موسكو تدفع بقوة لاستئناف محادثات التطبيع بين أنقرة ودمشق

قلق مشترك من الانتخابات الكردية ولقاء مرتقب لإردوغان وبوتين

بوتين مستقبلاً وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في موسكو الثلاثاء الماضي (الخارجية التركية)
بوتين مستقبلاً وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في موسكو الثلاثاء الماضي (الخارجية التركية)
TT

موسكو تدفع بقوة لاستئناف محادثات التطبيع بين أنقرة ودمشق

بوتين مستقبلاً وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في موسكو الثلاثاء الماضي (الخارجية التركية)
بوتين مستقبلاً وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في موسكو الثلاثاء الماضي (الخارجية التركية)

كشفت مصادر تركية عن إمكانية اتخاذ خطوات جديدة لاستئناف محادثات تطبيع العلاقات المجمدة بين أنقرة ودمشق في إطار مسار آستانة، بعدما أصابها الجمود منذ يونيو (حزيران) العام الماضي.

وقالت المصادر إن موضوع استئناف المحادثات، التي ترعاها موسكو منذ بدايتها في عام 2021، طرح خلال لقاء وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مع الرئيس الروسي في موسكو، الثلاثاء الماضي.

وأضافت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «سيناقش الموضوع مرة أخرى خلال لقاء مرتقب بين الرئيس رجب طيب إردوغان وبوتين خلال قمة دولية تعقد في آستانة يومي 3 و4 يوليو (تموز) المقبل»، والذي سيأتي بعد فترة من انقطاع اللقاءات بينهما وفتور غير معلن قطعه لقاء فيدان وبوتين.

عززت تركيا نقاطها العسكرية جنوب إدلب غداة لقاء بوتين وفيدان (أرشيفية)

ولفتت المصادر، إلى أن الوضع في سوريا نوقش خلال لقاء بوتين وفيدان في ظل الموقف التركي الرافض لإجراء الانتخابات المحلية في مناطق الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، كونها تشكل خطراً على وحدة سوريا وعلى الأمن القومي التركي.

وتابعت المصادر، أن تركيا ترى أنه من المهم أن تبدي دمشق الموقف اللازم تجاه منع هذه الانتخابات، لافتة إلى تصريحات الرئيس رجب طيب إردوغان التي أدلى بها، السبت، لدى عودته من رحلة إلى إسبانيا وإيطاليا.

تنسيق ثلاثي!

وكان إردوغان أعلن أنه تمت مناقشة مسألة الانتخابات التي تسعى الإدارة الذاتية (الكردية) لشمال شرقي سوريا، لإجرائها في مناطق خاضعة لسيطرة «قسد» خلال لقاء فيدان وبوتين.

وقال إردوغان إن الانتخابات التي كان مقرراً إجراؤها في 11 يونيو الحالي، أجلت إلى أغسطس (آب)، لكنها لم تلغ، وتمارس لعبة تهدف إلى إضفاء الشرعية على منظمة إرهابية (حزب العمال الكردستاني وامتداده في سوريا، وحدات حماية الشعب الكردية التي تقودها «قسد»).

وأضاف: «من دون شك، لن تمنحهم الإدارة السورية في دمشق الإذن بإجراء الانتخابات أو القيام بحرية بخطوات في هذا الاتجاه».

الجلسة الختامية لاجتماع آستانة أبريل 2019 (رويترز)

واعتبر متابعون تصريح إردوغان، إشارة إلى تنسيق ثلاثي بين موسكو وأنقرة ودمشق، لمنع إجراء هذه الانتخابات.

وكان بوتين أكد خلال لقائه فيدان، أهمية مسار آستانة، قائلاً إن روسيا وتركيا لعبتا دوراً مهماً في حل الأزمة السورية.

وأضاف: «أعتقد أنه من الصواب القيام بدورنا للحفاظ على مسار آستانة (محادثات التسوية السورية بين الحكومة السورية والمعارضة بضمانة روسيا وتركيا وإيران)، ومحاربة الإرهاب، وضمان عودة الوضع إلى طبيعته في هذا الاتجاه... الوضع بشكل عام يتطور في الاتجاه الإيجابي».

وعبر بوتين عن أمله في لقاء إردوغان على هامش قمة دولية ستعقد في آستانة في 3 و4 يوليو المقبل، من المقرر أن تناقش مسائل من بينها الحرب في أوكرانيا.

وفسرت تصريحات بوتين على أنها إشارة أيضاً إلى إحياء المحادثات بين أنقرة ودمشق لتطبيع العلاقات. وقالت المصادر إن الانتخابات التي تعتزم الإدارة الذاتية الكردية إجراءها في أغسطس المقبل، في شمال وشمال شرقي سوريا مرفوضة من جانب أنقرة وموسكو ودمشق، وبالتالي يمكن التوصل إلى حل مشترك.

تنسيق حول إدلب

وكانت صحيفة «آيدنليك» الناطقة بلسان حزب «الوطن» التركي المعروف بقربه من دمشق، قد نقلت، السبت، عن مصادر وصفتها بالقريبة من الحكومة السورية، أن عسكريين أتراك وسوريين، التقوا برعاية روسيا في قاعدة «حميميم» الجوية التي تديرها روسيا جنوب شرقي اللاذقية، يوم الثلاثاء الماضي، أي في اليوم نفسه الذي التقى فيه فيدان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

مقاتلة روسية في قاعدة حميميم الروسية جنوب شرقي اللاذقية في سوريا أكتوبر 2015 (سبوتنيك)

وقالت المصادر إن ذلك يعد استئنافاً للمحادثات المجمدة بين أنقرة ودمشق، لافتة إلى أن اللقاء ركز بشكل خاص على آخر التطورات في إدلب ومحيطها، وإن روسيا دفعت بتعزيزات جديدة إلى نقاطها العسكرية في جنوب إدلب، الأربعاء، غداة لقاء بوتين وفيدان، وتبع ذلك قيام القوات التركية بإنشاء خط أمنى يحيط بنقاطها العسكرية في شرق إدلب.

مساع عراقية

المصادر السورية ذكرت للصحيفة التركية، أن هذا الاجتماع كان الاجتماع الأمني الأول من نوعه الذي يعقد على الأراضي السورية.

وأشارت إلى أنه من المقرر أن يعقد قريباً في بغداد لقاء تركي سوري لبحث تطبيع العلاقات، سبق أن أعلن عنه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في مقابلة مع قناة «خبر تورك» التركية قبل أسابيع، مشيراً إلى أنه أجرى اتصالات مع كل من الرئيسين إردوغان والأسد بشأنه.

وقالت مصادر حكومية عراقية، إنه اتخذت الخطوات اللازمة لعقد اللقاء في بغداد خلال الأسابيع المقبلة.

اجتماع وزراء دفاع سوريا وتركيا وإيران وروسيا في موسكو 25 أبريل 2023 (وزارة الدفاع الروسية - أ.ف.ب)

وتم وضع أسس عملية التطبيع بين تركيا وسوريا خلال محادثات غير رسمية عقدت في عام 2021، وأصبحت رسمية من خلال الاجتماع الذي عقد في موسكو بين وزراء الدفاع ورؤساء المخابرات في روسيا وتركيا وسوريا في 28 ديسمبر (كانون الأول) 2022، أعقبه في 10 مايو (أيار) 2023 اجتماع لوزراء الخارجية في كل من تركيا وروسيا وسوريا، إضافة لإيران التي انضمت إلى محادثات التطبيع بين أنقرة ودمشق بعد إدراجها في صيغة آستانة، لكن المحادثات جمدت منذ الدورة الـ20 لمحادثات آستانة لحل الأزمة السورية في 21 يونيو 2023 بسبب تمسك دمشق بأن تسحب تركيا قواتها من شمال سوريا قبل الحديث عن أي خطوة لتطبيع العلاقات.


مقالات ذات صلة

وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران حذروا من دوامة عنف جديدة في سوريا

شؤون إقليمية جانب من اجتماع وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك (الخارجية التركية)

وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران حذروا من دوامة عنف جديدة في سوريا

ناقش وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران، وهي الدول الثلاث الضامة لمسار أستانا، الأوضاع في سوريا على هامش أعمال الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية تعزيزات عسكرية في الطريق إلى معبر باب الهوى الحدودي بين تركيا وسوريا (وسائل إعلام تركية)

تركيا تدفع بتعزيزات عسكرية ضخمة إلى إدلب وحلب

دفع الجيش التركي بتعزيزات عسكرية ضخمة إلى نقاطه العسكرية المنتشرة في شرق إدلب وريف حلب الغربي الواقعة ضمن مناطق خفض التصعيد في شمال غربي سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
شؤون إقليمية العفو الرئاسي السوري هل سيحل مشكلة اللاجئين في تركيا؟ (أرشيفية)

هل يمنح عفو الرئيس السوري عن الهاربين تركيا فرصة للتطبيع وعودة اللاجئين؟

رأت أوساط تركية أن قرار العفو الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد بشأن الفارين داخل البلاد وخارجها، يشكل فرصة لدفع التطبيع وعودة اللاجئين.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية مؤتمر صحافي لإردوغان والأسد في دمشق قبل عام 2011 (أرشيفية)

​لماذا تتحرك تركيا لإحياء مسار الحل السياسي في سوريا بالتوازي مع التطبيع؟

تكثف تركيا من تحركاتها لإعادة تفعيل المسار السياسي لحل الأزمة السورية في الوقت الذي تواصل فيه مساعيها لتطبيع العلاقات مع دمشق

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية مظاهرة حاشدة في عفرين احتجاجاً على خطوات التطبيع بين أنقرة ودمشق (إكس)

استمرار الاحتجاجات في شمال سوريا على التطبيع بين أنقرة ودمشق

تشهد مناطق سيطرة القوات التركية وفصائل «الجيش الوطني السوري» الموالي لأنقرة احتجاجات مستمرة على خطوات التطبيع مع دمشق.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

المصداقية على المحك... كيف تفكر إيران في الرد على اغتيال نصر الله؟

أنصار «حزب الله» يلوحون بالأعلام أمام ملصق لحسن نصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت (أرشيفية - أ.ف.ب)
أنصار «حزب الله» يلوحون بالأعلام أمام ملصق لحسن نصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

المصداقية على المحك... كيف تفكر إيران في الرد على اغتيال نصر الله؟

أنصار «حزب الله» يلوحون بالأعلام أمام ملصق لحسن نصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت (أرشيفية - أ.ف.ب)
أنصار «حزب الله» يلوحون بالأعلام أمام ملصق لحسن نصر الله في الضاحية الجنوبية لبيروت (أرشيفية - أ.ف.ب)

هزت عملية الاغتيال الجريئة التي قامت بها إسرائيل لزعيم «حزب الله» حسن نصر الله، أمس (الجمعة)، الجماعة اللبنانية ووجهت لها الضربة الأشد منذ تأسيسها في أوائل الثمانينات من القرن الماضي. ودفعت عملية الاغتيال إيران -وهي الداعم الرئيسي للحزب- إلى التحذير من أن إسرائيل بدأت «مرحلة خطيرة من الصراع من خلال تغيير قواعد الاشتباك»، وفق ما ذكرته شبكة «سي إن إن» الأميركية.

وفي حين تراقب طهران حليفها الأكثر أهمية «من الحركات وليس من الدول»، وهو يتعرض للاستهداف، تتزايد الأسئلة حول كيفية الرد الإيراني.

وصعّدت الدولة العبرية بشكل كبير صراعها المستمر منذ عام مع الجماعة اللبنانية بعد توسيع أهداف حربها بقطاع غزة في 17 سبتمبر (أيلول) لتشمل الجبهة الشمالية مع «حزب الله». وفي اليوم التالي، انفجرت آلاف أجهزة «البيجر» التي يستخدمها أعضاء الحزب، ثم انفجار أجهزة الاتصال اللاسلكي بعدها بيوم. تلى ذلك هجوم جوي إسرائيلي أسفر عن مقتل كثير من قادة «حزب الله»، وأدى إلى أكبر عدد من الضحايا في لبنان منذ ما يقرب من عقدين من الزمن.

إلى أي مدى تأثر «حزب الله»؟

يزعم الجيش الإسرائيلي أن التسلسل القيادي للجماعة «تم تفكيكه بالكامل تقريباً» بعد أن قتل سلسلة من كبار المسؤولين في «حزب الله»، خلال الأسبوع الماضي.

وقالت حنين غدار، الزميلة البارزة في معهد واشنطن، إنه بالإضافة إلى خسارة مستودعات الأسلحة والمرافق، فقد التنظيم معظم كبار قادته، كما انكسرت شبكة اتصالاته. لكنها أضافت أنه على الرغم من خسائرها، فإن الجماعة اللبنانية لا تزال تحتفظ بقادة ماهرين، وكثير من أقوى أصولها، بما في ذلك الصواريخ الموجهة بدقة، والصواريخ طويلة المدى التي يمكن أن تُلحق أضراراً كبيرة بالبنية التحتية العسكرية والمدنية الإسرائيلية. ولم يتم استعمال معظم هذه الصواريخ بعد.

بدورها، قالت أمل سعد، الخبيرة في شؤون «حزب الله» والمُحاضِرة في السياسة والعلاقات الدولية بجامعة «كارديف» في ويلز، إنه منذ صعّدت إسرائيل حملتها، أثبت الأداء العسكري لـ«حزب الله» أنه «تمكن من امتصاص تلك الصدمة وتمكن من الارتداد، وهو يضرب شمال إسرائيل بقوة منذ أيام».

واعترضت إسرائيل، يوم الأربعاء الماضي، صاروخاً باليستياً أطلقه «حزب الله» بالقرب من تل أبيب، وهو هجوم غير مسبوق وصل إلى عمق قلب المنطقة التجارية لإسرائيل. وقال الحزب إنه استهدف مقر الموساد الإسرائيلي.

وأوضحت أمل سعد: «في حين أنه من غير المرجح أن يؤدي مقتل نصر الله إلى تعطيل الاستمرارية العملياتية للحركة، فإنه سيمثل إحباطاً هائلاً بين صفوفها وصفوف مؤيديها».

وترى حنين غدار أن القليل من المتنافسين على قيادة «حزب الله» يمكن أن يضاهوا شعبية نصر الله، و«إذا تم تفكيك قيادة الجماعة بالفعل وتعطل التنسيق بين إيران و(حزب الله)، فقد يدفع ذلك الحرس الثوري الإيراني إلى تولي زمام المبادرة». وتضيف: «سيتعين عليهم (إيران) إيجاد طريقة للقيام بذلك بأنفسهم. لكن هذا ليس خياراً سهلاً لأنهم (سيصبحون) أهدافاً، وهم لا يفهمون لبنان».

ما الظروف التي قد تدفع إيران للتدخل؟

قبل محاولة اغتيال نصر الله، كان الخط الرسمي الإيراني هو أن «حزب الله» قادر على الدفاع عن نفسه، حتى مع اعتراف المرشد الإيراني علي خامنئي، الأربعاء الماضي، بأن قتل إسرائيل لقادة الجماعة كان «خسارة بالتأكيد».

لكن بعد الغارة الجوية، الجمعة، أشارت سفارة إيران في لبنان إلى أن حسابات طهران ربما تتغير الآن. وقالت السفارة على موقع «إكس»: «لا شك أن هذه الجريمة النكراء والسلوك المتهور يمثلان تصعيداً خطيراً يغير قواعد اللعبة، وأن مرتكبها سينال العقاب والتأديب المناسب».

علاقة إيران مع الغرب

تكمن المعضلة في اعتبارات إيران الداخلية، ويأتي التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل في وقت حساس بالنسبة للرئيس الإصلاحي الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، الذي ركزت حملته الانتخابية على تحسين العلاقات الخارجية لإخراج طهران من العزلة التي أصابت اقتصادها بالشلل.

وخلال هذا الأسبوع، قال بزشكيان أمم الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن بلاده مستعدة للتعامل مع الغرب بشأن برنامجها النووي المثير للجدل، ومن أجل ذلك عين الدبلوماسي المخضرم الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة جواد ظريف نائباً له.

وفي الداخل، يتعين على بزشكيان أن يتعامل مع ناخبيه الإصلاحيين، الذين يفضلون الوفاق مع الغرب، والعناصر المتشددة داخل النظام الإيراني التي تريد استعراض القوة ضد إسرائيل.

ويوم الاثنين، وهو اليوم الذي قُتل فيه ما يقرب من 500 لبناني في الغارات الجوية الإسرائيلية، صرّح بزشكيان في نيويورك بأن إيران مستعدة «لإلقاء السلاح إذا فعلت إسرائيل الشيء نفسه». وأثار هذا التصريح رد فعل عنيفاً من المتشددين في الداخل لـ«ظهوره ضعيفاً أمام العدو». وقد أثار تصريحه، إلى جانب عرضه للتصالح مع الغرب في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، انتقادات كثيرة.