إيران تكثف حملتها «القمعية» مع احتدام التوترات الإقليمية

منظمات تتحدث عن «الحرب ضد المرأة» في شوارع طهران

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران الاثنين الماضي (رويترز)
امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران الاثنين الماضي (رويترز)
TT

إيران تكثف حملتها «القمعية» مع احتدام التوترات الإقليمية

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران الاثنين الماضي (رويترز)
امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران الاثنين الماضي (رويترز)

شددت إيران من القيود الداخلية في الآونة الأخيرة، بما في ذلك عمليات الإعدام وتوقيف معارضين وعودة دوريات الشرطة المكلفة مراقبة قانون الحجاب الإجباري، مع تصاعد التوترات مع منافستها إسرائيل، وفق محللين وحقوقيين.

وعانى الإيرانيون من قمع متزايد منذ اندلاع الاحتجاجات على مستوى البلاد، اعتباراً من سبتمبر (أيلول) 2022 إثر وفاة مهسا أميني (22 عاماً) بعد أيام من توقيفها من قبل «شرطة الأخلاق» في العاصمة بدعوى «سوء الحجاب»، إلا أن حملة القمع الذي تمارسه السلطات، دخلت مرحلة جديدة إثر تصاعد المخاوف من نشوب صراع إقليمي، حيث شنت إسرائيل ضربة واضحة على إيران يوم الجمعة.

وتحدث ناشطون إيرانيون في الفترة الماضية عن عودة الحافلات الصغيرة البيضاء اللون لـ«شرطة الأخلاق» إلى ساحات المدن، والتي يقوم عناصرها بتوقيف المخالفات لقواعد اللباس المعتمدة في أعقاب ثورة 1979 التي مهدت الطريق لصعود نظام ثيوقراطي.

وأعلن قائد شرطة العاصمة عباس علي محمديان في 13 أبريل (نيسان) أن الشرطة في طهران وسائر المحافظات الإيرانية «ستتدخل ضد الأشخاص الذين يروجون (...) لعدم ارتداء الحجاب»، معلناً عن حملة قمع أطلق عليها اسم «نور» رمزياً.

وخلال الأيام الماضية، تداول مستخدمون أشرطة فيديو لأفراد شرطة من الإناث والذكور يقومون بتوقيف نساء واقتيادهن إلى حافلات «شرطة الأخلاق». وأرفقت هذه الفيديوهات بوسم «#جنك_عله_زنان» بالفارسية (حرب على النساء).

ضابطات شرطة الآداب النسائية يوقفن امرأة في طهران بسبب حجابها (أرشيفية - إيسنا)

الشوارع ميدان حرب

وقالت نرجس محمدي، الناشطة الممنوحة جائزة «نوبل للسلام 2023» والموقوفة في سجن «إيفين» بطهران، إن «الجمهورية الإسلامية حوّلت الشوارع إلى ميدان حرب ضد النساء وجيل الشباب»، وفق رسالة تداولها مؤيدوها عبر منصات التواصل.

وأظهر فيديو يرجح أنه التُقط قرب محطة مترو تجريش، وهي الأكبر في شمال طهران، سيدة تسقط أرضاً بعد توقيفها من قبل الشرطة. وسُمعت السيدة تقول للمارة الذين حاولوا مساعدتها، إن هاتفها تمّت مصادرته. ويتضمن مقطع آخر ما يبدو أنه صوت استخدام الشرطة للصعق الكهربائي ضد النساء اللاتي تم القبض عليهن ووضعهن في شاحنة.

وقال هادي قائمي مدير «مركز حقوق الإنسان في إيران»، ومقره في نيويورك، إنه «في ظل تزايد المعارضة في الداخل وتركّز الانتباه الدولي على التوترات الإقليمية، تغتنم الجمهورية الإسلامية الفرصة لتشديد حملة القمع».

نساء إيرانيات بعضهن دون حجاب يسِرن في أحد شوارع طهران سبتمبر 2023 (إ.ب.أ)

وتابع: «في غياب ردّ دولي صارم، ستتشجع الجمهورية الإسلامية على زيادة العنف الذي تمارسه ضد النساء وانتهاكاتها الفظيعة لحقوق الإنسان».

وبحسب جماعات حقوق الإنسان، قُتل المئات، واعتُقل الآلاف، في حملة قمع احتجاجات 2022 التي مثلت أحد أكبر التحديات التي تواجه الجمهورية الإسلامية.

فرصة لتشديد القبضة

وممن جرى توقيفهن في الأيام الماضية، آيدا شاكرمي، شقيقة نيكا شاكرمي التي توفيت على هامش مظاهرات 2022 عن عمر 16 عاماً، وفق ما أعلنت والدتها نسرين على منصّات التواصل الاجتماعي.

وأشارت نسرين إلى أنه جرى توقيف آيدا «لعدم ارتدائها الحجاب الإلزامي».

واتهم ناشطون قوات الأمن بقتل شاكرمي أثناء مشاركتها في الاحتجاجات، في حين قالت السلطات في حينه إن التحقيقات تؤشر إلى أن الفتاة قضت «انتحاراً».

إلى ذلك، أُوقفت دينا قاليباف، الصحافية والطالبة في جامعة الشهيد بهشتي في طهران، بعدما اتهمت قوات الأمن عبر منصات التواصل الاجتماعي بتكبيل يديها والاعتداء جنسياً عليها خلال توقيفها سابقاً في محطة لمترو الأنفاق في العاصمة، وفق ما أفادت شبكة «هنكَاو» الحقوقية، ومقرها أوسلو.

امرأة إيرانية تمشي بجوار متجر مغلق دون ارتداء الحجاب في طهران 10 أغسطس 2023 (أ.ب)

ويتواصل في السجون تنفيذ أحكام الإعدام التي يعدها الناشطون وسيلة لإثارة الخوف في المجتمع. ووفق منظمة «حقوق الإنسان في إيران»، ومقرها في النرويج، أعدمت السلطات 110 أشخاص إلى الآن هذه السنة.

وممن تمّ إعدامهم في الآونة الأخيرة إسماعيل حسنياني (29 عاماً)، وزوجته مرجان حاجي زاده (19 عاماً)، المدانَان بقضايا مرتبطة بالمخدرات، وتمّ تنفيذ حكم الإعدام بحقهما في السجن المركزي لزنجان (وسط) في 11 أبريل، وفق منظمة «حقوق الإنسان في إيران».

وقال مدير منظمة «حقوق الإنسان في إيران»، محمود أميري مقدم، إن «النظام سيستغل بلا أدنى شكّ هذه الفرصة لتشديد قبضته في الداخل»، مشدداً على أن السلطات «لم تتمكن بعد من استعادة السيطرة إلى الحد الذي كانت عليه قبل سبتمبر (أيلول) 2022. الآن ربما لديها الفرصة للقيام بذلك، في حال انصرف كل الاهتمام الدولي إلى التوتر المتصاعد مع إسرائيل».


مقالات ذات صلة

طهران: ادعاء تدخلنا في الشؤون الداخلية لسوريا مردود

شؤون إقليمية صورة منشورة على موقع الخارجية الإيرانية من المتحدث باسمها اسماعيل بقائي

طهران: ادعاء تدخلنا في الشؤون الداخلية لسوريا مردود

قال القيادي في «الحرس الثوري» محسن رضائي، إن «الشباب والشعب السوري سيحيون المقاومة في هذا البلد بشكل آخر في أقل من عام»

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية تجربة صاروخ «قدر» الباليستي في فبراير 2016 (أرشيفية - مهر)

إيران تُعِد لمناورات واسعة لـ«ردع تهديدات» إسرائيل

أعلن مسؤول عسكري كبير في إيران تنظيم مناورات عسكرية واسعة، براً وجواً وبحراً، تأخذ طابعاً هجومياً دفاعياً، خلال الأيام المقبلة، بهدف «ردع تهديدات الأعداء».

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية ملصقات ممزقة لحسن نصر الله وقاسم سليماني على جدار السفارة الإيرانية في سوريا (رويترز) play-circle 02:17

طهران: إعادة فتح سفارتنا تعتمد على «سلوك» حكام سوريا

قالت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، إن طهران «ستتخذ قرارها بشأن إعادة فتح سفارتها لدى دمشق بناء على سلوك وأداء حكام سوريا».

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران : )
شؤون إقليمية تجربة صاروخ «قدر» الباليستي في فبراير 2016 (أرشيفية - مهر)

إيران تستعد لمناورات «ضخمة» وسط التوتر مع إسرائيل

أعلنت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية عن تنظيم مناورات عسكرية شاملة «هجومية - دفاعية»، بهدف التصدي لـ«التهديدات» المحتملة بما في ذلك إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
خاص امرأة إيرانية تمشي أمام لوحة جدارية على حائط السفارة الأميركية السابقة في طهران (أ.ف.ب)

خاص إيران في ربع قرن... صراع «الثورة» والدولة

مع انقضاء ربع قرن من الألفية الثالثة، تبلغ «الثورة الإسلامية» في إيران منتصف عقدها الرابع بأسئلة عن الصراع بين الآيديولوجية والمصالح في عالم متغير.

عادل السالمي (لندن)

«الكعكة السورية» تعزز «العداء» الإسرائيلي - التركي

سوري يشاهد شاحنة تنقل دبابة إسرائيلية إلى الأراضي السورية في الجولان (إ.ب.أ)
سوري يشاهد شاحنة تنقل دبابة إسرائيلية إلى الأراضي السورية في الجولان (إ.ب.أ)
TT

«الكعكة السورية» تعزز «العداء» الإسرائيلي - التركي

سوري يشاهد شاحنة تنقل دبابة إسرائيلية إلى الأراضي السورية في الجولان (إ.ب.أ)
سوري يشاهد شاحنة تنقل دبابة إسرائيلية إلى الأراضي السورية في الجولان (إ.ب.أ)

على الرغم من التنافس الخفي بين إسرائيل وتركيا على «الكعكة السورية»، والعداء السافر في الخطابات السياسية لقادتهما، تحرص تل أبيب وأنقرة على إبقاء قنوات حوار مفتوحة بينهما، من خلال رغبة مشتركة في ألا يسمحا بالتدهور إلى صدام حربي بينهما على الأراضي السورية.

ووفق مصادر سياسية مطلعة، يدرك كل منهما أن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا يحدث تغييراً جوهرياً في خريطة موازين القوى في الشرق الأوسط. وترى إسرائيل أن دخولاً متجدداً لتركيا بصفتها قوة عظمى إقليمية، من شأنه أن يؤدي إلى مواجهة مباشرة معها.

نشوة المكاسب

وترى تركيا بالمقابل، أن إسرائيل تعيش في نشوة المكاسب التي حققتها في الحرب مع «حماس» و«حزب الله» ومع إيران وفي سوريا. وكل منهما تتابع نشاط الأخرى على الأرض السورية منذ فترة طويلة.

فقد عملت تركيا، وتعمل من خلف الكواليس في الثورة في سوريا، منذ عام 2011، وتستثمر مقدرات اقتصادية وعسكرية بداية كي تضرب الإقليم الكردي، وتمنع ارتباطاً بينه وبين الإقليم الكردي في تركيا.

المدفعية التركية في حالة تأهب على الحدود مع تركيا قبالة عين العرب (إعلام تركي)

فتركيا لديها تطلعات إمبريالية في المنطقة، بما في ذلك العودة لأن تكون نوعاً من الإمبراطورية العثمانية، في سوريا في المرحلة الأولى، حسب د. جاي إيتان كوهن ينروجيك، خبير في الشؤون التركية في مركز «موشيه دايان» في جامعة تل أبيب.

ويقول: «نجحت تركيا بخطوة سريعة في دحر إيران وروسيا من سوريا، وتسعى لملء الفراغ الناشئ بسقوط الأسد، الذي يعد نجاحاً فاق التصورات».

ويضيف: «في الأيام الأخيرة تصدر بيانات عن الحكم التركي، بما فيها على لسان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، عن نياتهم بالنسبة للإقليم الكردي في سوريا، ولكن أيضاً بالنسبة لأجزاء أخرى من سوريا، بما فيها المحافظات الجنوبية».

وضمن أمور أخرى، أعلن الأتراك عن نيتهم إعادة شق سكة القطار الحجازي؛ إسطنبول دمشق، بالتوازي مع شق طريق سريع بين تركيا وسوريا، وإقامة مطارات وموانئ تركية في سوريا، وذلك إلى جانب ضم أجزاء من سوريا، ما ينزع المياه الاقتصادية من قبرص، ويمنع تمديد أنابيب الغاز التي تربط بين إسرائيل وقبرص واليونان.

تحالفان مركزيان

ويضيف: «هذه الخطوة ستؤدي إلى تحالفين مركزيين في المنطقة؛ التحالف الإسرائيلي، الذي سيتشكل من قبرص واليونان، وإلى جانبهما دول إقليمية أخرى، وبالمقابل تحالف تركيا، مع سوريا ولبنان وليبيا». ويتابع جهاز الأمن الإسرائيلي بقلق الخطوات التركية؛ لكنه لا يكتفي بالقلق، ولا يقف متفرجاً، بل قام بتدمير الجيش السوري واحتلال مقاطع واسعة من الجنوب الغربي لسوريا.

ويقول الإسرائيليون إن القيادة الجديدة في سوريا، ومن خلفها تركيا، لم تتوقع التدهور الذي حصل لنظام الأسد بهذه السرعة والسهولة، وهم قصدوا السيطرة على حلب، وليس الاحتلال السريع لكل سوريا.

القائد العام للإدارة السورية أحمد الشرع مستقبلاً وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في دمشق قبل أيام (رويترز)

جاء ذلك ليفتح شهية أنقرة، ويغذي تطلعاتها الإمبريالية. وهم ينظرون إلى تركيا بصفتها «دولة عظمى إقليمياً، مع سكان يبلغ عددهم 84 مليون نسمة، واقتصاد يحتل المرتبة الـ17 في العالم، وقوة إنتاج ناجعة على نحو خاص، وقوة بحرية عسكرية كبيرة ومهمة، وسلاح جوها مثل سلاحنا في العدد، وإن لم يكن في النوعية، ولديهم أيضاً قوة برية مهمة وقوية».

ويؤكد الجيش الإسرائيلي أنه، وعلى الرغم من العداء السياسي، لا تزال هناك علاقات أمنية، وأنه يُجرى حوار بين الدولتين، بما في ذلك على مستويات العمل الأمني. وكلا الطرفين ينتظر دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في 20 يناير (كانون الثاني)، والذي يعد المجهول الأكبر.

سيناريوهان

وفي تل أبيب يستعدون لسيناريوهين مركزيين في هذا الشأن؛ الأول أن يسعى ترمب للعمل بقوة حيال إيران، ويسعى لترتيب المنطقة، وخلق تحالف من الاتفاقات بين إسرائيل والدول السنية المعتدلة في المنطقة. وهكذا يبث للروس وللصينيين أيضاً القوة، وبعد أشهر من القتال ينشأ واقع هدوء إقليمي وقوة أميركية، ما يتيح له استمرار فترة ولاية هادئة، في ظل التركيز على الشؤون الداخلية والاقتصاد الأميركي.

ولكنّ هناك سيناريو ثانياً، ومعاكساً، وهو أن تهمل الولايات المتحدة النشاط العسكري في المنطقة، بل إنها يمكنها أن تسمح لتركيا بأن تستنفد تطلعاتها في سوريا، مقابل أن تسمح للأميركيين بحرية العمل التي يريدونها في المنطقة. الثمن الفوري سيدفعه الأكراد، الذين يريد الأتراك رأسهم الآن.

وبناءً على التطورات الجديدة، تحاول إسرائيل تثبيت وجودها في المشهد السوري، وربما أيضاً في لبنان. فهناك، ينوي الجيش الإسرائيلي التراجع عن ترتيباته لوقف النار في لبنان، وربما يعود إلى استئناف القتال بالكامل، في انتهاء فترة وقف النار بعد 60 يوماً. وقد أبدت إسرائيل أكثر من تلميح على هذا التصميم، حين هاجم سلاح الجو في البقاع عمق لبنان، ودمر مخازن سلاح كبيرة لـ«حزب الله»، بحجة أنها نقلت فقط في الأيام الأخيرة من سوريا إلى لبنان، وأكد أن قواته لن تنسحب من الجنوب اللبناني كما ينص الاتفاق.