وضع القرار الإسرائيلي بحظر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «أونروا» الوكالة الأممية في مواجهة مصير مجهول، يهدد بإنهاء عملها في الأراضي الفلسطينية بشكل كامل، وهو أمر سيظل معلقاً إلى حد ما برغبة وإرادة الدول المانحة والمؤثرة، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
وأقرّ الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي، مساء الاثنين، بشكل نهائي، بالقراءتين الثانية والثالثة، قانوناً يحظر نشاط «أونروا»، داخل إسرائيل، وذلك على الرغم من التحذيرات الأممية والدولية من خطورة هذا التشريع الذي ينتهك المواثيق والقوانين الأممية والدولية.
ويهدف القانون إلى «منع أي نشاط لـ(أونروا) في أراضي دولة إسرائيل»، وينصّ القانون على «ألا تقوم (أونروا) بتشغيل أي مكتب تمثيلي، ولن تقدم أي خدمة، ولن تقوم بأي نشاط، بشكل مباشر أو غير مباشر، في أراضي دولة إسرائيل».
وبموجب القانون، تُلغى اتفاقية تعود إلى عام 1967 سمحت لـ«أونروا» بالعمل في إسرائيل، وبالتالي تتوقف أنشطة الوكالة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، ويحظر أي اتصال بين المسؤولين الإسرائيليين وموظفيها.
ويعني القرار بشكل حاسم وقف عمليات «أونروا» في القدس الشرقية، حيث تقدم خدمات التعليم والصحة والخدمات المدنية لمئات الآلاف من الفلسطينيين، ومن شأنه أن يقيد بشدة من أنشطة «أونروا» في قطاع غزة والضفة الغربية، حيث تعتمد الوكالة على التنسيق مع إسرائيل لتقديم المساعدات الإنسانية وغيرها من الخدمات.
واعتبر مفوض أونروا، فيليب لازرايني، أن تصويت الكنيست ضد الوكالة «سابقة خطيرة، ويعارض ميثاق الأمم المتحدة وينتهك التزامات دولة إسرائيل بموجب القانون الدولي».
وحذَّر لازاريني من إنهاء عمل الوكالة، وقال إن «إنهاء (أونروا) وخدماتها لن يسلب الفلسطينيين من وضعهم لاجئين».
فما هي «أونروا»؟
تأسست «أونروا» بموجب القرار الرقم 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 ديسمبر (كانون الأول) 1949؛ بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئي فلسطين. وبدأت الوكالة عملها في 1 مايو (أيار) عام 1950.
وفي غياب حل لمسألة لاجئي فلسطين، عملت الجمعية العامة وبشكل متكرر على تجديد ولاية «أونروا»، وكان آخرها تمديد عمل الوكالة حتى 30 يونيو (حزيران) 2026.
وتقدم «أونروا» خدمات منقذة للحياة لنحو 5.9 مليون لاجئ من فلسطين في 58 مخيماً بأقاليم عملياتها الخمسة التي تشمل الأردن، ولبنان، وسوريا والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، وتشتمل خدمات الوكالة على التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي والإقراض الصغير والاستجابة الطارئة بما في ذلك في أوقات النزاع المسلح.
تقول «أونروا» إن اللاجئ الفلسطيني هو الشخص الذي كانت فلسطين هي مكان إقامته الطبيعية خلال الفترة الواقعة بين يونيو 1946 ومايو 1948، والذي فقد منزله ومورد رزقه آنذاك.
وتُمنح الصفة لأبناء لاجئي فلسطين الأصليين والمنحدرين من أصلابهم. وعندما بدأت الوكالة عملها في عام 1950، كانت تستجيب لاحتياجات ما يقرب من 750 ألف لاجئ فلسطيني.
واليوم، فإن نحو 5 ملايين و900 ألف لاجئ من فلسطين يحق لهم الحصول على خدمات «أونروا».
التعليم والصحة
تدير «أونروا» 702 مدرسة ابتدائية وإعدادية في أقاليم عملياتها الخمسة، وهي توفر التعليم الأساسي المجاني لنحو 545 ألف طفل من لاجئي فلسطين. وفي قطاع غزة؛ كان يوجد 183 مدرسة تقدم الخدمة لأكثر من 278 ألف طالب وطالبة.
وفي الضفة الغربية؛ تدير «أونروا» 96 منشأة تعليمية تصل خدماتها إلى أكثر من 46 ألف طالب.
وصل عدد المراكز الصحية لـ«أونروا» إلى 140 مركزاً في جميع الأقاليم، ويوجد في قطاع غزة 22 مركزاً لتقديم خدمات الرعاية الصحية للغالبية العظمى من اللاجئين الفلسطينيين في غزة، والبالغ عددهم 1.263.000 لاجئ.
أما في الضفة الغربية، فتقدم «أونروا» خدمات لنحو 900 ألف لاجئ في 43 مركزاً صحياً بالمخيمات.
وتحتاج «أونروا» كل عام إلى نحو مليار و600 مليون دولار، وتصرف ما يقارب من 38 في المائة من ميزانيتها بالقطاع.
ويعمل في مرافق «أونروا» 28 ألف موظف، بينهم 3700 موظف يعملون في قطاعات الصحة، والتعليم، والخدمات في الضفة، و13 ألفاً بقطاع غزة.
اتهامات متواصلة
وجاء قرار إسرائيل بحظر «أونروا» بعد أيام قليلة من إعلان الجيش الإسرائيلي، أنه قتل مَن وصفه بـ«قائد في قوة النخبة التابعة لـ(حماس)»، وزعم أنه قاد عملية الهجوم على طريق قريب من «كيبوتس رعيم» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
وبحسب الجيش الإسرائيلي، فإن محمد أبو عطيوي، الذي شغل منصب قائد في قوة النخبة في كتيبة «البريج» التابعة لـ«حماس»، يعمل أيضاً لدى وكالة «أونروا» منذ يوليو (تموز) 2022.
وودعا الجيش في بيان نشره المتحدث باسمه، أفيخاي أدرعي، المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى «تقديم توضيحات وبإجراء تحقيق عاجل في قضية مشاركة موظفي (أونروا) في مجزرة السابع من أكتوبر وفي نشاطات إرهابية ضد إسرائيل»
واتهام أبو عطيوي جزء ممن اتهامات سابقة لـ«أونروا بأن جزءاً من موظفيها هم من «حماس».
وبعد هجوم السابع من أكتوبر، اتهمت إسرائيل عاملين في الوكالة بالمشاركة في هجوم «حماس» المباغت وهي اتهامات حرصت إسرائيل على تثبيتها وبثها للعالم، ثم بدأت تقول إنه حان وقت محاسبة هذه الوكالة التي لن يكون لها دور في مستقبل قطاع غزة.
وجمدت دول عدة مساهمتها لتمويل «أونروا» على ضوء المزاعم الإسرائيلية. لكن تحقيقاً مستقلاً أجرته الأمم المتحدة، خلص في أبريل (نيسان) الماضي، إلى أن إسرائيل لم تقدم دليلاً على مزاعمها بأن عدداً من موظفي الوكالة هم أعضاء في «منظمات إرهابية» وبأنهم كانوا متواطئين مع حركة «حماس» في هجمات السابع من أكتوبر.
وأوضح التقرير آنذاك أن «أونروا»، لديها أدوات كثيرة لضمان الحياد في عملها وتقدم بصورة دورية قوائم العاملين بها إلى إسرائيل، وأن الحكومة الإسرائيلية «لم تبلغ (أونروا) بأي بواعث قلق حيال أي من موظفي الوكالة بناءً على تلك القوائم منذ عام 2011».
وتواجه «أونروا» حرباً إسرائيلية قديمة من أجل شطب أو إغلاق الوكالة الأممية التي ترى إسرائيل أنها أدامت أمد الصراع، وهو حلم كاد يقترب كثيراً من أن يصبح واقعاً إذا ما وصل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى السلطة مجدداً؛ إذ إنه أوقف عام 2017 تمويل الوكالة وعدّها فاسدة وغير مفيدة للسلام، رافضاً أرقام اللاجئين المسجلين لديها.
ويمكن القول إنه منذ ذلك الوقت تعاني «أونروا» أزمة مالية حادة، جعلتها تفكر مرات عدة في توسيع شراكتها مع منظمات أممية في أقاليم عملها الخمسة، قبل أن يرفض اللاجئون ذلك، ويعدّوا الأمر محاولة للتآمر عليهم.