد ظهر الجمعة (أ.ب)

المحاور الأربعة

لأجل الذهاب نحو الهدف المذكور، يتم تركيز العمل، في المرحلة الراهنة، على تحقيق تقدم في أربعة محاور رئيسية؛ أولها الاعتراف بدولة فلسطين.

وترى باريس أن الغرض المطلوب تحقيقه «إطلاق تيار لا يمكن الرجوع عنه» لقيام دولة فلسطين التي اعترف بها حتى الآن ما لا يقل عن خمسين دولة، لكن ليس بينها أي دولة غربية تشغل مقعداً دائماً في مجلس الأمن الدولي.

وأعرب الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي من المتوقع أن يذهب إلى نيويورك بمناسبة المؤتمر، عن استعداده للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهو ما أكده لاحقاً وزير خارجيته.

ثم إن البيان الثلاثي المشترك الذي صدر، الثلاثاء، عن فرنسا وبريطانيا وكندا والذي أثار غيظ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أكد أن الأطراف الثلاثة سوف تعترف بالدولة الفلسطينية.

وجاء في حرفية الفقرة المعنية ما يلي: «نؤكد الدور المهم الذي سيلعبه مؤتمر (نيويورك) رفيع المستوى حول حل الدولتين، من أجل التوصل إلى توافق دولي حول هذا الهدف. نحن عازمون على الاعتراف بدولة فلسطينية كإسهام في تحقيق حل الدولتين، ونحن مستعدون للعمل مع الآخرين لتحقيق هذه الغاية».

وقال بارو إن فرنسا «عازمة على الاعتراف بدولة فلسطين». والاعتراف، بحسب باريس، سيساعد السلطة الفلسطينية، وسيشكل وسيلة لمجابهة «من يلجأ إلى العنف والإرهاب».

يقوم المحور الثالث على مبدأ أن «المقابل» للاعتراف بالدولة الفلسطينية هو التطبيع مع إسرائيل. وقالت باريس: «نريد اعترافات متبادلة».

وأفاد كريستوف لوموان، الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية، بأنه «من أجل توخي حل الدولتين، فإن مسألة الاعتراف المتبادل بين الدول أمر بالغ الأهمية».

وأضاف: «إذا أردنا أن نتمكن من التحدث عن حلّ الدولتين، فيجب على الدول التي لم تعترف بفلسطين أن تعترف بها، ويجب على الدول التي لم تعترف بإسرائيل أن تبادر بالتحرك نحو التطبيع».

بيد أن المصادر الفرنسية ترى أن حرب غزة بما يرافقها من جرائم «سيجعل من الصعب أن تعمد دول عربية لم تعترف بإسرائيل إلى الاعتراف بها»، بمناسبة المؤتمر.

ويتمثل المحور الثالث بإصلاح السلطة الفلسطينية؛ إن كان لجهة إحداث تغيير في هرمها أو في البنى الحكومية وإعادة الديمقراطية لعملها ومواجهة التيارات الفلسطينية الراديكالية.

وتعتبر باريس أن إصلاح السلطة يعد خطوة مهمة؛ كونها مستهدفة، وأن السياسة الإسرائيلية تعمل على إضعافها.

متظاهرون إسرائيليون الجمعة في سديروت قرب الحدود مع غزة للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار (د.ب.أ)

وتشكل الضمانات الأمنية لإسرائيل المحور الرابع وعنوانه نزع سلاح «حماس»، وإبعادها عن حكم غزة، والنظر في «هندسة أمنية إقليمية» تكون إسرائيل طرفاً فيها.

كثيرةٌ العوائق والتساؤلات التي تحاصر المؤتمر الموعود الهادف إلى إنفاذ حل الدولتين الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى مجرد شراع يكرر غالباً لرفع العتب. وأول العوائق الموقفان الأميركي والإسرائيلي. وتؤكد باريس أنه تم التواصل مع الطرفين المذكورين.

وحتى اليوم، لم يصدر عن واشنطن أي تعليق على التحضيرات أو على أهداف المؤتمر. وليس سراً أن واشنطن ناهضت أي قرار عملي يذهب في هذا الاتجاه.

ويعلم الجميع أن نتنياهو يرفض قطعاً قيام دولة فلسطينية، فيما حلفاؤه في الحكومة يفكرون في الطريقة المثلى للتخلص من الفلسطينيين.

كذلك، فإن العلاقات الفرنسية - الإسرائيلية تعاني حالياً من تأزم بالغ بسبب مواقف باريس؛ إن لجهة الاعتراف بالدولة الفلسطينية أو من حرب غزة ومن سياسة إسرائيل في الضفة الغربية.

وآخر ملفات الخلاف استهداف الجيش الإسرائيلي بالرصاص دبلوماسيين، بينهم دبلوماسي فرنسي، كانوا في زيارة لمخيم جنين.

وتفيد أوساط واسعة الاطلاع في باريس بأن نتنياهو «هدد» باريس بإجراءات «راديكالية» في حال أقدمت على خطة الاعتراف التي عدّها «مكافأة لإرهاب (حماس)».


مقالات ذات صلة

خطة ترمب لغزة تنال مباركة أممية واسعة تدفع مسار الدولة الفلسطينية

العالم العربي أعضاء مجلس الأمن يصوتون على مشروع قرار قدمته الولايات المتحدة لتفويض قوة دولية لحفظ الاستقرار في غزة (د.ب.أ)

خطة ترمب لغزة تنال مباركة أممية واسعة تدفع مسار الدولة الفلسطينية

وفّر مجلس الأمن غطاء دولياً واسعاً لخريطة الطريق الأميركية بشأن غزة، فيما يمثل اختراقاً مهماً يعطي بعداً قانونياً يتجاوز مجرد وقف النار وإطلاق الرهائن.

علي بردى (واشنطن)
العالم رجل يتحدث أثناء تجمع الناس دعماً للفلسطينيين بينما يرفرف العلم الفلسطيني في تورونتو بكندا 17 نوفمبر 2025 (رويترز)

للمرة الأولى... العلم الفلسطيني يرفرف على مبنى بلدية تورونتو الكندية

رُفع العلم الفلسطيني على مبنى بلدية تورونتو، الاثنين، للمرة الأولى منذ اعتراف الحكومة الفيدرالية بدولة فلسطين في سبتمبر.

«الشرق الأوسط» (تورونتو)
تحليل إخباري جنود إسرائيليون أمام ناشطين إسرائيليين وفلسطينيين تجمعوا في بلدة بيت جالا بالضفة للاحتجاج على هجمات المستوطنين الجمعة (أ.ب) play-circle

تحليل إخباري إقناع الإسرائيليين بدولة فلسطينية ممكن... ولكن بشروط

اليمين الإسرائيلي يهبّ ضد قرار مجلس الأمن المستند إلى خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب؛ لأنه يتضمن مساراً لإحقاق حق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي خيام يستخدمها النازحون الفلسطينيون في وسط قطاع غزة الذي يواجه أجواء ممطرة (رويترز) play-circle

مجلس الأمن يصوت على «قوة غزة» غدا... ومواجهة أميركية - روسية في الأفق

يصوت مجلس الأمن بعد ظهر الاثنين على مشروع قرار أميركي بدعم دولي وإسلامي وعربي لتبني خطة الرئيس دونالد ترمب في شأن غزة، فيما ظهر شبح استخدام روسيا «الفيتو».

علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي جلسة لأحد اجتماعات مجلس الأمن الدولي في نيويورك (أرشيفية) play-circle

إسرائيل تضغط بقوة لشطب «الدولة الفلسطينية» قبل تصويت مجلس الأمن

قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، صدّ الهجوم عليه من حلفائه الذين اتهموه بالتراخي حيال المشروع الأميركي في مجلس الأمن حول غزة.

نظير مجلي (تل أبيب)

موازنة إسرائيلية تخدم الاستيطان بالضفة الغربية

مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

موازنة إسرائيلية تخدم الاستيطان بالضفة الغربية

مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مركبة عسكرية إسرائيلية تغلق مدخل بلدة طمون جنوب طوباس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

​اتفق وزيرا المالية والدفاع في إسرائيل على تقليص ميزانية وزارة الدفاع التي طلبتها الأخيرة في إطار إعداد الموازنة العامة لعام 2026، من 144 مليار شيقل، إلى 112 (34.63 مليار دولار) وبما يمثل زيادة وصلت إلى نحو 20 ملياراً على ميزانية العام الحالي 2025، بما يخدم بشكل أساسي المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية على حساب حاجة الجيش لقوات أكبر مع عجز التجنيد.

وأقرت الحكومة الإسرائيلية بالموازنة التي بلغت 662 مليار شيقل، بعجز 3.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

ووفقاً لصحيفة «يديعوت أحرونوت» فإنه تم الاتفاق على حزمة بقيمة نحو 725 مليون شيقل، توزع على 3 سنوات، بهدف تعزيز الأمن في الضفة.


إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
TT

إعلام «الحرس الثوري» يتهم روحاني بـ«خدمة إسرائيل»

صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف
صورة نشرها موقع حسن روحاني من اجتماعه الأخيرة بفريق أعضاء حكومته السابقة ويبدو في الصورة نائبه الأول إسحاق جهانغيري ووزير الخارجية محمد جواد ظريف

اتهمت وسائل إعلام تابعة لـ«الحرس الثوري» الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني ومقربيه بـ«تقديم الخدمة لإسرائيل»، وذلك بعد أسبوع من تصريحات أدلى بها وشكك فيها بقدرة إيران على حماية أجوائها وردع أي هجمات جديدة، إذا ما تجددت الحرب التي شهدتها البلاد لمدة 12 يوماً في يونيو (حزيران).

واحتجت وكالة «تسنيم»، رأس الحربة في إعلام «الحرس الثوري»، بشدة على خطاب روحاني الأخير، وعلى توصياته التي دعا فيها إلى منع تكرار الحرب.

وتزامن الهجوم الإعلامي مع بروز مؤشرات سياسية لافتة، إذ عاد اسم روحاني إلى واجهة الجدل الدائر حول هوية المرشح المحتمل لخلافة المرشد علي خامنئي، فيما المشهد الداخلي يزداد توتراً مع دخول ملف الخلافة مرحلة استقطاب أشد.

وبدأت الحرب عندما شنت إسرائيل ضربات على مقار القيادة العسكرية، خصوصاً «الحرس الثوري»، قبل أن تطول منشآت عسكرية ونووية ومسؤولين وعلماء في البرنامج النووي. وردت طهران بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة.

وعنونت الوكالة ملحقها الأسبوعي لتحليل التطورات المهمة بعنوان «العمل لصالح إسرائيل»، واضعة صورة روحاني على الغلاف. واتهمته بتقديم «تفسيرات نرجسية ومشحونة بالغرور» حول مزاعمه بأنه منع وقوع حرب على إيران عبر الدبلوماسية خلال توليه مناصب سابقة. وتساءلت: «هل كان روحاني يدعي أنه لم يكن هناك أي رادع غير مفاوضاته يمنع الحرب؟ وأن أميركا وإسرائيل كانتا في كامل طاقتيهما آنذاك، وأن إيران لم تكن تمتلك أي قدرة ردعية، وأنه وحده بمنطقه السقراطي والأرسطي حال دون اندلاع حرب كبيرة؟».

وأضافت: «هل خروج ترمب من الاتفاق النووي كان بسبب عدم تفاوض روحاني؟ وماذا عن الحالات التي لم يُمنَع فيها الهجوم؟ لماذا لم يمنع اغتيال قاسم سليماني؟ ولماذا لم يمنع اغتيال محسن فخري زاده؟»، وهو مسؤول الأبعاد الدفاعية في البرنامج النووي سابقاً، الذي قتل على يد مسلحين، في هجوم نسب إلى إسرائيل نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2020.

وكان روحاني قد انتقد الأسبوع الماضي فرض الأجواء الأمنية المتشددة، قائلاً إن البلاد بحاجة «إلى أجواء آمنة وليست أمنية». وحذر من بقاء إيران في حالة «لا حرب ولا سلام»، مستشهداً بتصريحات المرشد علي خامنئي. وأضاف: «الأمن يخلق الثقة والطمأنينة، أما الأمننة فتزيل الثقة وتثير قلق الناس. نحن لا نريد فضاءً أمنياً، بل فضاءً آمناً».

وأشار روحاني إلى حاجة البلاد لتعزيز الردع في مختلف المجالات، داعياً إلى «ترميم القدرات الردعية» لمواجهة «مؤامرات الأعداء». وقال إن إيران تفتقر اليوم إلى «الردع الإقليمي الواسع»، مشيراً إلى أن أجواء دول الجوار، بما فيها العراق وسوريا ولبنان والأردن، باتت «تحت نفوذ الولايات المتحدة وإسرائيل»، ما جعل التحرك الجوي المعادي حتى حدود إيران «آمناً وخالياً من العوائق». وأضاف أن استمرار الاتفاق النووي كان سيمنع اندلاع حرب الـ12 يوماً، معتبراً أن الأعداء استخدموا الملف النووي «ذريعة للهجوم». وانتقد فشل الحكومات اللاحقة في إعادة إحيائه.

ورأى روحاني أن «أسوأ خيانة للقيادة هي التقليل من الحقائق أو المبالغة فيها»، مؤكداً وجود «أعداء أقوياء وخطرين». وحذّر من الاعتقاد بأن «جميع المشكلات انتهت بعد حرب الـ12 يوماً». وأضاف: «صمدنا وقاومنا، لكننا أيضاً تعرضنا لضربات وواجهنا مشكلات. وبالطبع وجّهنا ضربات للعدو كذلك. غير أن ذلك لا يعني أنّ الأمر لن يتكرر، فمنع تكراره يعتمد علينا».

وهاجمت «تسنيم» مواقف روحاني معتبرةً أنها «تصب عملياً في مصلحة إسرائيل لأنها تبرئ العدو وتلقي بالمسؤولية على الداخل، وتقدّم منطقاً يجعل إسرائيل خارج دائرة اللوم». واعتبرت أن مواقفه «تشكل عملياً عملية سياسية ضد الوحدة المقدسة، وتعمل لصالح إسرائيل، وإن قدّمت في إطار يبدو واقعياً وحريصاً على البلاد».

وقالت الوكالة إن كلام روحاني عن الردع الإقليمي، «ليس خاطئاً، لكن من الغريب أن يصدر منه هو تحديداً؛ فإذا كان يؤمن بذلك، فهل يقرّ بأن عدم دعم حكومته الكافي لجهود إنهاء الأزمة في سوريا عامَي 2013 و2014 كان تقصيراً خطيراً ربما يقترب من مستوى الخيانة؟ كانت إحدى أكبر شكاوى الجنرال قاسم سليماني عدم تعاون حكومة روحاني في الملف السوري، وكان يخرج من بعض الاجتماعات باكياً، إلى أن تدخّل المرشد وأمر بالثبات».

غلاف النشرة الأسبوعية لوكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» الذي يتهم روحاني بتقديم الخدمة لإسرائيل

ورداً على ما قاله روحاني عن «الأمننة»، أضافت الوكالة: «أليس هو أدرى من الجميع بأن حكومته كانت من أكثر الحكومات ذات الطابع الأمني؟ فالوزير الوحيد غير الأمني تقريباً كان وزير الاستخبارات نفسه». وفي إشارة إلى خلفية روحاني، أضافت أن «امتلاك خلفية أمنية ليس عيباً، لكنه مناقض لأسلوب النصائح الذي يقدّمه روحاني الآن».

وفسرت تصريحات روحاني على أنها رد غير مباشر على خطاب متلفز للمرشد علي خامنئي في 27 نوفمبر، حذر فيه من الانقسام الداخلي، مكرراً روايته بأن الولايات المتحدة وإسرائيل «فشلتا» في تحقيق أهداف الحرب، وداعياً الإيرانيين إلى الحفاظ على «الاصطفاف الوطني». وقال: «الخلافات بين التيارات والفئات أمر وارد، لكن المهم أن يقف الجميع معاً في مواجهة العدو».

وخلال ولايتيه الرئاسيتين (2013 – 2021)، كان روحاني قد طرح مراراً شكوكه في دقة المعلومات التي يتلقاها المرشد من مقربيه، في محاولة للنأي بنفسه عن انتقادات تُوجّه إليه بوصفه معارضاً لمواقف خامنئي.

وخلال الأشهر الخمسة الماضية، واجه روحاني اتهامات من خصومه، بينهم نواب في البرلمان، بأنه يسعى لتولي منصب المرشد إذا تعذر على خامنئي ممارسة مهامه لأي سبب، بما في ذلك تعرضه لمحاولة اغتيال من قبل إسرائيل.

وبرزت انتقادات الشهر الماضي على لسان رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، الذي اتهم روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف بـ«الإضرار بالعلاقات الاستراتيجية مع موسكو». وردد نواب شعار «الموت لفريدون» في إشارة إلى لقب روحاني العائلي. وقال النائب المتشدد أمير حسين ثابتي: «أتمنى أن تتصدى السلطة القضائية لقضايا إساءة التصرف من قبل حسن روحاني، حتى يعود من يفكر في المناصب العليا إلى مكانه الحقيقي خلف قضبان السجن».

وبعد نشر تصريحات روحاني الأخيرة، طرحت الاحتمالات تولي روحاني لمنصب المرشد، مرة أخرى لكن هذه المرة في وسائل إعلام إصلاحية، إذ قال المنظر الإصلاحي صادق زيبا كلام إنه «عندما طرحت قضية خلافة المرشد تدريجياً، حسن روحاني قال لنفسه خلال فترة رئاسته: ماذا ينقصني عن بقية الأشخاص الذين تطرح أسماؤهم للخلافة، ما الذي ينقصني عن مجتبى خامنئي ومن طرحت أسماؤهم، في رأيي روحاني محق، فهو أكثر جدارة من الآخرين على صعيد تجربته التنفيذية».

وبالتزامن مع هذا الاهتمام الإصلاحي، نشر رجل الأعمال بابك زنجاني رسالة شديدة اللهجة على منصة «إكس» هاجم فيها إمكانية تولي روحاني أي دور سياسي مستقبلي، قائلاً إن إيران «تحتاج إلى قوة شابة، متعلمة وفعالة»، لا إلى «أصحاب الشهادات المزيفة». وأضاف: «سيأخذون هذا الحلم معهم إلى القبر... سنطهر إيران من العجز ومن المديرين غير الأكفاء». وحذر: «السلاح الذي تعطل في لحظة المعركة، إن عدتم وربطتموه على خصوركم من جديد، فأنتم تستحقون الموت!».

وزنجاني، الذي اعتقل في عهد حكومة روحاني بتهمة الفساد الاقتصادي وصدر بحقه حكم بالإعدام، أطلق سراحه العام الماضي وعاد إلى نشاطه الاقتصادي، في خطوة ربطها مراقبون بسعي طهران للالتفاف على العقوبات، فيما تربطه حالياً علاقات وثيقة بـ«الحرس الثوري».


نتنياهو يسخر من محاكمته بتهم فساد ويصفها بـ«المهزلة»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

نتنياهو يسخر من محاكمته بتهم فساد ويصفها بـ«المهزلة»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

ندّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقضايا الفساد المرفوعة ضده، ووصفها بأنها «مهزلة»، ودافع في مقطع فيديو عن طلبه عفواً رئاسياً مثيراً للجدل.

ونُشر الفيديو، الذي تبلغ مدته 3 دقائق مساء الخميس، بعد أسبوع من طلب نتنياهو رسمياً العفو من الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، عادّاً أن محاكمته تؤدي إلى تقسيم الأمة.

كما أرسل الرئيس الأميركي دونالد ترمب الشهر الماضي رسالةً إلى هرتسوغ يحضه فيها على إصدار عفو عن نتنياهو.

وندّد رئيس الوزراء الإسرائيلي في المقطع بمحاكمته، ووصفها بأنها «محاكمة سياسية» تهدف إلى إجباره على ترك منصبه، نافياً مجدداً ارتكاب أي مخالفات.

ويُتهم نتنياهو في قضيتين بعقد صفقات للحصول على تغطية إيجابية من وسائل إعلام إسرائيلية، ويُتهم في قضية ثالثة بقبول أكثر من 260 ألف دولار في شكل هدايا فاخرة، شملت مجوهرات وشمبانيا، من مليارديرات مقابل الحصول على خدمات سياسية. وكانت قضية فساد رابعة قد أسقطت في وقت سابق.

متظاهرون خارج مقر إقامة بنيامين نتنياهو في القدس يطالبون بعدم منحه العفو (رويترز)

في الفيديو، رفع نتنياهو دمية على شكل شخصية الكرتون «باغز باني»، ساخراً من المدعين العامين الذين أشاروا إلى تلقيه دمية للشخصية هديةً لابنه قبل 29 عاماً بوصفها دليلاً ضده. وقال: «من الآن فصاعداً، ستُعرف هذه المحاكمة باسم محاكمة باغز باني».

ونفى تلقيه السيجار هدية «من صديق»، وعدّ بأن سعيه لضمان تغطية إيجابية من «موقع إنترنت من الدرجة الثانية» أدّى بدلاً من ذلك إلى «التغطية الصحافية الأكثر كراهية وعدائية وسلبية التي يمكن تخيلها في إسرائيل».

يُذكر أن نتنياهو هو أول رئيس وزراء إسرائيلي في السلطة يخضع للمحاكمة بتهم فساد.

وقد تطلبت المحاكمة التي بدأت عام 2019، الإدلاء مؤخراً بشهادته 3 مرات أسبوعياً، وهو يرى أن ذلك يمنعه من ممارسة الحكم بشكل فعال.

وتابع: «هذه المهزلة تُكلّف البلاد ثمناً باهظاً. لا أستطيع تقبّل ذلك... لذلك طلبت العفو».

وقد كشفت هذه القضايا عن انقسامات حادة في المجتمع الإسرائيلي.

والاثنين، قبل آخر مثول لنتنياهو أمام المحكمة، تظاهر أنصار ومعارضون له خارج محكمة تل أبيب، وارتدى بعضهم بدلات السجن البرتقالية للإشارة إلى أنه يجب سجنه.