الاتفاق بين إسرائيل و«حماس» كالجبنة السويسرية مليء بالثقوب

«الشرق الأوسط» تستعرض بنوداً تهدد بـ«تفجيره قبل أن يبدأ تطبيقه»

إسرائيليون يقطعون طريقاً في القدس مطالبين بتنفيذ الاتفاق واستعادة الرهائن (أ.ف.ب)
إسرائيليون يقطعون طريقاً في القدس مطالبين بتنفيذ الاتفاق واستعادة الرهائن (أ.ف.ب)
TT

الاتفاق بين إسرائيل و«حماس» كالجبنة السويسرية مليء بالثقوب

إسرائيليون يقطعون طريقاً في القدس مطالبين بتنفيذ الاتفاق واستعادة الرهائن (أ.ف.ب)
إسرائيليون يقطعون طريقاً في القدس مطالبين بتنفيذ الاتفاق واستعادة الرهائن (أ.ف.ب)

ليس مصادفة أن الاتفاق الذي توصلت إليه إسرائيل و«حماس»، مساء الأربعاء، لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى، دخل في أزمة تهدّد بتفجيره قبل أن تتم المصادقة الإسرائيلية عليه وقبل أن يبدأ تطبيقه.

فهو كالجبنة السويسرية، مليء بالثغرات. ومع أنه يشمل ثلاث مراحل بهدف الوصول إلى نهاية الحرب، يترافق مع ممارسات إسرائيلية حربية تحصد عشرات القتلى في غزة. ويبدو أن سفك الدماء سيرافقه على طول الطريق. «الشرق الأوسط» تستعرض بنود الاتفاق، وتفسيرات الجانبين لها:

الهدوء المستدام

المشكلة الأولى تظهر في عنوان الاتفاق: «المبادئ العامة للاتفاق بين الجانب الإسرائيلي والجانب الفلسطيني في غزة بشأن تبادل المخطوفين والأسرى واستعادة الهدوء المستدام».

فما هو المقصود بالهدوء المستدام؟ في إسرائيل يؤكدون أنه يعني أن لإسرائيل الحق في استئناف القتال مع نهاية المرحلة الأولى. وفي الطرف الفلسطيني يقولون إن هناك ضمانات من إدارة الرئيس الأميركي القادم دونالد ترمب، بألا تندلع الحرب من جديد. والصيغة التي كُتب بها، الهدوء المستدام، تفسر في كل جهة بشكل مخالف.

الهدف

لقد تم تحديد الهدف من الاتفاق على النحو التالي: إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين، الأحياء منهم والأموات والذين تم أسرهم من قِبل الفلسطينيين في جميع الأوقات. وفي المقابل، وافقت إسرائيل على إطلاق سراح «عدد يتم الاتفاق عليه» من الأسرى الفلسطينيين. وسيبدأ التبادل فيما تم تحديده في الاتفاقية «اليوم الأول» - يوم وقف إطلاق النار. لكن في هذه المرحلة ليس من المعروف بعد متى سيدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.

استعاد الهدوء

كما اتفقت إسرائيل و«حماس» على استعادة الهدوء الذي يؤدي إلى أربعة أهداف:

1. وقف دائم لإطلاق النار.

2. انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة.

3. إعادة إعمار غزة.

4. فتح المعابر، وتسهيل حركة الأشخاص ونقل البضائع.

هنا أيضاً يوجد نقاش وخلاف غير محسوم في الاتفاق. فمثلاً: إطلاق سراح عدد يتفق عليه من الفلسطينيين، هو أحد أسباب الأزمة التي انفجرت فجر الخميس؛ إذ إن إسرائيل ترفض إطلاق سراح عدد من الأسماء البارزة، مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات وعبد الله البرغوثي وغيرهم. فاستخدام كلمة «عدد يتم الاتفاق عليه»، هو ضبابية متعمدة. وفي هذه الحالة هي مثل حقل ألغام.

المراحل الثلاث

كذلك الأمر في البنود التالية التي تتحدث عن المراحل الثلاث. ففي المرحلة الأولى (42 يوماً)، يتم «وقف مؤقت للعمليات العسكرية من الجانبين وانسحاب الجيش الإسرائيلي شرقاً» من «المناطق ذات الكثافة السكانية العالية على طول الحدود في كافة مناطق قطاع غزة بما فيها وادي غزة (محور نتساريم)».

الخرائط التي وُضعت لهذا الغرض كانت ناقصة بحسب ادعاء «حماس».

وهناك بند يتحدث عن «عودة النازحين إلى أماكن إقامتهم والانسحاب من وادي غزة». وسنرى لاحقاً أن آلية العودة تتيح للناس العبور مشياً (كيلومترات عدة) وتفرض تفتيشاً للسيارات والعربات. وهذا يتيح المجال للخلافات والصدامات الميدانية.

المساعدات الإنسانية

وينص الاتفاق: ابتداءً من اليوم الأول سيتم السماح بدخول المساعدات الإنسانية (600 شاحنة يومياً، منها 50 شاحنة وقود، 300 منها شمال قطاع غزة). ويشمل ذلك الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء والمعدات التجارية والمدنية اللازمة لإزالة الأنقاض وإعادة التأهيل وتشغيل المستشفيات.

هنا أيضاً لا يوضح الاتفاق كيف تتم عملية توزيع المساعدات ومن يتحكم بها. هل ستبقى «حماس» مسؤولة عنها؟ وهل توافق إسرائيل؟ وماذا إذا لم توافق واكتشفت أن «حماس» هي التي تتولى المهمة؟ ولذلك؛ فإن تطبيق هذا البند سيشكل لغماً آخر في الاتفاق.

مفاتيح التبادل

في موضوع تبادل الأسرى، يبدو المعيار واضحاً للمرحلة الأولى، لكن الاتفاق ينص على أن «الطرفين اتفقا على أن مفاتيح تبادل الأسرى المذكورين أعلاه (أي في المرحلة الأولى) لن تعدّ أساساً لمفاتيح التبادل في المرحلة الثانية من الصفقة. فما هو المفتاح للمرحلة الثانية؟ حماس تطالب بمضاعفة عدد الأسرى الفلسطينيين وإسرائيل ترفض. وإذا كانت الخلافات قد بدأت تنفجر في المرحلة الأولى التي وضعت فيها معايير واضحة، فماذا سيحصل عندما تكون المعايير غير واضحة؟».

اليوم الـ16

لقد حدد الاتفاق «موعداً أقصاه اليوم السادس عشر»، لتبدأ المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين للاتفاق على شروط تنفيذ المرحلة الثانية، خاصة تلك المتعلقة بمفاتيح تبادل الأسرى.

وسيتم الانتهاء من المفاوضات والاتفاق عليها قبل نهاية الأسبوع الخامس من هذه المرحلة». وستواصل الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الأخرى عملها في تقديم الخدمات الإنسانية في مناطق قطاع غزة كافة، والبدء في إعادة تأهيل البنية التحتية (كهرباء، مياه، صرف صحي، اتصالات وطرق) في كامل قطاع غزة، وإدخال كمية متفق عليها من المعدات اللازمة للدفاع المدني». فماذا سيحصل إذا لم يتفق الطرفان في هذه المرحلة على المعايير، فهل سيتعطل كل شيء بما في ذلك الكهرباء والماء وإصلاح الطرقات؟

تسهيل الإمدادات

وفي بند آخر يتحدث الاتفاق عن «تسهيل دخول الإمدادات والضروريات لسكن النازحين الذين فقدوا منازلهم في الحرب. وسيتم إدخال ما لا يقل عن 60 ألف كرفان و200 ألف خيمة». ماذا يعني تسهيل دخول الإمدادات؟ وماذا سيحصل إذا عرقلت إسرائيل ذلك، أو إذا سيطرت «حماس» على ذلك؟

سفر الجرحى

وهناك بنود أخرى غير واضحة بشكل قاطع، ويمكن تبعاً لذلك أن تتحول خلافات وعقبات، مثل: «بعد إطلاق سراح جميع المجندات الإسرائيليات، سيتم تحديد عدد من جرحى (حماس) للسفر إلى معبر رفح لتلقي العلاج. بالإضافة إلى ذلك، ستتم زيادة أعداد المسافرين والمرضى والمصابين عبر معبر رفح وإزالة القيود المفروضة على السفر وعودة حركة البضائع والتجارة».

بند الضامن

وكذلك: «البدء في اتخاذ الترتيبات والبرامج اللازمة لإعادة الإعمار الشامل للمنازل والمرافق المدنية والبنية التحتية المدنية التي دمَّرت خلال الحرب ودعم الضحايا تحت إشراف الكثير من الدول والمنظمات، بما في ذلك مصر وقطر والأمم المتحدة».

وهناك البند الذي تفسره إسرائيل بأنه لا يلزمها بتنفيذ المرحلة الثانية وتعدّه «حماس» ضماناً لمنع استئناف الحرب. فيقول البند: «قطر والولايات المتحدة ومصر (ستبذل كل جهد لضمان استمرار المفاوضات غير المباشرة حتى يتمكن الجانبان من التوصل إلى اتفاق حول شروط تنفيذ المرحلة الثانية)». فالقول إن قطر ومصر ستبذلان جهوداً، لا يعني أنه نص قانوني ملزم بشيء أو ملزم لأحد.

من هنا، فإن الاتفاق مليء بالثغرات، التي يمكن أن تتحول ألغاماً تنفجر في وجوه طرفي الاتفاق. صحيح أن هذا لا يعني ألا يقبل الاتفاق. إنما هو دليل على أن الاتفاق ينطوي على بنود هشة عدّة، تحتاج إلى ثقة متبادلة ونوايا طيبة حتى يتم تطبيقها. ومثل هذه الثقة معدومة. وأما النوايا الطيبة فإنها عملة نادرة في حارتنا.


مقالات ذات صلة

مصادر فلسطينية: توقيع اتفاق وقف النار مساء اليوم

المشرق العربي فلسطينيون يحتفلون في وسط قطاع غزة بالإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار (أ.ب)

مصادر فلسطينية: توقيع اتفاق وقف النار مساء اليوم

أفادت شبكة «قدس»، الخميس، نقلا عن مصدر فلسطيني بأنه تم حل الخلافات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بشأن تفاصيل فنية في اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فلسطينيون يحتفلون في وسط قطاع غزة بعد الإعلان عن الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار (أ.ب)

«أكسيوس»: حل أحدث الخلافات المتعلقة باتفاق وقف النار في غزة

قال موقع «أكسيوس»، نقلاً عن مصدر أميركي لم يسمه، اليوم الخميس، إن أحدث الخلافات التي كانت تحول دون تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة تم حلها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي جانب من الدمار الذي خلفته غارات إسرائيلية سابقة بمدينة غزة... يوم 16 يناير 2025 (رويترز)

أين أصبحت «حماس» بعد 15 شهراً من الحرب؟

رغم تلقيها ضربات كبيرة من الجيش الإسرائيلي على مدار 15 شهراً، فإن «حماس» تبقى القوة الفلسطينية الأقوى بقطاع غزة، وفق صحيفتَي «لوموند» و«لوفيغارو» الفرنسيتين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي الدخان يتصاعد في أعقاب غارة إسرائيلية على قطاع غزة بعد إعلان التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار (أ.ب) play-circle 00:21

«حماس»: إسرائيل استهدفت مكان احتجاز رهينة بعد إعلان اتفاق غزة

قالت «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس»، الخميس، إن غارة إسرائيلية استهدفت موقعاً تتواجد فيه امرأة رهينة بعد إعلان التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية احتفالات في إسطنبول بإعلان التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة (أ.ب)

تركيا ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في غزة

رحبت تركيا بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وعبرت عن شكرها للدور الذي قامت به مصر وقطر في هذا الصدد وطالبت المجتمع الدولي بضمان التزام إسرائيل بتنفيذه.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

أنباء عن اجتماع نتنياهو مع سموتريتش لإقناعه بعدم الانسحاب من الحكومة

وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش (رويترز)
وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش (رويترز)
TT

أنباء عن اجتماع نتنياهو مع سموتريتش لإقناعه بعدم الانسحاب من الحكومة

وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش (رويترز)
وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش (رويترز)

نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن مصادر ومسؤولين قولهم اليوم (الخميس)، إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيجتمع مع وزير المالية بتسلئيل سموتريتش لإقناعه بعدم الانسحاب من الحكومة بسبب اتفاق غزة.

وقالت الصحيفة إن المؤشرات تتجه إلى أن مجلس الوزراء الأمني المصغر والحكومة بكاملها سيصادقان على اتفاق غزة حتى لو صوت سموتريتش وزميله وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ضده.

كما أشارت الصحيفة إلى أن الحكومة قد تحاول استرضاء سموتريتش بالتأكيد على استمرار الحرب ضد «حماس» حتى تدميرها عسكرياً، فضلاً عن قرارات أخرى بـ«تدمير الإرهاب في الضفة الغربية».

وقالت «تايمز أوف إسرائيل» إن بن غفير سيعقد مؤتمراً صحافياً في وقت لاحق من اليوم قد يعلن خلاله الانسحاب من حكومة نتنياهو.

وتوصلت إسرائيل وحركة «حماس» إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل المحتجزين، أُعلن عنه أمس (الأربعاء) بعد مفاوضات شاقة توسطت فيها مصر وقطر والولايات المتحدة، ومن المقرر أن يدخل حيز التنفيذ يوم الأحد المقبل.

يُذكر أن سموتريتش اعتبر أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة «صفقة خطيرة» بالنسبة إلى أمن إسرائيل.

وقال الوزير، في بيان أمس (الأربعاء)، إنه سيصوت «ضد الصفقة» عند عرضها على الحكومة، ووصفها بأنها «سيئة وخطيرة بالنسبة لأمن دولة إسرائيل».

وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد قالت في وقت سابق إن نتنياهو كان يأمل إقناع سموتريتش بالاكتفاء بالتصويت ضد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة على أقصى تقدير، دون الانسحاب من الحكومة.