القوى البحريّة آنذاك واليوم

صورة بالقمر الاصطناعي لمضيق باب المندب (ناسا)
صورة بالقمر الاصطناعي لمضيق باب المندب (ناسا)
TT

القوى البحريّة آنذاك واليوم

صورة بالقمر الاصطناعي لمضيق باب المندب (ناسا)
صورة بالقمر الاصطناعي لمضيق باب المندب (ناسا)

قال مرّة الرئيس الأميركيّ الراحل جورج واشنطن: «من دون قوّة بحريّة لا يمكننا أن نفعل شيئاً حاسماً، ومعها كل شيء شريف ومجيد». عندما أراد الرئيس الأميركيّ الراحل تيودور روزفلت أن يُثبّت دور أميركا العالمي، ويبعث الرسائل الجيو - سياسيّة في كل الاتجاهات. شكّل ما سُمّي آنذاك بالأسطول الأبيض الذي جاب بحار العالم، فقط ليقول: «لقد أصبحت أميركا جاهزة للدور الكونيّ».

التوسّع هو القاعدة في سلوك القوى البحريّة، وليس الاستثناء. لكن للتوسّع شروحاً ومستلزمات، أهمّها وفرة الديموغرافيا، توفّر العمق الجغرافيّ، توفّر القاعدة الصناعيّة إلى جانب أحدث التكنولوجيات، كما توفّر المواد الأوليّة. وأخيراً وليس آخراً، لا بد من قيادات رؤيوية مع استراتيجيات كبرى ملائمة.

يقول المفكّر الأميركي البحري ألفرد ماهان، إن القوة البحرية دائماً تنتصر على القوى البرية. ومن يسيطر على البحار يسيطر على العالم. هكذا فعلت بريطانيا العظمى التي لم تكن تغيب عن إمبراطوريتها الشمس.

سفينة تجارية سنغافورية راسية في المياه الجيبوتية في ظل الاضطرابات الجارية في البحر الأحمر (الشرق الأوسط)

الصين دولة قاريّة وبحريّة

تعدّ الصين على أنها دولة قاريّة وبحريّة في الوقت نفسه. لكنها، وفي أغلب تاريخها العسكري، لم يكن لديها مشروع لقوّة بحرية لمنافسة الغرب. كان الاستثناء مع القائد الصيني البحري، زنغ هي، الملقب بأمير البحر في القرن الرابع عشر. وصلت آنذاك الطلائع البحرية الصينية إلى جزيرة مدغشقر. أما في القرن الـ21، فإن الصين تعدّ بحرية يُطلق عليها «البحريّة الزرقاء»، (Blue Navy). أي البحرية التي تصل إلى أجزاء العالم كافة والقادرة على منافسة بحرية الغرب. من هنا بناء أكبر قاعدة عسكرية خارج الصين في موقع بحري استراتيجي في جيبوتي المطلة على خليج عدن، كما على باب المندب.

تطل فرنسا على المحيط الأطلسي، كما على البحر الأبيض المتوسط، وهي قارياً مرتبطة بالقارة العجوز. تعدّ فرنسا أن المحور الاستراتيجي الذي تعتمده، من الحيوي أن تسيطر عليه، هو ذلك المحور الممتد من مضيق جبل طارق إلى المتوسط، وعبر قناة السويس وباب المندب إلى المحيط الهندي، حيث الأراضي الفرنسية (French Territories).

كان الهاجس الروسي الإمبراطوري ولا يزال حتى الآن، في كيفية الوصول إلى المياه الدافئة. خاض بطرس الأمير حروباً دموية مع الإمبراطورية السويدية لتأمين ممر إلى بحر البلطيق. خاضت القيصرة كاترين الكبرى حرباً ضروساً ضد السلطنة العثمانية فقط للوصول إلى البحر الأسود.

سفينة الشحن «غالاكسي» تُرافقها قوارب الحوثيين في البحر الأحمر (رويترز)

البحر الأحمر اليوم

أثر سلوك الحوثيّين اليوم في باب المندب كما في البحر الأحمر، على الملاحة العالمية بشكل سلبي. ورداً على هذا السلوك، شكّلت أميركا قوة بحرية أطلقت عليها تسمية «حماية الازدهار». وكي تحافظ أوروبا على مصالحها البحرية، أطلق الاتحاد الأوروبي تحالفاً جديداً تحت اسم «اسبيدس» الذي يعني باليونانية «الدرع». فماذا يعني هذا الأمر في التحليل العسكري؟

إن الغرب لا يزال يسيطر على البحار، والقوى البحرية الغربية منتشرة من سواحل أفريقيا الغربية إلى المحيد الهندي، مروراً بالمتوسط، والبحر الأحمر وباب المندب. وإذا ذهبنا شرقاً فإن الصراع للسيطرة على البحار والمحيطات ستزداد وتيرته مع الوقت.

لن يسمح الغرب بتحدي هيمنته على البحار والمحيطات، خاصة من لاعب من خارج إطار الدولة والحوثيين. هذا مع العلم أن جينات الاستعمار موجودة في جهازية كل القوى الكبرى البحرية، بدءاً من هولندا، البرتغال، إسبانيا، فرنسا، بريطانيا وأميركا.

لكن الملاحظ هو غياب كل من روسيا والصين عن التجمعات البحرية في البحر الأحمر؛ الأمر الذي يدل على صورة واتجاه الاصطفاف العالمي للقوى العظمى والكبرى في عالم أصبح خطيراً جداً.


مقالات ذات صلة

مصر وسلطنة عمان تبحثان سلامة الملاحة في البحر الأحمر

العالم العربي نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء بسلطنة عُمان يستقبل وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)

مصر وسلطنة عمان تبحثان سلامة الملاحة في البحر الأحمر

بحث وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في سلطنة عمان، الاثنين، ملف التوترات الأمنية في البحر الأحمر، مؤكداً أهمية سلامة الملاحة البحرية وحرية التجارة الدولية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا علماء الأحياء البحرية وجدوا أن لدى أسماك القرش مستويات عالية من الكوكايين في عضلاتها وكبدها (أرشيفية - رويترز)

مقتل سائح وإصابة آخر في هجوم لسمكة قرش بمصر

قالت وزارة البيئة المصرية إن سائحاً لقي حتفه وأُصيب آخر في هجوم سمكة قرش بمنتجع مرسى علم المطل على البحر الأحمر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي يلتقي نظيره الصومالي أحمد معلم فقي بالقاهرة (الخارجية المصرية)

مصر ترفض وجود أي طرف «غير مشاطئ» بالبحر الأحمر

تزامناً مع تأكيد دعمها وحدة الصومال وسيادته، أعلنت القاهرة رفضها وجود أي طرف «غير مشاطئ» في البحر الأحمر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

تقرير: جنود إسرائيليون يرفضون الخدمة العسكرية في غزة

جنود إسرائيليون يشاركون في جنازة جندي قُتل في المعارك بقطاع غزة... الصورة في المقبرة العسكرية في جبل هرتزل بالقدس 9 يناير 2025 (إ.ب.أ)
جنود إسرائيليون يشاركون في جنازة جندي قُتل في المعارك بقطاع غزة... الصورة في المقبرة العسكرية في جبل هرتزل بالقدس 9 يناير 2025 (إ.ب.أ)
TT

تقرير: جنود إسرائيليون يرفضون الخدمة العسكرية في غزة

جنود إسرائيليون يشاركون في جنازة جندي قُتل في المعارك بقطاع غزة... الصورة في المقبرة العسكرية في جبل هرتزل بالقدس 9 يناير 2025 (إ.ب.أ)
جنود إسرائيليون يشاركون في جنازة جندي قُتل في المعارك بقطاع غزة... الصورة في المقبرة العسكرية في جبل هرتزل بالقدس 9 يناير 2025 (إ.ب.أ)

قال يوتام فيلك (28 عاماً)، وهو ضابط في سلاح المدرعات بالجيش الإسرائيلي، إن التعليمات كانت بإطلاق النار على أي شخص غير مصرَّح له بالدخول إلى منطقة عازلة تسيطر عليها إسرائيل في قطاع غزة.

وأفاد بأنه رأى ما لا يقل عن 12 شخصاً يُقتلون، لكن إطلاق النار على مراهق لا تزال حاضرة في ذاكرته، حسبما أفادت به وكالة «أسوشييتد برس».

يعد فيلك من بين عدد متزايد من الجنود الإسرائيليين الذين يتحدثون ضد الصراع المستمر منذ 15 شهراً، ويرفضون الخدمة بعد الآن، قائلين إنهم رأوا أو فعلوا أشياء تجاوزت الخطوط الأخلاقية.

وفي حين أن الحركة لا تزال صغيرة، حيث وقّع نحو 200 جندي إسرائيلي على رسالة تقول إنهم سيتوقفون عن القتال إذا لم تؤمن الحكومة وقف إطلاق النار - يقول الجنود إنها البداية، ويريدون من الجنود الآخرين أن يفعلوا الشيء نفسه.

يوتام فيلك الذي خدم في وحدة مدرعة في قطاع غزة وهو الآن واحد من عدد متزايد من الجنود الإسرائيليين الذين يتحدثون ضد الصراع المستمر منذ 15 شهراً... تل أبيب 10 يناير 2025 (أ.ب)

يأتي رفض هؤلاء الجنود الخدمة في وقت تزداد فيه الضغوط على إسرائيل و«حماس» لإنهاء القتال في محادثات وقف إطلاق النار، ودعا كل من الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى التوصل إلى اتفاق بحلول تنصيب ترمب في 20 يناير (كانون الثاني).

تحدث 7 جنود رفضوا الاستمرار في القتال في غزة مع وكالة «أسوشييتد برس»، ووصفوا كيف قُتل فلسطينيون دون تمييز، ودُمِّرت منازلهم. وقال العديد منهم إنهم أُمروا بحرق أو هدم منازل لم تشكِّل أي تهديد، وشاهدوا جنوداً ينهبون ويخربون المساكن.

ويُطلب من الجنود الإسرائيليين الابتعاد عن السياسة، ونادراً ما يتحدثون ضد الجيش.

بعد اقتحام «حماس» لإسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، توحدت إسرائيل بسرعة وراء الحرب التي شنتها ضد الجماعة المسلحة. ونمت الانقسامات في إسرائيل مع تقدم الحرب، لكن معظم الانتقادات ركزت على العدد المتزايد من الجنود القتلى والفشل في إعادة الرهائن إلى ديارهم، وليس الإجراءات في غزة.

وقال الجيش الإسرائيلي لوكالة «أسوشييتد برس» إنه يدين رفض الخدمة، ويأخذ أي دعوة للرفض على محمل الجد، مع فحص كل حالة على حدة. ويمكن للجنود الذهاب إلى السجن لرفضهم الخدمة، لكن لم يتم اعتقال أي شخص وقّع على الرسالة، وفقاً لأولئك الذين نظموا التوقيعات.

ماكس كريش طبيب احتياطي في الجيش انضم إلى عدد متزايد من الجنود الإسرائيليين الذين يرفضون مواصلة القتال في قطاع غزة... القدس 9 يناير 2025 (أ.ب)

ردود أفعال الجنود في غزة

عندما دخل فيلك قطاع غزة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، قال إنه اعتقد أن الاستخدام الأولي للقوة قد يجلب كلا الجانبين إلى طاولة المفاوضات، لكن مع استمرار الحرب، قال إنه رأى قيمة الحياة البشرية تتفكك. وقال إن الجنود الإسرائيليين صرخوا على المراهق الفلسطيني في اليوم الذي قُتل فيه الفتى في أغسطس (آب) الماضي، مطالبين إياه بالتوقف من الدخول إلى المنطقة العازلة، وأطلقوا طلقات تحذيرية على قدميه، لكنه استمر في الحركة. وأضاف أن آخرين قُتلوا أيضاً أثناء سيرهم إلى المنطقة العازلة ـ ممر نتساريم، وهو طريق يفصل بين شمال وجنوب غزة.

واعترف فيلك بأنه من الصعب تحديد ما إذا كان الناس الذين أُطلقت النار عليهم كانوا مسلحين، لكنه قال إنه يعتقد أن الجنود تصرفوا بسرعة كبيرة. وقال في النهاية إن «حماس» هي المسؤولة عن بعض الوفيات في المنطقة العازلة.

ووصف فيلك فلسطينياً احتجزته وحدته، وقال إن «حماس» دفعت للناس 25 دولاراً للسير إلى الممر لقياس رد فعل الجيش الإسرائيلي. وقال بعض الجنود لوكالة «أسوشييتد برس» إنهم استغرقوا بعض الوقت لاستيعاب ما رأوه في غزة. وقال آخرون إنهم شعروا بالغضب الشديد لدرجة أنهم قرروا التوقف عن الخدمة على الفور تقريباً.

يوفال غرين طبيب تخلى عن منصبه في الخدمة الاحتياطية مع الجيش الإسرائيلي في يناير الماضي بعد أن أمضى ما يقرب من شهرين في قطاع غزة... القدس 9 يناير 2025 (أ.ب)

ووصف يوفال غرين، وهو طبيب يبلغ من العمر 27 عاماً، ترك منصبه في يناير الماضي في الجيش الإسرائيلي بعد أن أمضى ما يقرب من شهرين في غزة، أنه عاجز عن التعايش مع ما رآه. وقال إن الجنود دنّسوا المنازل، واستخدموا أقلاماً سوداء مخصصة للطوارئ الطبية لرسم الشعارات على الجدران، ونهبوا المنازل بحثاً عن تذكارات، وقال إن قائده أمر القوات بحرق منزل، قائلاً إنه لا يريد أن تتمكن «حماس» من استخدامه.

وقال غرين إنه جلس في مركبة عسكرية، يختنق بالدخان وسط رائحة البلاستيك المحترق. لقد وجد الحريق انتقامياً - وقال إنه لا يرى أي سبب لأخذ مزيد من الفلسطينيين أكثر مما فقدوه بالفعل.

غادر غرين وحدته قبل اكتمال مهمتهم. وقال إنه يتفهم الغضب الإسرائيلي بشأن السابع من أكتوبر، لكنه يأمل أن يشجع رفضه الخدمة في الجيش جميع الأطراف على كسر دائرة العنف.