مخاوف إيرانية من إعادة انتخاب ترمب وتداعياتها الإقليمية

طهران تستعد لإدارة أميركية جديدة في خضم التوتر مع إسرائيل

رجل دين إيراني يردد هتافات وسط حرق العلم الأميركي في تظاهرة ذكرى اقتحام سفارة واشنطن لدى طهران (إ.ب.أ)
رجل دين إيراني يردد هتافات وسط حرق العلم الأميركي في تظاهرة ذكرى اقتحام سفارة واشنطن لدى طهران (إ.ب.أ)
TT

مخاوف إيرانية من إعادة انتخاب ترمب وتداعياتها الإقليمية

رجل دين إيراني يردد هتافات وسط حرق العلم الأميركي في تظاهرة ذكرى اقتحام سفارة واشنطن لدى طهران (إ.ب.أ)
رجل دين إيراني يردد هتافات وسط حرق العلم الأميركي في تظاهرة ذكرى اقتحام سفارة واشنطن لدى طهران (إ.ب.أ)

تستعد القيادة الإيرانية وحلفاؤها لما يرونه إحدى أسوأ النتائج المحتملة للانتخابات الرئاسية الأميركية الوشيكة، وهي عودة دونالد ترمب إلى السلطة.

تشير استطلاعات الرأي إلى منافسة متقاربة بين ترمب الجمهوري ونائبة الرئيس الديمقراطية كامالا هاريس. لكن القادة الإيرانيين والجماعات المسلحة المتحالفة معهم في لبنان والعراق واليمن يشعرون بالقلق من احتمال انتصار ترمب في 5 نوفمبر (تشرين الثاني)؛ ما يؤدي إلى مزيد من المتاعب لهم.

تكمن المخاوف الأساسية لدى إيران في أن يمنح ترمب الضوء الأخضر لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أجل ضرب مواقعها النووية، وشن اغتيالات هادفة، وإعادة فرض سياسة «الضغط الأقصى» عبر تشديد العقوبات على صناعة النفط الإيرانية، وفقاً لمسؤولين إيرانيين وإقليميين وغربيين. ويتوقع هؤلاء أن يقوم ترمب، الذي شغل منصب الرئيس بين 2017 و2021، بممارسة أقصى الضغوط على المرشد الإيراني علي خامنئي للرضوخ، وقبول اتفاق للحد من البرنامج النووي الإيراني وفقاً لشروط يفرضها ترمب وإسرائيل.

هذا التغيير المحتمل في القيادة الأميركية قد يكون له تأثيرات بعيدة المدى على توازن القوى في الشرق الأوسط، وقد يعيد تشكيل سياسة إيران الخارجية وآفاقها الاقتصادية، حسب تحليل لوكالة «رويترز».

ويقول المحللون إنه بغض النظر عن الجهة التي ستقود الإدارة الأميركية المقبلة، سواء كانت هاريس أم ترمب، فإن إيران ستفقد النفوذ الذي كانت تتمتع به في السابق، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة منذ عام، التي تهدف إلى إضعاف وكلاء الجمهورية الإسلامية المسلحين، مثل «حماس» في غزة و«حزب الله» في لبنان. ومع ذلك، يعد موقف ترمب أكثر ضرراً لإيران نظراً لدعمه التلقائي لإسرائيل.

«كأس السم؟»

صرح مسؤول إيراني كبير، طلب عدم الكشف عن هويته، أن طهران «مستعدة لجميع السيناريوهات. لقد وجدنا طرقاً على مدى عقود لتصدير النفط رغم العقوبات الأميركية الصارمة، وقمنا بتعزيز علاقاتنا مع بقية العالم بغض النظر عمن كان في البيت الأبيض».

لكن مسؤولاً إيرانياً آخر قال إن فوز ترمب سيكون «كابوساً». وأضاف: «سيزيد ترمب الضغط على إيران لإرضاء إسرائيل، وسيحرص على تنفيذ عقوبات نفطية صارمة. وإذا حدث ذلك، فقد تصاب مؤسستنا بالشلل اقتصادي».

وفي خطاب انتخابي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قال ترمب إنه لا يرغب في حرب مع إيران، لكنه أشار إلى ضرورة أن «تضرب إسرائيل المواقع النووية الإيرانية أولاً، وتفكر في الباقي لاحقاً”، كرد فعل على الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل في مطلع الشهر الماضي.

وردت إسرائيل بشن ضربات جوية على أهداف عسكرية إيرانية، خصوصاً مواقع إنتاج الصواريخ، في 26 أكتوبر الماضي.

وذكر المحللون أن خيارات إيران محدودة في المضي قدماً. وقال حسن حسن، كاتب وباحث في شؤون الجماعات الإسلامية: «الواقع هو أن ترمب سيدعم نتنياهو، وسيمنحه الضوء الأخضر للقيام بكل ما يريد». وأضاف: «ترمب أسوأ كثيراً من هاريس بالنسبة لإيران».

عضوان من «الحرس الثوري» في مراسم إحياء اقتحام السفارة الأميركية في طهران (إ.ب.أ)

وأضاف حسن أن واشنطن أوكلت جزءاً كبيراً من مسؤولية الصراع مع إيران ووكلائها إلى إسرائيل، حيث تقود إسرائيل هذا الشأن. وقال إن «الولايات المتحدة متورطة بما يكفي لدعم إسرائيل، وربما أكثر من قبل. الوضع هذه المرة سيئ للغاية بالنسبة لإيران. إيران تُعد مشكلة بالنسبة لكل من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء».

خلال حملتها الانتخابية، وصفت هاريس إيران بأنها «قوة خطيرة ومزعزعة للاستقرار» في الشرق الأوسط، وأكدت التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل، وقالت إن الولايات المتحدة ستعمل مع الحلفاء للتصدي لسلوك إيران «العدواني».

لكن إعادة انتخاب ترمب ستكون «كأس السم» لخامنئي، وفقاً لمسؤولين إقليميين. فإذا أعاد ترمب فرض عقوبات صارمة، فقد يُجبر خامنئي على التفاوض وقبول اتفاق نووي أكثر ملاءمة للمصالح الأميركية والإسرائيلية من أجل الحفاظ على النظام الثيوقراطي في إيران، الذي يواجه ضغوطاً خارجية متنامية واحتجاجات شعبية متكررة في السنوات الأخيرة.

وقال حسن إن الهجمات الأخيرة على إيران وحلفائها يُنظر إليها على نطاق واسع بوصفها نجاحاً كبيراً لإسرائيل؛ فقد قدمت لمحة عما قد يبدو ضربة محدودة تستهدف إيران؛ ما يغيِّر الافتراضات حول أن العمل العسكري ضد إيران سيؤدي حتماً إلى اندلاع حرب واسعة في الشرق الأوسط.

وقال مسؤول أمني عربي كبير إن طهران «لم تعد قادرة على التلويح بنفوذها من خلال وكلائها المسلحين»، في أعقاب الضربات الإسرائيلية القاتلة على قادة «حزب الله» و«حماس».

مخاوف طهران والنووي

لدى إيران أسباب قوية للخوف من ولاية جديدة لترمب؛ فهو الذي سحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015 مع القوى العالمية عام 2018، وأمر بقتل قاسم سليماني، اليد اليمنى لخامنئي ومهندس الهجمات الخارجية على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها. كما فرض عقوبات صارمة استهدفت عائدات صادرات النفط والمعاملات المصرفية الدولية الإيرانية؛ ما أدى إلى صعوبات اقتصادية شديدة، وزيادة السخط الشعبي في إيران.

وصرح ترمب مراراً خلال حملته الانتخابية بأن سياسة الرئيس جو بايدن بعدم فرض عقوبات على صادرات النفط أضعفت واشنطن وشجعت طهران؛ ما سمح لها ببيع النفط، وتكديس الأموال، وتوسيع قدراتها النووية ونفوذها من خلال الميليشيات المسلحة.

وفي مارس (آذار)، قال ترمب في مقابلة مع صحيفة «إسرائيل هيوم» إن إيران قد تتمكن من الحصول على سلاح نووي في غضون 35 يوماً، وإن إسرائيل - التي تعد الأنشطة النووية الإيرانية تهديداً وجودياً رغم أنها تملك الأسلحة النووية الوحيدة في المنطقة - في «حي خطير للغاية».

لاحظ مسؤول إقليمي أن طهران تدرك أن ترمب، رغم خطابه القاسي، يدرك أنه لا يوجد بديل عن التوصل إلى اتفاق مع إيران نظراً لتسارع برنامجها لتخصيب اليورانيوم. وأضاف: «قد يسعى ترمب إلى اتفاق نووي جديد، يمكنه أن يقول إنه مزق اتفاق 2015 لأنه غير مكتمل، ويستبدل به اتفاقاً طويل الأمد يروج له تحت شعار (لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى)، ويحافظ على مصالح الولايات المتحدة».

ومع تآكل اتفاق 2015 على مدى السنوات الماضية، رفعت إيران مستوى نقاء اليورانيوم المخصب إلى مستويات أقرب لتحقيق قدرات نووية؛ ما يقلل الوقت الذي تحتاج إليه لصنع قنبلة ذرية إذا اختارت ذلك، رغم أنها تنفي رغبتها في ذلك. وذكر موقع «إيران أونلاين»، وهو موقع إخباري تديره الدولة، أنه عندما ترك ترمب منصبه، كانت إيران تقيد التخصيب عند مستوى 3.67 في المائة بموجب الاتفاق، وهو مستوى أقل كثيراً من مستوى 90 في المائة المطلوب لصنع أسلحة نووية. أما الآن، فقد قامت إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة باستخدام أجهزة طرد مركزي متقدمة من نوع «آي آر 6»، وقد تتمكن من تحقيق القدرة النووية في غضون أسابيع قليلة. وقال الموقع: «إن إكمال دورة الردع النووي هو الورقة الرابحة الأكبر لإيران ضد ترمب».

وحذر مسؤولون إقليميون وغربيون من أنه كلما لمّحت إيران بأنها تقترب من تطوير قنبلة نووية، زادت حاجة إسرائيل إلى القيام بضربة استباقية. وصرح مسؤول غربي قائلاً: «إذا عاد ترمب إلى السلطة، فإنه سيدعم خطط إسرائيل لضرب المنشآت النووية الإيرانية».


مقالات ذات صلة

طهران تحتج بعد توقيف «عنيف» لطالبَين إيرانيَين في روسيا

شؤون إقليمية رجل شرطة روسي يقف حارساً عند قبر الجندي المجهول في حديقة ألكسندر خارج الكرملين بموسكو (إ.ب.أ)

طهران تحتج بعد توقيف «عنيف» لطالبَين إيرانيَين في روسيا

احتجت إيران، الحليف الوثيق لموسكو، لدى السلطات الروسية بعد عملية توقيف «عنيفة» لطالبَين إيرانيين في مدينة قازان الروسية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري وعلي لاريجاني كبير مستشاري المرشد الإيراني في بيروت (أ.ب)

لاريجاني: رسالة خامنئي إلى الأسد وبري ستغيّر المعادلة

توقع مسؤول إيراني بارز تغيّر المعادلة في الشرق الأوسط بعد رسالة المرشد علي خامنئي الأخيرة إلى لبنان وسوريا.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية عرض عدد من أجهزة الطرد المركزي في طهران خلال اليوم الوطني للطاقة النووية الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

إيران ستستخدم أجهزة طرد مركزي متقدمة رداً على قرار «الطاقة الذرية» ضدها

قالت إيران إنها ستتخذ إجراءات عدة من بينها استخدام أجهزة طرد مركزي متقدمة، رداً على القرار الذي اتخذته «الوكالة الدولية للطاقة» الذرية مساء الخميس ضدها.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)

مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يصدر قراراً ضد إيران

اعتمد مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية مساء الخميس قراراً ينتقد رسمياً إيران بسبب عدم تعاونها بما يكفي فيما يتعلق ببرنامجها النووي.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شؤون إقليمية صورة وزعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمديرها العام رافائيل غروسي في مستهل اجتماعها الربع السنوي في فيينا play-circle 01:24

دول غربية تدعو إيران إلى تدمير اليورانيوم عالي التخصيب «فوراً»

دعت دول غربية إيران إلى «تدمير اليورانيوم 60 % فوراً»، فيما رجحت تقارير أن يصوت مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على قرار ضد إيران غداً الجمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

أعمال شغب لعشرات المستوطنين ضد عسكريين إسرائيليين في الضفة... واعتقال 5 منهم

جندي إسرائيلي في مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)
جندي إسرائيلي في مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)
TT

أعمال شغب لعشرات المستوطنين ضد عسكريين إسرائيليين في الضفة... واعتقال 5 منهم

جندي إسرائيلي في مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)
جندي إسرائيلي في مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة (أ.ف.ب)

قال الجيش الإسرائيلي، اليوم (السبت)، إن عشرات المستوطنين قاموا بأعمال شغب في مستوطنة إيتمار بالضفة الغربية ضد عسكريين بالجيش الإسرائيلي.

وأضاف الجيش، في بيان، أنه تم تفريق الحشد واعتقال 5 من المشتبه بهم، وعبّر عن إدانته لأشكال العنف كافة ضد أفراده.

وفي واقعة منفصلة، أدان وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، هجوماً لنحو 30 من الشبان الإسرائيليين على قائد القيادة المركزية للجيش آفي بلوث وضباط آخرين في مدينة الخليل بالضفة الغربية، أمس الجمعة، وفقاً لصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية.

وأضافت الصحيفة أن الشبان وجّهوا الشتائم إلى بلوث ووصفوه بأنه «خائن» و«عدو لدولة إسرائيل».

وقال كاتس على منصة «إكس»: «أتوقع أن تقوم سلطات إنفاذ القانون بسرعة بتقديم المتورطين في أعمال الشغب في الخليل للمحاكمة».

وأفادت صحيفة «هآرتس»، السبت، نقلاً عن مصدر أمني بأن مئات الإسرائيليين يحاولون اقتحام حاجز عسكري في مدينة الخليل والدخول لمنطقة محظورة.

وأضافت الصحيفة أن الحاجز العسكري الذي حاول الإسرائيليون اختراقه يفصل بين منطقة تتركز فيها المستوطنات اليهودية وأجزاء من البلدة القديمة للخليل.

وأعلن كاتس، أمس الجمعة، أنه قرر إنهاء استخدام الاعتقال الإداري بحق المستوطنين اليهود في الضفة الغربية المحتلة.

وقال في بيان إنه قرر «وقف استخدام مذكرات الاعتقال الإداري ضد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية في واقع تتعرض فيه المستوطنات اليهودية هناك لتهديدات إرهابية فلسطينية خطيرة، ويتم اتخاذ عقوبات دولية غير مبررة ضد المستوطنين».

وأضاف: «ليس من المناسب لدولة إسرائيل أن تتخذ خطوة خطيرة من هذا النوع ضد سكان المستوطنات».

من جهتها، اتهمت السلطة الفلسطينية إسرائيل بتشجيع «المستوطنين المتطرفين على ممارسة الإرهاب ضد الفلسطينيين».

وقالت وزارة الخارجية، في بيان: «ترى الوزارة أن هذا القرار يشجع المستوطنين المتطرفين على ممارسة الإرهاب ضد الفلسطينيين وأرضهم وممتلكاتهم، ويعطيهم شعوراً إضافياً بالحصانة والحماية».