إسماعيل قاآني... «رجل الظل» الذي أخفق في ملء فراغ سليماني

سليماني وقاآني في صورة نادرة منشورة على ملصق في معرض تابع لمكتب المرشد الإيراني
سليماني وقاآني في صورة نادرة منشورة على ملصق في معرض تابع لمكتب المرشد الإيراني
TT

إسماعيل قاآني... «رجل الظل» الذي أخفق في ملء فراغ سليماني

سليماني وقاآني في صورة نادرة منشورة على ملصق في معرض تابع لمكتب المرشد الإيراني
سليماني وقاآني في صورة نادرة منشورة على ملصق في معرض تابع لمكتب المرشد الإيراني

يتولى الجنرال الغامض، إسماعيل قاآني، مسؤولية عمليات «الحرس الثوري» العابرة للحدود الإيرانية منذ أكثر من أربع سنوات، لكنه أخفق في ملء الفراغ الذي تركه مقتل سلفه في قيادة «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني، بضربة جوية أميركية في 2020.

وبعد ساعات من مقتل سليماني، كانت أول خطوة للمرشد الإيراني علي خامنئي، تعيين قاآني «رجل الظل» في «فيلق القدس» على رأس الذراع الخارجية لـ«الحرس الثوري»، في رسالة تؤكد تمسكه باستمرار نهج سليماني.

ولا يزال قاآني يصارع من أجل ملء فراغ سليماني، سواء في الصورة الإعلامية، الكاريزما، أو علاقاته بجماعات «محور المقاومة» التي يشرف «فيلق القدس» على تسليحها وتدريبها وتنسيق عملياتها الميدانية من العراق إلى سوريا، ومنها إلى لبنان وصولاً إلى اليمن، وكذلك، العمليات الخارجية المباشرة لـ«فيلق القدس» خارج منطقة الشرق الأوسط.

ولد قاآني (67 عاماً) في مدينة مشهد، عاصمة محافظة خراسان التي يتحدر منها خامنئي. وانضم إلى «الحرس الثوري» في عام 1979، وتلقى تدريبه العسكري في طهران، قبل أن يشارك بعد عام في معارك «الحرس» ضد الجماعات الكردية المعارضة في غرب إيران.

قاآني في المكتب التمثيلي لـ«حزب الله» مع مبعوث الحزب عبد الله صفي الدين بطهران في 29 سبتمبر الماضي (التلفزيون الرسمي)

الحرب الإيرانية-العراقية

وعلى مدى ثماني سنوات من الحرب الإيرانية - العراقية، تنقل قاآني من منصب إلى آخر في «الحرس الثوري»، وكان قائداً لـ«فيلق نصر خراسان»، وشارك في معارك كثيرة أهمها الفاو والشلامجة، وحصار البصرة، ومهران، التي تراوحت نتائجها بين انتصارات وهزائم للقوات الإيرانية.

وتعرف قاآني على سليماني في ميدان الحرب، بعد عامين من اندلاعها في سبتمبر (أيلول) 1980، وفقاً لوكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري».

وبالإضافة إلى دوره الميداني في الحرب، حصل «فيلق نصر» على حصة الأسد من إعادة إعمار المدن والطرقات والجسور والبنية التحتية التي تعرضت لتدمير شبه كامل في الحرب.

وبعد نهاية الحرب، عاد قاآني إلى مسقط رأسه، مدينة مشهد، وأصبح قائداً للقوات البرية لـ«الحرس الثوري» في المنطقة الشرقية. وتولى بين عامي 2006 و2007 منصب نائب جهاز استخبارات «الحرس الثوري» ونائب رئيس وحدة الحماية في جهاز الاستخبارات، قبل أن ينضم رسمياً إلى «فيلق القدس»، بتعيينه نائباً لسليماني.

«فيلق القدس» في سوريا

قبل انخراط إيران في الحرب السورية التي اندلعت في 2011، كان حضور سليماني آخذاً بالتصاعد منذ الحرب التي استمرت 33 يوماً بين «حزب الله» وإسرائيل في 2006، لكن نائبه قاآني وغيره من قيادات «فيلق القدس» لم يسجل لهم حضور يذكر إلا في حالات استثنائية.

وكان حضور قاآني متواضعاً في وسائل الإعلام الإيرانية التي انشغلت بروايات المعارك التي خاضها سليماني، والقيادي حسين همداني الذي قضى في حلب عام 2015، والقيادي الميداني الآخر، محمد رضا فلاح زاده، وهو نائب قاآني حالياً.

إسماعيل قاآني خلال جولة تفقدية في سوريا ويبدو في الإطار الأحمر العميد محمد رضا زاهدي الذي قتل باستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق أبريل الماضي (همشهري)

في مايو (أيار) 2012، قال قاآني في حوار صحافي نادر حذف لاحقاً من موقع وكالة «إيسنا» الحكومية إنه «لو لم تكن الجمهورية الإسلامية حاضرة في سوريا لكانت مجازر الشعب هناك تضاعفت عدة مرات». وأضاف: «تلعب الجمهورية الإسلامية دوراً فعّالاً في سوريا على الصعيدين المادي وغير المادي». وقال «سوريا تشكل جغرافيا المقاومة».

وفي نفس العام، قال قائد «الحرس الثوري» حينها، محمد علي جعفري إن عدداً من أفراد قوات «فيلق القدس» في سوريا يقدمون «استشارات ومساعدات اقتصادية»، نافياً أن يكون ذلك «عسكرياً».

أبقت إيران على إنكار حضورها لفترة طويلة، حتى أقرت رسمياً بإرسال قوات تحت عناوين «مستشارين عسكريين» و«قوات الدفاع عن الأضرحة».

لعب قاآني دوراً محورياً في تدريب القوات المقاتلة التي خاضت المعارك بقيادة «فيلق القدس» في سوريا، قبل أن يظهر تنظيم «داعش» في العراق، وتمتد منطقة عمليات القوات الإيرانية إلى مناطق عراقية.

وساهم قاآني في تشكيل ميليشيات «فاطميون» للمقاتلين الأفغان، و«زينبيون» للمقاتلين الباكستانيين، التي خاضت القتال في سوريا والعراق تحت إمرة «فيلق القدس»، مستفيداً من خلفيته القيادية من محافظة خراسان المجاورة لأفغانستان والقريبة من باكستان.

في فبراير (شباط) 2014، قال النائب المحافظ محمود نبويان إن «فيلق القدس» درب 150 ألف سوري في إيران، فضلاً عن تدريب 150 ألفاً آخرين في سوريا، متحدثاً عن إرسال 50 ألف مقاتل من «حزب الله» إلى سوريا.

قائد «فيلق القدس» إسماعيل قاآني (يسار الصورة) بجانب قادة «الحرس الثوري» الإيراني (تسنيم)

السياسة الداخلية

وفي مارس (آذار) 2019، عقب زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران، ولقائه المفاجئ بالمرشد الإيراني علي خامنئي ومن ثم الرئيس السابق حسن روحاني، اتضح أن سليماني لم ينسق مع الحكومة، ووزارة الخارجية، ما دفع وزير الخارجية محمد جواد ظريف حينها إلى تقديم استقالته، قبل التراجع عنها.

وتصدر قاآني حينها عناوين الأخبار عندما علق بدلاً من سليماني على استقالة ظريف، قائلاً إن «الأسد تم إحضاره إلى طهران من قبل (فيلق القدس)» مضيفاً أن «الرئيس كان على اطلاع بالزيارة». ورغم أنه ألقى باللوم على الحكومة في عدم إبلاغ ظريف، قال: «الذين كان يجب أن يعلموا، علموا، والذين لا يجب أن يعلموا، لم يعلموا؛ لقد كانت مسألة حساسة».

قبل توليه قيادة «فيلق القدس» كان حضور قاآني نادراً في ما يتعلق بالسياسة الداخلية الإيرانية، واقتصر ذلك على رسالتين، أبرزهما رسالة حادة وجهها 24 قائداً من «الحرس الثوري» إلى الرئيس السابق محمد خاتمي، في أعقاب الاحتجاجات الطلابية في 1999. وقال هؤلاء إن «صبرهم قد نفد».

أما الرسالة الثانية فتعود إلى 2012 عندما وجه قادة الحرس رسالة تحذير إلى القائد السابق لهذا الجهاز العسكري، حسين علائي، حول مقال نشره في صحيفة «اطلاعات» ودعا إلى استخلاص العبر من سقوط الشاه في ثورة 1979.

إسماعيل قاآني مع السفير السابق لدى العراق إيرج مسجدي في مايو الماضي (إرنا)

قيادة «فيلق القدس»

بعد تعيين قاآني في قيادة «فيلق القدس»، تردد شعار أن «قاآني هو سليماني آخر»، لكن القيادي الجديد بقي طيلة هذه الوقت تحت ظل سلفه الذي شكل محور دعاية وسائل إعلام «الحرس الثوري» على مدى أكثر من عقد.

ويقول محللون إيرانيون إن الحملة الدعائية الضخمة والروايات التي ترتقي لمستويات الملاحم والأساطير، وشبكة علاقات سليماني، فضلاً عن الأفلام والكتب التي صدرت حول شخصية سليماني، تحولت إلى تحدٍ كبير بوجه قاآني للعب دور سليماني.

ويرى كثيرون أن قاآني لم يتمكن من بلوغ المستوى القيادي وتأثير سليماني بين الجماعات المسلحة التابعة لإيران، خصوصاً لدى الأمين العام السابق لـ«حزب الله» حسن نصر الله، على ما رددت تقارير لمواقع إيرانية.

وفشلت محاولات ترويج صورة قاآني على أنه سليماني آخر، عبر ضخ إعلام «الحرس الثوري» ودائرته في شبكات التواصل الاجتماعي التي تسوق ألقاباً متعددة لقاآني منها لسليماني «الجنرال الشامي» و«العقل المدبر» و«مهندس استخبارات فيلق القدس».

وقام قاآني في مايو الماضي بتعيين إيرج مسجدي منسقاً عاماً لوحدات «فيلق القدس»، بدلاً من الجنرال محمد رضا رحيمي الذي قضى في غارة جوية على مقر القنصلية الإيرانية. كما قام بتعيين محمد رضا فلاح زاده نائباً له بعد وفاة محمد حجازي في أبريل (نيسان) 2021 بسبب «نوبة قلبية» و«إصابة كيماوية» تلقاها في حرب الخليج الأولى، حسبما أعلن «الحرس الثوري».

إسماعيل قاآني ونائبه محمد رضا فلاح زاده بجوار جثة القيادي رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)

وتحول فلاح زاده منذ مارس 2019 إلى الرجل الثالث في «فيلق القدس» بعد الجنرال سليماني وقاآني. وكان خامنئي وافق على رفع رتبته العسكرية من عقيد إلى عميد بطلب من سليماني.

ويرى محللون أن تعيين فلاح زاده ومن ثم مسجدي محاولة من قاآني لخلق توازن في قيادة «فيلق القدس»، خصوصاً أن مسجدي كان مستشار بارزاً لسليماني وجرى تعيينه سفيراً في العراق.

ومع ذلك، لا يزال قاآني المدرج على لائحة العقوبات الأميركية، والأوروبية، بعيداً عن الصورة التي قدمها سليماني، فهو ليس بارعاً في الحديث وإلقاء الخطابات، ولا يملك الصورة الجذابة لوسائل الإعلام، ولا الأدوار التي قام بها سليماني في السياسة الداخلية والإقليمية.

ويرى «الحرس الثوري» أن تطورات «طوفان الأقصى» فرصة مناسبة لرسم صورة لقاآني في دور الاستراتيجي، على غرار سليماني، وهو ما فشل فيه حتى الآن رغم مضي عام على الحرب في قطاع غزة، وامتداد جبهات الحرب إلى مناطق أخرى، لتشمل جماعات مسلحة على صلة مباشرة بـ«فيلق القدس».


مقالات ذات صلة

اتفاق إيراني – سوري على تعزيز «مكافحة الإرهاب»

شؤون إقليمية وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ونظيره السوري بسام الصباغ في طهران الثلاثاء (أ.ف.ب)

اتفاق إيراني – سوري على تعزيز «مكافحة الإرهاب»

دون إشارة صريحة عن وضع المستشارين الإيرانيين في سوريا، أعلنت طهران ودمشق أنهما ماضيتان إلى تقوية جهودهما المشتركة «لمكافحة الإرهاب».

«الشرق الأوسط» (طهران)
المشرق العربي عناصر ميليشيات في البادية السورية (مواقع التواصل الاجتماعي)

إيران تعزز ميليشياتها في سوريا

في مواجهة التصعيد الإسرائيلي والتهديد بقطع شريان طهران ـ دمشق، تعزز إيران قوة الميليشيات التابعة لها في سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية الصواريخ الإيرانية تُعرض في متحف القوة الجوية الفضائية لـ«الحرس الثوري» في طهران بإيران الجمعة (رويترز)

إسرائيل تعتبر عقوبات «الأوروبي» على إيران بأنها خطوات ضرورية

رحب وزير الخارجية الإسرائيلي بالعقوبات الجديدة التي أعلن الاتحاد الأوروبي فرضها على طهران ووصفها بأنها «خطوات ضرورية».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية وزير العدل الكندي السابق إيروين كوتلر (إكس)

كندا أحبطت مخططاً إيرانياً لاغتيال وزير العدل السابق

أحبطت السلطات الكندية مؤخراً مخططاً إيرانياً مفترضاً لاغتيال وزير العدل الكندي السابق إيروين كوتلر المنتقد الكبير لطهران.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
شؤون إقليمية أحد عناصر «الحرس الثوري» في منطقة بشرق إيران (رويترز)

مقتل عنصر من «الحرس الثوري» في هجوم مسلح بجنوب شرق إيران

أعلن «الحرس الثوري» الإيراني، اليوم الاثنين، مقتل أحد أفراد قواته البرية في «هجوم إرهابي» بمدينة سراوان في محافظة سيستان وبلوشستان بجنوب شرق البلاد.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ما المتوقع عراقياً في استراتيجية إيران؟

إيرانية تمرّ أمام لوحة إعلانية مناهضة لإسرائيل كُتب عليها بالعبرية: «في الدم الذي سفكتَه ستغرق» (إ.ب.أ)
إيرانية تمرّ أمام لوحة إعلانية مناهضة لإسرائيل كُتب عليها بالعبرية: «في الدم الذي سفكتَه ستغرق» (إ.ب.أ)
TT

ما المتوقع عراقياً في استراتيجية إيران؟

إيرانية تمرّ أمام لوحة إعلانية مناهضة لإسرائيل كُتب عليها بالعبرية: «في الدم الذي سفكتَه ستغرق» (إ.ب.أ)
إيرانية تمرّ أمام لوحة إعلانية مناهضة لإسرائيل كُتب عليها بالعبرية: «في الدم الذي سفكتَه ستغرق» (إ.ب.أ)

كتب مرّة الصحافي الأميركي توماس فريدمان أن العالم أصبح مسطّحاً (Flat) بسبب الثورة التكنولوجيّة. هي نفسها الثورة التي جعلت العالم معقدّاً جدّاً، خاصة مع هجمة الذكاء الاصطناعي.

في مكان آخر، أراد الكاتب الأميركي فرنسيس فوكوياما إيقاف التطوّر التاريخيّ بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وبشّر بالليبراليّة الديمقراطيّة بوصفها نموذج أوحد لدول العالم.

يشهد عالم اليوم فوضى في كل المجالات. عادت القوميات والآيديولوجيات، وكثرت الحروب، الأمر الذي يُبشّر بمرحلة خطرة جدّاً قبل تشكّل نظام عالمي جديد، وعودة التوازنات الكونيّة.

باختصار، عاد الصراع الجيوسياسيّ إلى المسرح العالمي لكن مع ديناميكيّة سريعة جدّاً تسببت بها الثورة التكنولوجيّة، وفيها تبدّلت العلاقة العضوية بين الوقت والمسافة، إذ سُرّع الوقت وتقلّصت المسافة في الأذهان.

تسعى الدول عادة إلى تحديد مسلّماتها الجيوسياسيّة. وهي، أي المسلمات، قد تتقاطع مع مسلّمات الدول الأخرى خاصة القريبة جغرافياً. لكنها أيضاً قد تتضارب.

عند التقاطع الإيجابيّ يكون التعاون. وعند التضارب يقع الصراع وصولاً إلى الحرب. يحدّد خبراء الجيوسياسّة أهميّة دولة ما من خلال ثلاثة معايير هي: الموقع، والثروات المؤثرة في الاقتصاد العالمي، كما الدور الذي تلعبه هذه الدولة في النظام العالميّ. إذا توفّرت هذه الشروط كلها في دولة ما، فهي قوّة عظمى أو كبرى بالتأكيد.

إيرانيون يحرقون علماً إسرائيلياً في مظاهرة وسط طهران يوم 18 أكتوبر 2024 (رويترز)

الاستراتيجيّة الإيرانيّة في المنطقة

في عام 1985، وإبان الحرب العراقيّة - الإيرانيّة، وبعد تراجع قدرات العراق العسكريّة، طلب المرشد الإيراني الأول الخميني من الرئيس السوري السابق حافظ الأسد التعاون لإسقاط العراق وفتح الباب إلى القدس.

رفض الأسد الطلب لأن سقوط العراق يعني خسارة دولة عازلة لسوريا مع إيران. وهو، أي الأسد، وإن قبل بإسقاط العراق، فسوف يكون لاعباً ثانوياً (Junior) بسبب التفاوت في القدرات بين سوريا وإيران.

حقّقت الولايات المتحدة الأميركيّة حلم الخميني في عام 2003. سقط العراق، وبدأ المشروع الإيرانيّ الإقليميّ بالتشكّل. تعد إيران أن هذا المشروع من المسلّمات الجيوسياسيّة الأهم. فهو يحميها، ويحقق مردوداً جيوسياسيّاً أكبر بكثير من حجم الاستثمارات فيه.

لكن هذه المسلمات تضاربت مع العديد من مسلّمات القوى الإقليميّة، كما مع مسلمات الولايات المتحدة. وإذا كانت أميركا قادرة على التعويض الجيوسياسيّ في مواجهة المشروع الإيرانيّ، فإن التعويض غير ممكن لكثير من دول المنطقة. فما تربحه إيران قد يكون خسارة لهذه الدول لا يمكن تعويضها.

وبسبب هذا التضارب في المسلّمات، بدأ الصراع وصولاً إلى الحرب الحالية. فمع إسرائيل ضرب المشروع الإيراني الأمن القومي الإسرائيلي في العمق، إن كان في غزّة أو في لبنان. ومع دول المنطقة، تجلى المشروع الإيراني من خلال جماعات مسلحة قوية في العمق العربي، لا سيما في لبنان وسوريا والعراق.

المنطقة جيوسياسيّاً

تعد استراتيجيّة الاتجاه غرباً (Look West Strategy) أمراً ثابتاً بالنسبة لإيران، إن كانت في ظل الإمبراطورية الفارسيّة أو مع الدولة الإسلاميّة. فإيران لم تُّهدد من شرقها إلا مرّة واحدة من قبل أفغانستان عام 1722، وبعدها استعاد السيطرة نادر شاه.

أما من الغرب، فقد أسقط الإسكندر الأكبر، الإمبراطور داريوس الثاني. ومن الغرب أيضاً حاربها صدّام حسين، ومن بعده أتى الأميركيون، ثم تنظيم «داعش» بعد خروج الأميركيين.

ماذا يعني العراق لإيران؟

* يشكّل العراق مركز ثقل في وعي الأمن القومي الإيرانيّ. لا تريد إيران دولة عراقيّة قويّة معادية لها قادرة على تهديدها من الغرب. من هنا دعمها لجماعات مؤيدة لها تحاول توسيع نفوذها داخل الدولة العراقيّة. تلعب هذه الجماعات دوراً هجيناً. هي في الدولة، وهي خارجها في الوقت نفسه. ترتبط مالياً بخزانة الدولة العراقية، لكنها في الحرب والسياسة ترتبط بإيران.

* يعد العراق مركز ثقل لإيران من ضمن ما يُسمّى محور المقاومة. فهو جغرافياً نقطة الانطلاق للتأثير الإيراني في الهلال الخصيب. أما سوريا، فهي المعبر والممر من العراق إلى لبنان. فيها بنى تحتيّة تربط لبنان بالعراق، ثم إلى الداخل الإيرانيّ.

أنظمة صواريخ لـ«الحرس الثوري» خلال عرض جنوب طهران (أ.ب)

طوفان الأقصى بعد سنة ونيّف

على الورق، سقطت حركة «حماس» عسكرياً. تدخّل «حزب الله» للربط معها، فسقط هيكله التنظيمي. مع ذلك، لم يخسر الحزب حتى الآن، ولم تخسر «حماس» أيضاً. وبناء عليه لم تحسم إسرائيل الأمر نهائيّاً.

لكن الأكيد أن «حزب الله» لم يعد قادراً على لعب الدور الأهم الذي أعد له في الاستراتيجيّة الإيرانيّة. بالتالي، ستحاول إسرائيل والولايات المتحدة استغلال هذا الضعف. وإذا لم تعد إيران – على الورق - قادرة على استغلال جبهتها المتقدّمة ضد إسرائيل من خلال «حماس» و«حزب الله»، فإن هناك من يعتقد أنها ستركز اهتمامها السياسي والميداني في محيطها المباشر، حيث مناطق نفوذها في العراق، وهو أمر يسلّط الضوء بلا شك على ما يمكن أن تشهده الساحة العراقية في الفترة المقبلة، خصوصاً في ظل التهديدات الإسرائيلية بشن هجمات على فصائل عراقية تدعمها إيران.