«رسائل ردع» بين واشنطن وطهران

«أبراهام لينكولن» تصل إلى المنطقة بـ«المدمرات»... و«الحرس الثوري»: ردنا محسوب

لحظة انطلاق طائرة أميركية مقاتلة من مدرج حاملة الطائرات «ثيودور روزفلت» (سنتكوم)
لحظة انطلاق طائرة أميركية مقاتلة من مدرج حاملة الطائرات «ثيودور روزفلت» (سنتكوم)
TT

«رسائل ردع» بين واشنطن وطهران

لحظة انطلاق طائرة أميركية مقاتلة من مدرج حاملة الطائرات «ثيودور روزفلت» (سنتكوم)
لحظة انطلاق طائرة أميركية مقاتلة من مدرج حاملة الطائرات «ثيودور روزفلت» (سنتكوم)

تبادلت واشنطن وطهران رسائل تهديد وردع في إطار التهديد المتواصل منذ أسابيع برد إيراني على إسرائيل، وفي حين وصلت حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن» ومدمرات مرافقة إلى الشرق الأوسط، أعلن قائد سابق في «الحرس الثوري» أنه درس تبعات الرد الذي سيكون «محسوباً».

وقبل يومين، كرر نائب قائد «الحرس الثوري»، علي فدوي، التهديد «بمعاقبة إسرائيل في الزمان والمكان المناسبين»، كما نقلت وكالة «إرنا» الحكومية، بعد أسابيع من إذاعة مزاعم عن أن «تأخر العقاب أشد من العقاب نفسه».

وفي وقت متأخر من ليل الأربعاء، أعلن الجيش الأميركي أنّ حاملة الطائرات «يو إس إس أبراهام لينكولن» والمدمرات المرافقة لها وصلت إلى الشرق الأوسط، بعد أن أمر وزير الدفاع لويد أوستن هذه المجموعة البحرية الضاربة بتسريع عملية انتقالها إلى المنطقة.

ويرتفع إلى اثنتين عدد حاملات الطائرات الأميركية الموجودة حالياً في الشرق الأوسط؛ إذ تزيد المخاوف من حصول تصعيد عسكري إقليمي، فيما لو أقدمت إيران على رد عسكري واسع ضد إسرائيل.

ومن المفترض أن تحلّ «لينكولن» محلّ حاملة الطائرات «يو إس إس ثيودور روزفلت». وارتفع منسوب التوتر في الشرق الأوسط منذ اغتالت إسرائيل القيادي العسكري في «حزب الله» فؤاد شكر، بغارة جوية في الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، في عملية اغتيال وقعت في طهران.

وقالت القيادة العسكرية الأميركية لمنطقة الشرق الأوسط (سنتكوم): «إنّ حاملة الطائرات (يو إس إس أبراهام لينكولن)، المجهزة بمقاتلات (إف 35 سي) و(إف إيه 18 بلوك 3)، دخلت نطاق مسؤولية (سنتكوم)». وأضافت «أنّ (لينكولن) هي السفينة الرئيسية في مجموعة حاملة الطائرات الضاربة الثالثة، ويرافقها أسطول المدمّرات (ديسرون 21) وجناح حامل الطائرات (سي في دبليو) التاسع».

وكانت وزارة الدفاع الأميركية، قد أعلنت في 11 أغسطس (آب)، أنّ أوستن أمر الحاملة «لينكولن» «بتسريع انتقالها» إلى الشرق الأوسط، بعد أن كان قد أمر بإرسالها إلى المنطقة في بداية الشهر.

وقالت الولايات المتحدة إنها أرسلت رسائل إلى إيران، مفادها أن الهجوم ستكون له نتائج عكسية، وزعمت أنها أعادت تموضع التحالف العسكري في حالة دفاعية عن إسرائيل.

ومع احترازات الردع التي تقوم بها، تطلب الولايات المتحدة من حلفائها الذين تربطهم علاقات بإيران إقناعها بتهدئة حدة التوتر في الشرق الأوسط.

لافتة تحمل صورة الرئيس الجديد لـ«حماس» يحيى السنوار على مقر «جمعية الدفاع عن فلسطين» الخاضعة لمكتب المرشد الإيراني وسط طهران (إ.ب.أ)

رد إيراني «محسوب»

في المقابل، قال عضو مجلس «تشخيص مصلحة النظام» محسن رضائي، إن بلاده «درست تبعات الرد، الذي سيكون محسوباً».

وكان رضائي قائداً لـ«الحرس الثوري» خلال فترة الحرب «العراقية – الإيرانية»، وبقي في المنصب حتى قدّم استقالته عام 1997.

ونقلت وكالة «إيسنا» الحكومية، عن رضائي، قوله: «درسنا تبعات قراراتنا، وبناءً علی المادة 51 من میثاق الأمم المتحدة لدینا الحق في الدفاع عن النفس، ولن نسمح لنتنياهو بالخروج من مستنقع یغرق فیه».

وأوضح رضائي، أن «إجراءات إيران ستكون مدروسة، والحل الوحيد لضمان أمن المنطقة يكمن في اتحاد دولها».

ومع ذلك، خفّف رضائي من لهجته، حين قال إن «إيران لا تريد الحرب، لكنها ستدافع عن نفسها بقوة».

وتابع رضائي: «الأزمة التي بدأتها إسرائيل لن تكون لها نهاية جیدة في حال عدم احتوائها».

وتعليقاً على التحذيرات الأميركية لإيران بشأن توسعة الحرب، قال رضائي، إن «أميركا ليست القوة التي كانت في السابق، إنها الآن مشغولة بأوکرانیا وتایوان والبحر الأحمر، ولا یمکنها فتح جبهة جدیدة، لا سیما ضد إيران التي لدیها قوة عالية في إلحاق الضرر».

ورأى رضائي أن «واشنطن تتجنب الصراع مع إيران»، لكنهم «مستعدون، وسنرد علی كل إجراء».

في غضون ذلك، ألمحت منصات موالية لـ«الحرس الثوري» خلال الساعات الماضية، إلى أن الرد الإيراني سيكون وشيكاً جداً بعد انتهاء «الزيارة الأربعينية» الأسبوع المقبل.

صورة نشرتها بحرية «الحرس الثوري» من فرقاطة «أبو مهدي المهندس» المزوَّدة بصواريخ «كروز» في قاعدة جنوب البلاد (تسنيم)

ومنذ أسابيع، تخرج من دوائر إيران مؤشرات متضاربة بشأن الرد، وضخّت وسائل الإعلام الإيرانية تحليلات وتخمينات مختلفة حول كيفية الرد وحجمه، لكن من المحتمل أن تكون جميعها لتشتيت الانتباه.

وكان المتحدث باسم «الحرس الثوري» علي محمد نائيني: «الوقت في صالحنا، وفترة الانتظار لهذا الرد قد تكون طويلة».

وأضاف نائيني: «يجب أن يعيش الصهاينة في حالة من عدم التوازن، وقد لا يكون الرد الإيراني تكراراً للعمليات السابقة، فالسيناريوهات المحتملة للرد تختلف».

وفرضت «متغيرات نفسها على خطة الانتقام»، من بينها انتظار صفقة لوقف النار في غزة، كما تفيد تقارير غربية.

وكانت صحيفة «الغارديان»، قالت إن إيران قد تعيد النظر في نطاق وشكل الانتقام الذي تخطط له ضد إسرائيل بعد هنية، لكن من غير المرجح أن تتراجع عن ذلك بسبب غياب الدعم الصريح من دول إسلامية للرد العسكري الإيراني.


مقالات ذات صلة

عراقجي يحدد شروط إيران للتواصل مع «الأوروبي»

شؤون إقليمية عراقجي يشرح برامجه لوزارة الخارجية (أ.ب)

عراقجي يحدد شروط إيران للتواصل مع «الأوروبي»

بعد يوم واحد من منحه الثقة في البرلمان، أعلن وزير الخارجية الإيراني الجديد جملة شروط لإعادة التواصل مع دول الاتحاد الأوروبي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية مروحية «بيل 212» التي كان يستقلها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته عبداللهيان قبل سقوطها غرب إيران (إرنا - رويترز)

إيران: تضارب بشأن أسباب تحطم مروحية رئيسي

قال مصدر مطلع إن تحطم الطائرة الهليكوبتر الذي أسفر عن مقتل الرئيس الإيراني رئيسي في مايو (أيار) سببه الظروف الجوية وعدم قدرة الطائرة على تحمل الوزن.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية مشنقة في سجنٍ إيرانيّ قبل تنفيذ حكم بالإعدام (إيسنا)

إيران تنفذ حكم الإعدام في عرّاف مدان بالاغتصاب

أعلنت السلطة القضائية الإيرانية الأربعاء تنفيذ حكم الإعدام في عرّاف مدان بالاغتصاب والاعتداء الجنسي بعد أكثر من ثلاث سنوات من سجنه.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية بزشكيان يلقي دفاعه الأخير قبل تصويت البرلمان على منح الثقة للحكومة (رويترز)

البرلمان الإيراني يمنح الثقة لحكومة بزشكيان

منح البرلمان الإيراني الثقة للحكومة الجديدة، بعد لحظات من خطاب الرئيس مسعود بزشكيان، الذي طالب فيه المشرعين بالموافقة على حكومته المدعومة من المرشد علي خامنئي.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية فرق الإسعاف تبحث عن ضحايا حافلة لزوَّار باكستانيين انقلبت في محافظة يزد الإيرانية (أرنا) play-circle 00:41

مصرع 35 في انقلاب حافلة تُقل زواراً باكستانيين بإيران

لقي ما لا يقل عن 35 باكستانياً كانوا متوجهين إلى العراق مصرعهم، في حادث حافلة وسط إيران، حسب ما ذكرت وسائل إعلام رسمية، الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (لندن)

أوباما أجهض خطة نتنياهو لضرب إيران عام 2011

نتنياهو بين وزير الدفاع يوآف غالانت (يسار) ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي أكتوبر 2023 (د.ب.أ)
نتنياهو بين وزير الدفاع يوآف غالانت (يسار) ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي أكتوبر 2023 (د.ب.أ)
TT

أوباما أجهض خطة نتنياهو لضرب إيران عام 2011

نتنياهو بين وزير الدفاع يوآف غالانت (يسار) ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي أكتوبر 2023 (د.ب.أ)
نتنياهو بين وزير الدفاع يوآف غالانت (يسار) ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

كشفت صحيفة إسرائيلية يمينية، الخميس، عن سر الصراع الذي جرى بين واشنطن وتل أبيب عام 2011، حين منعت إدارة الرئيس باراك أوباما خطة للهجوم على إيران، كانت تهدف إلى إجهاض مشروعها النووي.

ونشرت صحيفة «يسرائيل هيوم»، مقالاً لقائد سابق في جهاز المخابرات الإسرائيلية الخارجية «الموساد»، عوديد عيلام، يروي ما جرى في تلك الفترة.

وقال عيلام: «في صباح شتوي ما في عام 2011، في مكتب سري ومحصن جيداً، اجتمعت مجموعة ذات وزن ثقيل في قمة أجهزة الأمن الإسرائيلية، ضمت كلاً من: غابي أشكنازي رئيس أركان الجيش، ومئير دغان الذي كان اعتزل لتوّه من منصبه رئيساً للموساد، ويوفال ديسكن رئيس الشاباك (جهاز المخابرات العامة)، الذي هو الآخر كان اعتزل لتوه».

وتابع عيلام: «هؤلاء الأشخاص الذين وقع على أكتافهم عبء أمن الدولة، شعروا بأنهم مكلفون بمهمة استثنائية - إنقاذ الشعب من قرار خطير ومجنون تبلور في مكتبي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع إيهود باراك. وبرأيهم، أن الرجلين يتخذان خط تفكير خطيراً جداً».

بنيامين نتنياهو ومدير «الموساد» ديفيد برنياع في القدس يوم 4 أبريل 2023 (د.ب.أ)

«يجب أن نضرب الآن»

ويضيف القائد السابق في «الموساد» أن «نتنياهو وإيهود باراك، اللذين يختلفان في الرأي في جملة مواضيع شكلت مرات عديدة مصدراً لتوتر سياسي، وجدا هذه المرة لغة مشتركة في الحاجة لهجوم جوي على منشآت نووية إيرانية».

وبحسب ما ذكره عيلام، فإن «نتنياهو وإيهود باراك قالا بإصرار، إن الطريق الوحيد لضمان مستقبلنا هو أن نضرب الآن، بلا تردد».

لكن قادة أجهزة الأمن الثلاثة رأوا الأمور بشكل مختلف. بالنسبة لهم، كانت الخطة بمثابة لعب بالنار يمكنه أن يشعل ناراً إقليمية أكبر لن يكون إطفاؤها ممكناً.

يقول عيلام: «لقد شعروا بأن هذه الخطوة تشبه شخصاً يستيقظ من نومه في منتصف الليل، ويقرر الركض واجتياز طريق سريع، لعله يصل إلى مكان مبتغاه، لكن يحتمل أيضاً أن ينتهي تحت عجلات السيارات».

ويشرح القائد السابق في «الموساد» وجهة نظر هؤلاء بأنهم «آمنوا بكل قلوبهم بأن الحل الصحيح يكمن في خلق عقوبات دولية حادة على إيران، واستخدام قوات سرية لأجل التخريب على المنظومات الإيرانية من الداخل، لا في عملية عسكرية علنية وخطيرة».

وكان هؤلاء، وفقاً لعيلام، يعتقدون بأن إسرائيل لا يمكنها أن تخرج إلى مثل هذه الحملة من دون إسناد أميركي واضح. ولأجل منع الخطوة، قرر دغان وديسكين، اللذان لم يعودا مكبّلين بمنصبيهما الرسميين، العمل بطريقتهما الخاصة.

وكان هذا يعني أن يقول رئيس الأركان دغان بتسريب الخطة للأميركيين، بل إنه أجرى مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» ليتأكد من أن العالم كله يفهم الخطر الذي في هذه الخطوة».

الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما (أرشيفية - البيت الأبيض)

أوباما أجهض الخطة

ويروي عيلام، الذي كان يشغل منصب رئيس دائرة مكافحة عمليات الإرهاب المعادية، أن «القلق استبد بإدارة أوباما، فسارعت لأن تصدر بطاقة حمراء لإسرائيل».

في ذاك الوقت كانت واشنطن تسعى إلى اتفاق نووي مع إيران، وقد وقع بعد نحو 4 سنوات، في يوليو (تموز) 2015. ويقول عيلام إن «الاتفاق لم يتضمن عدم تسلح إيران بأسلحة باليستية، ولم يلمس على الإطلاق الطوق الناري حول إسرائيل، الذي نشعر بحريقه اليوم. الخطوة في حينها قضت على العملية الإسرائيلية».

ويطرح عيلام السؤال: «المسألة الكبرى اليوم: هل كان منع الهجوم خطأ؟»، ويتابع: «بنظرة إلى الوراء، واضح أن الإيرانيين لم يتوقفوا للحظة. العكس هو الصحيح، واصلوا تطوير برنامجهم النووي وإسرائيل وجدت نفسها مع عدو مسلح وخطير أكثر».

ورأى عيلام أن «إسرائيل لو تعاملت حينها مع إيران الضعيفة نسبياً وأذرعها التي لم تكن مسلحة بعشرات آلاف الصواريخ التي تهدد اليوم كل نقطة في إسرائيل، لكان من المحتمل الحصول على معادلة مختلفة تماماً».

ويقول عيلام: «السؤال المطروح هو: هل التخوف من العملية في حينها بسبب انعدام اليقين (...). توجد لحظات يكون فيها الامتناع عن قرار مصيري خطأ جسيماً بقدر لا يقل عن اتخاذ القرار نفسه».

وحتى اليوم، يتباهى نتنياهو بأنه كان يريد ضرب المشروع النووي، ويستخدم هذا في حربه الضارية ضد المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، ويتهمها بـ«الجبن وبالتخلي عن العقيدة القتالية».