بدء حملة الجولة الحاسمة من انتخابات رئاسة إيران

جليلي تعهّد لتجار البازار بتحسين الاقتصاد... وبزشكيان يَعِد بإنهاء «قيود الإنترنت» و«شرطة الأخلاق»

جليلي خلال جولة في بازار طهران اليوم (رويترز)
جليلي خلال جولة في بازار طهران اليوم (رويترز)
TT

بدء حملة الجولة الحاسمة من انتخابات رئاسة إيران

جليلي خلال جولة في بازار طهران اليوم (رويترز)
جليلي خلال جولة في بازار طهران اليوم (رويترز)

بدأت حملة المرشحَين المتأهّلَين إلى الجولة الحاسمة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، مع إعلان الجهات الرسمية المصادقة على نتائج الجولة الأولى، التي جرت الجمعة بمشاركة 39.9 في المائة، في أدنى إقبال على الانتخابات بعد ثورة 1979.

وأجرت إيران، الجمعة، انتخابات مبكّرة بعد مقتل الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في تحطّم مروحية الشهر الماضي، وحصد النائب البارز مسعود بزشكيان 42.5 في المائة من الأصوات الجمعة، متقدّماً على جليلي؛ ممثّل المرشد الإيراني في مجلس الأمن القومي، والمفاوض السابق في الملف النووي، الذي حصل على 38.6 في المائة من الأصوات في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية.

وكانت المؤسسة الحاكمة تأمل أن يكون الإقبال كبيراً في ظل مواجهتها أزمة شرعية أجّجتها حالة من السخط العام؛ بسبب الأزمة الاقتصادية، وتقييد الحريات السياسية والاجتماعية، لكن الإقبال في انتخابات الجمعة سجّل مستوى قياسياً متدنياً عند نحو 40 في المائة.

ومن غير المتوقع أن يُحدِث الرئيس المقبل فارقاً كبيراً في سياسة إيران بشأن البرنامج النووي، أو دعم الجماعات المسلحة في أنحاء الشرق الأوسط؛ إذ إن المرشد علي خامنئي هو من يمسك بخيوط الشؤون العليا للدولة، ويتخذ القرارات الخاصة بها، إلا إن الرئيس هو من يدير المهام اليومية للحكومة، ويمكن أن يكون له تأثير على نهج بلاده فيما يتعلق بالسياستين الخارجية والداخلية.

ملصق انتخابي للمرشح مسعود بزشكيان في شارع وسط طهران أمس (رويترز)

وأعلن المتحدث باسم «مجلس صيانة الدستور»، هادي طحان نظيف، المصادقة على نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وفقاً لوكالة «إرنا» الرسمية.

ونقلت الوكالة عن طحان نظيف قوله إنه «جرى التأكد من صحة (الانتخابات) بعد فحصها»، مشيراً إلى إبلاغ وزارة الداخلية بذلك.

ويشرف «المجلس» على إجراء عملية الانتخابات الإيرانية، والبتّ في أهلية المرشحين، وهو هيئة غير منتخبة، يسمي نصف أعضائها المرشد الإيراني؛ علي خامنئي.

وأشار المتحدث إلى أنه «على الرغم من وجود فرص للشكاوى، فإنه لم تصل أي شكوى»، وأضاف: «كنا نتوقع أن تصل الانتخابات إلى الجولة الثانية. لقد اتُّخذت الإجراءات اللازمة»، لافتاً إلى أن عملية مراقبة الانتخابات «ستكون مستمرة».

من جهتها، أعلنت لجنة الانتخابات في وزارة الداخلية، المصادقة على صحة نتائج الجولة الأولى، وأفاد بيان للجنة بأنه بناءً على أحكام المادتين «13» و«14» من قانون الانتخابات، ونظراً إلى عدم تحقيق أيّ من المرشحين الأغلبية المطلقة، ستُجرى الانتخابات الرئاسية على مرحلتين مع المرشحَين اللذَين حصلا على أكبر عدد من الأصوات؛ الأول مسعود بزشكيان، والثاني سعيد جليلي.

وأشار المتحدث باسم لجنة الانتخابات، محسن إسلامي، في تصريح للتلفزيون الرسمي، إلى توزيع بطاقات اقتراع الجولة الثانية على 31 محافظة إيرانية، بين يومَي الأحد والاثنين.

وقال: «السيدان، جليلي وبزشكيان، يمكنهما بدء حملتيهما منذ اللحظة».

وسيتواجه جليلي وبزشكيان في مناظرتين لمدة ساعتين، تُبثان عبر التلفزيون الرسمي؛ الأولى سياسية، مساء الاثنين، والثانية اقتصادية، مساء الثلاثاء.

وسار جليلي على خطى حليفه السابق، محمود أحمدي نجاد، وباشر تحركاته الانتخابية للجولة الثانية بالتوجه إلى بازار طهران؛ الشريان الرئيسي لاقتصاد العاصمة.

ونقلت وكالة «مهر» الحكومية عن جليلي قوله لتجار بازار طهران، إن لديه برنامجاً «محكماً» لمعالجة الأزمة الاقتصادية. وقال: «تحسين الوضع الاقتصادي من أبرز برامجنا. نحن قد وضعنا خططاً شاملة ومفصّلة لتحسين معيشة الناس»، وأضاف: «سنحسّن الوضع المعيشي والاقتصادي للناس من خلال البرامج المحكمة التي وضعناها».

وأشار إلى أنه «يحترم جميع شرائح المجتمع»، معبراً عن فهمه الظروف الاقتصادية. وختم: «قضية اليوم هي قضية الاقتصاد ومعيشة الناس، ونحن واعون تماماً هذا الأمر».

كما عبّر عن احترامه منافسه بزشكيان، لكنه قال: «اليوم يجب أن يختار الناس أي مسار يرونه مناسباً للبلاد؛ هل هو تحسين الوضع الاقتصادي والنهوض الاقتصادي، أم العودة إلى الفترة التي كان فيها الاقتصاد مرهوناً بالاتفاق النووي؟».

كما تحدّث إلى مجموعة أخرى من التجار في جامع بازار طهران، وقال إن «الأجهزة الحكومية يجب أن تكون ملجأً للشعب»، مضيفاً أن هذه الأجهزة «تأسّست باستخدام بيت المال الخاضع للحكومة لكي تخدم الناس».

وانتقد جليلي النفقات العامة للحكومة، مضيفاً أن هذه النفقات تشمل الرواتب والأجور التي تُدفع لوزارات وأجهزة الحكومة، بالإضافة إلى فواتير المياه والكهرباء.

وأصدر 26 رجل دين متنفذاً من خطباء وأئمة جمعة طهران بياناً يؤكد دعم جليلي. وإذ أشار هؤلاء إلى مشاركة أكثر بقليل من 24 مليوناً من أصل 61 مليون ناخب، قالوا إن «زيادة المشاركة ستعزّز من فخر ومكانة الجمهورية الإسلامية».

وبدأ البرلمان الإيراني جلسته الافتتاحية لهذا الأسبوع بهجوم النائب حميد رسايي، عضو جماعة «بايداري» المتشددة، على المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، ومستشاره وزير الخارجية الأسبق، محمد جواد ظريف، ووزير الاتصالات السابق، محمد جواد آذري جهرمي.

وخاطب رسايي، بزشكيان، بصفة الأخير عضواً في البرلمان، ووجّه إنذاراً إليه قائلاً: «أخاطب أحد المرشحين المحترمين، الذي يستخدم وزراء سابقين في حكومة روحاني»، وقال: «أحد وزراء حكومة روحاني يصف المرشحين الآخرين بـ(طالبان)، أي إنه يطلق هذا اللقب على 10 ملايين من الإيرانيين»، في إشارة إلى الأصوات التي حصدها جليلي.

وأضاف: «الوزير الآخر؛ السيد ظريف، يهين المرشحين الآخرين بأنهم أصحاب عقول جافة»، وأضاف: «تتحدث عن المصالحة الوطنية... لسنا متخاصمين مع أحد... هذا ليس نزاعاً، بل إعلان حرب. لمَ لا تُولِي اهتماماً لذلك؟».

وفي وقت لاحق رد آذري جهرمي، ودافع عن جملته التي قال فيها: «لن نسمح لإيران أن تسقط بيد (طالبان)»، وقال إنه لم يقصد جليلي، لكنه أضاف «إذا رأى رسايي وأصدقاؤه أنهم المقصودون بهذه العبارة، فهذا يحمل دلالات كثيرة ويدعو إلى التأمل».

وكان رئيس البرلمان، محمد قاليباف، الذي هُزم في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، قد أعلن دعمه وتحالفه مع جليلي، ودعا الأطراف كافة في التيار المحافظ إلى «منع وصول الإصلاحيين إلى السلطة مرة أخرى».

الوزير الأسبق علي عبدالعلي زاده رئيس حملة بزشكيان خلال مؤتمر صحافي (مهر)

وانتقد رئيس حملة بزشكيان، علي عبدالعلي زاده؛ الوزير الأسبق للإسكان والتنمية الحضرية، تصريحات قاليباف، وقال: «من أنت لكي تمنع؟ عندما يحق للناس أن يختاروا؛ فأنت مجرد صوت. لا أسمح بالتحكم الفظّ وإهانة الناس».

وأضاف عبدالعلي زاده: «ما جريمة الإصلاحيين؟! الإصلاحات بدأت بفخر مع حكومة الرئيس محمد خاتمي، وكانت أفضل حكومة لثماني سنوات بعد الثورة من الناحية الاقتصادية والسياسية»، وقال: «يخاف هؤلاء من إصلاحيين نزيهين وفاعلين».

وأضاف عبدالعلي زاده: «حكومة روحاني أبرمت الاتفاق النووي على أساس (الربح مقابل الربح). أنتم من ألقى بالاتفاق النووي في البئر لكي تُلقوا باللوم على حكومة روحاني».

وأضاف: «لا يمكنكم استعادة الاتفاق النووي، وليست لديكم الشجاعة أو الجرأة للتفاوض مع الأجانب. بأي حق تسحقون المصالح الوطنية لكي تبقوا في السلطة؟».

ولمح عبدالعلي زاده إلى احتمال زيادة أسعار البنزين، وقال: «سننفذ زيادة أسعار البنزين بروِيّة وسلام بمساعدة الناس».

وسرعان ما تحوّل حديث عبدالعلي زاده إلى محور حملة المحافظين الانتخابية، وهجماتهم ضد بزشكيان، وحاول مقرّبون من المرشح الإصلاحي التقليل من وقع التصريحات.

وقالت المتحدثة باسم حملة بزشكيان الناشطة الإصلاحية حميدة زرآبادي إن «حكومة بزشكيان ستعمل على خفض التضخم وزيادة قيمة العملة الوطنية»، نافيةً وجود أي قرار بزيادة أسعار السلع، خصوصاً البنزين. وقالت: «مصدر هذه السيناريوهات هو معسكر حكومة الظل المتسبّب في الوضع الحالي، الذين تعهّدوا حل مشكلة البورصة في 3 أيام فقط»، وكانت تشير إلى جليلي، الذي أعلن تشكيل حكومة ظل في فترة حسن روحاني.

ودخل آذري جهرمي على خط الجدل، واتهم المحافظين بتشويه تصريحات رئيس حملة بزشكيان، رغم تداول مقطع فيديو من تلك التصريحات، وتساءل: «كم سيكون سعر البنزين في خطة جليلي الاقتصادية؟ كم ستكون تكلفة العقوبات؟ ولماذا لم تسمحوا بإنهاء العقوبات؟».

في وقت لاحق، قال بزشكيان للتلفزيون الرسمي: «إذا كان من المقرّر أن تُرفع أسعار البنزين، فيجب علينا استيراد سيارات ذات جودة عالية. لا يمكننا إجبار الناس على استخدام سيارات رديئة الجودة ثم نطلب منهم قبول زيادة أسعار البنزين أيضاً».

صورة نشرتها حملة بزشكيان من اجتماع ثلاثي اليوم مع ظريف وعلي طيب نيا وزير الاقتصاد في حكومة حسن روحاني الأولى

أما بزشكيان فقد حاول التفاعل والإجابة عن أسئلة عبر منصة «إكس» المحظورة في إيران منذ انتخابات الرئاسة في 2009. ورداً على سؤال حول موقفه من حجب الإنترنت، أو دوريات «شرطة الأخلاق»، كتب بزشكيان: «أضمن أن تقف الحكومة بكاملها في جميع المناسبات بكل حزم ضد الدوريات الإلزامية، وحجب المواقع. واستخدام برامج فك الحظر... والضغوط التي مصدرها من خارج الحكومة».

وقال الناشط المحافظ، محمد مهاجري: «نحن المحافظين اجتمعنا لكي نقول: إن بزشكيان يسعى وراء زيادة البنزين، فهل نجرؤ على أن نقول إن زيادة أسعار الوقود من قرارات كبار قادة النظام، لحفظ رأس المال الوطني، ومنع حرقها؟ أم إنه نفاق وكذب على الشعب؟».

وشهدت إيران احتجاجات كبيرة في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، بعد ارتفاع مفاجئ في أسعار الوقود.


مقالات ذات صلة

«الاتفاق النووي ورفع العقوبات»... اختبار بزشكيان في السياسة الخارجية

شؤون إقليمية بزشكيان وظريف يرفعان شارة النصر على هامش التصويت في مركز اقتراع في غرب طهران (إ.ب.أ)

«الاتفاق النووي ورفع العقوبات»... اختبار بزشكيان في السياسة الخارجية

يترقّب الإيرانيون تشكيلة حكومة الرئيس الإصلاحي المنتخب مسعود بزشكيان، وسط وعود كبيرة أطلقها خلال حملته الرئاسية، على رأسها مراجعة قانون خفض الالتزامات النووية.

عادل السالمي (لندن)
المشرق العربي الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في مؤتمر صحافي مشترك بطهران في 2022 (أ.ف.ب)

تفاؤل عراقي بفوز بزشكيان... ولا «تغييرات جذرية»

تفاعل العراق مع فوز الإصلاحي مسعود بزشكيان بالرئاسة الإيرانية، وفي حين هنأه مسؤولون، تحدث خبراء عن تأثير محدود للرئيس الجديد في ظل «الحرس الثوري».

حمزة مصطفى (بغداد)
شؤون إقليمية مسعود بزشكيان يحيي المؤيدين بعد الإدلاء بصوته (أ.ف.ب)

آمال ملايين الإيرانيين معلقة على بزشكيان لاتخاذ مواقف معتدلة

يعلق ملايين الإيرانيين آمالهم على الرئيس الإيراني المنتخب مسعود بزشكيان في تخفيف القيود على الحريات الاجتماعية، وانتهاج سياسة خارجية تميل إلى البراغماتية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية ظريف قبل إلقاء خطابه بمناسبة فوزه في الانتخابات بضريح المرشد الإيراني الأول جنوب طهران (أ.ف.ب)

بزشكيان يفوز برئاسة إيران... وخامنئي يحضّه على مواصلة نهج رئيسي

فاز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، (السبت)، في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية متفوقاً على المرشّح المحافظ المتشدّد سعيد جليلي.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية مركز اقتراع في طهران بعد انتهاء التصويت في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة الإيرانية (رويترز)

«نتائج أولية»: الإصلاحي بزشكيان يتقدم في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة الإيرانية

قالت وزارة الداخلية الإيرانية، فجر اليوم (السبت)، إن المرشح المعتدل مسعود بزشكيان، يتقدم على منافسه وفقاً لنتائج أولية في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة.

«الشرق الأوسط» (لندن-طهران)

آمال ملايين الإيرانيين معلقة على بزشكيان لاتخاذ مواقف معتدلة

مسعود بزشكيان يحيي المؤيدين بعد الإدلاء بصوته (أ.ف.ب)
مسعود بزشكيان يحيي المؤيدين بعد الإدلاء بصوته (أ.ف.ب)
TT

آمال ملايين الإيرانيين معلقة على بزشكيان لاتخاذ مواقف معتدلة

مسعود بزشكيان يحيي المؤيدين بعد الإدلاء بصوته (أ.ف.ب)
مسعود بزشكيان يحيي المؤيدين بعد الإدلاء بصوته (أ.ف.ب)

يعلق الملايين في إيران، خصوصاً الأطراف السياسية في التيار الإصلاحي والمعتدل، آمالهم على الرئيس الإصلاحي المنتخب مسعود بزشكيان في تغيير مسار البلاد في السياسة الداخلية والخارجية، والتوجه نحو البراغماتية، فضلاً عن تخفيف القيود على الحريات الاجتماعية.

وتبرز مواقف بزشكيان، الذي يبلغ من العمر الآن 69 عاماً الفائز برئاسة ايران، ازدواجية كونه سياسياً إصلاحياً يدفع دائماً للتغيير لكنه لا يتحدى المؤسسة الحاكمة التي يشرف عليها المرشد علي خامنئي بشكل جذري.

ولم يكن بزشكيان يتوقع الفوز بالرئاسة عندما قدم أوراقه لمقر الانتخابات الإيرانية، الشهر الماضي، ومع رفض الوجوه البارزة في التيار الإصلاحي، والموافقة المفاجئة على طلب بزشكيان، تحوّل إلى مرشح الإصلاحيين والمعتدلين، لمواجهة المحافظين الذين شددوا قبضتهم على أجهزة الدولة في السنوات الأخيرة.

ورجحت وكالة «رويترز» أن يلقى بزشكيان، الذي تغلب على منافسه المتشدد سعيد جليلي، في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي جرت أمس (الجمعة)، ترحيباً من القوى العالمية التي تأمل في أن يلجأ إلى سبل سلمية للخروج من أزمة توتر العلاقات مع طهران؛ بسبب برنامجها النووي الذي يشهد تطوراً سريعاً، حسب «رويترز».

وتمكّن بزشكيان من الفوز بثقة قاعدة انتخابية يُعتقد بأنها تتألف من أبناء الطبقة الوسطى الحضرية والشبان المصابين بخيبة أمل كبيرة من الحملات الأمنية التي خنقت، على مدى السنين، أي معارضة علنية للحكم الديني.

الرئيس الإيراني المنتخب المعتدل مسعود بزشكيان (د.ب.أ)

وتعهد جراح القلب البالغ من العمر 69 عاماً بتبني سياسة خارجية براغماتية، وتخفيف التوتر المرتبط بالمفاوضات المتوقفة الآن مع القوى الكبرى لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، وتحسين آفاق الحريات الاجتماعية والتعددية السياسية.

ويقول بزشكيان: «لن نكون مناهضين للغرب ولا للشرق»، آملاً خروج إيران من «عزلتها»، لكنه انتقد في إحدى المناظرات التلفزيونية «بيع النفط بسعر منخفض إلى العسكريين الصينيين».

وفي ظل الحكم الثيوقراطي في إيران، لا يستطيع الرئيس إحداث تحول كبير في السياسة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، أو دعم الفصائل المسلحة في أنحاء الشرق الأوسط؛ إذ يتولى خامنئي كل القرارات في شؤون الدولة العليا. غير أن بإمكان رئيس البلاد التأثير من خلال ضبط إيقاع السياسة الإيرانية، والمشارَكة بشكل وثيق في اختيار خليفة لخامنئي البالغ من العمر الآن 85 عاماً.

وبزشكيان مُوالٍ للحكم في إيران، ولا يعتزم مواجهة الصقور الأمنيين الأقوياء، وسبق أن تعهد في مناظرات ومقابلات تلفزيونية بعدم معارضة سياسات خامنئي.

وقال بزشكيان في رسالة مصورة للناخبين: ​​«إذا حاولت ولم أنجح في الوفاء بوعودي الانتخابية، فسأقول وداعاً للعمل السياسي ولن أستمر. لا جدوى من إضاعة حياتنا وعدم القدرة على خدمة شعبنا العزيز».

الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان (أ.ف.ب)

وبعد أن عاد إلى الظهور بعد سنوات من العزلة السياسية، أيّد المعسكر الإصلاحي بقيادة الرئيس الأسبق محمد خاتمي، بزشكيان في الانتخابات بعد وفاة الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر في مايو (أيار) الماضي.

وتتباين رؤى بزشكيان مع رؤى رئيسي، الذي كان موالياً لخامنئي، ويشدد على تطبيق قانون يقيد ملابس النساء، ويتخذ موقفاً صارماً في مفاوضات متوقفة تماماً في الوقت الحالي مع قوى كبرى لإحياء الاتفاق النووي المبرم في 2015.

وفي 2018، انسحب الرئيس الأميركي حينئذٍ دونالد ترمب من الاتفاق، وأعاد فرض عقوبات على إيران. ودفع تحركه طهران إلى أن تنتهك بالتدريج القيود النووية للاتفاق.

مسعود بزشكيان يظهر بعد إدلائه بصوته في الانتخابات (أ.ف.ب)

سلطة محدودة

تعهّد بزشكيان بإنعاش الاقتصاد المتعثر الذي يئن تحت وطأة سوء الإدارة، والفساد الحكومي، والعقوبات الأميركية.

وبما أن صلاحيات الرئيس المنتخب مقيدة بسلطات خامنئي، يتشكك كثير من الإيرانيين الحريصين على التعددية السياسية في الداخل وإنهاء عزلة إيران في الخارج، في أن الحكم الثيوقراطي للبلاد سيسمح لبزشكيان بإجراء تغييرات كبيرة حتى لو حاول.

وقال سهراب حسيني، وهو رجل أعمال يبلغ من العمر 45 عاماً من جزيرة كيش الإيرانية: «قد يكون بزشكيان قادراً على جلب بعض الحريات الاجتماعية. لكنه سيكون رئيساً ضعيفاً؛ لأن خامنئي وحلفاءه أقوى بكثير من الرئيس». وأضاف: «منحت صوتي له حتى لا يفوز جليلي».

وبصفته نائباً برلمانياً منذ 2008، ينتقد بزشكيان قمع المؤسسة الدينية للمعارضة السياسية والاجتماعية. وينتمي بزشكيان إلى أقلية من العرق الأذري، ويدعم حقوق الأقليات العرقية.

سيدات يفرزن بطاقات الاقتراع في مركز بطهران (أ.ب)

في 2022، طالب بزشكيان السلطات بتوضيحٍ لوفاة مهسا أميني، وهي امرأة توفيت وهي رهن الاحتجاز بعد القبض عليها بدعوى «سوء الحجاب». وأثارت وفاتها احتجاجات شعبية استمرت شهوراً في أنحاء البلاد.

كتب بزشكيان أن «اعتقال فتاة بسبب حجابها وتسليم جثتها لعائلتها أمر غير مقبول في الجمهورية الإسلامية». بعد أيام، ومع تصاعد الاحتجاجات على مستوى البلاد وقمع دموي لجميع أشكال المعارضة، حذّر من أن «إهانة المرشد (خامنئي)... لن تخلق سوى غضب وكراهية طويلة الأمد في المجتمع».

وقال بزشكيان بعد الإدلاء بصوته في الجولة الأولى: «سنحترم قانون الحجاب، لكن يجب ألا يكون هناك أي سلوك تطفلي أو غير إنساني تجاه النساء».

واقتبس شعار حملته الانتخابية «من أجل إيران»، من أغنية «براي (من أجل)» للفنان شروين حاجي بور، التي أصبحت تنشد في الاحتجاجات. واحتج حاجي بور على نسخ شعاره.

لكن بزشكيان قال: «السجناء السياسيون ليسوا ضمن اختصاصي، وإذا كنت أريد فعل شيء، فلا سلطة لدي»، وذلك رداً على سؤال عن طلاب مسجونين بتهم مرتبطة باحتجاجات مناهضة للحكومة خلال اجتماع الشهر الماضي في جامعة طهران.

وُلد بزشكيان في 29 سبتمبر (أيلول) 1954 في مهاباد بشمال غربي إيران لأب أذري وأم كردية. يتحدث الأذرية، وركز منذ فترة طويلة على شؤون القوميات غير الفارسية في إيران. ومثل كثيرين، خدم في الحرب الإيرانية - العراقية، حيث أشرف على فرق طبية توزّعت على جبهات الحرب.

وفقد بزشكيان زوجته وأحد أبنائه في حادث مروري في 1994. وعمل على تنشئة ولدَيه الناجيَين وابنته بمفرده، وفضّل ألا يتزوج من جديد. ويعدُّ نفسه «صوت الذين لا صوت لهم».

وتعهّد بالعمل، إذا تم انتخابه رئيساً، لتحسين الظروف المعيشية للفئات الأكثر حرماناً.

أصبح جراح قلب وعمل رئيساً لكلية العلوم الطبية في جامعة تبريز. ودخل بزشكيان السياسة لأول مرة نائباً لوزير الصحة في البلاد، ثم وزيراً للصحة في إدارة الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي. وعلى الفور وجد نفسه متورطاً في الصراع بين المتشددين والإصلاحيين، حيث حضر تشريح جثة زهرا كاظمي، المصورة المستقلة التي كانت تحمل الجنسيتين الكندية والإيرانية. واعتُقلت في أثناء التقاطها صوراً في احتجاج، وتعرّضت للتعذيب وتوفيت في سجن «إيفين» سيئ السمعة في طهران، حسب وكالة «أسوشييتد برس».

ومنذ عام 2008، يمثّل مدينة تبريز في البرلمان، وأصبح معروفاً بانتقاداته للحكومة، لا سيما إبان الحركة الاحتجاجية واسعة النطاق التي أثارتها وفاة الشابة الكردية مهسا أميني في سبتمبر 2022، بعد توقيفها بدعوى سوء الحجاب.

ووجه بزشكيان انتقادات لاذعة لسياسة حكومة حسن روحاني في مواجهة جائحة فيروس «كورونا».

وُلد بزشكيان في 29 سبتمبر في مدينة مهاباد الواقعة في محافظة أذربيجان الغربية، ويتحدث الأذرية والكردية، ما يشكّل حافزاً له للدفاع عن القوميات.

واحتج الإصلاحيون بشدة عندما انتقد عزلة القوميات. وطالبته وسائل إعلام إيرانية بالابتعاد عن خطاب الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد الذي خاطب الفئات الفقيرة والمهمشة، والتوجه نحو مخاطبة النخبة، في إشارة إلى أنصار التيار الإصلاحي في طهران.

وانعكس تحالفه مع ظريف على خطابه في الحملة الانتخابية؛ إذ دعا إلى تحسين العلاقات بين إيران والدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بغية التوصل إلى رفع عقوبات تلحق ضرراً بالغاً بالاقتصاد.

وقال بزشكيان في مناظرة إنه «محافظ، توجهاتي إصلاحية». وتعهّد بالانخراط في مفاوضات مباشرة مع واشنطن؛ لإحياء المحادثات حول ملف البرنامج النووي الإيراني، المتوقفة منذ انسحاب الولايات المتحدة في 2018 من الاتفاق الدولي بعد 3 سنوات على إبرامه.

في عام 2013، سجّل بزشكيان للترشح للرئاسة، لكنه انسحب من ترشحه. وفي عام 2021، وجد نفسه مع مرشحين بارزين آخرين ممنوعين من الترشح من قبل السلطات، مما أتاح فوزاً سهلاً لرئيسي.

وقبل انتخابات البرلمان في مارس (آذار) الماضي، كان بزشكيان من بين مشرّعين في البرلمان السابق، رفض مجلس صيانة الدستور أهليتهم؛ بسبب «عدم الالتزام بمبادئ الثورة»، لكنه حصل في نهاية المطاف على موافقة لخوض الانتخابات البرلمانية بعد تقديم احتجاج.

وقال بزشكيان حینها: «لولا تدخل المرشد، كان من الممكن استبعادي، لكن لماذا يجب أن يتدخل المرشد؟».