دعت صحيفة إيرانية مقربة من حكومة الرئيس مسعود بزشكيان، إلى تبني مقاربة جديدة للتفاوض مع الولايات المتحدة، مستندةً إلى «تشجيع» عدد من الدول العربية وعروض الوساطة لذلك، بالإضافة إلى تغيير لهجة المسؤولين الأميركيين، بمن فيهم الرئيس دونالد ترمب، مفسرةً هذه التطورات بأنها «مؤشر» على تهدئة الأجواء بين طهران وواشنطن.
جاء ذلك في وقت أكد فيه مستشار الأمن القومي الأميركي، مايك والتز، فاعلية استراتيجية «الضغط القصوى» التي تتبعها الإدارة الأميركية تجاه إيران، مشيراً إلى استمرار هذه السياسة في عرقلة الأنشطة الإيرانية المقلقة، بما في ذلك برنامجها النووي ودعمها «الوكلاء» في المنطقة.
وطالبت صحيفة «جمهوري إسلامي» المحسوبة على المعتدلين في إيران، بضرورة دراسة مبادرات الوساطة التي تلقتها طهران من دول مجاورة، للدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة، لكنها شددت في الوقت نفسه على «عدم ضرورة أن تلعب الدول الوسطية دوراً في مراحل التفاوض».
وقالت: «يمكن أن تكون المفاوضات المباشرة أكثر فائدة من نواحٍ عديدة، وإيران لديها القدرة العالية على الدفاع عن مصالحها الوطنية وتأمين حقوق شعبها بفضل منطقها القوي وخبراتها وقدراتها الذاتية». وقالت: «يجب استغلال هذه الفرصة للتفاوض من موقع القوة، كما حدث في مفاوضات سابقة حيث لم تخسر إيران بل حققت مكاسب كبيرة».
وأشارت إلى أن إيران «تمتلك تجربة ناجحة» في التفاوض مع حكومات مختلفة، مثل مفاوضاتها مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين في نهاية حرب الثمانينات. وقالت: «تجب الاستفادة من هذه التجارب في التفاوض مع دول أخرى، مع تأكيد حظر التفاوض مع الكيان الصهيوني لعدم شرعيته».
ورأت الصحيفة أنه «بعد التطورات الأخيرة في سوريا، يظهر الوضع الإقليمي أكثر تعقيداً مما يبدو. هناك منافسة حادة بين الدول الفاعلة حول مستقبل سوريا، مع استبعاد إيران من هذه المنافسة. لذا، حان الوقت لتعزيز دورنا الإقليمي لضمان حماية مصالحنا الوطنية وأمن المنطقة».
وأضافت: «حان الوقت لأن تركز الحكومات على الشؤون الداخلية، حيث أدى التركيز على القضايا الخارجية إلى إهمال تحسين الوضع المعيشي للمواطنين». وقالت أيضاً إن «قوة النظام تأتِ من داخله، عبر تلبية احتياجات الشعب وضمان حقوقه. القوة الدفاعية تكون فعّالة فقط إذا كانت مدعومة بثقة الشعب. لذا، يجب أن تكون الأولوية لتحسين معيشة المواطنين، مما يعزز قوة النظام وشرعيته».
اقرأ أيضاً
وفي وقت سابق من هذا الشهر، وقع ترمب مذكرة لإعادة العمل باستراتيجية «الضغوط القصوى» على طهران، لكنه ترك الباب مفتوحاً أمام دبلوماسية تؤدي إلى اتفاق جديد مع إيران بشأن برنامجها النووي. وقال مسؤولون إيرانيون إن ترمب يحاول نزع الأسلحة الإيرانية، وإزالة برنامجها النووي. وأمر المرشد الإيراني علي خامنئي، بتسريع وتيرة إنتاج الصواريخ الباليستية.
ويرى ترمب أن إعادة «الضغوط القصوى» بعد تراجع القوة العسكرية الإيرانية يجعلها في موقع دفاعي ضعيف، مما يزيد من احتمال لجوئها إلى طاولة المفاوضات بدلاً من التصعيد العسكري.
وكان مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز، قد دافع (الجمعة) عن السياسات الأميركية تجاه إيران، مؤكداً أن إدارة الرئيس ترمب تعمل على تعزيز سياسة «الضغط القصوى» لمواجهة الأنشطة الإيرانية في المنطقة.
وأشار والتز، في حديثه خلال مؤتمر العمل السياسي المحافظ «سي باك»، إلى أن هذه السياسة «ستضع قدماً على رقبة الاقتصاد الإيراني وستمنع إيران من تمويل وكلائها الإرهابيين».
FULL SPEECH: Michael Waltz Speaks at CPAC 2025 Day Two - 2/21/25 pic.twitter.com/bzR7R6Y2UU
— RSBN (@RSBNetwork) February 21, 2025
وتجد طهران نفسها أمام خيار التفاوض مع ترمب، وسط انتكاسات لنفوذها الإقليمي وسخط داخلي متزايد بسبب الاقتصاد. ويؤكد المحللون أن طهران مضطرة للتفاوض، خصوصاً بعد تراجع «محور المقاومة» نتيجة تفكك حلفائها، وسقوط الأسد، وضربات استهدفت «حزب الله» اللبناني.
وأوضح والتز أن «إيران ووكلاءها، مثل حزب الله والحوثيين وحماس والميليشيات في العراق، كانوا يعانون سابقاً من نقص التمويل بسبب سياسات الضغط القصوى»، مؤكداً أن الإدارة «تعمل على إعادة تفعيل تلك السياسات الفعالة». وأضاف أن إدارة ترمب «ستستمر في الضغط على إيران لمنعها من تصدير الإرهاب ودعم وكلائها في المنطقة».
كما أكد والتز أن إيران «لا يمكن أن تمتلك سلاحاً نووياً أبداً»، وقال: «إذا امتلكت إيران سلاحاً نووياً فسيكون تهديداً للعالم وللولايات المتحدة» وأضاف: «سيكون هناك سؤال حول ما إذا كانت جهة عقلانية، وقد تستخدمه لشن هجمات إرهابية تحت مظلة نووية». وأكد أن إدارة ترمب «ستضمن ألا تمتلك إيران سلاحاً نووياً».
وفيما يتعلق بالوضع الحالي في المنطقة، أشار والتز إلى أن «(حزب الله) في لبنان قد تم إضعافه بشكل كبير، وأن هناك فرصة حقيقية في لبنان لم تكن موجودة منذ جيل». كما أكد أن «محور الإرهاب» الذي يمتد من إيران إلى إسرائيل «قد تم تعطيله ويجب الحفاظ على الضغط عليه».
واشنطن ترحب بقرار «فاتف»
في سياق موازٍ، رحبت وزارة الخزانة الأميركية بقرار مجموعة «فاتف» المالية المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إبقاء إيران على لائحتها السوداء، وذلك في ختام الاجتماع الفصلي للمجموعة بمقرها في باريس، يوم الجمعة.
وقال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسينت، في بيان: «ترحب الولايات المتحدة بإعادة تأكيد فريق العمل المالي للإجراءات المضادة ضد إيران بسبب مخاطر تمويل الإرهاب الصادرة عن ذلك البلد، وكذلك العمل المستمر لتعزيز النظام المالي الدولي ضد جميع أشكال التمويل غير المشروع».
وتكافح حكومة مسعود بزشكيان من أجل تمرير قوانين تتيح لإيران قبول قواعد مجموعة «فاتف»، بما في ذلك قبول «اتفاقية باليرمو لمكافحة الجريمة المنظمة»، واتفاقية «سي إف تي» لمكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال.

وقبل تولي ترمب مهامه، وافق المرشد الإيراني علي خامنئي على إعادة مناقشة مشروع انضمام إيران إلى «فاتف»، حيث ينتظر قرار «مجلس تشخيص مصلحة النظام» بشأن حسم الخلافات بين الأجهزة المعنية بتمرير القانون.
وتجمدت الخطة في عهد حكومة حسن روحاني، بعدما أثارت خطتها خلافات كبيرة مع البرلمان ومجلس صيانة الدستور؛ الهيئة التي تراقب تشريعات البرلمان وقرار الحكومة.
وأدت تلك الخلافات إلى إحالة الملف إلى مجلس تشخيص مصلحة النظام، الهيئة الاستشارية التي يختار المرشد الإيراني تشكيلها، وتضم كبار المسؤولين، وتنظر في حل الخلافات بين السلطات، وتقدم المشورة للمرشد في القضايا المهمة.
وحينها، قالت الأوساط المؤيدة لأنشطة «الحرس الثوري» في الخارج، إن قبول قواعد «فاتف» سيقيد تمويل جماعات مسلحة يرعاها «فيلق القدس»، الذراع الخارجية للحرس، على رأسها «حزب الله» اللبناني.
وقال عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام، ومستشار المرشد الإيراني، غلام علي حداد عادل، الأحد، إن موضوع «فاتف»، «لم يتم طرحه بعد في مجلس التشخيص مصلحة النظام... لا يمكن التنبؤ بنتيجته».
وأضاف: «يسعى المجلس إلى أن تتم دراسة (فاتف) بشكل منطقي ووفقاً للمصالح الوطنية. سيتم تحديد ما هو في مصلحة الوطن بعد إجراء المراجعات، والاستماع إلى الطعون، والحصول على التصويت النهائي»، حسبما أوردت وكالة «أرنا» الرسمية.
حقائق
مجموعة العمل المالي (فاتف)
• هيئة عالمية للحكومات معنية بمكافحة تدفقات الأموال غير المشروعة.
• أُسست في 1989 ومقرها باريس.
• تدعم مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب عبر وضع قواعد عالمية والتحقق مما إذا كانت الدول تحترم تلك القواعد.