جدل «الحجاب» يعود للواجهة بعد إصابة إيرانية بنيران الشرطة

بزشكيان تعرّض لضغط من أجل وعوده بشأن خطة لتخفيف قوانين اللباس

صورة نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية عبر خدمتها الفارسية من الإيرانية آرزو بدري التي أصيبت بنيران الشرطة أثناء تلقيها العلاج في مستشفى حكومي
صورة نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية عبر خدمتها الفارسية من الإيرانية آرزو بدري التي أصيبت بنيران الشرطة أثناء تلقيها العلاج في مستشفى حكومي
TT

جدل «الحجاب» يعود للواجهة بعد إصابة إيرانية بنيران الشرطة

صورة نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية عبر خدمتها الفارسية من الإيرانية آرزو بدري التي أصيبت بنيران الشرطة أثناء تلقيها العلاج في مستشفى حكومي
صورة نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية عبر خدمتها الفارسية من الإيرانية آرزو بدري التي أصيبت بنيران الشرطة أثناء تلقيها العلاج في مستشفى حكومي

على طريق مظلمة بجانب بحر قزوين، أطلق ضباط الشرطة الإيرانية الشهر الماضي النار على امرأة تبلغ من العمر 31 عاماً، حاولت الهرب على الأرجح، مدركة أنهم يريدون الاستيلاء على سيارتها، بعد تلقيها إشعاراً بشأن مصادرة سيارتها، إثر خلعها الحجاب.

ويقول ناشطون إن الشرطة أمرت بحجز سيارتها بسبب انتهاك سابق لقانون الحجاب في إيران، لإظهار شعرها في الأماكن العامة أثناء القيادة، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس».

أصبحت آرزو بدري - وهي أم لطفلين - غير قادرة على المشي وتقبع الآن في فراشها بمستشفى تابع للشرطة، وهي أحدث ضحية لحملة إيران لتشديد قانون الحجاب.

أُطلقت النار عليها بعد نحو عامين من وفاة مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاماً أثناء احتجازها لدى الشرطة بدعوى انتهاك قانون الحجاب؛ مما أثار احتجاجات هزت أنحاء البلاد، بشأن حقوق المرأة وضد نظام الحكم الثيوقراطي في البلاد.

ومع اقتراب الذكرى السنوية لوفاة أميني في 16 سبتمبر (أيلول)، وعد الرئيس الإصلاحي الجديد لإيران، مسعود بزشكيان، بتخفيف تنفيذ قانون الحجاب.

تفاصيل غامضة

لكن التفاصيل الغامضة حول إطلاق النار على آرزو بدري وفيديو حديث لفتاة تتعرض للضرب في شوارع طهران، يبرزان المخاطر التي لا تزال قائمة لمن يتجرأ على عصيان هذا القانون.

قال هادي قائمي، المدير التنفيذي لمركز حقوق الإنسان في إيران، ومقره نيويورك: «لقد رفعوا الأمر إلى مستوى الجريمة الأكثر خطورة، حيث يُسمح للشرطة أساساً بإطلاق النار بقصد القتل». وأضاف: «إنها حقاً حرب على النساء».

قال ناشطون إن إطلاق النار على آرزو بدري وقع نحو الساعة 11 مساءً في 22 يوليو (تموز) على طريق ساحلية في محافظة مازندران الشمالية في إيران، بينما كانت عائدة إلى منزلها من منزل صديقة لها مع أختها.

صور الإيرانية آرزو بدري التي أصيبت بنيران الشرطة أعادت تجميعها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي الفارسية) من شبكات التواصل الاجتماعي

ونقلت وكالة «إرنا» الرسمية عن العقيد أحمد أميني قوله إن ضباط الدورية أمروا مركبة ذات نوافذ معتمة بالتوقف، لكنها لم تمتثل. ولم يذكر البيان شيئاً عن انتهاك الحجاب أو إشعار لحجز السيارة.

ويبدو أن الضباط أطلقوا النار أولاً على إطارات سيارة بدري، وفقاً لمجموعة نشطاء حقوق الإنسان في إيران (هرانا)، التي تحدثت إلى أشخاص مطلعين على الحادث. ومع استمرار بدري في القيادة، أطلق الضباط النار على السيارة؛ مما أدى إلى إصابتها برصاصة اخترقت رئتها وألحقت أضراراً بعمودها الفقري.

وبموجب القانون الإيراني، يجب على الشرطة إطلاق طلقة تحذيرية، ثم التصويب لإصابة الشخص في الجزء السفلي من الجسم قبل إطلاق النار الذي قد يكون مميتاً على رأس أو صدر المشتبه به. إذا كان المشتبه به يقود سيارة، فإن الضباط يطلقون النار على الإطار أولاً.

ولا تزال أسباب إيقاف الشرطة سيارة بدري غير واضحة، رغم أن النشطاء يلقون باللوم على إشعار حجز السيارة بسبب انتهاك الحجاب. ومن غير المعروف أيضاً ما إذا كانت أي سيارة شرطة في الموقع، بها كاميرا سجلت إطلاق النار أو إذا كان أي ضابط يرتدي كاميرا مثبتة على جسده.

ولا توجد إحصاءات عامة عن حوادث إطلاق النار المميتة التي تقوم بها الشرطة في إيران. وتختلف تدريبات الشرطة وتكتيكاتها على نطاق واسع، حيث يواجه بعض الضباط واجبات شبه عسكرية في مناطق مثل محافظة بلوشستان المضطربة في إيران.

ويقول ناشطون إن السلطات تحتجز آرزو بدري في مستشفى تابع للشرطة في طهران تحت حراسة مشددة، وتفرض قيوداً على زيارات عائلتها وتمنعهم من التقاط صور لها. ورغم ذلك، نُشرت صورة لبدري من قِبل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) هذا الأسبوع؛ مما يسلط الضوء على قضيتها.

وقال أحد النشطاء في إيران، الذي طلب عدم الكشف عن هويته خوفاً من الملاحقة: «لا تشعر بأي شيء من الخصر إلى الأسفل، وقال الأطباء إنه سيتضح في الأشهر المقبلة ما إذا كانت مشلولة تماماً».

«نقطة محورية»

وأصبح الحجاب محور الحراك الاحتجاجي بعد وفاة أميني في عام 2022، أثناء توقيفها لدى الشرطة بدعوى سوء الحجاب. ووجدت لجنة من الأمم المتحدة أن أميني توفيت نتيجة «العنف الجسدي» الذي تعرّضت له من قِبل السلطات.

أثارت وفاة أميني احتجاجات استمرت لأشهر، وحملة قمع أمنية أسفرت عن مقتل أكثر من 500 شخص واعتقال أكثر من 22 ألفاً. وبعد هذا الحراك الجماهيري، خففت الشرطة من تنفيذ قوانين الحجاب، لكنها شددت الإجراءات مرة أخرى في أبريل (نيسان) بموجب ما أطلقت عليه السلطات «خطة نور».

وتعهد بزشكيان مراجعة الخطة التي وصفها بـ«الظلامية» خلال حملته الرئاسية، لكنه أعلن هذا الأسبوع عن تشكيلته الحكومية، وكلف قائد شرطة المرور السابق، محمود أسكندري، حقيبة وزارة الداخلية؛ وهو ما أثار شكوكاً بشأن قدرة بزشكيان في الوفاء بوعوده، نظراً لمواقف أسكندري المتشددة بشأن الحجاب.

بزشكيان وحليفه ظريف خلال الاحتفال بفوزه في الرئاسة 6 يوليو الماضي (رويترز)

وحاول الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي، الأربعاء، تخفيف الضغوط الإصلاحية على بزشكيان. وفي إشارة ضمنية إلى وزير الداخلية، قال: «عندما قال بزشكيان إن خطة نور ظلامية، فإنه بطبيعة الحال سيتصدى لها». وتوقع أيضاً أن يدافع بزشكيان عن مكانة الفنانين ومنع الإساءة إليهم.

وذكرت صحف إصلاحية أن استقالة وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف من منصبه الجديد في الحكومة يعود جزء منها إلى استيائه من مرشح وزير الداخلية. وقال ظريف نفسه إنه قدم استقالته لتخفيف الضغط عن بزشكيان.

تحدٍ متواصل

ولا تزال حملة الحجاب محل نقاش واسع في إيران، حتى مع ندرة تقارير الشرطة ووسائل الإعلام الحكومية حول القضية. وتواصل الكثير من النساء ارتداء الحجاب بشكل فضفاض أو تركه متدلياً على أكتافهن أثناء السير في طهران.

وقال قائمي إن النساء اللواتي يقدن سياراتهن دون ارتداء الحجاب يعتقد أنهن تم تعقبهن من خلال تقنية الذكاء الاصطناعي في كاميرات المراقبة التي توفرها الشركات الصينية، والتي تطابق وجوههن مع قاعدة بيانات تحتوي على صور تحتفظ بها الحكومة.

وينذر توقيف النساء بمواجهة جسدية مع عناصر الشرطة. ونُشرت لقطات من كاميرات المراقبة الأسبوع الماضي على موقع «إنصاف» الإخباري الإصلاحي الإيراني، تظهر فتاة تبلغ من العمر 14 عاماً تتعرض للاعتداء على يد شرطة الأخلاق في طهران.

نساء يتحدين الشرطة بعد تهديدها بمواجهة ظاهرة نزع الحجاب (شبكات التواصل الاجتماعي)

وصفت والدتها كيف تعرّض رأس ابنتها للضرب بصندوق كهربائي، وقامت ضابطة بشد شعرها بينما وضعت أخرى قدمها على رقبتها. وصفت الشرطة سلوك الضابطات بأنه غير مهني، لكنها اتهمت الفتاة أيضاً باستخدام لغة سيئة.

وقالت والدتها، مريم عباسي، للموقع: «رأيت ابنتي بوجه مجروح وشفاه متورمة ورقبة مكدومة وملابس ممزقة ولم تستطع حتى التحدث. كانت عيناها متورمتين من البكاء لدرجة أنها لم تكن تفتحهما».


مقالات ذات صلة

إسرائيل تكشف عن عمليات إلكترونية إيرانية للتأثير على الرأي العام

شؤون إقليمية أشخاص يمشون أمام صور تذكارية لرهائن إسرائيل بيد «حماس» منذ هجوم 7 أكتوبر (رويترز) play-circle 04:21

إسرائيل تكشف عن عمليات إلكترونية إيرانية للتأثير على الرأي العام

كشفت مصادر استخبارية إسرائيلية أن طهران تقوم بتنظيم حملات «تأثير قوية» لتأجيج الصراعات الداخلية في إسرائيل بين مختلف الفئات من خلال هجمات إلكترونية.

نظير مجلي (تل أبيب)
شؤون إقليمية مطار الشعيرات العسكري وسط سوريا (أرشيفية)

مصرع عقيد في «الحرس الثوري» متأثراً بجروح أصيب بها في سوريا

تتحدث إيران عن وفاة مستشار لها في سوريا بقصف قوات التحالف، بينما ينسب «المرصد السوري» وفاته إلى استهداف إسرائيلي أخير لمطار الشعيرات العسكري قرب حمص.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية 
محمد رضا عارف نائب الرئيس الإيراني وعباس صالحي مرشح وزارة الثقافة إلى يسار المرشد الإيراني لدى استقباله مسؤولين (موقع خامنئي)

طهران ترفض التراجع عن الرد على إسرائيل

رفض المرشد الإيراني، علي خامنئي، التراجع أمام ما سماه «الحرب النفسية للأعداء في المجال العسكري»، في تقليل ضمني من تحريك الولايات المتحدة تعزيزات إلى المنطقة.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية بزشكيان ونائبه الأول محمد رضا عارف خلال اجتماع الحكومة الأربعاء (الرئاسة الإيرانية)

خاتمي يبرّد التوتر بين بزشكيان والإصلاحيين

دعا الرئيس الإصلاحي الأسبق، محمد خاتمي إلى دعم الحكومة الجديدة، في محاولة لتبريد التوتر بين الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وحلفائه في التيار الإصلاحي.

عادل السالمي (لندن)
تحليل إخباري بايدن يصافح نتنياهو خلال لقاء في البيت الأبيض 25 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

تحليل إخباري هل ينجح نتنياهو في جر الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران؟

في الوقت الذي تسعى فيه الإدارة الأميركية لمنع التدهور إلى حرب إقليمية واسعة في الشرق الأوسط، ترتفع التقديرات بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يرى…

نظير مجلي ( تل أبيب)

​عباس: سأذهب مع جميع أعضاء القيادة الفلسطينية إلى قطاع غزة

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يرفع شارة النصر خلال إلقائه خطاباً أمام البرلمان التركي بأنقرة الخميس (رويترز)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يرفع شارة النصر خلال إلقائه خطاباً أمام البرلمان التركي بأنقرة الخميس (رويترز)
TT

​عباس: سأذهب مع جميع أعضاء القيادة الفلسطينية إلى قطاع غزة

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يرفع شارة النصر خلال إلقائه خطاباً أمام البرلمان التركي بأنقرة الخميس (رويترز)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يرفع شارة النصر خلال إلقائه خطاباً أمام البرلمان التركي بأنقرة الخميس (رويترز)

طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف الإبادة الجماعية التي تقوم بها في غزة والضفة الغربية والقدس وإلزامها بوقف إطلاق النار والانسحاب من غزة على الفور، وإيصال المساعدات الإنسانية من دون عوائق.

وأعلن عباس أنه قرر التوجه مع جميع أعضاء القيادة الفلسطينية إلى قطاع غزة، داعياً قادة الدول العربية والإسلامية والأخيار في العالم والأمين العام للأمم المتحدة للانضمام إليه في هذا التحرك الإنساني من أجل تحقيق السلام والاستقرار.

وقال عباس: «قررت التوجه مع جميع أعضاء القيادة الفلسطينية إلى قطاع غزة، سأعمل بكل طاقتي لكي نكون جميعاً مع شعبنا لوقف العدوان الإسرائيلي الهمجي، وإن حياتنا ليست أغلى من حياة أي طفل من الشعب الفلسطيني».

صورة شاملة للبرلمان التركي خلال إلقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس خطاباً بأنقرة الخميس (أ.ب)

التوجه إلى غزة

وأضاف عباس، في خطاب أمام البرلمان التركي، الخميس، تناول فيه العدوان الإسرائيلي على غزة والأراضي الفلسطينية: «نحن نطبق أحكام الشريعة، النصر أو الشهادة، وفي هذا المقام وأنا أمام منبر دولي، أدعو قادة الدول العربية والإسلامية والأخيار في العالم والأمين العام للأمم المتحدة لمشاركتي في ذلك وتحقيق الاستقرار للجميع».

وتابع: «أدعو مجلس الأمن إلى تأمين وصولنا إلى قطاع غزة، وستكون وجهتي بعد قطاع غزة الذهاب إلى القدس الشريف عاصمتنا الأبدية».

ولفت عباس إلى أن الدول الأوروبية بدأت تعترف بدولة فلسطين، قائلا: «وسنصل إلى إجبار الولايات المتحدة على الاعتراف بها، نناشد المجتمع الدولي لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق انتهاك دولة الاحتلال الإسرائيلي للقانون الدولي، ونأمل من تركيا مساعدتنا في هذه المساعي».

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يلقي خطاباً في البرلمان التركي بأنقرة الخميس (إ.ب.أ)

ووجه عباس التحية إلى انضمام تركيا إلى الدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا ضد الإبادة الجماعية في قطاع غزة أمام المحكمة الدولية، وقرار وقف التجارة مع «إسرائيل»؛ دعماً للشعب الفلسطيني.

وقال: «نثمن عالياً دور تركيا حكومةً وشعباً بقيادة الرئيس رجب طيب إردوغان في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني».

وأشاد عباس بمواقف مصر والأردن الرافضة لخطط إسرائيل لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وتقديمهما الدعم للقضية الفلسطينية في مختلف المحافل.

وتساءل عباس: «كيف للمجتمع الدولي أن يبقى صامتاً أمام الجرائم اليومية التي ترتكبها قوات الاحتلال في مراكز إيواء في غزة، وآخرها مجزرة مدرسة التابعين».

وفي مستهل خطابه أمام البرلمان، ندّد عباس باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الفلسطينية «حماس»، إسماعيل هنية، مؤكداً أن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب جريمة بحق القائد الشهيد إسماعيل هنية.

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في البرلمان لحضور خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس الخميس (إ.ب.أ)

محاسبة إسرائيل

وقال عباس إن «غزة والقدس والضفة الغربية هي أرض تشكل الدولة الفلسطينية، ولا دولة في غزة ولا دولة فلسطينية من دون غزة، شعبنا لن ينقسم وسنعيد بناء غزة ونضمد جراح شعبنا بسواعد أبنائها، وبدعم العالمين العربي والإسلامي، أما القتلة فلن يفلتوا أبداً من العقاب على ما اقترفوه، وما زالوا، من جرائم لن تسقط بالتقادم، وسنواصل نضالنا وكفاحنا لتحقيق العدالة للفلسطينيين، وسنواصل العمل مع المؤسسات الدولية، وعلى رأسها محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية التي أعلنت أن نتنياهو وأحد وزرائه مطلوبان للسجن».

وتابع الرئيس الفلسطيني: «فضلاً عن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، فإن الدولة الفلسطينية هي حقيقة واقعة، والشعب الفلسطيني متمسك بأرضه ومقدساته، ولن يتخلى عنها مهما كان الثمن».

وواصل: «شعبنا بصموده الأسطوري، ومقاومته الباسلة المستمرة لأكثر من 100 عام، لا يدافع فقط عن أرضه ووطنه فلسطين أو هويته الإسلامية وحقوقه السياسية المشروعة، فحسب، لكنه يقف أيضاً في الخندق الأمامي دفاعاً عن الأمة العربية والإسلامية في وجه هذا المشروع الاستعماري التوسعي، وفي وجه الحركة الصهيونية التي تريد الهيمنة على منطقتنا كلها... لن نسمح لهم».

مصافحة بين الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان والفلسطيني محمود عباس في البرلمان التركي بأنقرة الخميس

وقال عباس: «إننا نعلم جيداً مكانة القدس في قلوبكم منذ التاريخ، لن نفرط في القدس الشريف، هذا ما كان يقوله العثمانيون في بدايتهم وحتى يومنا هذا، والقدس بأقصاها وكنائسها وهي بالنسبة لكم ولنا خط أحمر، وهي أمانة شعبنا التي لن نفرط فيها أبداً، ولن تفلح أبداً الممارسات والإهانات الإسرائيلية في المسجد الأقصى مهما فعلوا».

ولفت عباس إلى «أن هناك حديثاً هذه الأيام عن سيناريوهات يجري إعدادها لليوم التالي للعدوان على غزة، ونحن نقولها بكل وضوح إن قطاع غزة والقدس الشرقية والضفة الغربية هي وحدة جغرافية واحدة تشكل الدولة الفلسطينية المستقلة حسب الشرعية الدولية، والتي تحكمها حكومة شرعية واحدة، ومن دون ذلك، ومن دون الاعتراف بالدولة الفلسطينية لن تنعم المنطقة كلها بالأمن والأمان، فالطريق إلى السلام والأمن تبدأ من فلسطين وتنتهي في فلسطين».

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يحيي النواب الأتراك بعد إلقاء خطابه في البرلمان التركي بأنقرة الخميس (أ.ب)

وحيّا عباس جميع الحركات التي قامت في كل مكان بأنحاء العالم ترفض العدوان الإسرائيلي، وتدين إسرائيل لارتكابها جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتمييز العنصري في الأراضي الفلسطينية، مشيراً إلى أن 40 في المائة من اليهود في أميركا الآن يعدون إسرائيل دولة مجرمة.

انتقاد الصمت الدولي

وأكد أنه «لا يمكن للمجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية أن تبقى صامتة أمام التعذيب والتجويع وانتهاك الكرامة التي يتعرض لها أسرانا وأسيراتنا في سجون الاحتلال الإسرائيلي الغاصب، الذين يبلغ عددهم 10 آلاف أسيرة وأسيرة محتجزين بلا ذنب، وندعو الجميع إلى التحرك معنا لوقف هذه الانتهاكات والإفراج عنهم جميعاً».

وأضاف: «هدف إسرائيل من حرب الإبادة في غزة والقدس والضفة الغربية هو اجتثاث الوجود الفلسطيني، وندين صمت المجتمع الدولي أمام المجازر الإسرائيلية بحق أهلنا».

الرئيسان التركي رجب طيب إردوغان والفلسطيني محمود عباس خلال لقائهما في المجمع الرئاسي بأنقرة (د.ب.أ)

وشدّد على أنهم سيواصلون العمل بإخلاص من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية التي نراها أقصر طريق لتحقيق الانتصار على هذا العدو الذي يتربص بنا ويستهدفنا ووحدتنا جميعاً، تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد. ونشكر جميع الأشقاء والأصدقاء وأنتم معهم على دعمكم لتحقيق هذه الغاية النبيلة، ولن يهدأ لنا بال حتى تحقيق الوحدة مهما كلفنا ذلك من ثمن.

وأكد أن «الأكاذيب التي تروجها إسرائيل والتنصل من قتل المدنيين وتدمير البنية التحتية وتجويع شعبنا، فضحتها المنظمات الدولية ومحكمة العدل الدولية، وكشفت عن ضحايا أكثر من 150 ألفاً من الفلسطينيين، وتدمير ثلث قطاع غزة وآلاف الشهداء والجرحى في القدس والضفة الغربية على مدى عقود من الممارسات العدوانية الإسرائيلية».

وأضاف أنه على الرغم من ذلك استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو 3 مرات لرفض القرارات التي تدين إسرائيل، فهذه هي أميركا، هي الطاعون، والطاعون هو أميركا.

أولويات فلسطين

ولفت إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول أن يكرس فصل قطاع غزة عن منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين والضفة الغربية والقدس، ونحن نقولها بكل تصميم إن «دولة فلسطين هي صاحبة الولاية على قطاع غزة والضفة الغربية وعاصمتها القدس الشرقية، وإن الشعب الفلسطيني بكل مكوناته وأحزابه وفصائله لن يقبل بوجود الاحتلال في شبر واحد من أراضيه».

وقال عباس إن «أولويتنا اليوم هي وقف العدوان الإسرائيلي بأي وسيلة ومهما كان الثمن، والانسحاب الفوري من أرض دولة فلسطين، والإسراع في تقديم المساعدات الإنسانية، ومنع التهجير القسري خارج الوطن كما حدث في عامي 1948 و1967، وإعادة النازحين إلى بيوتهم، ووقف الاستيطان وجرائم قوات الاحتلال في الضفة الغربية والقدس».

وأضاف عباس: «لذا أطالب مجلس الأمن، الذي سبق وأصدر 80 قراراً لم يُنفَّذ منها قرار واحد بسبب أميركا، بتنفيذ قراراته بالوقف الفوري لإطلاق النار، وسحب قوات الاحتلال من قطاع غزة من دون تأخير، وتنفيذ توصيات محكمة العدل الدولية».

وتابع: «نؤكد أن الأساليب الأمنية والعسكرية لن تجدي نفعاً، بل الحلول السياسية القائمة على العدل والقانون الدولي، والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني هي الكفيلة بتحقيق السلام والاستقرار والأمن للجميع».

وأوضح أن محاولات إسرائيل للعب على وتر الحلول الجزئية غير صحيحة وغير مقبولة، ولن تفلح هذه الحلول في قطاع غزة أبداً، ولن نقبل بحلول تفصل أي شبر من وطننا عن الآخر تحت أي ظرف من الظروف.

وقال: «نعمل على الحصول على مزيد من الاعترافات بدولة فلسطين بعد أن وصل عدد الدول التي اعترفت بها إلى 149 دولة، مقابل 50 دولة فقط تعترف بإسرائيل، وكذلك الحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين بالأمم المتحدة، بعد إعطائها وضع المراقب عام 2012 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة».

وأشار إلى أنه رغم محاولات العرقلة المستمرة من جانب الولايات المتحدة حصلت دولة فلسطين على العضوية في 120 منظمة دولية، منها المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، التي نحاكم إسرائيل من خلالها حالياً على جرائمها.

وتابع عباس: «سيتواصل نضالنا الحقوقي والدبلوماسي ومقاومتنا الشعبية السلمية، ولن نستكين إلى أن يزول الاحتلال عن أرضنا وشعبنا، وسنصل إلى أن نجبر أميركا على الاعتراف بالدولة الفلسطينية أيضاً».

وقال عباس: «أشكر في هذا الصدد تركيا لإرسالها عشرات الآلاف من أطنان المساعدات الإنسانية إلى غزة، واستقبال الجرحى، ودعمها للتصدي لروايات التحريف الكاذبة كما فعل نتنياهو في الكونغرس الأميركي».

وكان عباس وصل إلى أنقرة مساء الأربعاء، حيث استقبله الرئيس رجب طيب إردوغان بالقصر الرئاسي في أنقرة.