تبدي تركيا تفاؤلاً حيال عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، فالعلاقات في عهد إدارة الرئيس جو بايدن لم تكن بأفضل حال.
أسعد فوز ترمب بالسباق الرئاسي الأميركي الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الذي سارع للاتصال مهنئاً، كما أطلق تصريحات متفائلة رأى فيها أن «الشراكة النموذجية بين تركيا والولايات المتحدة لا تقبل الجدل».
وأضاف إردوغان، الذي تحدث إلى مجموعة من الصحافيين المرافقين له في رحلة عودته من بودابست، حيث شارك في قمة المجتمع السياسي الأوروبي، أن الرئيس ترمب تحدّث بشكل «إيجابي جداً» عن تركيا خلال الاتصال الهاتفي معه، وأنه دعاه إلى زيارة تركيا، ويأمل في أن يقبل الدعوة.
منعطفات الماضي
لم تكن ولاية ترمب الأولى مثالية بالنسبة للعلاقات مع تركيا، حيث شهدت الكثير من المنعطفات الحرجة، مثل قضية اعتقال القس الأميركي أندرو برانسون، بدعوى الارتباط بحركة «الخدمة» التابعة لفتح الله غولن و«حزب العمال الكردستاني»، التي تسببت في أزمة دبلوماسية بين البلدين حتى تم إطلاق سراحه بعدما هدد ترمب بـ«تدمير الاقتصاد التركي».
كما كان ترمب هو من أصدر عقوبات على تركيا في أواخر عام 2020، بسبب امتلاك منظومة الدفاع الجوي الروسية «إس 400». وكان بين العقوبات إخراج تركيا من مشروع إنتاج وتحديث المقاتلة الأميركية «إف 35» تحت إشراف حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وحرمانها من الحصول على 100 مقاتلة، وعرقلة حصولها أيضاً على مقاتلات «إف 16». وسبق ذلك فرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألومنيوم من تركيا.
فضلاً عن ذلك، لم يستطع ترمب التحرك بشأن سحب القوات الأميركية من سوريا، واستمر في عهده دعم واشنطن لـ«وحدات حماية الشعب الكردية» في سوريا، التي تعدُّها تركيا تنظيماً إرهابياً وذراعاً لـ«حزب العمال الكردستاني» المُدرج على قائمة المنظمات الإرهابية لدى تركيا وحلفائها الغربيين.
ورغم ذلك، قوبل فوز ترمب في الانتخابات بترحاب، بشكل عام، في تركيا العضو في «ناتو»، وانعكس في ارتفاع مؤشرات الأسواق، وصعود طفيف لليرة التركية أمام الدولار استمر يوماً واحداً تقريباً عقب إعلان فوز ترمب؛ ما عكس تفاؤلاً حذراً بشأن السياسات الاقتصادية الأميركية في حقبة ترمب الجديدة.
إعجاب شخصي
لم يُخف إردوغان، في تصريحات أدلى بها، الجمعة، إعجابه بـ«ترمب» على المستوى الشخصي، قائلاً إنه أعطى «مثالًا رائعًا» في مواجهة كثير من الصعوبات، بما في ذلك محاولة الاغتيال، والصمود أمام منافسته الديمقراطية كامالا هاريس.
وأضاف: «لقد اجتاز (ترمب) الامتحان بنجاح دون استسلام أو تعب، المقاومة ليست مسعى يمكن لأي سياسي أن يحققه بسهولة». ولم يدعُ الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، جو بايدن، الذي وصف الرئيس التركي ذات مرة خلال حملته الانتخابية بـ«الديكتاتور»، إردوغان لزيارة واشنطن رسمياً، خلال رئاسته، كما جرى إلغاء زيارة كان من المقرر أن يقوم بها إردوغان للبيت الأبيض في وقت سابق من هذا العام دون إبداء أسباب، ما يؤكد فتور العلاقات، رغم اللقاءات المنظمة أو العابرة بين الرئيسين في محافل دولية مختلفة.
كانت روابط إردوغان الشخصية مع ترمب خلال ولايته الأولى بين عامي 2017 و2021، أوثق، لكن ذلك لم يمنع من التوتر بسبب الخلافات حول علاقات واشنطن مع المقاتلين الأكراد في سوريا، وحول علاقات تركيا المتنامية مع روسيا.
وفي ولايته الثانية، تتوقع أنقرة أن تكون إدارة ترمب الجديدة أكثر مرونة وتفهماً لاحتياجات تركيا الأمنية، خصوصاً تجاه تهديدات «حزب العمال الكردستاني» القادمة من شمال سوريا والعراق.
«دبلوماسية الهاتف»
قال إردوغان إنه طلب من ترمب خلال الاتصال الهاتفي بينهما وقف الدعم الأميركي للمقاتلين الأكراد، لافتاً إلى أنه إذا قرر سحب القوات الأميركية من سوريا فستكون هناك اتصالات أخرى حول الأمر.
وأضاف إردوغان: «سنعزز التعاون بين تركيا والولايات المتحدة بشكل مختلف أكثر مما كانت عليه في الماضي؛ لأن هناك مشكلة تتعلق بطائرات (إف 35) مع الولايات المتحدة. (...) فقط أعطت تركيا الأموال للحصول على الطائرات، لكن واشنطن لم تسلّمها».
وتابع: «دعونا نشاهد كيف سنواجه هذه القضايا في الفترة الجديدة، وكيف سنواصل طريقنا. نحن نواجه كثيراً من التحديات، خصوصاً قضية فلسطين والأزمة الروسية - الأوكرانية، وآمل أن تنتهي الحروب والأزمات الإقليمية والعالمية مع رئاسة ترمب، رغم أنه كانت لدينا خلافات بين الحين والآخر خلال رئاسته السابقة».
وبدا إردوغان واثقاً بأن إدارة ترمب المقبلة سوف تُؤثّر بشكل كبير في التوازنات السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط، قائلا إنه يُعوّل على «دبلوماسية الهاتف» مع ترمب في الفترة الجديدة، لا سيما أنه لم يجد أي صعوبة فيها خلال فترته السابقة، وكانت هناك لقاءات مع ترمب على المستوى العائلي، وسهولة في الاتصال به».
ملفات الولاية الأولى
دفع تفاؤل إردوغان بولاية ترمب الجديدة كثيراً من المحللين والكتَّاب الأتراك إلى التذكير بولايته الأولى. وقال الكاتب البارز، مراد يتكين، إن ترمب يعرف أنه سياسي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، وقد يزعج هذا الأمر وزارة الخارجية التركية. وأضاف: «ربما يفكر إردوغان بشكل مختلف من الناحية السياسية؛ على الرغم من أن ترمب تَسَبَّبَ في أضرار عسكرية لتركيا بمنعها من الحصول على مقاتلات (إف 35)، وأضرار مالية عندما كتب تغريدة على (إكس)، قال فيها: (سأدمر اقتصادك)، ووجه رسالة مهينة إلى إردوغان»، في إشارة إلى أزمة القس برانسون.
ورأى يتكين أن الميزة الكبرى التي يتمتع بها إردوغان حالياً هي أن تركيا ليست على قائمة أولويات ترمب، وأنها ستستفيد حال تمكّن من إنهاء الحرب في أوكرانيا؛ «لأن خفض التوتر في البحر الأسود سيكون في مصلحة تركيا التي أعيد اكتشاف أهميتها الجيوسياسية في حرب روسيا وأوكرانيا، والتي يُتوقع أن تقترب من النظام الغربي في المرحلة المقبلة».
وأضاف يتكين أن إردوغان يعوِّل كثيراً على وعد ترمب بوقف الحرب الإسرائيلية في المنطقة، لكن توجد شكوك حول كيفية قيامه بذلك. وعبَّر عن اعتقاده أن ترمب لن يتخلى فوراً عن التعاون العسكري مع المسلحين الأكراد في سوريا، لافتاً إلى «أهميتهم بالنسبة لأمن إسرائيل ودورهم في عزل إيران».
ورأى الكاتب بصحيفة «حرييت» القريبة من الحكومة التركية، سادات أرغين، أنه حال عاد الحوار بين ترمب وإردوغان من بداية ولايته، فقد يكون من الضروري الاستعداد لمفاوضات ومفاجآت وتسويات بين أنقرة وواشنطن بشأن كثير من القضايا، بينها سوريا، فسيجد ترمب على مكتبه بالبيت الأبيض أن الملفات الشائكة بين تركيا وأميركا بقيت على حالها دون تغيير منذ 2021.