كبير المفاوضين النوويين علي باقري وزيراً للخارجية بالوكالة

عبداللهيان وخلفه باقري كني على هامش اجتماع مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في طهران (إ.ب.أ)
عبداللهيان وخلفه باقري كني على هامش اجتماع مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في طهران (إ.ب.أ)
TT

كبير المفاوضين النوويين علي باقري وزيراً للخارجية بالوكالة

عبداللهيان وخلفه باقري كني على هامش اجتماع مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في طهران (إ.ب.أ)
عبداللهيان وخلفه باقري كني على هامش اجتماع مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في طهران (إ.ب.أ)

قررت طهران تعيين كبير المفاوضين في الملف النووي علي باقري كني، المعروف بانتقاداته اللاذعة للغرب، وزيراً للخارجية بالوكالة خلفاً لحسين أمير عبداللهيان الذي قُتل إلى جانب الرئيس الإيراني إثر تحطّم مروحية كانا على متنها.

تولى باقري كني (56 عاماً) منصب نائب عبداللهيان الذي قُتل في الحادث مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وسبعة أشخاص آخرين.

ويُحسب باقري كني على المحافظين المتشددين، وهو مقرّب من المرشد علي خامنئي، والد زوجة شقيق باقري كني.

بات المفاوض ذو اللحية التي غزاها الشيب معروفاً في الأروقة الدبلوماسية لمباحثات العاصمة النمساوية بشأن الملف النووي الإيراني بأسلوبه الهادئ المتناقض تماماً مع مواقفه الصلبة، حسب وصف وكالة الصحافة الفرنسية. وقال باقري كني في إحدى المرّات: «في كل مرة يتدخل أجانب، تحت أي صيغة كانت (...) يتعارض وجودهم مع أمن واستقرار المنطقة».

يملك الوزير الجديد بالوكالة خبرة طويلة في ملف إيران النووي، القضية التي كانت محور خلافات طهران مع القوى الكبرى وإسرائيل التي تشتبه بأن إيران تسعى لامتلاك قنبلة نووية.

أبرمت إيران اتفاقاً نووياً تاريخياً في فيينا عام 2015 وافقت فيه على تقييد برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها، لكنَّ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب انسحب منه بعد ثلاث سنوات. وبعدما وافقت إيران على اتفاق فيينا في عهد رئيسها المعتدل حسن روحاني، برز باقري كأحد أشد منتقديه، متهماً الحكومة حينذاك بالانحناء للغرب. وأشار إلى أن الاتفاق انتهك معظم «الخطوط الحمراء» التي وضعها خامنئي عبر فرضه قيوداً ورقابةً صارمةً على البرنامج النووي الذي تقول إيران إنه لأغراض مدنية بحتة.

«إيران ضعيفة جداً»

بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات على إيران في 2018، رأى باقري أن روحاني «أعطى الغربيين الانطباع بأن إيران ضعيفة جداً»، لكنه لجأ لاحقاً إلى استخدام نبرة متشددة للدفاع عن جهود إيران الرامية لإعادة إحياء الاتفاق. وقال العام الماضي إن معارضي هذه الجهود «يرغبون في الواقع في حرمان الجمهورية الإسلامية من مفتاح وأداة مهمة من أجل ضمان المصالح الوطنية». وُلد باقري عام 1967 في منطقة كن بشمال غربي طهران، ونشأ في عائلة منخرطة إلى حد كبير في الحياة السياسية في الجمهورية الإسلامية. كان والده، رجل الدين الشيعي محمد باقر، من الأعضاء الأوائل في مجلس خبراء القيادة، الموكل إليه دستورياً انتخاب المرشد والإشراف على عمله. وترأس لسنوات جامعة الإمام الصادق، التي تخرج فيها أغلب المسؤولين الحاليين. أما عمه محمد رضا مهدوي كني، فتولى رئاسة مجلس الخبراء منذ عام 2011 حتى وفاته في 2014، وهو الأمين العام لجمعية علماء الدين المجاهدين، رابطة رجال الدين المحافظين. عمل باقري كني في وزارة الخارجية في تسعينات القرن الماضي وتقرّب من المحافظ سعيد جليلي، أبرز منتقدي الاتفاق النووي والسياسة الخارجية في فترة الرئيس السابق حسن روحاني. وعندما عُيّن جليلي أميناً لمجلس الأمن القومي وبات كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي، عيِّن باقري كني مساعداً له.

بعد انتهاء مهامه في مجلس الأمن القومي، تولى باقري كني مهام في السلطة القضائية التي كان يرأسها في حينه إبراهيم رئيسي. وشغل بدايةً منصب أمين لجنة حقوق الإنسان، وبعدها عيّن مساعداً للشؤون الدولية.

بعد أسابيع على تولي رئيسي السلطة في 2021 عُيّن باقري نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية وكبير المفاوضين في الملف النووي. وكان اسمه مطروحاً بقوة لشغل منصب وزير الخارجية، قبل تسمية عبداللهيان. لكن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود جراء خلافات على مسائل بدا حلها مستعصياً، خصوصاً مع واشنطن.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن محللين أن مقتل الرئيس الإيراني أدى إلى مرحلة من عدم الاستقرار في الجمهورية الإسلامية، لكن لا يُتوقَّع أن يزعزع سياستها الخارجية أو دورها في المنطقة. وكان رئيسي يعد أحد المرشحين لخلافة المرشد علي خامنئي، وبالتالي فإن مقتله سيطرح تحدياً كبيراً لسلطات البلاد.

باقري كني خلال مفاوضات إحياء الاتفاق النووي في فيينا أغسطس 2022 (رويترز)

«الوضع على حاله»

وقال علي واعظ، المتخصص في الشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية: «قد يظهر خليفة محافظ ومخلص للنظام تماماً كرئيسي». وأضاف واعظ الذي كشفت وثائق عن تقديمه استشارات للحكومة الإيرانية في مبادرة تُعرف باسم «خبراء إيران»، أنه «بالنسبة إلى السياسة الخارجية، فإن المرشد و(الحرس الثوري) سيحتفظان بالكلمة الفصل في القرارات الاستراتيجية» متوقعاً «الاستمرارية أكثر من التغيير (...) في فترة من عدم اليقين والرهانات الكبيرة أمام الولايات المتحدة وفي المنطقة». وأضاف أنه مع رئيسي «كان اتخاذ القرارات سلساً جداً لأنه كان خاضعاً تماماً للمرشد». وأوضح: «السؤال بالنسبة إلى المحافظين الإيرانيين هو إيجاد شخص ينتخب (...) ولا يسبب لهم الكثير من المشكلات».

لكن على المستوى الدولي، يراهن المحللون على نوع من الاستمرارية خصوصاً أن الاستراتيجية الإيرانية يحددها آية الله خامنئي والمجلس الأعلى للأمن القومي. وتوقع جيسون برودسكي، الخبير في معهد الشرق الأوسط، أن يبقى «الوضع الراهن على حاله» حول هذه النقطة. وصرح لـ«بي بي سي» بأن «(الحرس الثوري) يخضع للمرشد خامنئي ويقوم باتصالاته مع (حزب الله) والحوثيين و(حماس) والميليشيات الأخرى في المنطقة. وسيظل أسلوب العمل والاستراتيجية الكبرى للجمهورية الإسلامية على حالها». وبالنسبة إلى الملف النووي، تنفي إيران أنها تسعى لحيازة السلاح النووي، لكنها أعلنت عدم امتثالها للالتزامات التي تعهدت بها في إطار الاتفاق الدولي لعام 2015 الذي ينظم أنشطتها النووية مقابل رفع العقوبات الدولية عنها. ولم تعد هذه الاتفاقية قائمة بعد انسحاب الولايات المتحدة الأحادي منها بقرار من الرئيس السابق دونالد ترمب عام 2018.

الأولوية لـ«النووي»

عيِّن كبير مفاوضي الملف النووي علي باقري، الاثنين، وزيراً للخارجية الإيرانية بالوكالة بعد مقتل وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان أيضاً في حادث تحطم المروحية. وكتب حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسط في جنيف: «إن الخارجية الإيرانية لديها مسؤول جديد والأولوية نفسها: المفاوضات حول البرنامج النووي». وأضاف جيسون برودسكي: «لن يتغير البرنامج النووي الإيراني وكذلك عملية صنع القرار المحيطة به لأن الملف النووي في النهاية بيد المرشد والمجلس الأعلى للأمن القومي». متوقعاً حدوث التغييرات على المدى الطويل. وسيتجلى ذلك في الصراع على السلطة بين «الحرس الثوري» والملالي، وفي رد فعل الإيرانيين الذين خرجوا إلى الشارع بأعداد كبيرة عام 2022 ويتضررون من العقوبات الدولية المفروضة على إيران، وفي التأثيرات الخارجية والأحداث الإقليمية التي ستُرغم طهران على التكيف. وذكر حسني عبيدي أن «رئيسي كان المرشد العتيد وكان يحظى بدعم جميع مكونات النظام». وأضاف: «لا يعاد خلط الأوراق في إيران بمقتل الرئيس الإيراني، بل ما هو على المحكّ هو البحث عن المرشد المقبل». ورأى فريد وحيد أن «إيران لن تغيِّر سياساتها الخارجية بشكل جذري تجاه إسرائيل أو الولايات المتحدة أو برنامجها النووي إلا من خلال تغيير النظام». وأضاف: «قد يترتب على مقتل رئيسي بعض الفروق والاختلافات، لكن في ظل هذا النظام وما دام المرشد على قيد الحياة و(الحرس الثوري) حاضراً لا يمكن توقع أي تطور كبير».​


مقالات ذات صلة

غروسي: أود لقاء بزشكيان في أقرب فرصة

شؤون إقليمية إسلامي يتحدّث إلى غروسي على هامش مؤتمر «الاجتماع الدولي للعلوم والتكنولوجيا النووية» في أصفهان مايو الماضي (أ.ب)

غروسي: أود لقاء بزشكيان في أقرب فرصة

أعلن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، رغبته في زيارة طهران، خلال رسالة وجّهها إلى الرئيس الإيراني، مسعود بزشكیان.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​  المرشّح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترمب (أ.ف.ب)

ترمب يتطرّق في منشور إلى «محو إيران عن وجه الأرض»

تطرّق المرشّح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترمب إلى القضاء على إيران، وذلك في منشور على شبكة للتواصل الاجتماعي استعاد فيه أسلوبه الناري.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية ناقلة النفط «سانت نيكولاس» التي تحتجزها إيران (رويترز)

إيران تفرج عن شحنة نفط على متن ناقلة محتجَزة

أفرجت إيران اليوم الخميس عن شحنة النفط الخاصة بالناقلة «سانت نيكولاس» التي كانت قد احتجزتها بخليج عمان في وقت سابق من هذا العام.

«الشرق الأوسط» (أثينا)
شؤون إقليمية شعار «لا للإعدام في إيران» على برج إيفيل في باريس (أ.ف.ب)

السلطات الإيرانية تعدم سجيناً سياسياً كردياً بعد 15 عاماً على اعتقاله

قالت مجموعات حقوقية إن السلطات الإيرانية نفذت الخميس حكم الإعدام بحق السجين السياسي الكردي كامران شيخه، بتهمة «الحرابة»، و«الإفساد في الأرض».

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية صورة نشرها السفير البريطاني في طهران لرفع علم أوكرانيا في مقر السفارة تضامناً مع كييف في فبراير 2022

طهران تستدعي سفير بريطانيا لتسليم إيراني للولايات المتحدة

استدعت إيران سفير بريطانيا؛ احتجاجاً على تسليم لندن مواطناً إيرانياً للولايات المتحدة، بتهمة الالتفاف على العقوبات الأميركية في تصدير «تطبيقات عسكرية» لطهران.

«الشرق الأوسط» (لندن-طهران)

تركيا: تحييد 4 من «العمال الكردستاني» جنوب شرق البلاد

جندي تركي يسير بجوار مركبة عسكرية خلال دورية مشتركة مع الولايات المتحدة في سوريا (أرشيفية - رويترز)
جندي تركي يسير بجوار مركبة عسكرية خلال دورية مشتركة مع الولايات المتحدة في سوريا (أرشيفية - رويترز)
TT

تركيا: تحييد 4 من «العمال الكردستاني» جنوب شرق البلاد

جندي تركي يسير بجوار مركبة عسكرية خلال دورية مشتركة مع الولايات المتحدة في سوريا (أرشيفية - رويترز)
جندي تركي يسير بجوار مركبة عسكرية خلال دورية مشتركة مع الولايات المتحدة في سوريا (أرشيفية - رويترز)

أعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا، اليوم (السبت)، تحييد 4 «إرهابيين» مطلوبين في عملية ضد تنظيم «حزب العمال الكردستاني» (بي كيه كيه) في ريف ولاية سيرت جنوب شرقي البلاد.

وذكر يرلي قايا في بيان أن «الإرهابيين الأربعة شاركوا في 9 عمليات إرهابية، قتل فيها 6 حراس أمن و5 مواطنين مدنيين، وأصيب 6 حراس أمن و11 مواطناً مدنياً بجروح»، حسب وكالة «الأناضول» التركية للأنباء.

وتستخدم تركيا كلمة «تحييد» للإشارة إلى المسلحين الذين يتم قتلهم أو أسرهم أو إصابتهم من جانب القوات التركية.

ويشن الجيش التركي أيضاً عمليات عسكرية في شمال سوريا والعراق ضد «حزب العمال الكردستاني».

ووفقاً لبيانات تركية، تسبب «بي كيه كيه» في مقتل حوالي 40 ألف شخص (مدنيون وعسكريون) خلال أنشطته الانفصالية المستمرة منذ ثمانينات القرن الماضي.