إيران... نتائج غير رسمية تظهر مشاركة 41 %

تقدم المحافظين المتشددين في العاصمة... تأكيدات على عدم مشاركة خاتمي

رجل دين يدلي بصوته في مركز اقتراع غير معروف بطهران (أ.ف.ب)
رجل دين يدلي بصوته في مركز اقتراع غير معروف بطهران (أ.ف.ب)
TT

إيران... نتائج غير رسمية تظهر مشاركة 41 %

رجل دين يدلي بصوته في مركز اقتراع غير معروف بطهران (أ.ف.ب)
رجل دين يدلي بصوته في مركز اقتراع غير معروف بطهران (أ.ف.ب)

بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الإيرانية، التي يُنظر إليها على أنها اختبار لشرعية الحكام، نحو 41 في المائة، وبذلك ستكون أدنى نسبة مشاركة منذ ثورة 1979 التي وضعت حجر الأساس للجمهورية الإسلامية في إيران.

وذكرت وكالة «إرنا» الرسمية في وقت مبكر السبت أن 41 في المائة من 61 مليون إيراني يحق لهم التصويت، شاركوا في الانتخابات التشريعية الثانية عشرة، والدورة السادسة لـ«مجلس خبراء القيادة».

بدورها، ذكرت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» أن المشاركة أكثر من 40 في المائة.

وأدلى الناخبون الإيرانيون بأصواتهم، أمس (الجمعة)، لاختيار برلمان جديد، في وقت يتنامى فيه الإحباط بسبب المشاكل المعيشية والاقتصادية والقيود المفروضة على الحريات السياسية والاجتماعية.

وتنافس أكثر من 15 ألف مرشح على مقاعد البرلمان البالغ عددها 290. وترافق ذلك مع تصويت لـ«مجلس خبراء القيادة»، المؤلف من 88 مقعداً، وهو هيئة مكلفة دستورياً باختيار خليفة المرشد علي خامنئي الذي سيبلغ من العمر 85 عاماً، الشهر الماضي، في حال تعذر عليه ممارسة مهامه.

محسن إسلامي المتحدث باسم لجنة الانتخابات الإيرانية يعلن نتائج الاقتراع في طهران (إرنا)

وبدت النتائج محسومة قبل الاقتراع؛ إذ دارت المنافسة بشكل أساسي بين مرشحي معسكر التيار المحافظ المتشدد، مع إبعاد المرشحين الأساسيين للتيار الإصلاحي والمعتدل، من المنافسة.

وأظهرت النتائج الأولى في طهران سيطرة المحافظين المتشددين، خصوصاً جماعة «صبح إيران» المتشددة.

ومن بين المتقدمين، كبير جماعة «بايداري» النائب مرتضى آقا طهراني، ومحمود نبويان، والمتشدد حميد رسائي، والقيادي في «الحرس الثوري» إسماعيل كوثري. وجاء في التالية رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، وحليفه المحافظ وزير الخارجية السابق، منوشهر متقي.

ولا تتضمن قائمة المتقدمين اسم المرشح المعتدل علي مطهري الذي أعلن عن قائمة من المرشحين غير المعروفين، لكسر هيمنة المحافظين في طهران. وقالت مواقع إيرانية إن مطهري ليس في قائمة 60 مرشحاً من طهران.

وقد تعلن وزارة الداخلية عن نسبة المشاركة الرسمية في وقت لاحق من هذا الأسبوع. وإذا تأكدت هذه النسبة رسمياً، فستكون الأدنى منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.

هزيمة قائمة قاليباف

رغم تقدم قاليباف، فإن مواقع إخبارية تحدثت عن فشل أغلب حلفائه من نواب طهران الحاليين في الوصول إلى البرلمان.

وتباينت التقارير حول عدد الأصوات التي حصل عليها قاليباف نفسه.

وقال موقع «خبر أونلاين»، المقرَّب من رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني إن «قاليباف الذي فاز بمليون صوت في أدنى مشاركة، بعد 4 سنوات، لم يصل عدد أصواته إلى 200 ألف»، واصفاً ذلك بـ«الهزيمة الكبيرة والثقيلة». وأضاف: «الانتخابات عودة للوراء؛ الفوز بالانتخابات مع أدنى مشاركة».

لكن مواقع إيرانية ذكرت أنه بعد عدّ أصوات 70 في المائة من صناديق الاقتراع، حصل مرشح قائمة «صبح إيران» محمود نبويان، على 340 ألف صوت، وبلغ عدد أصوات صاحب الرتبة الثانية، حميد رسائي، 280 الف صوت. وجاء في المرتبة الثالثة، أمير حسين ثابتي فرد بـ270 ألف صوت، واحتل قاليباف المرتبة الرابعة بـ250 ألف صوت.

ويبلغ عدد الناخبين في طهران 10 ملايين. ولم تتضح على الفور نسبة المشاركة في العاصمة. وذكرت بعض التقارير في وقت مبكر، السبت، أنها بلغت نحو 20 في المائة. وكانت المشاركة في العاصمة، قبل 4 سنوات نحو 26 في المائة. وفي الانتخابات الرئاسية بلغت 23 في المائة.

وفي الساعات الأولى من عَدّ الأصوات، قال المتشدد علي أكبر رائفي بور الذي يترأس قائمة «صبح إيران» إن «الأعداء كانوا يقولون أن المشاركة في طهران لم تتخطَّ 9 في المائة، لكن الخبر المؤلم لهم أنها تخطَّت منذ نحو ساعة 11.2 في المائة».

وقال عباس جوهري رئيس لجنة الانتخابات في العاصمة طهران إنها قد تمتد لجولة ثانية حاسمة.

الصفحة الأولى لصحيفة «همشهري» التابعة لبلدية طهران

هاجس المشروعية

وتطلع حكام طهران إلى إقبال كبير على التصويت لدعم شرعيتهم التي تضرَّرت بشدة، بسبب الاحتجاجات المناهضة للحكومة عامي 2022 و2023، التي تحولت إلى بعض من أسوأ الاضطرابات السياسية منذ الثورة.

لكن الاستطلاع الذي أجراه التلفزيون الحكومي كان قد أشار إلى أن نحو 41 في المائة فقط من الإيرانيين الذين لهم حق التصويت سيشاركون.

ويبدو أن هذه هي الحال؛ إذ قالت صحيفة «همشهري» إن أكثر من 25 مليون شخص، أو 41 في المائة من إجمالي عدد الناخبين، شاركوا في الانتخابات.

وانخفضت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية عام 2020 لمستوى قياسي بلغ 42.5 في المائة، في حين شارك نحو 62 في المائة من الناخبين في عام 2016.

واتهم المرشد الإيراني علي خامنئي «أعداء» إيران، وهو المصطلح الذي يستخدمه عادة للإشارة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، بمحاولة بث اليأس بين الناخبين الإيرانيين.

«الأغلبية الصامتة»

وأفاد الإعلام الرسمي، نقلاً عن مسؤولين، بأن المشاركة «جيدة»، لكن شهوداً قالوا إن أغلب مراكز الاقتراع في طهران وعدة مدن أخرى كان الإقبال فيها ضعيفاً.

وأعلنت السلطات تمديد الاقتراع 3 مرات، بسبب «الاستقبال الواسع وازدحام الناس في مراكز الاقتراع». وحتى بعد 12 ليلاً، ذكرت وسائل إعلام أن الدوائر الانتخابية ستبقى مفتوحة حتى يدلي آخر شخص توجه إلى مراكز الاقتراع بصوته.

وركزت تغطية القنوات التلفزيونية على دوائر انتخابية محددة، في طهران، مثل حسينة أرشاد، وحسينة الخميني، ومنطقة جماران، وجامع مجاور لمقر البرلمان الإيراني في منطقة بهارستان، وهي مراكز اقتراع يتوجه إليها كبار المسؤولين الإيرانيين وأسرهم، وتقتصر وسائل الإعلام الأجنبية عليها.

على نقيض الرواية الحكومية، نشر ناشطون فيديوهات وصوراً تُظهِر مراكز الاقتراع شِبْه فارغة من الناخبين.

ووصفت همشهري الإقبال على الانتخابات، أمس (الجمعة)، بأنه «صفعة 25 مليوناً» للدعوات إلى مقاطعة الانتخابات، وذلك في عنوان رئيسي على الصفحة الأولى بجوار صورة لورقة اقتراع تصفع الرئيس الأميركي جو بايدن على وجهه.

وجاءت عبارة «الأغلبية الصامتة» عنواناً رئيسياً على الصفحة الأولى في صحيفة «هام ميهن» المؤيدة للتيار الإصلاحي، التي قدرت نسبة المشاركة أيضاً بنحو 4 في المائة.

وكتب النائب الإصلاحي السابق محمود صادقي على منصة «إكس»: «الانتخابات السابقة، عندما كانت المشاركة 42.5 في المائة، قالوا إن السبب تفشي فيروس (كورونا)، لكن الآن مع تكرار النسبة، عدّوها انتصاراً».

امرأة إيرانية تصوّت خلال الانتخابات البرلمانية في مركز اقتراع غير معروف بطهران (رويترز)

وكانت السلطات قد أعلنت عن أول إصابتين بفيروس «كورونا» في آخر ساعات الحملة الانتخابية، قبل 24 ساعة من فتح أبواب مراكز الاقتراع. وقال مراقبون حينها إن السلطات أعلنت عن تفشي الفيروس بعدما تأكدت من تراجع الإقبال على الانتخابات. وواجهت الحكومة السابقة بالتستر على تفشي فيروس «كورونا» لمدة تصل إلى شهرين.

وبدوره، قال المحلل أحمد زيد آبادي، في مدونة إن «وسائل إعلام المحافظة تحتفل بمشاركة 40 في المائة، لو كانت النسبة 20 في المائة، لأعلنوا الانتصار واحتفلوا، ليس من المقرر في بلادنا أن يطابق أحد تصوراته مع الواقع؛ هذا الواقع يجب أن يتطابق مع ذهنية الأشخاص».

أزمات متعددة

ليس للبرلمان الذي يهيمن عليه متشددون سياسيون داخل الجمهورية الإسلامية على مدى أكثر من عقدين تأثير يُذكر على السياسة الخارجية أو البرنامج النووي الذي تقول إيران إنه سلمي، لكن الغرب يقول إنه يهدف إلى صنع أسلحة نووية، وهي أمور يهيمن عليها خامنئي.

وتخضع قرارات البرلمان في الأساس لـ«مجلس صيانة الدستور»، الهيئة الخاضعة للمرشد الإيراني، التي بإمكانها الطعن بقرارات البرلمان، وإعادتها، أو المصادقة عليها بعد مشورة المرشد. ومع غياب أصحاب الثقل من المعتدلين والمحافظين عن السباق ووصف الإصلاحيين له بأنه «انتخابات غير حرة وغير نزيهة»، ستدور المنافسة بين متشددين ومحافظين غير معروفين يدينون بالولاء للمُثل الثورية الإسلامية في إيران.

ولم يشارك الرئيس الإصلاحي السابق، محمد خاتمي، في الانتخابات. وقال مساعده، محمد علي أبطحي، إن «خاتمي فكر أن الطريقة الوحيدة لسماع كلماته الرحيمة، عدم التصويت. أي شخص سعى وراء هذا الهدف بطريقة ما»، نافياً في الوقت نفسه أن يفكر خاتمي بمقاطعة النظام السياسي.

وقالت آذر منصوري، أمينة عامة «جبهة الإصلاحات» إن خاتمي «دعم استراتيجية جبهة الإصلاحات في الانتخابات».

وقبل عملية التصويت، قالت «جبهة الإصلاحات» إن «هذه الانتخابات مجرَّدة من أي معنى وغير مجدية في إدارة البلاد».

رجال دين قبل الإدلاء بأصواتهم في مركز اقتراع لم يُحدد موقعه بطهران (أ.ف.ب)

وأعلنت وزارة الداخلية، اليوم (السبت)، إعادة انتخاب الرئيس المنتمي للتيار المتشدد إبراهيم رئيسي لعضوية «مجلس الخبراء» بحصوله على 82.5 في المائة من الأصوات.

وقالت وكالة «إرنا» الرسمية إن رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، صادق لاريجاني، فشل في الوصول إلى «مجلس خبراء القيادة»، بعد هزيمته في محافظة مازندران الشمالية، مسقط رأسه. وتم منع حسن روحاني، الذي انتُخِب رئيساً لإيران بفوزين ساحقين، في عامي 2013 و2017، ووعد بالحد من العزلة الدبلوماسية للبلاد، من الترشح، مما أثار انتقادات المعتدلين.

ووجه روحاني 3 رسائل إلى «مجلس صيانة الدستور»، مستفسراً عن أسباب إبعاده، بعد 24 عاماً من عضوية المجلس.

وقال زيد آبادي إن الانتخابات «ليس لها قيمة ديمقراطية لكن التشكيلة التي تنبثق منها يمكنها أن تظهر توجهات المستقبل إلى حد ما».

وأضاف زيد آبادي: «نظراً للموافقة على طلبات وجوه غير معروفة كثيرة، كان هناك احتمال أن يستحوذ على مقاعد البرلمان أشخاص دون توجهات سياسية محددة، لكن معارضة للوضع الحالي».

وتابع: «هذا الاحتمال وارد، لكن يجب علينا الانتظار حتى معرفة توجهات الغالبية التي وصلت إلى البرلمان»، مشدداً على أنها «ستكون مهزلة، ربما يكون البرلمان الأكثر غرابة في إيران».

وقبل عملية الاقتراع، كانت تصريحات مستشار المرشد الإيراني غلام علي حداد عادل قد أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية، عندما شبه رئيس البرلمان، محمد قاليباف، بـ«شجرة الدلب»، والمرشحين الآخرين بـ«النباتات المتسلقة عليها».

وقال زيد آبادي إن «أحدث النتائج في طهران تُظهِر أن منظومة تصويت المحافظين تغيرت بوصلتها باتجاه (النباتات المتسلقة)»، لافتاً إلى أنها ترجح كفة جماعة «بايداري» المتشددة، بدلاً من قاليباف وحداد عادل.

وتساءل: «أي صلة بين الفائزين بالانتخابات في طهران، من الجانب الفكري والعقائدي ونمط العيش، وملايين الأشخاص في العاصمة؟».

وقال المحلل الإيراني سعيد شريعتي على منصة إكس إن «نسبة العزوف تبلغ 80 في المائة، بالمركز السياسي للبلاد، وما يفوق 70 في المائة بالمدن الكبرى، و60 في المائة بعموم البلاد، أفهموا الرسالة الأكثر سلمية للشعب؛ هذا الشعب ليس عدوكم. إنه يُنكِر طريقة الحكم».


مقالات ذات صلة

«هيكتور السري»... زعيم إمبراطورية النفط الإيراني

شؤون إقليمية صورة تتداولها وكالات إيرانية لحسين شمخاني

«هيكتور السري»... زعيم إمبراطورية النفط الإيراني

كشفت مقابلات أجرتها «بلومبرغ» عن هوية «الزعيم العالمي لتجارة النفط الإيراني» الذي يلقَّب بـ«التاجر السري... هيكتور».

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس (أرشيفية/أ.ف.ب)

إسرائيل تتهم خامنئي «الأخطبوط» بتهريب الأسلحة إلى الضفة الغربية عبر الأردن

اتهم وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إيران بمحاولة إنشاء «جبهة إرهابية شرقية» ضد إسرائيل عبر الأردن.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية إسلامي يتحدّث إلى غروسي على هامش مؤتمر «الاجتماع الدولي للعلوم والتكنولوجيا النووية» في أصفهان مايو الماضي (أ.ب)

الوكالة الدولية: إيران قريبة جداً من السلاح النووي

كشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن مستويات الوقود النووي في إيران ارتفعت خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ما قد يؤدي إلى تصعيد التوترات في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي لقطة من الوثائقي الإيراني لقناة «تي دبليو» لسليماني داخل قصر صدام play-circle 01:21

سليماني يعاين صدام حسين داخل قصره

أثار فيديو لقائد «قوة القدس» قاسم سليماني وهو يتجول في أحد قصور الرئيس العراقي السابق صدام حسين، جدلاً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية المخرجة رخشان بني اعتماد (أ.ف.ب)

القضاء الإيراني يتهم مخرجة وممثلة لخلعهما الحجاب في مكان عام

وجّه القضاء الإيراني، اليوم (الأربعاء)، التهمة إلى المخرجة رخشان بني اعتماد وابنتها الممثلة باران كوثري لظهورهما حاسرتي الرأس في مكان عام.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«هدنة غزة»: المفاوضات تترقب «اقتراحاً نهائياً»

قوات إسرائيلية تعمل على الأرض في قطاع غزة (أ.ف.ب)
قوات إسرائيلية تعمل على الأرض في قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: المفاوضات تترقب «اقتراحاً نهائياً»

قوات إسرائيلية تعمل على الأرض في قطاع غزة (أ.ف.ب)
قوات إسرائيلية تعمل على الأرض في قطاع غزة (أ.ف.ب)

جولة مفاوضات جديدة مرتقبة هذا الأسبوع بشأن وقف إطلاق النار في غزة، تشمل «مقترحاً أميركياً نهائياً» لوقف الحرب، وفق إعلام إسرائيلي، وسط تفاؤل حذر من إمكان أن تسفر المحادثات عن اتفاق، في ظل عقبات رئيسية، مثل البقاء في «محور فيلادلفيا» الحدودي مع غزة ومصر.

ويرى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنه من المهم أن يتعامل المقترح المرتقب مع العقبات الرئيسية بحلول قابلة للتنفيذ، حتى لا يذهب أدراج الرياح. وحذروا من تقديم المقترح بصفته حزمة واحدة للقبول أو الرفض، على اعتبار أن نجاح هذه المفاوضات يحتاج إلى مرونة وتقديم تنازلات وتفاهمات حقيقية لتنجح في التطبيق على أرض الواقع دون خروقات.

ومقابل أجواء قتال شديدة في الضفة الغربية بين حركات فلسطينية مسلحة والجيش الإسرائيلي، تراوح محادثات الهدنة الدائرة بين القاهرة والدوحة مكانها. ووسط هذه الأجواء، أفاد موقع «أكسيوس» الأميركي، الجمعة، نقلاً عن مسؤول إسرائيلي بأن «القضايا محل الخلاف ستترك للنهاية، ومن ثم تقدم الولايات المتحدة على الأرجح اقتراحاً نهائياً محدثاً لطرفي النزاع من أجل اتخاذ قرار»، دون تحديد موعد.

وسبق أن نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤول أميركي، لم تسمّه، قوله، الخميس، إن «الوفد الأميركي يستعد لعقد جلسة مفاوضات قمة أخرى هذا الأسبوع، يطرح فيها صيغة نهائية، تشمل اقتراحات عينية لجسر الهوة بين الطرفين في كل القضايا»، لافتاً إلى أن هذا المقترح سيكون على طريقة «خذه أو اتركه»، لكي يضع الطرفين في موقف جاد.

وكانت المحادثات التي جرت في الدوحة «مفصلة وبناءة مع استمرار المشاورات، والتركيز حالياً على تفاصيل تنفيذ الصفقة لضمان نجاحها»، وفق «أكسيوس»، الذي نقل عن مسؤولين إسرائيليين قولهم: «إن الولايات المتحدة، بالتعاون مع الوسطاء القطريين والمصريين، تحاول التوصل إلى اتفاق حول أكبر قدر ممكن من التفاصيل العملية، واستكمال النقاط الناقصة حول الصفقة الشاملة وتقديمها لإسرائيل و(حماس) مرة أخرى بصفتها حزمة واحدة».

ووفق الموقع فإن «القضايا الشائكة، بما في ذلك مطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الاحتفاظ بالسيطرة الكاملة على الحدود بين مصر وغزة ومراقبة حركة الفلسطينيين من جنوب غزة إلى الشمال، ومطلب زعيم (حماس)، يحيى السنوار أن تؤدي الصفقة إلى إنهاء الحرب، ستؤجل إلى المرحلة الأخيرة من المحادثات».

الدخان يتصاعد بعد الغارة الجوية الإسرائيلية على مخيم البريج للاجئين في جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

و«محور فيلادلفيا» هو شريط حدودي أنشأه الجيش الإسرائيلي خلال احتلاله قطاع غزة بين عامي 1967 و2005، يبلغ عرضه في بعض الأجزاء 100 متر، ويمتد لمسافة 14 كيلومتراً على طول الحدود المصرية مع قطاع غزة. ويعدّ منطقة عازلة بموجب اتفاقية «كامب ديفيد» الموقّعة بين القاهرة وتل أبيب عام 1979.

وكان مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، قد ذكر في مؤتمر صحافي، الخميس، أن «المحادثات بشأن وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الرهائن بأسرى فلسطينيين تحرز تقدماً».

الأكاديمية المصرية في العلاقات الدولية، نورهان الشيخ، ترى أنه ليست هناك مؤشرات تقول إن ذلك المقترح المحتمل الجديد سيقود لاتفاق، خصوصاً أن نتنياهو لا يبدي أي تراجع، بل فتح جبهة جديدة في الضفة الغربية، وتعدّ الحديث الأميركي المستمر عن التقدم بالمفاوضات، ما هو إلا «حديثاً استهلاكياً للداخل الانتخابي في واشنطن قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة»، مؤكدة أن «نتنياهو هو العقبة الرئيسية» في إبرام أي اتفاق، ويعمل على إفشال أي خطة تفاوض للحفاظ على منصبه، والمقترح الأميركي قد يواجه المصير ذاته، إلا إذا كانت هناك ضغوط عليه للتراجع.

ويرجح السفير الفلسطيني السابق، بركات الفرا، أنه إذا لم يكن المقترح المحتمل قادراً على تقديم حلول لإسرائيل و«حماس» سيفشل، وسندور في حلقة مفرغة، لافتاً إلى أن نتنياهو يريد البقاء في قطاع غزة، خصوصاً في محوري فيلادلفيا ونتساريم، وهذا يخالف رغبة «حماس».

ويعتقد أن أهم العقبات التي قد تفشل المقترح الأميركي، عدم الانسحاب من محوري فيلادلفيا ونتساريم والنص على الوقت الدائم للقتال، محذراً من أنه حال عدم التوصل لتفاهمات حقيقية في المقترح الأميركي فقد يقود ذلك لخروقات في التنفيذ واتفاق هش.

وخلال الأيام الأخيرة، تصاعد خلاف «غير مسبوق» أدى إلى «صراخ بين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت» خلال اجتماع لمجلس الوزراء الأمني، الخميس، وفق ما كشف موقع «أكسيوس» الأميركي، الجمعة، على خلفية خرائط انتشار الجيش الإسرائيلي بـ«محور فيلادلفيا».

وغالانت الذي رفض تلك الخرائط في الاجتماع، يرى أنه يجب اختيار مسار الاتفاق لتقليل التوترات أو اختيار «التورط في غزة والوصول لحرب إقليمية»، قبل أن يحدث تصويت، وتقر الخرائط بدعم من نتنياهو و7 وزراء آخرين، وتليها احتجاجات من أهالي الرهائن أمام منزل نتنياهو، للمطالبة بعقد صفقة تبادل.

رجل فلسطيني عاد لفترة وجيزة إلى شرق دير البلح وسط غزة لتفقد منزله يشرب الماء وهو جالس فوق بعض الأشياء التي تم انتشالها (أ.ف.ب)

ولا يزال التوصل لاتفاق بغزة، وتهدئة بالضفة والمنطقة، مطلباً ملحاً عربياً وأوروبياً. وجدد رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ورئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، شارل ميشال، التأكيد خلال اجتماع بأبوظبي، الجمعة، على «أهمية التوصل إلى اتفاق بشأن وقف عاجل لإطلاق النار في قطاع غزة، وضرورة العمل على خفض التوتر في الضفة الغربية».

وباعتقاد نورهان الشيخ فإن الخلاف بين نتنياهو وغالانت أو الضغوط الإسرائيلية الداخلية باتا غير مؤثرين في مسار المفاوضات، مؤكدة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي حتى الآن قادر على أن يسيطر على توجهات السياسة في إسرائيل، ونتيجة التصويت على الخرائط كانت لصالحه.

وعدّت أن الضغوط العربية والأوروبية، قد تكون داعمة لمسار جهود الوسطاء، مطالبة بضغوط أميركية حقيقية على نتنياهو لتجاوز العقبات.

بينما أضاف بركات الفرا سبباً آخر لتعنت نتنياهو، وهو «طمأنة إسرائيل» من عدم وجود رد فعال من «حزب الله»، وتراجع ضغوط الرد الإيراني على اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في طهران، مؤكداً أنه لا يمكن توقع محادثات جادة والتوصل لنتائج إيجابية إلا لو حدثت ضغوط جادة وحقيقية من المجتمع الدولي وواشنطن.