مخاوف غربية من حصول إيران على اليورانيوم النيجري بدعم من روسيا

طهران سعت لصفقة من 300 طن من «الكعكة الصفراء»... ونيامي تذرعت بأن مخزونها غير متوفر

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي یستقبل رئيس وزراء النيجر علي محمد الأمين زين والوفد المرافق له في يناير الماضي (الرئاسة الإيرانية)
الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي یستقبل رئيس وزراء النيجر علي محمد الأمين زين والوفد المرافق له في يناير الماضي (الرئاسة الإيرانية)
TT

مخاوف غربية من حصول إيران على اليورانيوم النيجري بدعم من روسيا

الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي یستقبل رئيس وزراء النيجر علي محمد الأمين زين والوفد المرافق له في يناير الماضي (الرئاسة الإيرانية)
الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي یستقبل رئيس وزراء النيجر علي محمد الأمين زين والوفد المرافق له في يناير الماضي (الرئاسة الإيرانية)

يوم 7 يونيو (حزيران) المقبل، تبدأ محاكمة الرئيس النيجري السابق محمد بازوم الذي أطاح به انقلاب عسكري في شهر يوليو (تموز) من العام الماضي. وبازوم الذي كان صديقاً للغرب وخصوصاً لفرنسا التي حاولت بكل الوسائل إعادته إلى السلطة، متهم بـ«الخيانة العظمى» وبـ«تهديد أمن الدولة». ولأن احتمال الإطاحة بالنظام العسكري الجديد الذي تسلم مقدرات البلاد بات شبه معدوم، فإن مصير الرئيس السابق لم يعد موضع اهتمام جدي. بالمقابل، فإن الاهتمام بما يجري في النيجر ينصب على أمرين: الأول، انضمام نيامي (عاصمة النيجر) إلى العواصم الأفريقية الأخرى التي فتحت الباب واسعاً أمام وصول وحدات من قوة «أفريقا كوربس» الروسية التي حلت محل ميليشيا «فاغنر»، والتي تؤشر إلى تزايد النفوذ الروسي في منطقة الساحل وفي أفريقيا بشكل عام. وتشاء الأقدار أن العسكريين الروس، أكانوا من قدامى «فاغنر» أم أفراداً من الجيش الروسي الرسمي، حلوا في قاعدة جوية تابعة للجيش النيجري قرب مطار العاصمة حيث يرابط جنود أميركيون.

بعد رحيل القوات الفرنسية عن النيجر بطلب من السلطات العسكرية، فإن المجلس العسكري النيجري نقض الاتفاقية العسكرية المبرمة سابقاً مع الولايات المتحدة، وطلب خروج قواتها من البلاد، علماً أن النيجر تعد مركزاً بالغ الأهمية لواشنطن؛ إذ بنت قاعدة جوية قريباً من مدينة «أغاديز» بتكلفة تصل إلى 100 مليون دولار، وكانت منطلقاً لمسيّراتها (درون) في كافة أنحاء المنطقة لملاحقة الجهاديين.

صورة لقمر اصطناعي للقاعدة الجوية «101» القريبة من المطار الدولي في نيامي حيث توجد قوة أميركية وأيضاً قوة من «أفريقا كوربس» الروسية (رويترز)

وفي الثاني من الشهر الجاري، أعلن لويد أوستن، وزير الدفاع الأميركي، أن «الروس موجودون في مجمع منفصل ولا يمكنهم الوصول إلى القوات الأميركية أو الوصول إلى معداتنا»، مضيفاً أنه ليس هناك من «احتكاك مباشر» بين الطرفين. ويبين ما سبق التغير «الجيو- استراتيجي» في منطقة الساحل؛ إذ يتراجع النفوذ الغربي بشكل واضح لصالح روسيا. هذا ما جرى في مالي وفي بوركينا فاسو، وكلا البلدين شهدا انقلابات عسكرية على غرار ما عرفته النيجر لاحقاً.

أما الأمر الثاني المهم، فعنوانه اليورانيوم الخام؛ إذ تعد النيجر أحد أبرز منتجيه في العالم، وباطن الأرض يختزن ثروات أخرى مثل الذهب والبترول. وتدرس نيامي كما واغادوغو (بوركينا فاسو) إمكانية بناء مفاعل نووي بخبرات روسية، علماً أن موسكو قد ساعدت إيران لإكمال بناء مفاعل «بوشهر» المطل على الخليج. وتمتلك النيجر أكبر مخزون يورانيوم في أفريقيا والثالث في العالم. وحتى عام 2021، كانت النيجر المصدر الأول لواردات اليورانيوم إلى أوروبا، إلا أنها في عام 2022، خسرت هذا الموقع لصالح كازاخستان التي تقتطع حصة 26.8 في المائة، تليها النيجر (25.3 في المائة)، ثم كندا (22 في المائة)، وأخيراً روسيا (16.8 في المائة)؛ إذ إن اليورانيوم لم يكن خاضعاً في عام 2022 للعقوبات الأميركية والأوروبية. ورغم ثرواتها، فإن النيجر تعد أحد أفقر البلدان في العالم.

فرنسا واليورانيوم النيجري

عاد الحديث عن اليورانيوم النيجري أخيراً بعد معلومات أشارت إلى أن إيران تسعى لصفقة تشتري بموجبها ما لا يقل عن 300 طن مما يسمى «كعكة اليورانيوم الصفراء» بوساطة روسية.

وليس سراً أن مفتاح استخراج اليورانيوم النيجري موجود في فرنسا التي بدأت باستخراجه منذ خمسين عاماً، وهي تمتلك ثلاثة امتيازات، أحدها متوقف عن العمل، والثاني قيد التحضير، والثالث الواقع في منطقة «أرليت» الأقرب إلى حدود الجزائر منها إلى العاصمة نيامي.

ويعود استغلال اليورانيوم النيجري إلى شركة «أورانو» الفرنسية المسماة سابقاً «أريفا» التي تسيطر عليها الدولة الفرنسية. ولكن ثمة شركات أخرى عاملة في القطاع نفسه مثل «سي إن إن سي» الصينية، و«كيبكو» الكورية الجنوبية، إضافة إلى الشركة الوطنية النيجرية.

رغم التغيير السياسي، لم تتأثر أنشطة «أورانو» في النيجر. ونقلت صحيفة «لوموند» الفرنسية عن إيمانويل غريغوار، من «معهد بحوث التنمية»، قوله إن «قطاع استخراج اليورانيوم لم يشهد تغيرات عميقة رغم الانقلابات العديدة (خمسة) التي عرفتها البلاد منذ استقلالها». وفي خبر نشره موقع «أفريكا أنتليجانس» المتخصص بالشؤون الأفريقية، أخيراً، ورد أن السلطات النيجرية «تتفاوض سراً» مع إيران لبيعها 300 طن من اليورانيوم «المركز»، وهو ما أكدته «لوموند» في عددها الصادر في العاشر من الشهر الجاري.

والأهم أن الصحيفة المذكورة بينت أن اليورانيوم المنوي بيعه يأتي من موقع «أرليت» الذي تمتلك فيه الشركة الفرنسية «أورانو» الحصة الكبرى، في حين تبلغ حصة النيجر 36 بالمائة. وبحسب «أورانو»، فإن النيجر «تسوق حصتها من اليورانيوم بكل استقلالية». وتنفي «أورانو» أن تكون على علم أو على علاقة بهذا الأمر، وتحرص على تأكيد أنها «تحترم بشكل صارم العقوبات الدولية التي تمنع بيع اليورانيوم لإيران».

ووفق الصحيفة الفرنسية، فإن المخابرات الأميركية كشفت، بداية العام الجاري، وجود محادثات سرية لصفقة تبلغ قيمتها 56 مليون دولار، إلا أن المجلس العسكري النيجري نفى في 16 أبريل (نيسان) «الأخبار الكاذبة» الأميركية التي تتحدث عن «توقيع اتفاق سري حول صفقة يورانيوم مع طهران». بيد أن «لوموند» نقلت عن مستشار لم تسمه للحكومة النيجرية أمرين: الأول، أنه نفى توقيع أي اتفاق مع إيران. والثاني، أنه اعترف أن إيران «سعت لتوقيع اتفاق تشتري بموجبه 300 طن من اليورانيوم» خلال الزيارة التي قام بها مهدي سفري نهاية فبراير (شباط) الماضي إلى نيامي، إلا أن النيجر رفضت الطلب «بسبب انخراطنا في عقود أخرى ولم يكن يتوافر لدينا المخزون (المطلوب) لبيعه». بكلام آخر، تعترف النيجر بأن المفاوضات كانت حقيقية، وأن ما جاءت به المخابرات الأميركية لم يكن أكاذيب مضللة.

روسيا تتوسط لإيران

حقيقة الأمر أن استخراج اليورانيوم الذي تقوم به «أورانو» في موقع «أرليت» استؤنف في فبراير الماضي، إلا أن السلطات النيجرية وجهت إنذاراً لـ«أورانو» الفرنسية ولنظيرتها الكندية «غوفي إكس» لبدء استخراج اليورانيوم من موقعي «إيمورارين» للأولى، و«ماداوولا» للثانية، تحت طائلة سحب الامتيازين الممنوحين لهما.

وتحتاج السلطات للعائدات المترتبة على بيع حصتها من اليورانيوم المستخرج في الأسواق العالمية حيث ارتفعت أسعاره بنسبة 40 في المائة منذ يوليو الماضي. ووفق نيامي، فإن طهران وموسكو مهتمتان باليورانيوم النيجري «رغم أن أي عقد لم يوقع بعد».

وسبق لوزير الخارجية النيجري باكاري ياوو سنغاريه، أن زار طهران في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وتبعه في يناير (كانون الأول) رئيس الحكومة الأمين زين الذي زار موسكو وطهران حيث استقبله الرئيس إبراهيم رئيسي، ما فتح الباب بين إيران والنيجر لتعزيز التعاون العسكري مع روسيا، وفي الصناعة والطاقة مع إيران. وتنسب «لوموند» لمصادر غربية رسمية أن روسيا هي الجهة التي سهلت التقارب «النووي» بين طهران ونيامي، وأن ذلك «يعود بلا شك إلى الاتفاقيات المبرمة بين إيران وروسيا لدعم المجهود الحربي الروسي في أوكرانيا».

وزیر الخارجیة النيجري باكاري ياوو سنغاريه يجري مباحثات مع نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان في طهران 24 أكتوبر الماضي (الخارجية الإيرانية)

ورغم أن باريس ترى أن اتفاقاً لشراء اليورانيوم النيجري لن يكون له تأثير على برنامج إيران النووي، فإن «وجود هذه المفاوضات حدث بالغ الأهمية على الصعيد الجيوـ استراتيجي؛ لأنه منذ أن وضعت روسيا قدمها في النيجر، فإنها فتحت الباب لزبائنها، وأولهم إيران».

حتى اليوم، لم يتم توقيع أي عقد. وثمة من يرى أن نيامي قد تكون ساعية لممارسة ضغوط على شركات استخراج اليورانيوم العاملة على أراضيها، وعلى رأسها «أورانو»، لتحسين مواقعها وإدراج تعديلات على شروط استغلال اليورانيوم لجهة زيادة حصتها منه. بيد أن مشكلة نيامي أن العقوبات المفروضة على إيران تمنع وصولها إلى سوق اليورانيوم، ما يعني أن النيجر قد تعرّض نفسها لعقوبات إذا مضت بصفقة كالتي يدور الحديث حولها. فهل ستخاطر بذلك وتعتبر أن القطيعة مع الغربيين أصبحت أمراً واقعاً، وبالتالي أصبحت حرة الحركة؟

في شهر أبريل الماضي، زارت مولي في، مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية، نيامي لمناقشة تواصل التعاون العسكري بين الطرفين، بشرط الحصول على ضمانات «لجهة الامتناع عن بيع اليورانيوم لإيران وعدم نشر المرتزقة الروس في المواقع العسكرية الأميركية». بيد أن المحاولة فشلت، وبعد يومين فقط من زيارة الدبلوماسية الأميركية طلبت النيجر رسمياً رحيل العناصر العسكرية الأميركية الألف عن البلاد باعتبار أن واشنطن تتدخل في الشؤون الداخلية النيجرية. وبعد أقل من ثلاثة أسابيع، حط في نيامي نحو مائة رجل من «أفريقا كوربس» الروسية، ليتبعهم آخرون مع أسلحتهم ومعداتهم...


مقالات ذات صلة

إيران وأوروبا تجتمعان لمحادثات نووية في جنيف الجمعة

شؤون إقليمية صورة نشرتها «الخارجية الإيرانية» من لقاء الوزير عباس عراقجي وعلى يمينه المتحدث إسماعيل بقائي مع رؤساء التحرير الأسبوع الماضي

إيران وأوروبا تجتمعان لمحادثات نووية في جنيف الجمعة

تعتزم إيران إجراء محادثات نووية مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي يوم 29 نوفمبر (تشرين الثاني) في جنيف.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
العالم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

يمثل الصعود العسكري النووي للصين هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي بأميركا في ظل التقارب بكين وموسكو.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية عرض عدد من أجهزة الطرد المركزي في طهران خلال اليوم الوطني للطاقة النووية الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

قاليباف: إيران بدأت في إطلاق أجهزة الطرد المركزي المتقدمة

قال رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، اليوم الأحد، إن طهران بدأت في إطلاق أجهزة الطرد المركزي المتقدمة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)

إيران: التخلي عن السلاح النووي ليس مجاناً

عرض مسؤول إيراني بارز، أمس، على الإدارة الأميركية الجديدة عدمَ امتلاك سلاح نووي مقابلَ تعويضات وامتيازات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية شعار الوكالة الدولية للطاقة الذرية يظهر على مقرها في فيينا بالنمسا (رويترز)

أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ترحّب باعتماد وكالة الطاقة الذرية لقرار ضد إيران

رحّبت أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، السبت، باعتماد مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لقرار بتوجيه اللوم إلى إيران لتقاعسها عن التعاون مع الوكالة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

إيران وأوروبا تجتمعان لمحادثات نووية في جنيف الجمعة

صورة نشرتها «الخارجية الإيرانية» من لقاء الوزير عباس عراقجي وعلى يمينه المتحدث إسماعيل بقائي مع رؤساء التحرير الأسبوع الماضي
صورة نشرتها «الخارجية الإيرانية» من لقاء الوزير عباس عراقجي وعلى يمينه المتحدث إسماعيل بقائي مع رؤساء التحرير الأسبوع الماضي
TT

إيران وأوروبا تجتمعان لمحادثات نووية في جنيف الجمعة

صورة نشرتها «الخارجية الإيرانية» من لقاء الوزير عباس عراقجي وعلى يمينه المتحدث إسماعيل بقائي مع رؤساء التحرير الأسبوع الماضي
صورة نشرتها «الخارجية الإيرانية» من لقاء الوزير عباس عراقجي وعلى يمينه المتحدث إسماعيل بقائي مع رؤساء التحرير الأسبوع الماضي

ستجري إيران محادثات بشأن برنامجها النووي مع فرنسا، بريطانيا وألمانيا، الجمعة في جنيف، وذلك بعد أسبوع من القرار الذي حركته القوى الثلاثة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية وينتقد طهران على عدم تعاونها في الملف النووي.

وأكدت بريطانيا، الأحد أن هذه المحادثات ستتم. وقالت وزارة الخارجية البريطانية «ما زلنا ملتزمين باتخاذ جميع الخطوات الدبلوماسية لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، بما في ذلك عبر آلية العودة التلقائية (سناب باك) إذا لزم الأمر».

وينص اتفاق 2015 على بند «سناب باك» لإعادة العقوبات الأممية في حال عدم احترام طهران التزاماتها على الصعيد النووي، مما يسمح بإعادة ست قرارات أممية مجمدة بموجب الاتفاق النووي.

وكانت وكالة «كيودو» اليابانية، أول من أعلن صباح الأحد، نقلاً عن مصادر دبلوماسية إيرانية عدة، أن إيران تعتزم إجراء محادثات نووية مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، يوم الجمعة، المقبل 29 نوفمبر (تشرين الثاني) في جنيف.

وقالت «كيودو» إن من المتوقع أن تسعى الحكومة الإيرانية بقيادة الرئيس مسعود بزشكيان، إلى التوصل إلى حل للأزمة النووية مع بريطانيا وألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي قبل تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، حسبما أوردت «رويترز».

وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي في وقت لاحق إن نواب وزراء خارجية إيران والدول الأوروبية الثلاث سيشاركون في المحادثات، التي قال إنها ستتناول قضايا إقليمية إلى جانب الملف النووي.ولم يذكر بقائي مكان إجراء المحادثات. وطلب متحدث باسم وزارة الخارجية السويسرية إحالة الأسئلة إلى الدول المذكورة في تقرير كيودو.وأضاف بقائي «سيتم تبادل الآراء... بشأن مجموعة من القضايا الإقليمية مثل قضيتي فلسطين ولبنان وكذلك القضية النووية».

وسيثمل الجانب الإيراني، نائب وزير الخارجية في الشؤون الدولية، مجيد تخت روانتشي، حسبما أوردت وسائل إعلام إيرانية.

يأتي ذلك بعد أيام من تبني مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قراراً يأمر طهران مجدداً بتحسين التعاون مع الوكالة التابعة للأمم المتحدة على وجه السرعة.

وطلب القرار من مدير الوكالة الدولية إصدار «تقييم شامل ومحدث بشأن احتمال وجود أو استخدام مواد نووية غير معلنة فيما يخص قضايا عالقة ماضية وحالية تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني».

ورفضت بريطانيا وفرنسا وألمانيا، والولايات المتحدة التي اقترحت القرار، تحرك إيران في اللحظة الأخيرة لوضع سقف لمخزونها من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء 60 في المائة، القريب من درجة صنع الأسلحة، ووصفته بأنه غير كافٍ وغير صادق.

ورداً على القرار، أعلنت طهران عن تشغيل أجهزة طرد مركزي متقدمة، من مختلف الطرازات في منشآت تخصيب اليورانيوم، فوردو ونطنز.


تشغيل أجهزة الطرد

قال رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، الأحد، إن طهران باشرت تشغيل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة.

ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن قاليباف قوله في مستهل الجلسات الأسبوعية للبرلمان، أن «النهج السياسي غير الواقعي والمدمر الذي تتبناه الدول الأوروبية الثلاث والولايات المتحدة، أدى إلى إصدار قرار غير مبرر وغير توافقي بشأن البرنامج النووي السلمي لإيران في مجلس المحافظين».

وحصل القرار على تأييد 19 دولة من أصل 35 عضواً في مجلس المحافظين، وامتنعت 12 دولة عن التصويت، وصوتت 3 دول ضد القرار.

وقبل تبنِّي القرار بأيام، زار زيارة مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي طهران بهدف حل القضايا العالقة بين الطرفين. وعدت الزيارة إحدى الفرص الدبلوماسية الأخيرة المتاحة قبل عودة ترمب في يناير (كانون الثاني) إلى البيت الأبيض خصوصاً أنه كان مهندس «سياسة الضغوط القصوى» على إيران خلال ولايته الأولى بين عامَي 2017 و2021.

غروسي ونائبه يتوسطان المتحدث باسم «الذرية الإيرانية» بهروز كمالوندي ونائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي أمام مدخل منشأة نطنز في أصفهان (إرنا)

وقال قاليباف: «لقد استخدمت الدول الأوروبية الثلاث والولايات المتحدة الأنشطة النووية لبلدنا ذريعة لإجراءات غير مشروعة، ما عرّض مصداقية واستقلالية الوكالة للخطر من خلال نقض العهود وانعدام الصدق، وجعلوا الأجواء البناءة التي تم إنشاؤها لتعزيز التفاعل بين إيران والوكالة مشوشة»، وفقاً لوكالة «إيسنا» الحكومية.

وأفادت مصادر دبلوماسية إيرانية لوكالة «كيودو» بأن هذه المحادثات تأتي مع اقتراب تولي إدارة ترمب المعادية لإيران الحكم في يناير المقبل، ما دفع حكومة الإصلاحية بقيادة الرئيس بزشكيان إلى تعزيز الحوار مع الغرب، والسعي إلى التوصل لحل للأزمة النووية قبل تنصيب ترمب.

حل دبلوماسي

أكد مسؤول إيراني كبير أن الاجتماع سيعقد، يوم الجمعة المقبل، مضيفاً أن «طهران تعتقد دائماً أن القضية النووية يجب حلها من خلال الدبلوماسية. إيران لم تنسحب مطلقاً من المحادثات».

وفي عام 2018، انسحبت إدارة ترمب آنذاك من الاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015 مع 6 قوى كبرى، وأعادت فرض عقوبات قاسية على إيران؛ ما دفع طهران إلى تجاوز الحدود النووية المنصوص عليها في الاتفاق بإجراءات مثل زيادة مخزونات اليورانيوم المخصب ومعالجته إلى درجة نقاء انشطارية أعلى وتركيب أجهزة طرد مركزي متقدمة لتسريع الإنتاج، ووقف البروتوكول المحلق بمعاهدة حظر الانتشار النووي.

في بداية عهد الرئيس جو بايدن زادت إيران مخزوناتها من اليورانيوم العالي التخصيب بشكل كبير، ورفعت عتبة التخصيب إلى 60 في المائة، لتقترب بذلك من النسبة للازمة لصنع قنبلة نووية.

وقد حدد الاتفاق النووي مع إيران المعروف رسمياً باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة» والذي فشلت مفاوضات في إحيائه في عام 2022، معدل التخصيب الأقصى عند نسبة 3.67 في المائة.

ولم تفلح المحادثات غير المباشرة بين إدارة الرئيس جو بايدن وطهران في محاولة إحياء الاتفاق، لكن ترمب قال في حملته الانتخابية في سبتمبر (أيلول): «علينا أن نبرم اتفاقاً، لأن العواقب غير محتملة. علينا أن نبرم اتفاقاً».

ومع فوز ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، أرسل المسؤولون الإيرانيون إشارات متناقضة بشأن رغبة طهران في التواصل مع الإدارة الأميركية، فضلاً عن تحسين العلاقات مع الدول الأوروبية، في محاولة لردع مساعي إدارة ترمب في إحياء الضغوط القصوى.

ترمب يحتفل بانتصاره في الانتخابات الرئاسية (رويترز)

وحض مسؤولون إيرانيون ترمب على اعتماد سياسة جديدة، وحذروا من تجربة نسخة ثانية للضغوط القصوى.

ولم يتضح بعد النهج الذي يسير عليه ترمب، وما إذا سيرد الاعتبار لتوقيعه بالانسحاب من الاتفاق النووي أو يبقي على المسار التفاوضي الذي أطلقه جو بايدن لإحياء الاتفاق.

واختار ترمب ماركو روبيو لشغل حقيبة الخارجية، وهو معروف بعدائه للصين وإيران.

وكان ترمب قد أكد في يوم الانتخابات الأميركية في 5 نوفمبر أنه «لا يسعى إلى إلحاق الضرر بإيران». وقال بعد الإدلاء بصوته: «شروطي سهلة للغاية. لا يمكنهم امتلاك سلاح نووي. أود منهم أن يكونوا دولة ناجحة للغاية».

في وقت سابق من هذا الشهر، نفت إيران «نفياً قاطعاً» ما أوردته صحيفة «نيويورك تايمز»، الخميس، عن عقد لقاء بين سفيرها لدى الأمم المتحدة ورجل الأعمال إيلون ماسك المقرب من الرئيس الأميركي المنتخب، بهدف «تخفيف التوتر» مع الولايات المتحدة.

وأكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الذي تولى منصبه في يوليو (تموز) والمؤيد للحوار مع الدول الغربية، أنه يريد رفع «الشكوك والغموض» حول برنامج بلاده النووي.

«سناب باك»

وقال وزير الخارجية عباس عراقجي، بداية الأسبوع الماضي، إن حكومة مسعود بزشكيان حاولت استئناف المفاوضات في نهاية سبتمبر الماضي، على هامش أعمال الجمعية العامة في نيويورك.

وأعرب عراقجي عن مخاوفه من أن تقدم الدول الأوروبية على تفعيل آلية «سناب باك» المنصوص عليها في الاتفاق النووي، قبل انتهاء مفعولها في أكتوبر (تشرين الأول) 2025، مع انقضاء موعد القرار 2231 الذي يتبنى الاتفاق النووي. وأشار عراقجي في جزء من تصريحاته، إلى توقف «مسار مسقط»، في إشارة إلى الوساطة التي تقوم بها سلطنة عمان بين طهران والقوى الغربية بشأن البرنامج النووي منذ سنوات.

وأوضح عراقجي أن «القوى الأوروبية والولايات المتحدة رحبتا بمواصلة المفاوضات غير المباشرة عبر الوسيط العماني... وجرى التعبير عن الرغبة في بدء مسار المفاوضات مع الأوروبيين ومسار مسقط، وكنا مستعدين لبدء المفاوضات، لكن الأحداث في لبنان أدت إلى توقفها. الآن، هناك رغبة من قبل الدول الأوروبية في استئناف المفاوضات، وسنقوم بذلك قريباً». ومع ذلك، قال إن «على الحكومة الأميركية الجديدة أن تقرر، ونحن سنتصرف بناءً على ذلك».

لاحقاً، قال مجيد تخت روانتشي، نائب وزير الخارجية الإيراني، لصحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية إن طهران «تفضّل المفاوضات، لكنها لا تخضع لاستراتيجية الضغوط القصوى».

وقال نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية، كاظم غريب آبادي، الخميس الماضي إن بلاده «ستنسحب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية» إذا قرّرت الدول الغربية إعادة فرض عقوبات أممية على إيران، بموجب تفعيل آلية «سناب باك».

ويحذر محللون إيرانيون من احتمال تعاون ترامب وأوروبا ضد إيران لتخفيف خلافاتهما في قضايا أخرى، مؤكدين أن الترويكا الأوروبية قد تدعم مساعي ترمب لتفعيل آلية «سناب باك»، في ظل التوتر غير المسبوق بين إيران والاتحاد الأوروبي وبريطانيا.