المعارضة التركية تتساءل عن اختفاء 700 ألف لاجئ سوري

تحذير أممي من العودة الطوعية لعدم توافر ظروف ملائمة

أحد مخيمات اللاجئين السوريين على الحدود التركية - السورية (أرشيفية)
أحد مخيمات اللاجئين السوريين على الحدود التركية - السورية (أرشيفية)
TT

المعارضة التركية تتساءل عن اختفاء 700 ألف لاجئ سوري

أحد مخيمات اللاجئين السوريين على الحدود التركية - السورية (أرشيفية)
أحد مخيمات اللاجئين السوريين على الحدود التركية - السورية (أرشيفية)

فجّرت معلومات كشف عنها وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، عن أن أكثر من 700 ألف سوري داخل تركيا لم يُعثر عليهم في عناوينهم المسجلة لدى سلطات الهجرة، جدلاً واسعاً، ودفعت بالمعارضة إلى تقديم مذكرة إلى البرلمان تتساءل فيها عن مصيرهم.

وكشف يرلي كايا عن أن 729 ألفاً من أصل 3 ملايين و103 آلاف سوري في تركيا لا يوجدون في العناوين المسجلين عليها، محذراً بأن السوريين الذين لا يحدّثون عناوينهم خلال 5 أشهر، لن يتمكنوا من الاستفادة من الخدمات العامة، مثل التعليم والصحة.

وقال يرلي كايا، أمام اجتماع للتثقيف حول حقوق الإنسان عقده «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، الاثنين، إنه جرى إرسال رسائل تحذيرية بالعربية والإنجليزية والتركية إلى الأشخاص الذين لا يمتلكون عناوين، لتحديث عناوينهم خلال 150 يوماً، وأنهم سيُحرمون من جميع الخدمات التي تقدمها الدولة؛ بما فيها التعليم والصحة.

ولفت إلى أن عدد المهاجرين في تركيا يبلغ 4 ملايين و437 ألفاً؛ منهم السوريون الخاضعون لنظام «الحماية المؤقتة»، بالإضافة إلى مليون و109 آلاف شخص يحملون تصاريح إقامة، و224 ألفاً تحت الحماية الدولية.

وأعلن «حزب الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة، الخميس، أنه تقدم بسؤال إلى رئاسة البرلمان التركي، موجهٍ إلى وزير الداخلية، حول وضع هذا العدد من السوريين غير الموجودين في عناوينهم المسجلة لدى مديرية الهجرة التابعة لوزارة الداخلية، وهل يوجدون حتى الآن داخل تركيا، وأين يقيمون؟

وعلق الكاتب الصحافي مراد يتكين، في مقال على مدونته، الخميس: «لن نفاجأ إذا جرى إسقاط سؤال المعارضة من جانب نواب حزبَي (العدالة والتنمية) و(الحركة القومية) الذين يشكلون الأغلبية في البرلمان».

وأضاف: «لا أناقش ما إذا كان عدد الـ3 ملايين و103 آلاف الذي قدمه يرلي كايا يعكس العدد الحقيقي للاجئين السوريين في تركيا أم لا، لكن الأرقام التي تحدث عنها تعني أن الدولة لا تعرف مكان وجود كل واحد من 4 ملايين يُفترض أنهم مسجلون، وأنهم قادمون من سوريا، وماذا يفعلون».

توابع حادثة قيصري

وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا (حسابه على إكس)

ولفت يتكين إلى أن «هناك ما هو أكثر مأسوية»، في إشارة إلى خبر موقع «دوار» الإخباري التركي، الذي ذكر أن 3 آلاف سوري غادروا مدينة قيصري (وسط تركيا) على خلفية أعمال العنف التي اندلعت، وإغلاق 24 مصنعاً كانوا يعملون فيها. متسائلاً: «إذا خرج 3 آلاف سوري من قيصري بعد الأحداث الأخيرة فأين ذهبوا؟ عادوا إلى بلادهم أم ذهبوا إلى مدن أخرى، وهل عناوينهم معروفة؟ وماذا يفعلون؟».

وتابع أن «التصريحات القاسية تدفع بالجماهير، التي لا تدرك الوضع الحقيقي، إلى توجيه ردود الفعل على هذا الوضع المشوه نحو السوريين العابرين من البوابات المفتوحة، وليس نحو من فتح البوابات لهم دون حدود (الحكومة التركية). إن الانفجارات التي تنزلق إلى العنصرية خاطئة وخطرة في الوقت نفسه».

محال مملوكة للسوريين تعرضت للحرق في أحداث قيصري أواخر يونيو الماضي (إكس)

وشهدت ولاية قيصري، في 30 يونيو (حزيران) الماضي أعمال عنف استهدفت ممتلكات السوريين، حيث أقدم مواطنون أتراك على حرق محال السوريين، وتحطيم سياراتهم، وقذف منازلهم بالحجارة، على خلفية انتشار أخبار مغلوطة تتعلق باتهام شاب سوري بالتحرش بطفلة تركية عمرها 5 سنوات، تبين بعد ذلك أنها سوريةٌ وأنها ابنةُ عمه. ورغم ذلك، فإن أعمال العنف ضد السوريين لم تتوقف عند قيصري، بل امتدت إلى ولايات أخرى.

وفي مطلع يوليو (تموز) الماضي، قال وزير الداخلية، علي يرلي كايا، إن السلطات اتخذت إجراءات ضد مشغلي حسابات على منصات التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى مشاركة 343 ألف منشور يحرض على السوريين من نحو 79 ألف حساب، عقب اندلاع أحداث قيصري، وتبين أن 68 % منها كانت استفزازية وسلبية، و37 في المائة من حسابات وهمية.

العودة غير آمنة

ووفق يتكين، أوضح بعض استطلاعات الرأي أن اللاجئين السوريين جاءوا في المرتبة الثانية بعد الأزمة الاقتصادية في البلاد، من بين الأسباب التي أدت إلى هزيمة حزبَي «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية» (تحالف الشعب) في الانتخابات المحلية يوم 31 مارس (آذار) الماضي.

وقال إنه «من الضروري رؤية أن الرئيس رجب طيب إردوغان، الذي حاول إطاحة الرئيس السوري منذ عام 2011، هو أكثر من يحاول الآن صنع السلام معه، وهذا ليس بسبب إصرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فقط، لكن ربما يحتاج الأمر إلى إدراك أن اتخاذ بعض الخطوات الآن أصبح أكثر صعوبة من أي وقت مضى».

وتشكل مشكلة اللاجئين ورغبة حكومة إردوغان في إعادة أكثر من مليون ونصف المليون سوري إلى بلادهم بطريقة طوعية وآمنة، أحد أهداف إعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق إلى طبيعتها بعد أن أصبحوا يشكلون عبئاً كبيراً على الحكومة بسبب مشاعر الغضب في الشارع التركي.

سوريون عند إحدى البوابات الحدودية التركية إلى سوريا (إكس)

في السياق ذاته، أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنها لا تشجع العودة الطوعية للاجئين السوريين على نطاق واسع في الوقت الحالي، نظراً إلى عدم توفر الظروف الأمنية والمادية اللازمة للعودة بعد.

وذكرت المفوضية، في تقرير الثلاثاء، أن الأزمة السورية في عامها الـ14، لكن الأوضاع الأمنية والاجتماعية والاقتصادية مستمرة في التدهور، وأنها تواصل العمل على معالجة مخاوف العائدين من النازحين داخلياً، واللاجئين المعرضين للخطر، من خلال خدمات الحماية والمساعدة في مناطق عودتهم، بغض النظر عن طريقة العودة.

وسبق أن أكدت منظمة العفو الدولية، في تقرير يوم 27 مايو (أيار) الماضي، أن منظمات حقوق الإنسان تتفق بالإجماع على أنه لا يوجد أي مكان في سوريا يمكن عَدّه آمناً لعودة اللاجئين.


مقالات ذات صلة

دمشق تسعى إلى تسويات في درعا مقابل تسليم السلاح

المشرق العربي سوريون في إحدى أسواق مدينة درعا (سانا)

دمشق تسعى إلى تسويات في درعا مقابل تسليم السلاح

وثَّق ناشطون في درعا مقتل أكثر من 37 شخصاً خلال شهر يوليو الماضي، بينهم 26 مدنياً، جراء تصاعد التوتر على خلفية الانفلات الأمني وانتشار السلاح.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية تركيا ورسيا تسعيان لإعادة الدوريات المشتركة على طريق «إم 4» كخطوة رمزية لنجاح جهود التطبيع مع دمشق (أرشيفية)

اتصالات «التطبيع» بين أنقرة ودمشق لم توقف التصعيد

تشهد مناطق خفض التصعيد في شمال غربي سوريا تصعيداً شديداً وهجمات متواصلة للجيش السوري.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

فيدان: لقاء إردوغان والأسد سيكون في دولة ثالثة حال انعقاده

قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إن اللقاء بين الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان والسوري بشار الأسد، قد يُعقد في دولة ثالثة حال الاتفاق عليه، ومن دون شروط مس

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي تقاعد المصارع فاتح ريحاني منذ 15 عاماً لكنه لم يتخلَّ عن رياضته المفضلة بل اتجه للتدريب (الشرق الأوسط) play-circle 03:57

«حلم الأولمبياد» بعيد عن الرياضيين بشمال غربي سوريا

بين الرياضيين الذين يعيشون شمال غربي سوريا التي تقع تحت أكثر من نفوذ وسيطرة من يشعر بالغبن لعدم تمكنه من المشاركة في الأولمبياد والعودة للمنافسة.

حباء شحادة (إدلب)
المشرق العربي سكان بلدة الدرباسية يدلون بأصواتهم في انتخابات تمهيدية للمجالس المحلية بمناطق شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)

رئيس «المجلس الوطني الكردي»: لا مصلحة لنا في معاداة تركيا

أبدى رئيس «المجلس الوطني الكردي» خشيته من عملية عسكرية جديدة في الشمال السوري إن مضت الإدارة في انتخاباتها المحلية، وطالب تركيا باحترام الخصوصية الكردية.

كمال شيخو (القامشلي (سوريا))

«اغتيال هنية»: «تفوق دفاعي» إسرائيلي يُصعب «الرد الإيراني»

دفاعات إسرائيلية مضادة للصواريخ تستهدف مسيرات إيرانية في إسرائيل 14 أبريل 2024 (أ.ف.ب)
دفاعات إسرائيلية مضادة للصواريخ تستهدف مسيرات إيرانية في إسرائيل 14 أبريل 2024 (أ.ف.ب)
TT

«اغتيال هنية»: «تفوق دفاعي» إسرائيلي يُصعب «الرد الإيراني»

دفاعات إسرائيلية مضادة للصواريخ تستهدف مسيرات إيرانية في إسرائيل 14 أبريل 2024 (أ.ف.ب)
دفاعات إسرائيلية مضادة للصواريخ تستهدف مسيرات إيرانية في إسرائيل 14 أبريل 2024 (أ.ف.ب)

وسط أجواء ألهبتها الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، التي تزامنت مع تحذيرات متنامية من مغبة توسيع رقعة الصراع في المنطقة، جاء اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية في طهران، ليفاقم مخاطر اندلاع حرب إقليمية، خصوصاً مع توعد إيران بالردّ على العملية، التي عدّتها «انتهاكاً لسيادتها».

لم تحدد إيران شكل الردّ أو مداه الزمني، واكتفى القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني علي باقري كني، بالقول، في إفادة رسمية أخيراً، إنه «سيحدث في الوقت الصحيح وبالشكل المناسب»، وسط ترقب عالمي.

تزامن ذلك مع دعوة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية للتوقف عن دعم إسرائيل، «إذا كانت تريد الحيلولة دون اندلاع الحرب وانتشار التدهور الأمني في المنطقة»، بحسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

على الجانب الآخر، أعلنت إسرائيل جاهزيتها، وأكد رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو «استعداد بلاده دفاعياً وهجومياً». وقال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، ديفيد مينسر، في مؤتمر صحافي أخيراً: «نعرف كيف نتعامل مع هذا التهديد الإيراني... مع حلفائنا نحن قادرون على مواجهتهم».

التصريحات والتهديدات المتبادلة بين إيران وإسرائيل تشعل بورصة التكهنات العالمية بشأن سيناريوهات الرد والرد المضاد، وما إذا كانت الأمور ستخرج عن السيطرة، دافعة نحو حرب إقليمية، أم أن الصراع سيبقى «منضبطاً»، برد إيراني «محدود يحفظ الهيبة ولا يشعل حرباً»، على غرار ذلك الذي نفّذته في أبريل (نيسان) الماضي.

مراكز متقاربة لا تعكس واقع القوة

وبينما يترقب الجميع الرد الإيراني ويتحسبون تبعاته، تثار تساؤلات حول القدرات العسكرية لطرفي الصراع، وأيهما له اليد العليا، طهران أم تل أبيب!

موقع «غلوبال فاير باورز»، المتخصص في التصنيف العسكري، يضع كلاً من إيران وإسرائيل في مراكز متقاربة من حيث القوة العسكرية على مستوى العالم، حيث تأتي طهران في المرتبة الـ14، تليها إسرائيل في المرتبة 17 بين 145 دولة شملهم التصنيف الصادر بداية العام الحالي.

ويستعرض الموقع عددياً قدرات البلدين حيث يبلغ عدد السكان في إيران 87 مليون نسمة، مقابل 9 ملايين في إسرائيل. ولدى إيران 610 آلاف جندي في الخدمة، و350 ألفاً بالاحتياط، أما الجيش الإسرائيلي فيضم 170 ألفاً في الخدمة، و465 ألفاً في الاحتياط.

لكن هذا الترتيب والتفوق العددي لا يمنح إيران اليد العليا، حيث إن «دعم الولايات المتحدة غير المحدود لإسرائيل، يجعل من الصعب وضع قدراتها العسكرية في مقارنة مع إيران»، بحسب اللواء محمد الحربي المحلل السياسي والخبير الاستراتيجي السعودي، الذي يؤكد لـ«الشرق الأوسط» «التفوق العسكري التام لإسرائيل على المستويات كافة».

يقول الحربي إن «الصواريخ والمسيرات الإيرانية والإسرائيلية قادرة على الوصول للعمق في البلدين، لكن تظل أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية أكثر تفوقاً وتقدماً، سواء عبر (القبة الحديدية) أو (مقلاع داوود)، يضاف إلى ذلك دعم الولايات المتحدة عبر وجود الأسطول البحري الخامس والقيادة المركزية الوسطى في المنطقة».

يتفق معه مدير السياسة الخارجية بالمعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي، جوناثان روه، في أن «الدفاعات الجوية الإسرائيلية أكثر تفوقاً إذا ما قورنت بإيران».

يضيف روه لـ«الشرق الأوسط» أن «الديناميكية الرئيسية في الصراع بين البلدين تتركز في مقذوفات إيران ووكلائها في المنطقة، حيث تنافس طهران بالكم لا الكيف، مقابل دفاعات إسرائيل الأفضل نوعياً»، ضارباً المثل بما حدث في أبريل (نيسان) الماضي عندما أطلقت إيران أسراباً كبيرة من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة على إسرائيل، لم تحدث أضراراً تذكر إثر نجاح الدفاعات الإسرائيلية في صدّ غالبيتها.

ويشكل الموقع الجغرافي عاملاً حاسماً في الصراع، ويرى مراقبون أنه يجعل الحرب الكلاسيكية المباشرة أمراً مستبعداً، فالمسافة بين تل أبيب وطهران 1850 كيلومتراً، ما يضع المعركة في يد القوة الجوية.

سلاح الجو

تحتفظ إسرائيل بتفوق ملحوظ على صعيد القوة الجوية، حيث تمتلك 612 طائرة حربية، مقارنة بنحو 551 طائرة تمتلكها إيران، بحسب «غلوبال فاير باور».

هذا العدد ليس السبب الوحيد في التفوق الإسرائيلي، حيث يشير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، في تقرير صدر أخيراً، إلى أن «العقوبات المفروضة على طهران انعكست على تطوير قدراتها العسكرية»، ويقول: «إيران لا تمتلك سوى بضع عشرات الطائرات الهجومية العاملة، بينها طائرات روسية وطرازات أميركية قديمة حصلت عليها قبل عام 1979».

وتمتلك إيران طائرات من طرازات «إف 4» و«إف 5»، و«سوخوي 24»، و«ميغ 29»، و«إف 7» و«إف 14»، إضافة إلى نحو 10 آلاف طائرة مسيرة، ونحو أكثر من 3500 صاروخ سطح - سطح، بعضها قادر على استهداف إسرائيل.

وتعتمد إيران في الدفاع على مزيج من صواريخ سطح - جو، وأنظمة روسية ومحلية الصنع، كما طوّرت منصة صواريخ من طراز «باور 373»، ومنظومتي الدفاع «صياد» و«رعد»، بحسب المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.

أما إسرائيل فيتكون أسطولها الحربي من طائرات «إف 15» و«إف 16» و«إف 35». وبينما يفتقر سلاح الجو الإسرائيلي إلى قاذفات بعيدة المدى، فإن لديها مسيرات من طراز «هيرون» قادرة على التحليق لأكثر من 30 ساعة. كما تمتلك الصاروخ «دليلة» الذي يبلغ مداه 250 كيلومتراً.

ولدى إسرائيل نظام دفاع جوي متعدد الطبقات، هو «آرو 3»، يستطيع اعتراض الصواريخ الباليستية في الفضاء، و«آرو 2»، ويعمل على ارتفاعات أقل، و«مقلاع داود» متوسط المدى للصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، و«القبة الحديدية» قصير المدى للتعامل مع الصواريخ القادمة من غزة أو لبنان، بحسب المعهد الدولي.

تفوق بري إيراني

على صعيد القوة البرية، يبدو الوضع مختلفاً، حيث «تتفوق إيران في القوى البشرية والموارد المحلية والقوات البرية والقوات البحرية والقدرات اللوجستية»، بحسب اللواء سيد غنيم، رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع بدولة الإمارات، وأستاذ زائر بالأكاديمية العسكرية في بروكسل، في حديث لـ«الشرق الأوسط».

إذ تمتلك إيران نحو 1996 دبابة، و65 ألفاً و765 مدرعة، و580 مدفعاً ذاتي الحركة، و2050 مدفعاً ميدانياً، و775 راجمة صواريخ، وذلك مقابل 1370 دبابة، و43 ألفاً و407 مدرعات، و650 مدفعاً ذاتي الحركة، و300 مدفع ميداني، و150 راجمة صواريخ يمتلكها الجيش الإسرائيلي، بحسب «غلوبال فاير باور».

أما بحرياً، فيضم الأسطول الإيراني أكثر من 101 قطعة بحرية، بينما يمتلك الأسطول الإسرائيلي 67 قطعة، وليس لدى البلدين أي حاملة طائرات.

وتبلغ ميزانية الدفاع الإيرانية لعام 2024 نحو 9.9 مليار دولار، مقارنة بـ24.4 مليار دولار ميزانية الدفاع الإسرائيلية، وفق «غلوبال فاير باور».

ويقول مايكل باتريك مولروي، نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط، لـ«الشرق الأوسط»، إن «القدرات العسكرية لإسرائيل تفوق القدرات الإيرانية، إذا كانت حرباً شاملة، خاصة أن الاعتقاد السائد بأن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية، فلن يكون هناك أي مجال للشك في ذلك».

لكنه في الوقت نفسه يشير إلى أنه «من غير المرجح استخدام الأسلحة النووية في الصراع، وإن كانت أي حرب بين البلدين ستكون مدمرة جداً».

تصنف إسرائيل ضمن الدول النووية الـ9 في العالم، وإن كانت لا تعترف بذلك رسمياً، في حين لا تمتلك إيران أسلحة نووية وتواجه ضغوطاً وعقوبات بشأن برنامجها النووي الذي تقول إنه «لأغراض سلمية».

قواعد اشتباك منضبطة

حتى الآن لا تزال قواعد الاشتباك والتوتر بين إيران وإسرائيل «شبه منضبطة»، وتتم عبر وكلاء وأذرع طهران في المنطقة، بحسب الحربي الذي يشير إلى «اعتماد إسرائيل نهج الاغتيالات وضرب المواقع الحيوية لأذرع إيران»، لافتاً إلى ما أسماه «حرب الناقلات في البحر الأحمر وخليج عدن بين إيران وإسرائيل».

ويدخل وكلاء أو أذرع إيران في المنطقة كلاعب أساسي يضاف إلى القدرات العسكرية للبلاد، حيث يمكن أن يدفعوا إلى هجوم متعدد الهجمات على إسرائيل، ويصنف مجلس العلاقات الخارجية الأميركي وكلاء إيران، بـ«(حزب الله) في لبنان، والحوثي في اليمن، و(حماس) و(الجهاد) في فلسطين، وبعض الجماعات في العراق، وغيرها في سوريا والبحرين».

وبحسب دراسة لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، فإن «حزب الله» ربما يكون أقوى جماعة غير حكومية مسلحة في العالم. وتتراوح التقديرات حول عدد الصواريخ التي يمتلكها بين 120 ألفاً إلى 200 ألف صاروخ.

سيناريوهات الرد الإيراني

في ظل هذه الأجواء، يبدو أنه «لا بديل أمام إيران عن الرد على إسرائيل بضربة أكثر إيلاماً مقارنة بضربتها ضدها في أبريل الماضي، ضربة أكثر نوعية وتركيزاً ضد أهداف استراتيجية إسرائيلية، دون توسع الأمور لحرب شاملة»، بحسب غنيم.

ويعرض غنيم إمكانات إيران العسكرية التي يمكن توظيفها في الرد، مثل الصواريخ الباليستية التي يتجاوز مداها 1200 كيلومتر، ويمكن استخدامها في ضرب الأهداف كبيرة الحجم، نظراً لعدم دقتها، في حين يمكن للطائرات المسيرة والصواريخ الجوالة استهداف التحصينات الضعيفة، لضعف رؤوسها التدميرية.

وهناك 3 شرائح من الأهداف المحتملة لإيران، تشمل أهدافاً استراتيجية حيوية، وأهدافاً عسكرية، إلى جانب بعض المستوطنات الإسرائيلية، وفق غنيم.

ويرجح مولروي «رداً مدروساً من جانب إيران، حتى لا تتفاقم الأوضاع في المنطقة، ولا سيما أن أي حرب ستكون أمراً مدمراً للبلدين والمنطقة معاً».

أما جوناثان روه فيعتقد أن «طهران ستحاول هذه المرة تحسين هجومها وتقليل حجم الإنذار المبكر الذي رافق هجوم أبريل، ما قد يساعدها في التغلب على دفاعات إسرائيل»، مشيراً إلى أن «الرد هذه المرة قد يتضمن مشاركة وكلاء إيران، ولا سيما (حزب الله)، و(جماعة الحوثي)، في توجيه الضربات الصاروخية وإطلاق المسيرات، بهدف توسيع المفاجأة والتغلب على إسرائيل وإرباكها عبر الهجوم من جبهات متعددة في وقت واحد».

ويرجح الحربي سيناريو «حرب الناقلات والمسيرات باعتبارها الأقل تكلفة والأكثر نجاعة»، لكنه يشير في الوقت ذاته إلى أن «مسرح العمليات في الحرب بين البلدين معقد ومركب جداً». ويوضح: «من الممكن استخدام 5 جبهات في وقت واحد، بضمّ أذرع إيران في المنطقة، ما يشكل ضغطاً على إسرائيل».

دور الولايات المتحدة

لا يمكن الحديث عن صراع إيراني - إسرائيلي دون محاولة استكشاف دور الولايات المتحدة، الحليف الذي يعد تل أبيب حليفاً استراتيجياً له، حيث زادت أخيراً من وجودها العسكري في المنطقة.

وعدّ الحربي وجود الولايات المتحدة العسكري في المنطقة بمثابة «ورقة ضغط ضد إيران يمكن استخدامها حال نشوب صراع مباشر»، وإن لم يرجح الانتقال إلى هذا النوع من الصراع. ويلفت الحربي إلى «جهود أميركية حثيثة تعمل على تحييد الموقف وعدم توسيع رقعة الصراع في المنطقة، لأن ذلك ستكون له آثار ممتدة إقليمياً ودولياً».

بدوره، يوضح سيد غنيم أن «سيناريو اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط من شأنه أن يضرّ بمصالح الولايات المتحدة، وقد يعرض أفراد الجيش الأميركي للخطر، ويعطل إمدادات الطاقة البالغة الأهمية للاقتصاد العالمي». وأكد أن «القوات الأميركية لن يكون لها دور إلا في حالة شنّ هجوم قوي بواسطة إيران أو أذرعها ضد إسرائيل».

واتفق معه مولروي بقوله إن «الولايات المتحدة ستتدخل لدعم إسرائيل حال تعرضها لهجوم من عدة جبهات في وقت واحد».

ضربة استباقية إسرائيلية

ووسط التكهنات بطبيعة وحجم الرد الإيراني، يثار تساؤل بشأن إمكانية توجيه إسرائيل ضربة استباقية، وهو أمر أشار غنيم إلى أنه «بات مطروحاً على نحو أقل، بسبب عدم الرغبة في فتح جبهة كبيرة أخرى، إضافة إلى أن عامل المفاجأة قد تبدد»، ناهيك عن أن «الدعم الأميركي لإسرائيل مرتبط بالدفاع، وليس الهجوم».

لكن روه أشار إلى أن «إسرائيل قد لا تكتفي فقط بالدفاع»، وقال: «قد تحاول تل أبيب استهداف منصات إطلاق الصواريخ، وهو أمر أسهل فنياً من اعتراض الصواريخ في الجو، ما قد يساعد في إبطال التفوق الكمي لإيران ووكلائها».

أخيراً، يبقى التنبؤ بمستقبل الصراع أمراً «غير ممكن»، حيث رجّح الخبير المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي، ستيفن كوك، «فشل الجهود الدبلوماسية لمنع تفاقم الصراع»، وقال، في تقرير نشر أخيراً: «الإيرانيون يتوعدون بالانتقام، والإسرائيليون يتحدونهم ووكلاءهم... هذه لحظة لا يمكن التنبؤ بها. من غير المرجح أن ينسحب الفاعلون الرئيسيون من معركة مدمرة... هذه هي الحرب التي كانوا جميعاً يستعدون لها».