الغموض يسيطر على ملابسات مقتل طبيبة مصرية في إسطنبول

جريمة أعادت للأذهان حادثة مقتل رجل أعمال مصري تعرض لعملية نصب

الطبيبة القتيلة نهى محمود سالم (مواقع التواصل الاجتماعي)
الطبيبة القتيلة نهى محمود سالم (مواقع التواصل الاجتماعي)
TT

الغموض يسيطر على ملابسات مقتل طبيبة مصرية في إسطنبول

الطبيبة القتيلة نهى محمود سالم (مواقع التواصل الاجتماعي)
الطبيبة القتيلة نهى محمود سالم (مواقع التواصل الاجتماعي)

لا يزال الغموض يحيط بجريمة مقتل طبيبة التخدير المصرية نهى محمود سالم التي وُجدت جثةً هامدةً في حديقة قريبة من محطة للمترو بمنطقة بيرام باشا في إسطنبول.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة من سلطات التحقيق لتحديد هوية الفاعل، تسود مخاوف من أن تضاف هذه الجريمة البشعة إلى سجل الجرائم مجهولة الفاعل التي لم يحل لغزها، والتي لم تطل فقط العرب، سواء كانوا سائحين أو مرتبطين بأعمال تجارية أو لاجئين، وإنما شملت أيضاً شخصيات بارزة في المجتمع التركي، بينهم صحافيون وسياسيون، ظلت ظروف مقتلهم غامضة على الرغم من مرور عشرات السنين.

 

صورة للطبيبة القتيلة من أمام إحدى المدارس في إسطنبول (متداولة)

شبهات حول الجريمة

الظاهر حتى الآن في جريمة مقتل الطبيبة المصرية، التي يعتقد أنها راحت ضحية لعملية خداع، أنها تعرضت للتعذيب قبل موتها، حيث وجدت جثتها شبه عارية وعليها آثار تعذيب، منها اقتلاع أظافرها وحلق شعرها وتشويه وجهها بمادة حمضية كاوية لتشويه معالم وجهها ليصعب التعرف عليها.

ولم تحظ قضية مقتل الطبيبة نهى محمود سالم، التي حققت بعض الشهرة من خلال نشاطها في مجال مكافحة التلوث البيئي في مدينتها الإسكندرية، قبل أن تغادر إلى إسطنبول، حيث أطلقت مبادرة «ما ترميش على الأرض»، وبسبب كتاب روت فيها تفاصيل علاقتها بأسرتها «المتشددة» بعد خلع النقاب، باهتمام واسع في وسائل الإعلام التركية، على غرار ما حدث من قبل في جريمة مقتل رجل الأعمال المصري، محمد عبد القوي سالم يوسف، في إسطنبول، حيث عثر على جثته بعد 22 يوماً من قتله في إحدى حاويات القمامة، نتيجة التركيز على القضية من جانب أحد أبرز البرامج الاستقصائية بإحدى القنوات التركية الخاصة.

وحسب ما صرح به أحد أقاربها، ويدعى عبد الرحمن القفاص، فإن الكشف عن هويتها جاء بعدما انقطعت اتصالات عائلتها بها بعد 3 أسابيع من وصولها إلى إسطنبول، ما دفع نجلها يحيى حسن، المقيم في دبي، إلى تقديم بلاغ للسطات التركية عن فقدها، وفي اليوم التالي تم اصطحابه إلى أحد المستشفيات حيث تم نقل جثتها التي عُثر عليها في حديقة بالقرب من محطة مترو «كوجاتبه» في منطقة «بيرام باشا»، وأظهر تحليل الحمض النووي (دي إن إيه) التطابق بينهما.

 

ضحية خداع

وتبين لاحقاً أنها قدمت إلى إسطنبول، بعدما تعرفت عبر مواقع التواصل الاجتماعي على أحد المصريين، قيل إنه يبلغ من العمر 45 عاماً ومن مواليد مدينة طنطا بمحافظة الغربية ويعمل بشكل حر مترجماً ويمارس بعض الأعمال التجارية أحياناً.

وتم تداول تسجيل صوتي للقتيلة كشفت فيه زواجها منه (بشكل غير رسمي حيث لم يسجل الزواج رسمياً) بعد سفرها إلى إسطنبول، وأنها اكتشف خداعه لها، حيث كان مفلساً مادياً، ولديه 4 أبناء، وتراكمت عليه ديون وإيجارات للشقة التي كان يقيمون بها لم يدفعها منذ أشهر، وأنه لا يحمل الجنسية التركية كما أوهمها قبل حضورها، وبالتالي لم تتمكن من الحصول على تصريح إقامة في تركيا بسبب إلغاء السلطات، مؤخراً، منح الإقامات السياحية، وأنه أراد استغلالها لسداد ديونه والإنفاق عليه وعلى أولاده الأربعة.

وقبل ظهور هذا التسجيل، نفى القفاص (قريب الضحية) علمه بوجود علاقة تربطها بشخص في إسطنبول، وأنها جاءت بغرض السياحة لمدة أسبوع.

وتبين، وفقاً للتسجيل الصوتي، الذي قيل إنها أرسلته إلى أحد معارفها في مصر ويدعى «أحمد» أنها لم تبلغ أحداً بمسألة سفرها بسبب تعرفها على هذا الشخص، كما أخفت زواجها منه.

وتتواصل التحقيقات حالياً في الجريمة بجميع أبعادها، مع فرضية أنها قد تكون تعرضت لعملية قتل انتقامية بناء على الحالة التي وجدت عليها الجثة، حسب ما أفادت بعض المصادر لـ«الشرق الأوسط».

 

بين توجهين

وكانت الطبيبة الراحلة كشفت في كتاب من تأليفها بعنوان «لما خلعت النقاب» وجود خلافات أسرية كبيرة بسبب مواقفها من «الإخوان المسلمين»، إذ كان زوجها السابق وكذلك نجلاها وشقيقاتها ينتمون إلى الجماعة «المتشددة».

كما كشفت تأييدها لمركز «تكوين» للدراسات والأبحاث، الذي تم تدشينه مؤخراً في القاهرة، وأثار الجدل بسبب دعوته إلى تجديد الخطاب الديني وهوية القائمين عليه.

ولم تعر صفحات المصريين في تركيا القريبة من «الإخوان» أي اهتمام بقضية مقتل الطبيبة على الرغم من أن بعض الحوادث البسيطة تأخذ حيزاً واسعاً من النقاش.

رجل الأعمال المصري محمد عبد القوي عُثر عليه مقتولاً في إسطنبول عام 2017 بعد تعرضه لعملية نصب (أرشيفية)

وأعاد مقتل نهى محمود سالم إلى الأذهان قضية العثور على رجل أعمال مصري، يدعى محمد عبد القوي سالم يوسف، مقتولاً بعد 22 يوماً من اختفائه، في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2017، حيث اعتاد التردد على إسطنبول بين وقت وآخر حيث كان يعمل في تجارة الملابس.

ولاقت قضيته اهتماماً واسعاً بعد أن تمكنت عائلته من إثارتها في أحد أبرز برامج الجريمة الأعلى مشاهدة في تركيا، وتقدمه الصحافية البارزة موجة آنلي، وتبين من خلاله أنه راح ضحية لعملية نصب، بإيهامه بالزواج من فتاة سورية صغيرة السن.

وبفضل البرنامج، عثر على جثة رجل الأعمال المصري في منطقة حبيبلار القريبة من حي غازي عثمان باشا، وهي منطقة فقيرة ونائية في إسطنبول، في عربة يدوية يستخدمها أحد السوريين في جمع الكرتون من حاويات القمامة، تركت على طريق ترابية لأيام عدة.

 

ارتفاع معدلات الجريمة

وتصاعدت في الأعوام الأخيرة معدلات الجريمة في تركيا، وأثار الانتباه زيادة الجرائم ذات الطابع الاجتماعي مثل الخطف والاغتصاب والتحرش والنصب، فضلاً عن جرائم القتل التي تزايدت بسبب انتشار الأسلحة المرخصة وغير المرخصة على نطاق واسع لدى المواطنين، واستخدامها حتى في المشاجرات البسيطة. وخلال الأعوام الأخيرة أيضاً تشهد تركيا تطوراً في الجرائم التي تستهدف السائحين العرب والأجانب التي تنتهي في غالبيتها بالقتل، كما حدث مراراً في أنطاليا جنوب تركيا، فضلاً عن جرائم الخطف مجهولة الفاعل التي تنتهي غالباً النهاية نفسها، وهي القتل بعد الاستيلاء على الأموال والمتعلقات. وأصبحت مدينة إسطنبول وغيرها من المناطق السياحية في تركيا حاضنة لكثير من الجرائم المروعة، وحسب تقارير وزارة العدل التركية تحتل إسطنبول المرتبة الأولى من حيث عدد الجرائم في البلاد.


مقالات ذات صلة

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

سبق أن أعلن عدد من كبار قادة الجيش بنيجيريا انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»

الشيخ محمد (نواكشوط)

كليتشدار أوغلو يهاجم إردوغان بشدة في أولى جلسات محاكمته بتهمة إهانته

كليتشدار أوغلو أثناء مرافعته أمام المحكمة في أنقرة الجمعة (حزب الشعب الجمهوري)
كليتشدار أوغلو أثناء مرافعته أمام المحكمة في أنقرة الجمعة (حزب الشعب الجمهوري)
TT

كليتشدار أوغلو يهاجم إردوغان بشدة في أولى جلسات محاكمته بتهمة إهانته

كليتشدار أوغلو أثناء مرافعته أمام المحكمة في أنقرة الجمعة (حزب الشعب الجمهوري)
كليتشدار أوغلو أثناء مرافعته أمام المحكمة في أنقرة الجمعة (حزب الشعب الجمهوري)

قدم رئيس «الشعب الجمهوري» المرشح السابق لرئاسة تركيا كمال كليتشدار أوغلو دفاعه في قضية «إهانة رئيس الجمهورية» المرفوعة من الرئيس رجب طيب إردوغان. ومثل كليتشدار أوغلو (75 عاماً) أمام القاضي في الجلسة الأولى من القضية التي يواجه فيها حكماً بالسجن 11 سنة و8 أشهر، وحظر نشاطه السياسي لمدة 5 سنوات.

وقرأ كيليتشدار أوغلو، دفاعه المكون من 25 صفحة، أمام قاضي الدائرة 57 للمحكمة الجنائية الابتدائية في أنقرة، واستهله قائلاً: «لم آتِ للدفاع عن نفسي بسبب جريمة، ولكن لتسجيل الجرائم المرتكبة وللمطالبة بالمحاسبة، ولتسجيل ملاحظة في التاريخ».

كليتشدار أوغلو وإلى جانبه رئيس «الشعب الجمهوري» ورئيس بلدية أنقرة وعدد من الشخصيات الذين جاءوا لمساندته في قاعة المحكمة (حزب الشعب الجمهوري)

وأضاف: «من حسن حظي أنه لم يجرِ تقديمي أمامكم بجريمة سرقة واختلاس حقوق الأيتام، ومرة أخرى، أنا محظوظ لأنني لم أمثُل أمامكم بتهمة الخيانة». وحيا كل الأبطال الوطنيين الذين ضحوا بحياتهم من أجل بقاء الدولة وسيادة الوطن، وللملازمين الشباب الذين طردوا من الخدمة عقب تخرجهم مباشرة بسبب أداء قسم الولاء لمؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك في حفل تخرجهم في أغسطس (آب) الماضي».

دعم واسع

تَجَمَّعَ مئات من أنصار كليتشدار أوغلو و«الشعب الجمهوري» وأحزاب المعارضة أمام المحكمة مطالبين بالعدالة، حيث نمكن من الوصول إلى قاعة المحكمة بصعوبة بالغة.

وحضر رئيس «الشعب الجمهوري»، أوزغور أوزلل، ورئيس بلدية أنقرة منصور يافاش، ورئيس حزب «البلد» محرم إينجه، ورئيس حزب «النصر» أوميت أوزداغ، وعائلة كليتشدار أوغلو، وعائشة أتيش زوجة رئيس منظمة «الذئاب الرمادية» سنان أتيش، الذي اغتيل في أنقرة قبل عامين، فضلاً عن ممثلي أحزاب معارضة ورؤساء بلديات من أنحاء تركيا، بينما غاب رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، بسبب حضوره مؤتمراً في ألمانيا.

تجمع حاشد حول كليتشدار أوغلو أثناء دخوله المحكمة (حزب الشعب الجمهوري)

وقال كليتشدار أوغلو إنه حضر إلى المحكمة ليقول مجدداً للص إنه لص، وليعيد التذكير بقضية الـ128 مليار دولار التي أهدرها إردوغان من احتياطي البنك المركزي لصالح «عصابة المقاولين الخمسة». وأضاف: «إذا كان الرجل الذي قال ليس لديَّ سوى خاتم واحد، إذا أصبحت غنياً، فاعلموا أنني سرقت، (في إشارة إلى إردوغان)، أصبح ثرياً، فإنني أقولها مرة أخرى هو لص».

وطلب من القاضي أن يسمح له بالابتعاد عن موضوع القضية، مشيراً إلى أن إردوغان زج بتركيا في مشروع الشرق الأوسط الكبير من أجل تأسيس حكم الرجل الواحد في تركيا، الذي جُعلت كل السلطات في يده، كما يواصل الآن سياسته من أجل البقاء عبر تقديم تنازلات في قبرص وبحر إيجه. وأضاف: «لقد كانت هذه هي الحال دائماً في التاريخ الحديث، فنظام ضعف اقتصاده أو حتى انهار، ولا يستطيع حماية حدوده، حيث نظام العدالة مرتبط برجل واحد، وحيث جرى تدمير آلية الرقابة، وحيث لا توجد شفافية ومحاسبة، وحيث التعيين في مناصب الدولة وليس على أساس الجدارة والكفاءة، لن يدوم».

وتطرق كليتشدار أوغلو إلى مسيرته المهنية حيث كان مسؤولاً عن مؤسسة التأمين الاجتماعي، قائلاً إنه كان يدير أموال آلاف المواطنين، ولم يأخذ قرشاً واحداً من أموال الدولة إلى بيته، ولم يصبح من الأثرياء، ولا يملك سوى البيت الذي يعيش فيه أنقرة، مع أنه ظل أيضاً رئيسا لـ«الشعب الجمهوري» 13 عاماً.

كمال كليتشدار أوغلو (من حسابه في إكس)

ولفت إلى أنه تعرض للطعن في الظهر في الانتخابات الرئاسية، العام الماضي، من جانب من كانوا يقولون: «إننا وطنيون قوميون، وسنكتبك في وصية عائلتنا»، في إشارة إلى الرئيسة السابقة لحزب «الجيد»، ميرال أكشنار، لنكتشف لاحقاً أنهم كانوا يتعاونون مع إردوغان من أجل إدامة نظام الرجل الواحد الذي تَسَبَّبَ في معاناة البلاد بسبب الفساد والرشوة وتدهور الاقتصاد.

جدل واتهامات

وعُقدت الجلسة الأولى من محاكمة كليتشدار أوغلو وسط جدل واسع وتراشق مع وزير العدل الذي أدلى بتصريحات، الخميس عشية الجلسة، قال فيها إن هناك حالياً 9 قضايا و5 تحقيقات جارية تتعلق بالزعيم السابق لـ«الشعب الجمهوري»، وجرى فتح تحقيق بسبب تصريحاته. وأضاف تونتش: «أقول للسياسيين من (الشعب الجمهوري) إنهم إذا استمروا على السياسة ذلتها فسينتهي بهم الأمر مثل رئيسهم السابق».

كليتشدار أوغلو خلال أحد التجمعات قبل الانتخابات الرئاسية عام 2023 (من حسابه في إكس)

ورد كليتشدار أوغلو على تونتش في كلمة مصورة عبر حسابه في «إكس»، قائلاً: «إذا كانت لديك الشجاعة، فتعال إلى المحكمة غداً، واستمع إلى ما سأقوله لسيدك، ربما تتعلم درساً». واستنكرت قيادات «الشعب الجمهوري» تصريحات وزير العدل مؤكدين أنها جاءت قبل المحاكمة بيوم واحد، توجيهاً أو «أمراً» للقاضي لإدانة كليتشدار أوغلو، وحظر نشاطه السياسي.