قلق فرنسي من المقاربة الأميركية للحرب الإسرائيلية في لبنان

باريس مستعجلة لعقد مؤتمر دولي لدعم لبنان... ووزير خارجيتها يحذّر من خطط نتنياهو

غارة إسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)
غارة إسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

قلق فرنسي من المقاربة الأميركية للحرب الإسرائيلية في لبنان

غارة إسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)
غارة إسرائيلية على جنوب لبنان (أ.ف.ب)

بين باريس وواشنطن هوّة كبيرة في النظر إلى ما يتعيّن القيام به إزاء حرب إسرائيل على لبنان، ففرنسا ما زالت متمسّكة بالمبادرة المشتركة التي أطلقها الرئيسان الأميركي والفرنسي، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعية إلى وقف لإطلاق النار من 21 يوماً، تتبعه مفاوضات بشأن ترتيبات أمنية في الجنوب اللبناني، وتطبيق القرار 1701 الصادر عام 2006.

وفي البيانات الرسمية كافةً، تُذكّر باريس بهذه المبادرة التي دعمتها ومجموعة واسعة من الدول الأوروبية والعربية، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي تم التشاور معه قبل الإعلان عنها وأقرّها، عاد وانقلب عليها، وما يغيظ باريس أن الإدارة الأميركية الراهنة، المكبَّلة باستحقاق الانتخابات الرئاسية يوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، قد أرخت العنان لنتنياهو ليعمل ما يريد في لبنان بينما تسعى هي، من جانبها، لوقف إطلاق النار.

وجاء كلام الناطق باسم الخارجية الأميركية ماتيو ميللر، الثلاثاء، ليضع النقاط على الحروف: «نحن ندعم الجهود التي تبذلها إسرائيل من أجل الحدّ من قدرات (حزب الله)، ولكننا في النهاية نريد حلاً دبلوماسياً للصراع».

لا لتحويل لبنان لغزة جديدة

عيبُ هذا الكلام أنه عامّ ومُبهَم، ويفتح الباب أمام الاحتمالات كافةً، فهو من جهة لا يحدّد فترة زمنية تعطَى للجيش الإسرائيلي، ومن جهة ثانية، لا يوضح المقصود من «خفض قدرات» «حزب الله»، ومن جهة ثالثة لا يأتي على مساعي إسرائيل للسيطرة على أراضٍ لبنانية، ورابعاً أنه ينحّي الجهود السياسية والدبلوماسية جانباً، ويجعلها رهينةً لنجاح الخطط الإسرائيلية، وما يزيد من المخاطر المترتبة على هذه المقاربة قناعة باريس بأن الجانب الأميركي نشر فوق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «مظلة واقية» تحجب عنه أي انتقادات، وتُطلِق يدَي الأخير لتوجيه التحذيرات والتهديدات، وآخر ما صدر عنه، الثلاثاء، في مقطع فيديو يثير قلقاً بباريس والعواصم الأوروبية، فمنذ أسبوع يحذّر الرئيس إيمانويل ماكرون من «تحويل لبنان إلى غزة أخرى»، وهو ما يهدّد به نتنياهو الطرف اللبناني بكلام لا يحتاج إلى تفسير أو تأويل، فقد جاء في الفيديو المشار إليه، متوجّهاً إلى اللبنانيين ومتحدّثاً عن «حزب الله» ما نصّه: «لا تسمحوا لهؤلاء الإرهابيين بتدمير مستقبلكم أكثر مما فعلوا بالفعل، لديكم فرصة لإنقاذ لبنان قبل أن يسقط في هاوية حرب طويلة تؤدي إلى دمار ومعاناة كما نرى في غزة، لا ينبغي بالضرورة أن تؤول الأمور إلى ذلك»، وبكلام مباشر يقول نتنياهو للبنانيين: إما أن تثوروا على «حزب الله»، وأن تستعيدوا لبنان منه، أو أننا سنعمد إلى تدمير لبنان كما فعلنا في غزة.

لم تكن باريس لتقبل بالمقاربة الأميركية ــ الإسرائيلية، ومن هنا يمكن فهم انتقاد الرئيس الفرنسي لمن يدعو من جهة لوقف إطلاق النار في لبنان (وفي غزة)، وفي الوقت نفسه يثابر على تزويد إسرائيل بالسلاح، ويمنحها «صكاً على بياض» لتفعل في لبنان (وغزة) ما تريد.

والرسالة موجّهة مباشرةً للولايات المتحدة الأميركية، وللرئيس بايدن شخصياً؛ عرّاب «المبادرة المشتركة» الأميركية ــ الفرنسية، وأول المتراجعين عنها، ويلاحظ الطرف الفرنسي أن جميع خطط وقف الحرب والخطوط الحمراء التي وضعتها الإدارة الأميركية بالنسبة لحرب غزة وحرب لبنان (وربما حرب إيران) تهاوت الواحدة بعد الأخرى، والتساؤل الذي يسعى الفرنسيون لجلائه يتناول معرفة ما إذا كانت واشنطن تلعب لعبة مزدوجة، أم أن السبب الأول في ذلك عجزها عن التأثير في القرارات الإسرائيلية، أو عدم رغبتها في الضغط جدّياً على إسرائيل وإحراجها.

وزير الخارجية يحذّر: لبنان «سيغرق في حالة من الفوضى، والمنطقة على شفير اشتعال».

وإزاء هذا الوضع، كان من الطبيعي أن تتدخل الدبلوماسية الفرنسية بشخص وزير الخارجية للتحذير من المخاطر المترتبة على النوايا الإسرائيلية، ودخول جان نويل بارو على الخط لا يمكن فهمه بعيداً عن التوتر الذي نشأ بين ماكرون ونتنياهو نهاية الأسبوع المنصرم، الذي وصل إلى حد تجريح نتنياهو بالرئيس الفرنسي، ووصمه بـ«العار»، وتأليب السياسيين الفرنسيين ضده، بمن فيهم مَن يدين له تماماً بموقعه ومنصبه، كرئيسة مجلس النواب الفرنسي يائيل براون ــ بيفيه، أو نوّاب من حزبه، أو أحد الوزراء الذين سمّاهم في الحكومة الجديدة.

وجرت المقابلة التلفزيونية مع وزير الخارجية، ليل الأحد، للرد على نتنياهو بخصوص لبنان. وخلال الزيارة التي قام بها إلى إسرائيل، في إطار جولته الشرق أوسطية، لم تتوفر الفرصة لجان نويل بارو لمقابلة نتنياهو، واكتفى بمقابلة نظيره يسرائيل كاتس، وزير الشؤون الاستراتيجية المقرّب من نتنياهو، ونبّه بارو إلى أن «القوة وحدها لن تجلب الأمن لإسرائيل»، وأنه «حان الوقت للعودة للمقاربة الدبلوماسية».

وفي مقابلته التلفزيونية ندّد بارو بكلام نتنياهو، عادّاً إياه «استفزازاً»، مشيراً إلى أنه «إذا أعقب هذا الاستفزاز أفعال، فإنه سيغرق لبنان، البلد الصديق لفرنسا والهشّ أصلاً، في حالة من الفوضى».

مؤتمر الدعم للبنان في 24 الحالي

وتريد باريس أن تقرن القول بالفعل ومواظبة العمل على المستويَين السياسي ــ الدبلوماسي والإنساني، والتعجيل في تعهّد الرئيس ماكرون بالدعوة إلى مؤتمر دولي لدعم سيادة لبنان واللبنانيين، وفي هذا السياق صدر عن وزارة الخارجية بيان بهذا الشأن يفيد بأن المؤتمر الموعود سيُعقد في 24 من الشهر الحالي في باريس، وجاء في نص البيان أنه «سيجمع الدول الشريكة للبنان والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية والإقليمية ومنظمات المجتمع المدني، وسيكون الهدف من المؤتمر تعبئة المجتمع الدولي لتلبية احتياجات الحماية والإغاثة الطارئة للسكان اللبنانيين، وتحديد سبل دعم المؤسسات اللبنانية، ولا سيما القوات المسلحة اللبنانية التي تُعدّ الضامن للاستقرار الداخلي في البلاد».

وكان لا بد من أن تؤكد باريس مجدّداً رغبتها في التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وقد جاء في البيان: «في مواجهة أزمة سياسية وإنسانية خطيرة وعميقة، ستستغل فرنسا هذا المؤتمر للتأكيد على الحاجة المُلحّة لوقف الأعمال العدائية، والتوصل إلى حل دبلوماسي على أساس قرار مجلس الأمن رقم 1701، مما يسمح للنازحين في إسرائيل ولبنان بالعودة الآمنة إلى ديارهم».

واختتم البيان بالإشارة إلى أهمية انتخاب رئيس للجمهورية، وهو المنصب الفارغ منذ عامين، وأوضحت باريس، كالعادة، أن الانتخاب هو «الخطوة الأولى نحو إعادة تفعيل المؤسسات السياسية، ونحن ندعم الجهود المبذولة لتحقيق هذه الغاية».


مقالات ذات صلة

ارتفاع حصيلة ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان إلى 3670 قتيلاً

المشرق العربي عمال إنقاذ ينقلون جثة أحد الضحايا من موقع غارة إسرائيلية استهدفت وسط بيروت (ا.ب)

ارتفاع حصيلة ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان إلى 3670 قتيلاً

أعلنت وزارة الصحة اللبنانية، أن حصيلة الضحايا جراء الغارات الإسرائيلية المستمرة على مناطق مختلفة في البلاد ارتفعت إلى 3670 قتيلاً، و15413 مصاباً.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن خلال اجتماع سابق مع مسؤولين إسرائيليين (أ.ب)

وزير الدفاع الأميركي يشدد على التزام بلاده «حلاً دبلوماسياً في لبنان»

كرر وزير الدفاع الأميركي، السبت، التزام بلاده التوصل إلى حل دبلوماسي في لبنان، وذلك خلال اتصال مع نظيره الإسرائيلي الذي أكد تواصل التحرك «بحزم» ضد «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي عناصر الدفاع المدني يبحثون عن ضحايا بعد قصف إسرائيلي على مدينة بعلبك في 14 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

لبنان: مقتل 24 وإصابة 45 في غارات إسرائيلية على بعلبك الهرمل

أفادت وزارة الصحة اللبنانية اليوم (السبت)، بأن الغارات الإسرائيلية على بعلبك الهرمل اليوم، قتلت 24 وأصابت 45 آخرين في حصيلة غير نهائية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
المشرق العربي عمال يزيلون الأنقاض من موقع غارة جوية إسرائيلية على احد المنازل في بعلبك (أ.ف.ب)

لبنان: مقتل 5 في قصف إسرائيلي على بعلبك

أفادت تقارير إعلامية لبنانية اليوم (السبت) بمقتل خمسة في قصف إسرائيلي استهدف بلدة شمسطار في بعلبك.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

إيران: التخلي عن السلاح النووي ليس مجاناً

منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)
منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)
TT

إيران: التخلي عن السلاح النووي ليس مجاناً

منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)
منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)

عرض مسؤول إيراني بارز، أمس، على الإدارة الأميركية الجديدة عدمَ امتلاك سلاح نووي مقابلَ تعويضات وامتيازات.

وقال علي لاريجاني، مستشار المرشد علي خامنئي، إنَّ بلاده والولايات المتحدة دخلتا في وضع جديد فيما يتعلق بالملف النووي. وأضاف: «إذا أرادت الإدارة الأميركية الجديدة ألا نمتلك سلاحاً نووياً فعليها قبول شروطنا، مثل تعويض الخسائر، ومنح امتيازات أخرى».

من جانبه، هاجم رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، إبراهيم عزيزي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعد تبنيها قراراً ينتقد طهران بسبب عدم تعاونها. وقال عزيزي: «إن ما قاله رافاييل في طهران لا يتطابق مع أفعاله في فيينا».

بدوره، قال المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمال وندي، إنَّ «الضغوط الناجمة عن قرار الوكالة الدولية ستزيد من قدرتنا على التخصيب».