حقائق عن قمع الاحتجاج في إيران: عنف جنسي وإعدامات... وآخرون ينتظرون

بعثة دولية تقول إن طهران شنت هجوماً واسعاً موجهاً على الخصوص ضد النساء

رسمة للشابة الإيرانية مهسا أميني تظهر خلال أحد الاحتجاجات ضد وفاتها (أرشيفية - رويترز)
رسمة للشابة الإيرانية مهسا أميني تظهر خلال أحد الاحتجاجات ضد وفاتها (أرشيفية - رويترز)
TT

حقائق عن قمع الاحتجاج في إيران: عنف جنسي وإعدامات... وآخرون ينتظرون

رسمة للشابة الإيرانية مهسا أميني تظهر خلال أحد الاحتجاجات ضد وفاتها (أرشيفية - رويترز)
رسمة للشابة الإيرانية مهسا أميني تظهر خلال أحد الاحتجاجات ضد وفاتها (أرشيفية - رويترز)

خلصت بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة، الجمعة، إلى أن حملة القمع العنيفة التي شنتها طهران على الاحتجاجات السلمية والتمييز ضد النساء والفتيات، أدت إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، يرقى كثير منها إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية.

وهزت إيران احتجاجات واسعة النطاق بعد وفاة مهسا أميني في سبتمبر (أيلول) 2022، حينما كانت تقضي عقبة في السجن بسبب مزاعم «انتهاك قواعد اللباس الصارمة للنساء» في إيران.

وحشدت السلطات الإيرانية حينها الأجهزة الأمنية بكاملها لقمع المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع بعد وفاة أميني، بحسب الخبراء.

وفتح مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، تحقيقاً رفيع المستوى في حوادث القمع القاتلة.

آلاف شاركوا في مراسم أربعين مهسا أميني يشقون طريقهم نحو مقبرة في سقز الكردية غرب إيران في أكتوبر 2022 (أ.ف.ب)

جرائم ضد الإنسانية

وقالت البعثة الدولية لتقصي الحقائق بشأن إيران في تقريرها الأول، إن العديد من الانتهاكات التي تم الكشف عنها «ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، وتحديداً جرائم القتل والسجن والتعذيب والاغتصاب، وغيرها من أشكال العنف الجنسي والاضطهاد والاختفاء القسري والانتهاكات».

وأضافت البعثة: «ارتكاب مثل هذه الجرائم، في سياق الحرمان من الحقوق الأساسية وبقصد التمييز، يقود البعثة إلى استنتاج مفاده أن جريمة الاضطهاد على أساس الجنس قد ارتكبت ضد الإنسانية».

وقالت سارة حسين، التي تترأس اللجنة المكونة من ثلاثة أعضاء، إن «هذه الأفعال تشكل جزءاً من هجوم واسع النطاق وممنهج موجه ضد السكان المدنيين في إيران، وتحديداً النساء والفتيات والفتيان والرجال الذين طالبوا بالحرية والمساواة والكرامة والمساءلة».

وقالت البعثة إنه بدلاً من إجراء تحقيق مناسب في وفاة أميني، عمدت طهران إلى «حجب الحقيقة»، وإن الأشخاص «الذين كانوا يرقصون فقط أو يطلقون أبواق السيارات اعتقلوا في حملة قمع الاحتجاجات، في حين تم اعتقال مئات الأطفال، بعضهم لا يتجاوز عمره 10 سنوات».

ووجدت البعثة أن قوات الأمن الإيرانية استخدمت القوة غير الضرورية وغير المتناسبة، مما أدى إلى القتل غير القانوني وإصابة المتظاهرين الذين لم يشكلوا أي تهديد وشيك بالموت أو الإصابة الخطيرة».

الرئيس الإيراني مع ذوي أفراد أمن قُتلوا في احتجاجات إيران التي أشعلها مقتل الشابة أميني (إ.ب.أ)

إعدامات... وآخرون ينتظرون

وأصيب عشرات الأشخاص بالعمى، وعثرت البعثة أيضاً على أدلة على عمليات قتل خارج نطاق القانون، ووجدت أن طهران أعدمت ما لا يقل عن تسعة شبان تعسفياً في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 2022 إلى يناير (كانون الثاني) 2024، بينما لا يزال العشرات معرضين لخطر الإعدام أو عقوبة الإعدام فيما يتعلق بالاحتجاجات.

وقالت البعثة إن أرقاماً موثوقة تشير إلى أن ما يصل إلى 551 متظاهراً قتلوا على يد قوات الأمن، من بينهم ما لا يقل عن 49 امرأة و68 طفلاً، وأن معظم الوفيات ناجمة عن الأسلحة النارية.

وخلص التقرير إلى أن «التمييز الهيكلي والمؤسسي المتفشي وعميق الجذور ضد النساء والفتيات، كان سبباً وتمكيناً لانتشار الانتهاكات والجرائم الخطيرة لحقوق الإنسان بموجب القانون الدولي».

وحثت البعثة السلطات الإيرانية على وقف جميع عمليات الإعدام والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الأشخاص الذين اعتقلوا واحتجزوا بشكل تعسفي في سياق الاحتجاجات أو لعدم الامتثال أو الدعوة ضد الحجاب الإلزامي.

وطالبت إيران بوقف المضايقات القضائية للمحتجين وعائلاتهم، وإلغاء القوانين التمييزية ضد المرأة، «لا سيما تلك المتعلقة بالحجاب الإلزامي»، وحل «النظام الاضطهادي» لتطبيقها.

وشجعت البعثة أيضاً «الدول على استكشاف سبل المساءلة القانونية خارج إيران، ومنح تأشيرات اللجوء والتأشيرات الإنسانية للأشخاص الفارين من الاضطهاد بسبب دفاعهم عن الحقوق في إيران».

ويأتي تقرير البعثة بعد أيام قليلة من أول انتخابات إيرانية بعد الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها البلاد قبل نحو عامين، فيما أظهرت أرقام المشاركة نسباً متدنية عكست، ربما، تصاعد مشاعر فقدان الثقة بالمؤسسات الإيرانية.


مقالات ذات صلة

طهران تحتج بعد توقيف «عنيف» لطالبَين إيرانيَين في روسيا

شؤون إقليمية رجل شرطة روسي يقف حارساً عند قبر الجندي المجهول في حديقة ألكسندر خارج الكرملين بموسكو (إ.ب.أ)

طهران تحتج بعد توقيف «عنيف» لطالبَين إيرانيَين في روسيا

احتجت إيران، الحليف الوثيق لموسكو، لدى السلطات الروسية بعد عملية توقيف «عنيفة» لطالبَين إيرانيين في مدينة قازان الروسية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري وعلي لاريجاني كبير مستشاري المرشد الإيراني في بيروت (أ.ب)

لاريجاني: رسالة خامنئي إلى الأسد وبري ستغيّر المعادلة

توقع مسؤول إيراني بارز تغيّر المعادلة في الشرق الأوسط بعد رسالة المرشد علي خامنئي الأخيرة إلى لبنان وسوريا.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية عرض عدد من أجهزة الطرد المركزي في طهران خلال اليوم الوطني للطاقة النووية الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

إيران ستستخدم أجهزة طرد مركزي متقدمة رداً على قرار «الطاقة الذرية» ضدها

قالت إيران إنها ستتخذ إجراءات عدة من بينها استخدام أجهزة طرد مركزي متقدمة، رداً على القرار الذي اتخذته «الوكالة الدولية للطاقة» الذرية مساء الخميس ضدها.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)

مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يصدر قراراً ضد إيران

اعتمد مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية مساء الخميس قراراً ينتقد رسمياً إيران بسبب عدم تعاونها بما يكفي فيما يتعلق ببرنامجها النووي.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شؤون إقليمية صورة وزعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمديرها العام رافائيل غروسي في مستهل اجتماعها الربع السنوي في فيينا play-circle 01:24

دول غربية تدعو إيران إلى تدمير اليورانيوم عالي التخصيب «فوراً»

دعت دول غربية إيران إلى «تدمير اليورانيوم 60 % فوراً»، فيما رجحت تقارير أن يصوت مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على قرار ضد إيران غداً الجمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

إيران تلمح لإمكانية التخلي عن السلاح النووي بشروط

منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)
منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)
TT

إيران تلمح لإمكانية التخلي عن السلاح النووي بشروط

منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)
منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)

في حين كانت إيران تُصعد ضد الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ألمحت إلى إمكانية التفاوض بشروط مختلفة مع الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترمب.

وتبنّت الوكالة الدولية، الخميس الماضي، قراراً ينتقد طهران بسبب عدم تعاونها بما يكفي في إطار برنامجها النووي.

وقال علي لاريجاني، مستشار المرشد علي خامنئي: «إن إيران وأميركا دخلتا في وضع جديد فيما يتعلق بالملف النووي»، وأضاف في منشور على منصة «إكس»: «إن الإدارة الأميركية الجديدة إذا أرادت ألا تمتلك طهران سلاحاً نووياً فعليها قبول شروطنا، مثل تعويض الخسائر، ومنح امتيازات أخرى للوصول إلى اتفاق جديد».

وأوضح لاريجاني، أن «أميركا ألغت الاتفاق السابق وخرجت منه، وبهذا تسببت في خسائر لإيران». وأضاف أن «إيران بدأت تخصيب اليورانيوم، ورفعت درجة نقاوته إلى أكثر من 60 في المائة».

علي لاريجاني مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي (وسائل إعلام مقربة من «حزب الله»)

وتنص «خطة العمل الشاملة المشتركة»، وهو الاسم الرسمي للاتفاق النووي، على تخفيف العقوبات الدولية المفروضة على طهران مقابل ضمانات بعدم سعيها لتطوير أسلحة نووية، لكن الاتفاق تراجع تدريجياً بعد انسحاب الولايات المتحدة منه أحادياً عام 2018، في ظل رئاسة دونالد ترمب، الذي أعاد فرض عقوبات شديدة على طهران.

وردّاً على ذلك، زادت إيران مخزوناتها من اليورانيوم عالي التخصيب بشكل كبير، ورفعت عتبة التخصيب إلى 60 في المائة، لتقترب بذلك من نسبة الـ90 في المائة اللازمة لصنع قنبلة نووية. وقد حدّدت «خطة العمل الشاملة المشتركة» التي فشلت مفاوضات في إحيائها عام 2022، معدل التخصيب الأقصى عند 3.67 في المائة.

ومنذ عام 2021، قيَّدت إيران تعاونها مع الوكالة بشكل كبير، فقامت بفصل كاميرات مراقبة، وسحبت اعتماد مفتشين ذوي خبرة.

في الوقت نفسه، يواصل برنامجها النووي اكتساب الزخم، الأمر الذي يُثير قلق المجتمع الدولي، رغم إنكار طهران رغبتها في تطوير قنبلة نووية.

وأخيراً، صعَّدت إيران مواجهتَها ضد الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذ أعلنت أنَّها ستضع في الخدمة مجموعة من أجهزة الطرد المركزي «الجديدة والمتطورة»، وذلك ردّاً على قرار الوكالة الدولية.

وتستخدم أجهزة الطرد المركزي في تخصيب اليورانيوم المحوّل إلى غاز، من خلال تدويره بسرعة كبيرة، ما يسمح بزيادة نسبة المادة الانشطارية «يو-235» لاستخدامات عدة.

ترمب يعرض مذكرة وقّعها للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو 2018 (أ.ب)

أقوال غروسي... وأفعاله

وما إن صدر القرار، ظهرت تلميحات في طهران بشأن «دور مزدوج» لمدير الوكالة الدولية رافاييل غروسي، إذ قال رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، إبراهيم عزيزي: «إن ما قاله في طهران لا يتطابق مع أفعاله في فيينا».

ونقلت وكالة «مهر» الحكومية عن عزيزي: «على غروسي أن يضع جانباً التناقض في خطابه في طهران وفيينا، وأن تكون تصريحاته في طهران متسقة مع تصريحاته في فيينا، وهذه المعاملة المزدوجة غير مناسبة».

وأشار عزيزي إلى أن «الوكالة الدولية طلبت في قرارها الأخير الامتناع عن إنتاج الأسلحة النووية. ورداً على ذلك، ينبغي القول إن إيران أعلنت منذ سنوات أنها ليس لديها أي خطط لإنتاج أسلحة نووية».

وأضاف عزيزي: «رغم أننا نتحرك دائماً على أساس مصالح الأمن القومي، فإن الأمر الواضح هو أن إيران لم تسعَ مطلقاً إلى امتلاك الأسلحة النووية خلال هذه السنوات، وهو ما يُظهر في حد ذاته عبثية هذا القرار».

وجاء قرار الوكالة الأخير في سياق خاص، مع وجود فجوة بين الموقف الغربي وموقف رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل غروسي.

وخلال زيارته إلى إيران، حصل غروسي من طهران على موافقة لبدء الاستعدادات لوقف توسيع مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب.

صورة وزعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمديرها رافاييل غروسي في مستهل اجتماعها الفصلي في فيينا

اليورانيوم عالي التخصيب

وخلافاً لما يقوله عزيزي، الذي نفى خطط إنتاج السلاح النووي، فإن طهران لم تكن ترغب أساساً في تجميد تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة.

وتُقدِّر الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إنتاج سلاح نووي واحد يتطلب نحو 42 كيلوغراماً من اليورانيوم المُخصّب بنسبة نقاء 60 في المائة، إذا جرى تخصيبه لاحقاً إلى درجة نقاء 90 في المائة.

وقال المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمال وندي: «إنه كان من المقرر أن يأتي المفتشون فور انتهاء اجتماع مجلس المحافظين لتقييم قدراتنا، مع بقاء تلك القدرات لمدة شهر دون أي توقف في التخصيب بنسبة نقاء 60 في المائة».

ونقلت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن كمال وندي أن «الضغوط الناجمة عن قرار الوكالة الدولية تأتي بنتائج عكسية، أي أنها تزيد من قدرتنا على التخصيب».

وأضاف كمال وندي: «حالياً، ليس فقط أننا لم نوقف التخصيب، بل لدينا أوامر بزيادة السرعة، والعمل جارٍ على ذلك تدريجياً».