«مندوب في كل صحيفة»... كيف تراقب إسرائيل الإعلام خلال الحرب؟

سمحت بنشر صورة لإصابة بيت لنتنياهو ضد رغبة «الشاباك»

صورة بثها الإعلام الإسرائيلي تُظهر الضرر في نافذة منزل نتنياهو
صورة بثها الإعلام الإسرائيلي تُظهر الضرر في نافذة منزل نتنياهو
TT

«مندوب في كل صحيفة»... كيف تراقب إسرائيل الإعلام خلال الحرب؟

صورة بثها الإعلام الإسرائيلي تُظهر الضرر في نافذة منزل نتنياهو
صورة بثها الإعلام الإسرائيلي تُظهر الضرر في نافذة منزل نتنياهو

أثار قرار الرقابة العسكرية الإسرائيلية السماح بنشر صور منزل خاص برئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في مدينة قيسارية، وتظهر فيه إصابة واضحة، عقب هجوم مسيَّرة لـ«حزب الله»، ردود فعل ساخرة داخلية كثيرة، وتهكمات على قادة الجيش والحكومة.

فالضربة وقعت، يوم السبت الماضي، والصور بشأنها انتشرت في الشبكات الاجتماعية، ووصلت إلى كل مكان في العالم، لكن الرقابة العسكرية الإسرائيلية منعت نشرها في إسرائيل، طيلة 4 أيام، وفقط بعد موجة السخرية الواسعة وافقت على النشر يوم الثلاثاء الماضي.

ومع ذلك، لا يبدو أن قراراً بالنشر تم بالإجماع.

وبحسب مصادر أمنية، ظل «الشاباك» (جهاز الأمن العام) يعترض، لكن الجيش شعر بالخزي من تأخير النشر، وقرر نشر الصور، قائلاً إن «الأضرار من منع النشر تفوق بدرجات الأضرار التي حصلت حتى الآن من منع النشر».

لكن جانباً آخر للنشر تفسره هجمة شرسة من اليمين الإسرائيلي، الذي أيد نشر الصور حتى يظهر نتنياهو «بطلاً، يطلب الأعداء رأسه، ويجب على المواطنين أن يلتفوا حوله ويناصروه في الحرب».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر صحافي في القدس سبتمبر الماضي (رويترز)

وقد أدَّى هذا الصراع في المؤسسة الأمنية إلى إثارة النقاش من جديد حول جدوى الرقابة العسكرية، بل كانت حادثة بيت نتنياهو القشة التي كسرت ظهر البعير حول دور الرقابة في عصر الشبكات الاجتماعية.

الجهات الإعلامية تعتبر الرقابة «جهازاً قديماً ومتخلفاً لا يدرك أن العالم تغير»، وأنه «في القرن الحادي والعشرين؛ حيث يمتلك كل مواطن جهاز تصوير يستغله لتوثيق كل شيء في لحظة وقوعه، يصبح منع النشر مثل مَن يحجب الشمس بعباءة»، ويطالبون بإلغائه تماماً، وأن تُستبدل به قوانين عصرية لا ترمي إلى التحكم بالمعلومات، بل حصره في شؤون أمنية بحتة.

من أين بدأت؟

ترتبط نشأة جهاز الرقابة العسكرية في إسرائيل بإقامة الدولة في سنة 1948، وهو تابع لشعبة المخابرات العسكرية في الجيش الإسرائيلي (أمان)، وهدفها تنفيذ الرقابة الصارمة ومنع تداول أي معلومات قد تضر بأمن إسرائيل أو السلم العام أو النظام العام.

ويعمل جهاز الرقابة العسكرية وفقاً لأنظمة الطوارئ البريطانية لعام 1945 سيئة الصيت، التي تتمسك بها إسرائيل في عدة مجالات، مثل فرض الاعتقال الإداري، الذي يسمح باعتقال أي شخص دون تهمة أو محاكمة لمدد مفتوحة ولا نهائية، ويُستخدم بالأساس ضد الفلسطينيين، وأحياناً ضد بعض المتطرفين اليهود الذين يمارسون الإرهاب.

أما الرقيب العسكري، فهو عادة يفحص البث التلفزيوني والإذاعي والإنترنت والصحف والكتب، ويقرر حذف معلومات بعينها أو طلب حذفها من موظفي تلك المنظمات الإعلامية، وقد يتنصت أحياناً على المكالمات الدولية في إسرائيل للتأكد من عدم إفشاء أي معلومات محظورة للخارج.

جندية إسرائيلية بموقع هجوم في بئر السبع 6 أكتوبر الحالي (أ.ب)

كما يستطيع الرقيب حظر مادة إعلامية قبل أو بعد نشرها، ويملك صلاحيات واسعة لمعاقبة أي جهة تنشر معلومات محظورة، بما في ذلك إغلاق تلك المؤسسات الإعلامية ومصادرة معداتها، أو إلغاء تصاريحها الإعلامية دون إبداء أسباب.

مندوب في كل صحيفة

ورغم أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تُعتبر المتضرر الأكبر من أنظمة الرقابة، كونها تمس بحرية النشر والتعبير، فإن الجيش تمكَّن من تطويع رؤساء التحرير، منذ عام 1948، والاتفاق معهم على آلية عمل مهادنة.

وينص الاتفاق على أن يجتمع رؤساء التحرير مرة في الشهر مع مسؤول كبير، من رئيس الحكومة إلى وزير الدفاع أو قائد الجيش، فيقدم المسؤول إحاطة تتضمن بعض الأسرار، فيلتزم المحررون بالامتناع عن النشر بحسب طلب السلطة. كما قرر الجيش التسهيل على المحررين، وبدلاً من إرسال المواد ذات المواضيع الحساسة لمراقبتها، تم تعيين مندوب عن الرقيب في كل صحيفة يعطي رأيه وموقفه حول النشر فورياً.

بموجب هذا الترتيب، أُتيح شطب آلاف الأنباء أو تعديل النشر؛ فعلى سبيل المثال في سنة 2021 التي هاجمت فيها إسرائيل «الجهاد الإسلامي» في غزة، تم تقديم 7413 خبراً للرقيب العسكري، فشطب منها 129، وتدخل في مضمون 1313 خبراً، حيث شطب فيها كلمة أو جملة أو أكثر.

وفي السنة الماضية (2023)، التي اندلعت بها الحرب على غزة، تم شطب 613 خبراً، وفي شهر مايو (أيار) الماضي وحده تم شطب 242 خبراً بالكامل، وشطب جمل في 698 خبراً.

والمواضيع التي يتم شطبها تتعلق بحجم الخسائر الإسرائيلية في الحرب؛ حيث تقرر عدم الإفصاح عن العدد الدقيق للقتلى والجرحى وهوية كل منهم، وعن تحركات الجيش ونوعية أسلحته؛ خصوصاً الأسلحة والذخيرة الجديدة التي تُستخدَم لأول مرة.

وهناك نوع من الرقابة الذاتية، التي قررها محررو الأخبار في الصحف والقنوات التلفزيونية والإذاعية، من دون حاجة لأوامر الرقابة، وبموجبها امتنعت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن نشر الحقائق حول الممارسات الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية وفي لبنان، منذ 7 أكتوبر الماضي.

وفعلوا ذلك ضمن الالتزام بموقف موحد وراء الجيش، مهما فعل، ولقد كسرت هذا الإقرار صحيفة «هآرتس» وبعض المواقع اليسارية، لكنها لم تستطع نشر كل ما وصل إليها من معلومات رهيبة، فنشأ وضع يكون فيه العالم على معرفة بممارسات إسرائيل ويشهد مظاهرات جبارة ضدها، وفي القيادة الإسرائيلية يعدّونها «مظاهر معادية للسامية ولليهود».

لكنّ هؤلاء المحررين (ومعهم المراسلون العسكريون ومعلقون ومحللون) يبررون تصرفهم بالقول إن «الجمهور الإسرائيلي لا يريد أن يعرف ماذا يجري في غزة، ولا يهمه ما يعانيه الفلسطينيون».


مقالات ذات صلة

الأمطار تزيد معاناة الغزيين... وتحرمهم من المصدر الوحيد للكهرباء

المشرق العربي فلسطينيات يستخدمن طريقاً جافاً لنقل المياه إلى خيمتهن بعد هطول أمطار غزيرة بدير البلح وسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب)

الأمطار تزيد معاناة الغزيين... وتحرمهم من المصدر الوحيد للكهرباء

منذ أن قطعت الحكومة الإسرائيلية الكهرباء عن غزة بفعل حربها المستمرة ضد القطاع منذ نحو 14 شهراً، اعتمد السكان على البديل الوحيد المتوفر، وهو الطاقة الشمسية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية عناصر من حركتي «حماس» و«الجهاد» يسلمون رهائن إسرائيليين للصليب الأحمر في نوفمبر 2023 (د.ب.أ)

انتقادات من الجيش لنتنياهو: عرقلة الاتفاق مع «حماس» سيقويها

حذر عسكريون إسرائيليون، في تسريبات لوسائل إعلام عبرية، من أن عرقلة نتنياهو لصفقة تبادل أسرى، تؤدي إلى تقوية حركة «حماس»، وتمنع الجيش من إتمام مهماته القتالية.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي رجل يحمل جثة طفل قُتل في غارة إسرائيلية على مدرسة في مخيم النصيرات للاجئين بغزة (أ.ف.ب)

غزة: 71 قتيلاً جراء القصف الإسرائيلي في يوم واحد

أعلنت وزارة الصحة  الفلسطينية في قطاع غزة، اليوم (الخميس)، ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي إلى 44 ألفاً و56 قتيلاً، إلى جانب 104 آلاف و268 إصابة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت (رويترز)

بن غفير وسموتريتش يتهمان غالانت بالسماح لـ«حماس» بالاستمرار في حكم غزة

انتقد أعضاء اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية غالانت بعد أن حذر من أنّ تحمل المسؤولية عن توزيع المساعدات الإنسانية في غزة قد يجر إسرائيل للحكم العسكري.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يحملون جثمان أحد القتلى جراء القصف الإسرائيلي على النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ب)

قصف طال مدرسة وخيمة للنازحين... الجيش الإسرائيلي يقتل 16 فلسطينياً بغزة

قتل الجيش الإسرائيلي اليوم (الأربعاء) 16 فلسطينياً على الأقل في هجمات جوية على مناطق مختلفة بقطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)

إسرائيل: استهدفنا مركز قيادة لـ«حزب الله» في «غارة البسطة»

جانب من الدمار جراء الغارة الإسرائيلية التي استهدفت منطقة البسطة في بيروت (أ.ف.ب)
جانب من الدمار جراء الغارة الإسرائيلية التي استهدفت منطقة البسطة في بيروت (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل: استهدفنا مركز قيادة لـ«حزب الله» في «غارة البسطة»

جانب من الدمار جراء الغارة الإسرائيلية التي استهدفت منطقة البسطة في بيروت (أ.ف.ب)
جانب من الدمار جراء الغارة الإسرائيلية التي استهدفت منطقة البسطة في بيروت (أ.ف.ب)

قال الجيش الإسرائيلي، اليوم (الاثنين)، إن الغارة التي شنتها طائراته على منطقة البسطة في وسط بيروت، فجر أول من أمس، استهدفت مركز قيادة تابعاً لـ«حزب الله».

وردَّ الجيش على استفسارات «وكالة الصحافة الفرنسية» في بيان مقتضب جاء فيه: «قصف الجيش الإسرائيلي مركز قيادة لـ(حزب الله)».

وكشف مصدر أمني لبناني لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» عن أن «قيادياً كبيراً» في «حزب الله»، الموالي لإيران، جرى استهدافه في الغارة. وقال المصدر إن «الضربة الإسرائيلية في البسطة كانت تستهدف شخصية قيادية في (حزب الله)»، من دون أن يؤكد إن كان المستهدف قُتل أم لا.

وتضاربت الأنباء حول هوية القيادي من «حزب الله» الذي استهدفته الغارة. ودارت الاحتمالات حول القياديين: طلال حمية، ومحمد حيدر، وهما اثنان من أبرز القادة العسكريين في الحزب.

وأسفرت تلك الغارة العنيفة عن مقتل 29 شخصاً على الأقل، وإصابة 67 آخرين بجروح، وفق آخر حصيلة لوزارة الصحة اللبنانية.