إيران تدعو إلى تقرير مصير سوريا وتشكيل حكومة «دون تدخل خارجي»

طهران أدانت اقتحام سفارتها في دمشق وأكدت سلامة طاقمها الدبلوماسي

آخر لقاء جمع الأسد بالمرشد الإيراني علي خامنئي في طهران يوم 30 مايو 2024 (موقع المرشد)
آخر لقاء جمع الأسد بالمرشد الإيراني علي خامنئي في طهران يوم 30 مايو 2024 (موقع المرشد)
TT

إيران تدعو إلى تقرير مصير سوريا وتشكيل حكومة «دون تدخل خارجي»

آخر لقاء جمع الأسد بالمرشد الإيراني علي خامنئي في طهران يوم 30 مايو 2024 (موقع المرشد)
آخر لقاء جمع الأسد بالمرشد الإيراني علي خامنئي في طهران يوم 30 مايو 2024 (موقع المرشد)

دعت إيران إلى «تقرير مصير» مستقبل سوريا، وتشكيل حكومة شاملة تمثل جميع فئات الشعب السوري، «من دون تدخل خارجي مدمِّر أو فرض خارجي»، مؤكدة أنه «حق حصري للسوريين».

وأشارت وزارة الخارجية الإيرانية إلى أنها ستتابع التطورات بدقة في سوريا والمنطقة، وستتخذ المواقف المناسبة بناءً على التحليل المستمر لأداء اللاعبين المؤثرين في الساحة السياسية والأمنية السورية.

كما أكدت على احترام وحدة سوريا وحكمها وسلامة أراضيها، مشيرة إلى دعم استقرار وأمن سوريا من خلال التعاون مع جميع الأطراف الفاعلة في المنطقة.

وأوضحت أن تحقيق الاستقرار «يتطلب إنهاء الصراعات العسكرية سريعاً، ومنع الأعمال الإرهابية، وبدء حوارات وطنية بمشاركة جميع مكونات المجتمع، بهدف تشكيل حكومة شاملة تمثل جميع فئات الشعب السوري».

كما شدَّد البيان الإيراني على أهمية ضمان أمن المواطنين السوريين ورعايا الدول الأخرى، وحماية الأماكن المقدسة والدبلوماسية وفق القوانين الدولية.

وأكدت إيران تأييدها المستمر لآليات الأمم المتحدة، بموجب القرار «2254» لدعم العملية السياسية في سوريا.

كما أبدت حرصها على استمرار العلاقات التاريخية والصداقة مع سوريا على أساس المصالح المشتركة والالتزام بالمواثيق الدولية.

وبموازاة ذلك، قال القيادي في «الحرس الثوري»، محسن رضائي، إن «مصير سوريا يجب أن يحدده الشعب السوري». وأضاف: «استغلال اللاعبين الأجانب، بما في ذلك أميركا وإسرائيل، لن يؤدي إلا إلى تكرار نموذج ليبيا، وأفغانستان، والعراق».

ملصقات ممزقة لحسن نصر الله وقاسم سليماني على جدار السفارة الإيرانية في سوريا (رويترز)

اقتحام السفارة الإيرانية

في وقت سابق، ذكر التلفزيون الرسمي الإيراني أن مسلحين مجهولين اقتحموا سفارة طهران في منطقة المزة بدمشق بعد السيطرة عليها.

وأفاد التلفزيون: «يقال إن جماعة مسلحة مختلفة عن الجماعة التي تسيطر الآن على (معظم) سوريا، اقتحمت السفارة الإيرانية ومتاجر قريبة منها».

وأدان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، اقتحام مبنى السفارة الإيرانية في دمشق، مشيراً إلى أن «حماية أمن وسلامة المباني الدبلوماسية والقنصلية مبدأ أساسي في العلاقات والقوانين الدولية، ويجب الالتزام به في جميع الحالات».

ونقلت وكالة «إرنا» الرسمية عن بقائي قوله إن «الجمهورية الإسلامية تواصلت مع الأطراف المؤثرة في تطورات الوضع السوري بخصوص هذا الموضوع، وحثّت على منع تكرار مثل هذه الاعتداءات».

وأظهرت لقطات من داخل مبنى السفارة أثاثاً ووثائق مبعثرة داخل المبنى وأضراراً ببعض النوافذ.

وأفادت وكالة الصحافة الفرنسية أن «السفارة الإيرانية تعرضت للتخريب والنهب بعد دخول فصائل المعارضة إلى دمشق، الأحد».

وشاهد مصور الوكالة مكاتب السفارة وقد تعرضت للتخريب، حيث انتشر الزجاج المتكسر في المبنى الواقع في منطقة المزة حيث سفارات أخرى ومكاتب الأمم المتحدة، بينما وقفت في محيطها شاحنات ممتلئة بمقتنيات مسروقة.

وفتحت خزائن الملفات والأدراج، بينما تناثرت الأوراق والملفات ومحتويات أخرى، بما في ذلك أعلام إيرانية في أنحاء المكان.

وأشار تقرير الوكالة إلى خزنة في وسط إحدى الغرف التي امتلأت بصور محطمة، لقادة إيران. وعلى الأرض كذلك، صورة ممزقة للأمين العام السابق لـ«حزب الله» حسن نصر الله الذي قُتل في غارة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت في سبتمبر (أيلول)، وصورة العقل المدبر لعمليات «الحرس الثوري» في الخارج، قاسم سليماني الذي قضى بغارة أميركية في بغداد مطلع 2020.

وخارج السفارة، كانت بعض الشاحنات متوقفة، بينما عمل بعض الأشخاص على تحميلها بمقتنيات سرقت من المبنى.

وكان التلفزيون الرسمي الإيراني أفاد في وقت سابق أن «مجهولين هاجموا السفارة الإيرانية»، مرفقاً تقريراً بلقطات بثّتها قنوات أجنبية مختلفة.

وأوضح بقائي أن وزارة الخارجية «اتخذت الإجراءات اللازمة لضمان أمن وسلامة موظفي السفارة في دمشق».

وقال إن الدبلوماسيين الإيرانيين غادروا السفارة في الصباح الباكر قبل أي هجوم. ودون الإشارة إلى مكان وجودهم، قال بقائي إن «السفير والموظفين بصحة جيدة تماماً».

وذكر التلفزيون الرسمي الإيراني أن «هيئة تحرير الشام» ضمنت أنه لن تحدث أي اضطرابات في مرقدَي «السيدة زينب» و«السيدة رقية» في دمشق.

في هذه الأثناء، نقلت وكالة «مهر» الحكومية عن رئيس لجنة تنمية وإعادة إعمار الأماكن المقدسة في إيران، مجيد نامجو، قوله إن جميع منتسبي الهيئة، بمن في ذلك العاملون في خدمة مرقد «السيدة زينب»، جرى إجلاؤهم من دمشق الأسبوع الماضي، قبل سيطرة مقاتلي المعارضة على دمشق.

وقال نامجو إن «بعض الأشخاص استغلوا تدهور الوضع الأمني في دمشق، واعتدوا على مكاتب ومستودعات الهيئة في منطقة السيدة زينب، ما ألحق أضراراً بها»، لكنه أكد أن «الفصائل المسلحة نفت دورها في ذلك».

إيرانيتان تسيران بجوار لوحة إعلانية مؤيدة لـ«حزب الله» في أحد شوارع طهران (رويترز)

اللوم على الأسد

وكانت إيران أبرز الحلفاء الإقليميين للأسد، وقدّمت له دعماً سياسياً وعسكرياً عقب اندلاع النزاع في بلاده عام 2011. وأرسلت طهران قوات من «الحرس الثوري» تحت مسمى «مستشارين عسكريين» لمساعدة الجيش السوري، وقتل كثير منهم في معارك وفي ضربات إسرائيلية استهدفت مجموعات مؤيدة لإيران.

وعشية سقوط حليفها الرئيس بشار الأسد، بدأت وسائل إعلام إيرانية بتغطية التطورات السورية، وقامت مواقع إصلاحية بتغيير تسمية فصائل المعارضة السورية، في وقت تمسك إعلام «الحرس الثوري» بوصفها «جماعات إرهابية».

وأعادت مواقع إيرانية التذكير باللقاء الذي جمع المرشد علي خامنئي وبشار الأسد في طهران مايو (أيار). وحذّر خامنئي في اللقاء من أن «الغرب يهدف إلى إخراج سوريا من المعادلات الإقليمية من خلال وعود لن يتم الوفاء بها أبداً».

وقال خامنئي إن «تقوية العلاقات بين إيران وسوريا مهمة نظراً لأن كلا البلدين يشكلان ركيزتين أساسيتين في محور المقاومة»، مشدداً على ضرورة الحفاظ على «هوية سوريا، وهي المقاومة». وأشاد بما وصفه «الثبات الكبير» للأسد.

وكان آخر ظهور للأسد الأحد الماضي، خلال استقباله وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي. وفي اليوم التالي، أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في مكالمة هاتفية مع الأسد دعم بلاده له.

وذكرت وسائل إعلام إيرانية أن عراقجي أهدى الأسد تمثالاً لمسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري» قاسم سليماني.

وقال عراقجي إن «الحوار السياسي بين الحكومة السورية والمجموعات المعارضة المشروعة يجب أن يبدأ»، وذلك عقب لقاء جمعه في الدوحة بنظيريه الروسي والتركي.

إيراني يقرأ جريدة «سازندكي» التي عنونت بتصريح لوزير الخارجية الإيراني يؤيد الحوار مع «المعارضة السورية المشروعة» (أ.ف.ب)

وقبل ذلك، حضر عراقجي اجتماعاً مشتركاً مع نظيره العراقي فؤاد حسين، والسوري في بغداد، وقال من هناك: «تجب محاربة الجماعات الإرهابية في مهدها بسوريا، كون الإرهاب لا يعرف حدوداً، ويشكل تهديداً لدول الجوار والمنطقة».

وقالت وكالة «فارس»، التابعة لـ«الحرس الثوري»، إن الأسد «حتى قبل بضعة أيام لم يتقدم بطلب صريح للمساعدة، وإن حضور الجمهورية الإسلامية ليس عسكرياً فقط».

وانتقدت بشار الأسد، لأنه «لم يولِ تصريحات الجمهورية الإسلامية بشأن الديمقراطية ما يكفي من الاهتمام».

ورأت الوكالة في وجود الأسد على رأس حكومة سوريا كان «فرصة للجمهورية الإسلامية، والأسد نفسه». وقالت إن «انتصار المجموعات المسلحة الإرهابية سيؤدي إلى فتنة في المنطقة وأوروبا».

وعدّت ذلك «بداية المواجهة بين محور المقاومة وإسرائيل وأميركا... المعارك مستمرة في جبهات مثل اليمن، العراق، فلسطين، لبنان، إيران». وقالت إن سوريا «تواجه مؤامرات وهجمات من التحالف الدولي بقيادة أميركا والكيان الصهيوني وتركيا».

وأشارت إلى «استراتيجية أميركية» تهدف إلى قطع العلاقة بين إيران ومحور المقاومة وتقليص قوتها في المنطقة».

وخلصت إلى أن سقوط الحكومة السورية «لن يقضي على النفوذ الإيراني»، مشيرة إلى أنه «ليس عسكرياً فقط، بل روحياً وثقافياً وفكرياً».

وتطرقت الوكالة إلى أوضاع «حزب الله» وتداعيات قطع خط الإمداد البري بين إيران والحزب، قائلة إن «(حزب الله) أصبح قوياً ومستقلاً عبر تحقيق الاكتفاء الذاتي... ورغم التحديات الاقتصادية والسياسية، ستبقى جهود المقاومة مستمرة».

وأضافت في نفس السياق: «الكيان الصهيوني فشل في أهدافه العسكرية مع (حزب الله)، وأُجبر على وقف إطلاق النار، وهو جزء من سلسلة الهزائم الأميركية في المنطقة».

من جهتها، قالت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري»، في نشرتها، إن «ليلة سوداء للشام»، وكتبت أن حكومة بشار الأسد «سقطت بيد (جماعة تحرير الشام) الإرهابية المدعومة من تركية».

انتقادات برلمانية

ووجّه نائبان محافظان انتقادات للمسؤولين المعنيين بملف سوريا على عدم إطلاع البرلمان بمستجدات الأوضاع. ودعا النائب المتشدد حميد رسائي إلى عقد جلسة طارئة بحضور قادة القوات المسلحة ومسؤولي الوزارة الخارجية لتقديم معلومات «محدثة ودقيقة وواضحة» حول الوضع الإقليمي.

وخاطب المسؤولين: «من المهم جداً أن تقوموا بإطلاع النواب على المستجدات. أنتم على دراية بالأوضاع، ولكن يمكن القول إن غالبية النواب ليسوا على اطلاع بالتفاصيل، رغم أن هذه التحولات في غاية الأهمية».

وقال النائب نادر قلي إبراهيمي: «البرلمان على الأقل يجب أن يخرج من حالة عدم الاطلاع، وأن يكون على علم بالظروف الراهنة».

تجميد الأنشطة التجارية

اقتصادياً، أعلن مدير مكتب «غرب آسيا» في منظمة تنمية التجارة الإيرانية، عبد الأمير ربيهاوي، تعليق جميع الأنشطة التجارية مع سوريا.

ونقلت وكالة «إيلنا» عن المسؤول الإيراني إن «الاضطرابات في سوريا تجعل تحقيق هدف إيران لتصدير 500 مليون دولار إلى سوريا هذا العام أمراً مستحيلاً»، متحدثاً عن تعليق جميع الأنشطة التجارية مع سوريا.

وذكر موقع «تانكر تراكرز» لتعقب السفن أن ناقلة نفط إيرانية كانت في طريقها إلى سوريا، عادت أدراجها بعد سقوط نظام بشار الأسد.

وقالت، على حسابها في منصة «إكس»، إن ناقلة النفط الإيرانية كانت تحمل نحو 750 ألف برميل من النفط الخام، وتوقع حدوث نقص في الوقود في سوريا بعد عودة ناقلة النفط الإيرانية.

وقال المحلل السياسي، صادق زيبا كلام، على حسابه في منصة «إكس» إن نهاية بشار الأسد كانت خيراً لكل من الشعب السوري والإيرانيين، وأضاف: «الشعب السوري تخلّص من نصف قرن من حكم البعث القمعي». أما بالنسبة للإيرانيين، فقد رأى زيبا كلام أن «الفائدة تكمن في وقف هدر عائدات بلادهم، التي كانت تُنفق على ما يُسمى بمحور المقاومة لإبقاء نظام ظالم وغير شعبي قائماً».


مقالات ذات صلة

شؤون إقليمية صورة نشرها موقع المرشد الإيراني علي خامنئي من لقاء مع أنصاره اليوم

خامنئي: إيران لا تحتاج وكلاء في المنطقة

قال المرشد الإيراني علي خامنئي إنَّ إيران ليست بحاجة إلى قوات بالوكالة في المنطقة.

فاضل النشمي (غداد) «الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان يصل لحضور مؤتمر صحافي (أ.ب)

سوليفان: إيران قد تطور سلاحاً نووياً بعد انتكاسات إقليمية

تشعر إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالقلق من سعي إيران، التي اعتراها الضعف بعد انتكاسات إقليمية، إلى امتلاك سلاح نووي.

«الشرق الأوسط» (لندن - واشنطن)
شؤون إقليمية أفراد من خدمة الإسعاف الإسرائيلي يشاهدون مكان انفجار صاروخ أطلقه الحوثيون (رويترز)

إسرائيل تحض واشنطن على ضربة مزدوجة لإيران والحوثيين

كشفت مصادر سياسية في تل أبيب عن جهود حثيثة لإقناع الإدارة الأميركية بوضع خطة لتنفيذ ضربة عسكرية واسعة ومزدوجة تستهدف الحوثيين في اليمن وإيران في الوقت ذاته.

نظير مجلي (تل أبيب)
شؤون إقليمية صورة نشرها موقع المرشد الإيراني علي خامنئي من لقاء مع أنصاره اليوم

خامنئي: ليس لدينا «وكلاء» في المنطقة

قال المرشد الإيراني، علي خامنئي، إن بلاده ليس لديها «وكلاء» في المنطقة، مشدداً على أنها «ستتخذ أي إجراء بنفسها دون الحاجة إلى قوات تعمل بالنيابة».

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)

إسرائيل تحض واشنطن على ضربة مزدوجة لإيران والحوثيين

أفراد من خدمة الإسعاف الإسرائيلي يشاهدون مكان انفجار صاروخ أطلقه الحوثيون (رويترز)
أفراد من خدمة الإسعاف الإسرائيلي يشاهدون مكان انفجار صاروخ أطلقه الحوثيون (رويترز)
TT

إسرائيل تحض واشنطن على ضربة مزدوجة لإيران والحوثيين

أفراد من خدمة الإسعاف الإسرائيلي يشاهدون مكان انفجار صاروخ أطلقه الحوثيون (رويترز)
أفراد من خدمة الإسعاف الإسرائيلي يشاهدون مكان انفجار صاروخ أطلقه الحوثيون (رويترز)

بعد تزايد الشكوك حول مشاركة الأقمار الصناعية الإيرانية في توجيه الصواريخ الحوثية التي استهدفت إسرائيل وتمكنت من اختراق منظوماتها الدفاعية المتطورة، كشفت مصادر سياسية في تل أبيب عن جهود حثيثة لإقناع الإدارة الأميركية بوضع خطة لتنفيذ ضربة عسكرية واسعة ومزدوجة تستهدف الحوثيين في اليمن وإيران في الوقت ذاته.

وأوضحت المصادر أن أجهزة الأمن الإسرائيلية ترى أن الحوثيين يعملون باستقلالية نسبية، لكنهم يحظون بدعم إيراني كبير لا يقتصر على توفير المال والعتاد والخبرات، بل يشمل أيضاً توجيه الصواريخ. وكشفت التحقيقات الداخلية عن أن الصواريخ الأخيرة التي أطلقها الحوثيون باتجاه إسرائيل كانت تتميز بتقنيات متقدمة وغير مألوفة، تضمنت منظومة تسمح بزيادة كمية الوقود، ما يمنح الصاروخ القدرة على التحليق فوق هدفه لفترة أطول ويصعّب عملية اعتراضه.

وأشارت التحقيقات إلى أن منظومة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية «حيتس»، رغم تطورها الكبير، لم تتمكن من التعامل بفاعلية مع هذه الصواريخ الإيرانية. ففي المرة الأولى، صباح الأربعاء، أصابت المنظومة الصاروخ جزئياً، مما أدى إلى سقوط رأسه على مدرسة في رمات غان قرب تل أبيب. أما في المرة الثانية، فجر الجمعة، فقد أخفقت المنظومة تماماً في إصابة الصاروخ، الذي سقط في ساحة بين مبانٍ سكنية في يافا.

وقال روعي كهنوفتش، الخبير في الشؤون الإيرانية، إن «إيران ترفض الاعتراف بفشل خطتها لتطويق إسرائيل بحزام ناري من أذرعها الإقليمية، رغم الضربات القاسية التي تلقتها، بما في ذلك انهيار القدرات العسكرية لـ(حماس)، وضعف (حزب الله)، وانهيار نظام بشار الأسد. وتلجأ إيران إلى استعراض قوتها عبر الحوثيين».

وأضاف كهنوفتش أن إيران «رغم أنها تبدو كمن يواصل ضرب رأسه بالحائط، فإنها تستند إلى دوافع عقائدية وترفض إيقاف الحرب». وأكد أنه «ما دام بقي نظام الحكم في إيران بقيادة الملالي، فإن الهجمات ستستمر من اليمن، ولا يُستبعد أن توجه إيران ضربات مباشرة لإسرائيل في المستقبل».

صورة وزعها الحوثيون تظهر لحظة إطلاق صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل (رويترز)

من المعروف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حاول منذ زمن طويل إقناع الولايات المتحدة بتوجيه ضربة عسكرية لإيران، لكنه لم ينجح؛ إذ إن الإدارات الأميركية المتعاقبة ما زالت تفضّل السعي لتحقيق اتفاق مع طهران عبر الطرق الدبلوماسية. وحتى الإدارة الجمهورية المقبلة برئاسة دونالد ترمب، التي تؤمن بأهمية توجيه ضربة عسكرية قوية لإيران، تفضل أولاً استخدام التهديد لتغيير سلوك إيران، وفي حال لم تستجب، يتم اللجوء إلى العمل العسكري.

مع ذلك، تؤكد الإدارة الأميركية أن أي ضربة عسكرية ضد إيران ستكون مسؤولية إسرائيل وحدها وليست أميركية. هذا الموقف دفع نتنياهو إلى التردد بشأن اتخاذ قرار نهائي بتوجيه الضربة أو التراجع عنها.

واليوم، ومع استمرار تكرار القصف الصاروخي من قبل الحوثيين، تقترح إسرائيل على الإدارة الأميركية تنفيذ ضربة مزدوجة. فقد أطلق الحوثيون باتجاه إسرائيل 200 صاروخ و171 طائرة مسيّرة منذ اندلاع الحرب في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وخلال الشهر الحالي وحده شنوا هجمات بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة 10 مرات.

وترى إسرائيل أن هذه الهجمات لا تمثّل مجرد ضربات عسكرية، بل هي تحدٍّ فظ لقوتها الاستراتيجية، التي تتفاخر بإنجازاتها في غزة ولبنان وسوريا، كما أنها تحدٍّ للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، الذي يحاول لجم التهديدات الحوثية للملاحة في البحر الأحمر، والذي يُلحق ضرراً استراتيجياً للتجارة الدولية برمتها.

وتقول إسرائيل لواشنطن إنه «من الضروري التركيز على التهديد اليمني بالتعاون مع الإدارة الأميركية ودول المنطقة، والعمل على دفع معركة مستمرة تُفضي في النهاية إلى إسقاط النظام الحوثي. تحقيق هذه النتيجة سيمثّل ضربة قاصمة للمحور بأكمله، وخصوصاً لإيران، كما سيضمن حرية الملاحة في البحر الأحمر مستقبلاً. أي خطوة أخرى لن تُحدث تغييراً جوهرياً، بل قد تُسهم في تعزيز قوة الحوثيين».

يقول الدكتور داني سترينوفيتش، الباحث في برنامج إيران بمعهد بحوث الأمن القومي في تل أبيب، الذي خدم لفترة طويلة في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «أمان»، إن «الاعتقاد بأن الهجمات الإسرائيلية والأميركية على مواقع البنية التحتية للحوثيين ستخلق رادعاً لمنظمة الحوثيين الإرهابية هو اعتقاد خاطئ من الأساس. فبعد مرور أكثر من 14 شهراً على الحرب، أصبح واضحاً أن الاستراتيجية الحالية لدولة إسرائيل لا تحقق التغيير المطلوب لوقف النار من اليمن باتجاه إسرائيل».

صورة وزّعها الحوثيون لحظة إطلاق صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل (رويترز)

ويضيف سترينوفيتش: «فقط معركة طويلة الأمد ومتواصلة، بمشاركة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، تستهدف القيادة الحوثية وقدرات إنتاج وإطلاق الأسلحة التي تمتلكها المنظمة، يمكن أن تغير الوضع جذرياً. وفي نظرة مستقبلية، ينبغي استثمار الموارد الضرورية والعمل على إسقاط حكم الحوثيين في اليمن لتحقيق هذا الهدف».

وزاد: «ينبغي عدم الاستهانة بقدرات الحوثيين. فضعفهم في حد ذاته يجعل من الصعب تحقيق ميزان ردع فعّال ضدهم؛ إذ لا يوجد هدف محدد إذا تم استهدافه سيؤدي تلقائياً إلى تحقيق هذا الميزان. هذه الحقيقة تتطلب (تفكيراً من خارج الصندوق)، يقوم على وقف الهجمات العشوائية ضد الحوثيين والانتقال إلى تنفيذ حملة طويلة الأمد ومنسقة بمشاركة أذرع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة».

وتابع: «الهدف المركزي لهذه الحملة يجب أن يكون تصفية القيادة الحوثية، إلى جانب تعطيل قدراتهم على إنتاج وإطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة. كما يجب أن تشمل الحملة قطع الدعم الإيراني الذي يعزّز قدراتهم ويطيل أمد تهديداتهم».