إردوغان متفائل بولاية ترمب الثانية ويعوِّل على «دبلوماسية الهاتف»

إعجاب شخصي وتوقعات بانفتاح على أولويات تركيا

صورة جماعية لقادة «الناتو» بقمة واتفورد في 4 ديسمبر 2019 (أ.ب)
صورة جماعية لقادة «الناتو» بقمة واتفورد في 4 ديسمبر 2019 (أ.ب)
TT

إردوغان متفائل بولاية ترمب الثانية ويعوِّل على «دبلوماسية الهاتف»

صورة جماعية لقادة «الناتو» بقمة واتفورد في 4 ديسمبر 2019 (أ.ب)
صورة جماعية لقادة «الناتو» بقمة واتفورد في 4 ديسمبر 2019 (أ.ب)

تبدي تركيا تفاؤلاً حيال عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، فالعلاقات في عهد إدارة الرئيس جو بايدن لم تكن بأفضل حال.

أسعد فوز ترمب بالسباق الرئاسي الأميركي الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الذي سارع للاتصال مهنئاً، كما أطلق تصريحات متفائلة رأى فيها أن «الشراكة النموذجية بين تركيا والولايات المتحدة لا تقبل الجدل».

وأضاف إردوغان، الذي تحدث إلى مجموعة من الصحافيين المرافقين له في رحلة عودته من بودابست، حيث شارك في قمة المجتمع السياسي الأوروبي، أن الرئيس ترمب تحدّث بشكل «إيجابي جداً» عن تركيا خلال الاتصال الهاتفي معه، وأنه دعاه إلى زيارة تركيا، ويأمل في أن يقبل الدعوة.

منعطفات الماضي

لم تكن ولاية ترمب الأولى مثالية بالنسبة للعلاقات مع تركيا، حيث شهدت الكثير من المنعطفات الحرجة، مثل قضية اعتقال القس الأميركي أندرو برانسون، بدعوى الارتباط بحركة «الخدمة» التابعة لفتح الله غولن و«حزب العمال الكردستاني»، التي تسببت في أزمة دبلوماسية بين البلدين حتى تم إطلاق سراحه بعدما هدد ترمب بـ«تدمير الاقتصاد التركي».

الرئيس الأميركي المنتخَب دونالد ترمب (رويترز)

كما كان ترمب هو من أصدر عقوبات على تركيا في أواخر عام 2020، بسبب امتلاك منظومة الدفاع الجوي الروسية «إس 400». وكان بين العقوبات إخراج تركيا من مشروع إنتاج وتحديث المقاتلة الأميركية «إف 35» تحت إشراف حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وحرمانها من الحصول على 100 مقاتلة، وعرقلة حصولها أيضاً على مقاتلات «إف 16». وسبق ذلك فرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألومنيوم من تركيا.

فضلاً عن ذلك، لم يستطع ترمب التحرك بشأن سحب القوات الأميركية من سوريا، واستمر في عهده دعم واشنطن لـ«وحدات حماية الشعب الكردية» في سوريا، التي تعدُّها تركيا تنظيماً إرهابياً وذراعاً لـ«حزب العمال الكردستاني» المُدرج على قائمة المنظمات الإرهابية لدى تركيا وحلفائها الغربيين.

ورغم ذلك، قوبل فوز ترمب في الانتخابات بترحاب، بشكل عام، في تركيا العضو في «ناتو»، وانعكس في ارتفاع مؤشرات الأسواق، وصعود طفيف لليرة التركية أمام الدولار استمر يوماً واحداً تقريباً عقب إعلان فوز ترمب؛ ما عكس تفاؤلاً حذراً بشأن السياسات الاقتصادية الأميركية في حقبة ترمب الجديدة.

إعجاب شخصي

لم يُخف إردوغان، في تصريحات أدلى بها، الجمعة، إعجابه بـ«ترمب» على المستوى الشخصي، قائلاً إنه أعطى «مثالًا رائعًا» في مواجهة كثير من الصعوبات، بما في ذلك محاولة الاغتيال، والصمود أمام منافسته الديمقراطية كامالا هاريس.

ترمب خلال استقباله إردوغان بالبيت الأبيض خلال ولايته الأولى (أرشيفية)

وأضاف: «لقد اجتاز (ترمب) الامتحان بنجاح دون استسلام أو تعب، المقاومة ليست مسعى يمكن لأي سياسي أن يحققه بسهولة». ولم يدعُ الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، جو بايدن، الذي وصف الرئيس التركي ذات مرة خلال حملته الانتخابية بـ«الديكتاتور»، إردوغان لزيارة واشنطن رسمياً، خلال رئاسته، كما جرى إلغاء زيارة كان من المقرر أن يقوم بها إردوغان للبيت الأبيض في وقت سابق من هذا العام دون إبداء أسباب، ما يؤكد فتور العلاقات، رغم اللقاءات المنظمة أو العابرة بين الرئيسين في محافل دولية مختلفة.

أميركيون يحتفلون بفوز ترمب بالرئاسة (رويترز)

كانت روابط إردوغان الشخصية مع ترمب خلال ولايته الأولى بين عامي 2017 و2021، أوثق، لكن ذلك لم يمنع من التوتر بسبب الخلافات حول علاقات واشنطن مع المقاتلين الأكراد في سوريا، وحول علاقات تركيا المتنامية مع روسيا.

لقاء بين إردوغان وبايدن على هامش قمة «الناتو» في فلينيوس العام الماضي (الرئاسة التركية)

وفي ولايته الثانية، تتوقع أنقرة أن تكون إدارة ترمب الجديدة أكثر مرونة وتفهماً لاحتياجات تركيا الأمنية، خصوصاً تجاه تهديدات «حزب العمال الكردستاني» القادمة من شمال سوريا والعراق.

«دبلوماسية الهاتف»

قال إردوغان إنه طلب من ترمب خلال الاتصال الهاتفي بينهما وقف الدعم الأميركي للمقاتلين الأكراد، لافتاً إلى أنه إذا قرر سحب القوات الأميركية من سوريا فستكون هناك اتصالات أخرى حول الأمر.

وأضاف إردوغان: «سنعزز التعاون بين تركيا والولايات المتحدة بشكل مختلف أكثر مما كانت عليه في الماضي؛ لأن هناك مشكلة تتعلق بطائرات (إف 35) مع الولايات المتحدة. (...) فقط أعطت تركيا الأموال للحصول على الطائرات، لكن واشنطن لم تسلّمها».

صورة تجمع بين ترمب وإردوغان وعقيلتيهما بالبيت الأبيض في ولاية ترمب الأولى (أرشيفية)

وتابع: «دعونا نشاهد كيف سنواجه هذه القضايا في الفترة الجديدة، وكيف سنواصل طريقنا. نحن نواجه كثيراً من التحديات، خصوصاً قضية فلسطين والأزمة الروسية - الأوكرانية، وآمل أن تنتهي الحروب والأزمات الإقليمية والعالمية مع رئاسة ترمب، رغم أنه كانت لدينا خلافات بين الحين والآخر خلال رئاسته السابقة».

وبدا إردوغان واثقاً بأن إدارة ترمب المقبلة سوف تُؤثّر بشكل كبير في التوازنات السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط، قائلا إنه يُعوّل على «دبلوماسية الهاتف» مع ترمب في الفترة الجديدة، لا سيما أنه لم يجد أي صعوبة فيها خلال فترته السابقة، وكانت هناك لقاءات مع ترمب على المستوى العائلي، وسهولة في الاتصال به».

ملفات الولاية الأولى

دفع تفاؤل إردوغان بولاية ترمب الجديدة كثيراً من المحللين والكتَّاب الأتراك إلى التذكير بولايته الأولى. وقال الكاتب البارز، مراد يتكين، إن ترمب يعرف أنه سياسي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، وقد يزعج هذا الأمر وزارة الخارجية التركية. وأضاف: «ربما يفكر إردوغان بشكل مختلف من الناحية السياسية؛ على الرغم من أن ترمب تَسَبَّبَ في أضرار عسكرية لتركيا بمنعها من الحصول على مقاتلات (إف 35)، وأضرار مالية عندما كتب تغريدة على (إكس)، قال فيها: (سأدمر اقتصادك)، ووجه رسالة مهينة إلى إردوغان»، في إشارة إلى أزمة القس برانسون.

ترمب فرض عقوبات على تركيا أواخر عام 2020 بسبب امتلاك تركيا منظمة «إس 400» الروسية (إعلام تركي)

ورأى يتكين أن الميزة الكبرى التي يتمتع بها إردوغان حالياً هي أن تركيا ليست على قائمة أولويات ترمب، وأنها ستستفيد حال تمكّن من إنهاء الحرب في أوكرانيا؛ «لأن خفض التوتر في البحر الأسود سيكون في مصلحة تركيا التي أعيد اكتشاف أهميتها الجيوسياسية في حرب روسيا وأوكرانيا، والتي يُتوقع أن تقترب من النظام الغربي في المرحلة المقبلة».

وأضاف يتكين أن إردوغان يعوِّل كثيراً على وعد ترمب بوقف الحرب الإسرائيلية في المنطقة، لكن توجد شكوك حول كيفية قيامه بذلك. وعبَّر عن اعتقاده أن ترمب لن يتخلى فوراً عن التعاون العسكري مع المسلحين الأكراد في سوريا، لافتاً إلى «أهميتهم بالنسبة لأمن إسرائيل ودورهم في عزل إيران».

ورأى الكاتب بصحيفة «حرييت» القريبة من الحكومة التركية، سادات أرغين، أنه حال عاد الحوار بين ترمب وإردوغان من بداية ولايته، فقد يكون من الضروري الاستعداد لمفاوضات ومفاجآت وتسويات بين أنقرة وواشنطن بشأن كثير من القضايا، بينها سوريا، فسيجد ترمب على مكتبه بالبيت الأبيض أن الملفات الشائكة بين تركيا وأميركا بقيت على حالها دون تغيير منذ 2021.


مقالات ذات صلة

الشرع: لن نسمح بتقسيم سوريا أو بتهديد المسلحين الأكراد لتركيا

المشرق العربي أحمد الشرع في القصر الرئاسي بدمشق 16 يناير 2025 (أ.ف.ب)

الشرع: لن نسمح بتقسيم سوريا أو بتهديد المسلحين الأكراد لتركيا

أكد القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، أن إدارته لن تقبل بتقسيم سوريا أو تهديد حدود تركيا انطلاقاً من سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية حريق فندق «غراند كارتال» في مركز «كارتال كايا للتزلج» في ولاية بولو غرب تركيا (أ.ف.ب)

تركيا: صدام بين الحكومة والمعارضة حول حريق فندق مركز التزلج

وقع صدام حاد وتبادل للاتهامات بين الحكومة التركية والمعارضة، بعدما كشف تقرير حول حريق فندق في مركز للتزلج بولاية بولو، غرب البلاد، عن إهمال جهات مسؤولة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية عائلات بعض ضحايا حريق فندق مركز التزلج في غرب تركيا أثناء تشييع جنازاتهم (أ.ف.ب)

​تركيا: التقرير الأولي لحريق مركز التزلج يتحدث عن دور للإهمال في الكارثة

كشفت النتائج الأولية للتحقيقات في حريق فندق بمركز للتزلج بولاية بولو غرب تركيا أن الإهمال لعب دوراً أساسياً في الكارثة التي أودت بحياة 78 شخصاً

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية أوميت أوزداغ رئيس حزب «النصر» القومي التركي (موقع الحزب)

تركيا تسجن السياسي القومي أوميت أوزداغ «عدو اللاجئين السوريين»

أُودع رئيس حزب «النصر» القومي المعارض، أوميت أوزداغ، الحبس الاحتياطي في سجن «سيلفري» غرب إسطنبول انتظاراً لمحاكمته بتهمة «تحريض الجمهور على الكراهية والعداء».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية حريق فندق غراند كارتال في بولو غرب تركيا (أ.ف.ب)

تركيا تحتجز 11 شخصاً بعد حريق بمنتجع تزلج... وتقرير يكشف عن إهمال

أعلن وزير العدل التركي يلماز تونج أن السلطات احتجزت 11 شخصاً في إطار تحقيق في حريق أسفر عن مقتل 79 شخصاً وإصابة العشرات في منتجع للتزلج في جبال بولو.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة: على «الأونروا» مغادرة القدس نهاية الشهر

رجل يسير أمام مكتب وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في القدس (أ.ف.ب)
رجل يسير أمام مكتب وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في القدس (أ.ف.ب)
TT

سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة: على «الأونروا» مغادرة القدس نهاية الشهر

رجل يسير أمام مكتب وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في القدس (أ.ف.ب)
رجل يسير أمام مكتب وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في القدس (أ.ف.ب)

حدّد سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون مهلة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لوقف أنشطتها في القدس وإخلاء كل المباني التي تشغلها بحلول الخميس 30 يناير (كانون الثاني)، وفق رسالة وجّهها إلى الأمين العام للمنظمة الدولية.

تأتي الرسالة عقب مصادقة البرلمان الإسرائيلي في أكتوبر (تشرين الأول) على قانون يحظر أنشطة الوكالة الأممية في إسرائيل، بما في ذلك القدس الشرقية المحتلة منذ العام 1967، بحسب «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال دانون «وفقاً للقانون الإسرائيلي المعمول به (...)، يجب على (الأونروا) وقف عملياتها في القدس وإخلاء كل المباني التي تستخدمها في المدينة بحلول 30 يناير على أبعد تقدير».

وتتهم إسرائيل الوكالة بأنها مخترقة من جانب أعضاء في حركة «حماس» الفلسطينية وتقول إن بعض موظفي الوكالة شاركوا في هجمات 7 أكتوبر 2023.

وشدد دانون في رسالته على أن هذه «التطورات هي رد مباشر على المخاطر الأمنية الجدية التي يشكلها اختراق (حماس)... لوكالة (الأونروا) ورفض الوكالة معالجة المخاوف الجدية والمادية التي أثارتها إسرائيل ومعالجة الوضع».

واعتبر أن «الأونروا» قد أخلت «بالتزامها الأساسي بالنزاهة والحياد، بشكل لا يمكن إصلاحه».

الأسلاك الشائكة تغطي الجدران المحيطة بمكتب وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في القدس (أ.ف.ب)

ولا تشير الرسالة إلى قانون ثانٍ أقره البرلمان الإسرائيلي في أكتوبر، سيحظر على المسؤولين الإسرائيليين العمل مع «الأونروا» وموظفيها اعتباراً من التاريخ نفسه، مما يثير مخاوف على مستقبل أنشطة الوكالة في غزة والضفة الغربية.

ومساء الجمعة ندد المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فيليب لازاريني على منصة «إكس» بالقرار الإسرائيلي معتبراً أنه «يخاطر بتخريب وقف إطلاق النار في غزة، محطماً مرة أخرى آمال أولئك الذين عانوا معاناة لا توصف». وقال «يجب أن يستمر عمل (الأونروا) في غزة وفي جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة».

وقبل أيام أكد لازاريني في أوسلو أن المنظمة ستواصل تقديم المساعدة لسكان الأراضي الفلسطينية رغم الحظر الإسرائيلي لها الذي يدخل حيز التنفيذ في نهاية يناير.

وقال لازاريني خلال اجتماع دولي خصص للشرق الأوسط «سنبقى وسنضطلع بمهمتنا». وأضاف أن «موظفي (الأونروا) المحليين سيبقون وسيواصلون تقديم مساعدة عاجلة، وعند الإمكان تعليم ورعاية صحية أساسية».

وبحسب لازاريني فإن غياب التواصل بين «الأونروا» والسلطات الإسرائيلية نتيجة للحظر سيجعل عمل الوكالة أكثر خطورة.

وترى إسرائيل أن أنشطة «الأونروا» يجب أن تتولاها وكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة. إلا أن الأمم المتحدة تكرر أنه «لا يمكن الاستغناء عنها»، لا سيما في مهمتها المتمثلة في تقديم الخدمات الأساسية للفلسطينيين، مثل الرعاية الطبية والتعليم.

وفي رسالة مؤرخة 8 يناير، شدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على أنه في حال وقف أنشطة «الأونروا» في الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية، يجب على إسرائيل، باعتبارها «السلطة القائمة بالاحتلال»، أن تضمن استمرار الخدمات التي تقدمها «الأونروا».