طهران تطالب «الحليف» الروسي باحترام مصالحها في جنوب القوقاز

تباين المواقف حول «ممر زانجيزور» ينغص الشراكة الوثيقة في أوكرانيا

السفير الروسي في طهران أليكسي ديدوف (إرنا)
السفير الروسي في طهران أليكسي ديدوف (إرنا)
TT

طهران تطالب «الحليف» الروسي باحترام مصالحها في جنوب القوقاز

السفير الروسي في طهران أليكسي ديدوف (إرنا)
السفير الروسي في طهران أليكسي ديدوف (إرنا)

في تحرك دبلوماسي نادر بالنسبة إلى العلاقات الوثيقة بين موسكو وطهران، حمل استدعاء السفير الروسي إلى مقر وزارة الخارجية الإيرانية وإبلاغه بـ«ضرورة مراعاة مصالح الأطراف واحترام مبادئ السيادة الوطنية وسلامة أراضي الدول الأخرى»، إشارة جديدة إلى استمرار تباين المواقف بين موسكو وطهران حيال ترتيبات الوضع الإقليمي في منطقة جنوب القوقاز، خصوصاً على خلفية إعلان موسكو التزامها بتنفيذ «اتفاقات فتح المعابر».

وكان لافتاً أن وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية سعت إلى تخفيف لهجتها في الحديث عن استدعاء السفير أليكسي ديدوف، ولم تُشِرْ إلى مظاهر احتجاجية خلال اللقاء.

وكتبت وكالة أنباء «إرنا» الرسمية أن مساعد وزير الخارجية الإيراني المدير العام للشؤون الأوراسية، مجتبی دمیرجی لو، أعرب عن «دعم طهران السلام والاستقرار الإقليميين، ومعارضتها أي تغييرات في الحدود المعترف بها دولياً والوضع الجيوسياسي الراهن».

وأكد خلال الاجتماع مع السفير الروسي في طهران، مساء الاثنين، على «ضرورة الاهتمام بالمصالح والمخاوف المشروعة لجميع دول المنطقة».

ووفقاً للوكالة، فقد «تبادل الدبلوماسيان وجهات النظر حول الأحداث الجارية في القوقاز، وأشارا إلى احترام السيادة الوطنية والسلامة الإقليمية والمصالح المتبادلة للدول، والتي، وفق رأيهما، هي الضامن للسلام المستدام والتعاون الإقليمي».

كما أكد دمیرجی لو والسفير ديدوف على «ضرورة استغلال إمكانات دول المنطقة لحل المشكلات، والمساهمة في تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة، وتنفيذ الخطط الاقتصادية، مع الأخذ في الحسبان مصالح جميع الأطراف».

وناقش الطرفان خلال اللقاء الاجتماع المرتقب للصيغة التشاورية «3+3»، التي تضم 3 دول من جنوب القوقاز هي أرمينيا وجورجيا وأذربيجان، بالإضافة إلى روسيا وتركيا وإيران. ويأخذ هذا التنسيق في الحسبان قضايا الأمن، وفتح الروابط الاقتصادية، والنقل، في المنطقة.

إقليم ناغورنو كاراباخ (الشرق الأوسط)

لكن في مقابل هذه اللهجة الدبلوماسية الهادئة، بدا واضحاً أن التحرك الاحتجاجي الإيراني جاء رداً على تصريحات أطلقها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الاثنين.

وكان لافروف انتقد، خلال حديث مع طلاب «معهد العلاقات الدولية» التابع لوزارة الخارجية الروسية، رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان الذي نفى في تصريحات سابقة أن تكون بلاده تباطأت في تنفيذ بعض بنود اتفاقات وقف النار مع أذربيجان، خصوصاً في الشق المتعلق بفتح «ممر زانجيزور» الذي يفترض، وفقاً للاتفاقات، أن يربط أراضي أذربيجان بإقليم ناختشيفان الأذري المعزول.

وقال لافروف في هذا الصدد إن «إحدى المهام المطروحة هي استئناف خطوط النقل بين الجزء الرئيسي من أذربيجان وناختشيفان. تنص الوثيقة المؤرخة في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، التي وقعها الرؤساء بوتين وعلييف ورئيس الوزراء باشينيان، على أنه ستتم استعادة حركة المرور؛ سواء عبر السكك الحديدية والطرق البرية، وستتم حمايتها من طرف قوات الحدود التابعة لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي».

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مشاركته في اجتماع «آسيان» بعاصمة لاوس فينتيان خلال يوليو الماضي (رويترز)

وفسر حديث لافروف في طهران بأنه دعم مباشر لمواقف باكو وتجاهل لاعتراضات طهران التي ترى في تلك الاتفاقات التي جرى التوصل إليها من دون مشاركة إيران انتهاكاً لمصالحها التجارية والاقتصادية.

وكانت التطورات التي شهدتها المنطقة بعد العملية العسكرية الخاطفة لأذربيجان صيف العام الماضي والتي انتهت بفرض واقع عسكري وسياسي جديد حول إقليم ناغورنو كاراباخ، أضرت بمصالح طهران التي بات الجزء الأكبر من حدودها البرية مع أذربيجان، وفقدت ممرات التجارة النشطة التي كانت أقامتها لسنوات مع الجارة أرمينيا.

ووفقاً لخبراء، فإن القلق الإيراني ناجم عن أن انقطاع حدودها مع أرمينيا سوف يسفر عن تطويق إيران كلياً (في القوقاز) من قِبَل تركيا وأذربيجان صاحبتَيْ العلاقات غير الودية بها، لا سيما أذربيجان صاحبة العلاقات الوطيدة بإسرائيل، والتي اتُّهِمَت باستمرار بأنها قاعدة للنشاطات الاستخباراتية الإسرائيلية الموجَّهة ضد إيران.

وفي وقت سابق قال الخبير الإيراني جورجي ميرزابِكيان، في حديث مع «أوراسيا نِت»، إن «أرمينيا تقول إنها لا تستطيع التخلي عن خطوط النقل التي تربطها بإيران، وإلا فإنها قد تفقد حدودها معها، مما يُمثِّل ضربة كبيرة لسيادة أرمينيا».

ويعدّ هذا من بين أسباب معارضة طهران فتح الطريق التي ستربط الجزء الرئيسي من أذربيجان مع ناختشيفان عبر أراضي أرمينيا، كما تحدثت طهران أكثر من مرة عن رفضها إدخال تعديلات على الخرائط وطرق الإمداد في المنطقة.

حاجز أذربيجاني عند مدخل «ممر لاتشين»... الطريق البرية الوحيدة بين ناغورنو كاراباخ وأرمينيا (أ.ف.ب)

وفي وقت سابق، قال عالم السياسة التركي، إقبال دوري، إنه من المهم للغاية بالنسبة إلى روسيا وتركيا وأذربيجان إنجاز افتتاح «ممر زانجيزور». ولم يستبعد أن تعمل باكو وموسكو من الآن فصاعداً معاً لافتتاح هذا الممر، المصمم ليصبح جزءاً من مشروع النقل بين الشمال والجنوب ذي الأهمية الاستراتيجية. وأعرب عن الثقة بأن اللاعبين العالميين، مثل الصين وكازاخستان، مهتمون أيضاً بإتاحة العبور على طول «زانجيزور»؛ أي عبر أراضي أرمينيا، لكن هذه الطريق تقلص الأهمية الاستراتيجية لطهران بوصفها معبراً للبضائع بين الشمال والجنوب. علماً بأن إيران تعدّ شريكاً رئيسياً لروسيا في مشروع «ممر الشمال - الجنوب»، لكنها ترغب في دفع موسكو إلى مراجعة سياساتها حيال الشق المتعلق بـ«ممر زانجيزور».

وتفضل طهران التعاون مع موسكو لإيجاد حلول أخرى لترتيبات خطوط النقل في المنطقة، وأشارت المحللة أرمين ماركاريان، في تصريح أدلت به لموقع «أوراسيا نِت»، إلى أن «يريفان تريد الفصل بين خطوط السكك الحديدية، التي اتُّفِق عليها بالفعل، وبقية الطرق، حيث عرضت أرمينيا طرقها الداخلية الخاصة بُغية منع باكو من أن تضع هذه الطرق والخطوط في سلة واحدة، وأن تطالب بنمط تشغيل خاص بها يُماثل وضع (ممر لاتشين)»، الذي كان قبل الحرب الأخيرة يربط أرمينيا بمرتفعات كاراباخ. ويحظى هذا الموقف بدعم كامل من جانب طهران. ولكن أذربيجان تعارض الطرح الأرميني.

على هذه الخلفية بدا أن موسكو وطهران تسعيان لمنع تأثر علاقات التحالف الوثيقة، خصوصاً التي تعززت أكثر خلال الحرب الأوكرانية، بالتباينات حيال ترتيبات الوضع في منطقة جنوب القوقاز.

الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي أكبر أحمديان يستقبل نظيره الروسي سيرغي شويغو في طهران يوم 5 أغسطس الماضي (إرنا)

ويستعد الطرفان لإبرام اتفاقية استراتيجية شاملة قال مسؤولون روس وإيرانيون إنها ستحدد شكل العلاقة وتوجهاتها لعقود مقبلة. وقال لافروف قبل يومين إن موسكو وطهران استكملتا خطوات الإعداد لاتفاق شامل جديد سوف يوقَّع في «المستقبل القريب جداً». ولم يتبق سوى «بعض التفاصيل الفنية».

في هذا التوجه نفسه، جاء الإعلان، الاثنين، عن احتمال أن تزود إيران روسيا بصواريخ باليستية في المستقبل القريب، وفق ما ذكرت وكالة «بلومبرغ».

ولم تكشف مصادر الوكالة عن حجم وتوقيت التسليمات، وكذلك أنواع الصواريخ. ومع ذلك، فقد قال أحد المسؤولين إن عمليات التسليم قد تبدأ في غضون أيام قليلة.


مقالات ذات صلة

جمال مصطفى: الرئيس قال «عبد الكريم قاسم نزيه لكن الحزب كلفنا باغتياله»

خاص شغل الدكتور جمال مصطفى السلطان منصب السكرتير الثاني للرئيس صدام حسين وهو متزوج من ابنته حلا play-circle 02:19

جمال مصطفى: الرئيس قال «عبد الكريم قاسم نزيه لكن الحزب كلفنا باغتياله»

يؤكد جمال مصطفى السلطان أن الرئيس صدام رفض اغتيال ضيفه الخميني، ويعتبر تسمية «الكيماوي» ظلماً لعلي حسن المجيد.

غسان شربل
شؤون إقليمية مجلس الأمن يصوت بالإجماع على القرار «2231» بعد أسبوع على توقيع الاتفاق النووي بفيينا في 20 يوليو 2015 (أرشيفية - الأمم المتحدة)

«سناب باك»... إيران تواجه شبح العقوبات الأممية

لوّحت بريطانيا، الأحد، بتفعيل آلية «سناب باك» لمواجهة الخروقات الإيرانية في الاتفاق النووي لعام 2015؛ ما يعرض طهران لخطر العودة التلقائية إلى العقوبات الأممية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي السوداني مع الرئيس الإيراني خلال زيارة في سبتمبر الماضي (رئاسة الوزراء العراقية)

العراق... فقدان 5500 ميغاواط من إمدادات الكهرباء

أعلنت وزارة الكهرباء العراقية الأحد عن فقدان منظومة الكهرباء لـ5500 ميغاواط بسبب توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل.

فاضل النشمي (بغداد)
شؤون إقليمية صورة نشرتها وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» لعلي لاريجاني مستشار المرشد الإيراني

علي لاريجاني: إيران تجهز الرد على إسرائيل

قال علي لاريجاني، أحد كبار مستشاري المرشد الإيراني علي خامنئي، اليوم (الأحد)، إن طهران تجهز لـ«الرد» على إسرائيل.

شؤون إقليمية صورة نشرتها «الخارجية الإيرانية» من لقاء الوزير عباس عراقجي وعلى يمينه المتحدث إسماعيل بقائي مع رؤساء التحرير الأسبوع الماضي

إيران وأوروبا تجتمعان لمحادثات نووية في جنيف الجمعة

تعتزم إيران إجراء محادثات نووية مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي يوم 29 نوفمبر (تشرين الثاني) في جنيف.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)

خامنئي: يجب إصدار أحكام إعدام بحق قادة إسرائيل... وليس أوامر اعتقال

صورة نشرها موقع خامنئي من خطابه أمام أعضاء قوات «الباسيج» التابع لـ«الحرس الثوري» اليوم
صورة نشرها موقع خامنئي من خطابه أمام أعضاء قوات «الباسيج» التابع لـ«الحرس الثوري» اليوم
TT

خامنئي: يجب إصدار أحكام إعدام بحق قادة إسرائيل... وليس أوامر اعتقال

صورة نشرها موقع خامنئي من خطابه أمام أعضاء قوات «الباسيج» التابع لـ«الحرس الثوري» اليوم
صورة نشرها موقع خامنئي من خطابه أمام أعضاء قوات «الباسيج» التابع لـ«الحرس الثوري» اليوم

قال المرشد الإيراني علي خامنئي، في كلمة ألقاها، الاثنين، إنه ينبغي إصدار أحكام إعدام على قادة إسرائيل، وليس أوامر اعتقال.

جاء ذلك بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية، الخميس، مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، إلى جانب محمد دياب إبراهيم المصري، المعروف باسم محمد الضيف، القيادي بحركة «حماس»، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وجاء أمر المحكمة ليشمل كلاً من نتنياهو، ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت، وقائد «كتائب القسام» محمد الضيف. وقالت المحكمة إنها وجدت أسباباً وجيهة لاتهامهم بارتكاب «جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب».

وقال خامنئي في إشارة إلى قادة إسرائيل «لقد أصدروا مذكرة اعتقال، وهذا ليس كافياً... يجب إصدار حكم إعدام لهؤلاء القادة المجرمين».

وبعدما أعلن نتنياهو رفضه القرار، اتهم «الجنائية الدولية» بـ«معاداة السامية»، على حد زعمه. أما المدّعي العام للمحكمة، كريم خان، فقد طالب الدول الأعضاء في المحكمة، والبالغ عددها 124 دولة، بالتحرك لتنفيذ مذكرات التوقيف.

وأعرب متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي عن رفض واشنطن، بشكل قاطع، القرار بحق المسؤولين الإسرائيليين.

لكن دولاً أوروبية أكدت التزامها بالقانون الدولي بشكل عام، مع تحفظ البعض عن تأكيد أو نفي تنفيذ أمر الاعتقال. وشدد مسؤول السياسة الخارجية لدى الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل على أن «جميع الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، ومنها دول أعضاء في الاتحاد، ملزَمة بتنفيذ قرارات المحكمة».

ورحّبت السلطة الوطنية الفلسطينية بالقرار، ورأت أنه «يُعيد الأمل والثقة في القانون الدولي ومؤسساته»، وكذلك أيدته حركة «حماس»، وعدّته «سابقة تاريخيّة مهمة»، دون الإشارة إلى المذكرة بحق الضيف.