لغز «ستاكسنت»... مهندس هولندي عطّل تخصيب اليورانيوم الإيراني

تحقيق جديد: الخطة كلفت أميركا وإسرائيل مليار دولار

مفتش من الوكالة الدولية للطاقة الذرية يتفقد المحطة النووية في نطنز 20 يناير 2014 (أ.ف.ب)
مفتش من الوكالة الدولية للطاقة الذرية يتفقد المحطة النووية في نطنز 20 يناير 2014 (أ.ف.ب)
TT

لغز «ستاكسنت»... مهندس هولندي عطّل تخصيب اليورانيوم الإيراني

مفتش من الوكالة الدولية للطاقة الذرية يتفقد المحطة النووية في نطنز 20 يناير 2014 (أ.ف.ب)
مفتش من الوكالة الدولية للطاقة الذرية يتفقد المحطة النووية في نطنز 20 يناير 2014 (أ.ف.ب)

بعد 16 عاماً على أكبر عملية استهدف البرنامج النووي الإيراني، كشف تحقيق استقصائي جديد لجريدة هولندية، هوية العميل الذي أدخل الفيروس الدودي «ستاكسنت» إلى منشأة تخصيب اليورانيوم الرئيسية في نطنز وسط إيران، في عملية استغرقت سنوات من التعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

وطورت الولايات المتحدة وإسرائيل الفيروس «ستاكسنت» الذي اكتشف في 2010، بعد استخدامه لمهاجمة منشأة نطنز، في أول هجوم من نوعه يستخدم فيروس لمهاجمة معدات صناعية. وقال مسؤولون إيرانيون حينها: إن الفيروس أصاب محطة بوشهر النووية، المطلة على الخليج العربي.

ويعد الفيروس، برنامج كمبيوتر خبيثاً يهاجم أنظمة التحكم الصناعية المستخدمة على نطاق واسع التي تنتجها شركة «سيمنس ايه جي» الألمانية، ويستغل ثغرات أمنية في نظام التشغيل «مايكروسوفت ويندوز». ويقول خبراء: إن الفيروس يمكن أن يستخدم في التجسس أو التخريب.

منشأة نطنز النووية التي تبعد 322 كيلومتراً جنوب طهران (أ.ب)

واستهدف الفيروس إيران بشكل أساسي، لكنه أصاب الكثير من الدول في وقت لاحق.

وبعد سنوات من الهجوم الذي عطل البرنامج النووي الإيراني، وتسبب في توتر بين طهران والغرب، أزاحت صحيفة «دي فولكس كرانت» الستار عن تفاصيل وصول المخابرات الأميركية والإسرائيلية، إلى المنشأة الشديدة التحصين، بعدما نجح مهندس هولندي في إدخال معدات ملوثة بالفيروس، إلى شريان الحياة في نطنز، وتركيبها على مضخات مياه.

وبحسب التحقيق الذي نشرته صحيفة«دي فولكس كرانت»، فإن المهندس الهولندي إريك فان سابين، عميل جهاز المخابرات والأمن العام الهولندي (AIVD)، هو من نجح في الوصول إلى منشأة نطنز، لتنفيذ العملية السرية المذهلة التي سبتقها سنوات من الإعداد والتعاون بين وكالة المخابرات المركزية الأميركية، والموساد الإسرائيلي وتكلفة قدرها مليار دولار لتطوير الفيروس.

وفي يناير (كانون الثاني) 2011، كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» وجود تعاون استخباراتي أميركي - إسرائيلي، لتطوير الفيروس المعلوماتي. وقالت مصادر استخباراتية للصحيفة: إن «إسرائيل اختبرت فاعلية الفيروس في مجمع ديمونة النووي».

منشأة نطنز كما تبدو من الداخل في وسط محافظة أصفهان (رويترز)

وعن دوافع الكشف عن هوية المنفذ، ذكرت صحيفة«دي فولكس كرانت»، أن وفاة المهندس «أزالت خطر الانتقام الإيراني منه»، مشيرة إلى موافقة عائلته، في ذكر اسمه ونشر صورته.

وذكر التحقيق، أن المهندس قام بمهمة محفوفة بالمخاطر للغاية في إيران، عبر تسلله إلى منشأة نطنز، في 2007، حيث ركّب أجهزة ومعدات ملوثة، قبل أن تظهر نتائج أكبر ضربة كبيرة يتلقاها البرنامج الإيراني للتسلح النووي، بعد ثمانية أشهر من تركيب المعدات. وأدى ذلك إلى تعطيل ألف جهاز مركزي في منشأة نطنز.

تساؤلات

وبحسب الصحيفة، فإن المهندس الهولندي المتزوج من إيرانية، كان يعمل في شركة نقل في دبي، وسافر مرات عدة إلى إيران. وقالت شركة النقل «تي تي إس إنترناشيونال» إنها أرسلت قطع غيار لصناعة النفط والغاز في إيران سابقاً، لكنها لم تكن على علم بالأنشطة السرية لموظفها، العميل الهولندي.

ومن غير الواضح ما إذا كان سابين استغل مهامه في الشركة لاستيراد المعدات النووية إلى إيران، أو كان يعلم أن المعدات التي أرسلها إلى نطنز، كانت تحتوي على فيروس مدمر.

وفي نهاية 2008، سافر سابين وأسرته إلى إيران، لقضاء عطلة نهاية السنة، لمدة عشرة أيام، لكنه غداة وصوله، أراد من أسرته المغادرة فوراً. وقالت زوجته: «كان منزعجاً للغاية وأصر على أن نغادر على الفور». وبعد أسبوعين من مغادرته الغامضة لإيران، توفي سابين في حادث في الشارقة بالقرب من دبي، إثر خروجه بدراجته النارية التي انقلبت به وكُسرت رقبته.

وأثارت وفاته تساؤلات لدى جهاز المخابرات الهولندي، وكانت مخاوف من أن تكون وفاته على صلة بأنشطته السرية في إيران. وقال ضابط في جهاز المخابرات والأمن العسكري: «لقد دفع ثمناً باهظاً». لا يزال الأصدقاء والعائلة يفترضون وقوع حادث مميت. وقالت الصحيفة إنها تحدثت إلى أشخاص كانوا في مكان الحادث، ولا توجد مؤشرات على أن الحادث كان متعمداً.

واستند التحقيق الذي استغرق عامين إلى شهادات 43 شخصاً، 19 منهم من جهاز المخابرات العامة والأمن الهولندي (AIVD) وجهاز المخابرات والأمن العسكري الهولندي (MIVD) وموظفين سابقين في الموساد وجهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلية (أمان) والمخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه).

وهذه ثاني تحقيق استقصائي تنشره الصحيفة الهولندية، بعد تحقيق مشترك مع موقع «ياهو نيوز» في 2019، كشف عن الدور الحاسم الذي لعبه عميل لجهاز المخابرات العامة والأمن الهولندي في إدخال فيروس «ستاكسنت» إلى المجمع النووي الإيراني، دون تحديد هوية العميل.

صورة التقطها قمر «بلانيت لابس» لحفريات تحت جبل قرب منشأة طنز لتخصيب اليورانيوم وسط إيران في 14 أبريل 2023 (أ.ب)

«الحرب الرقمية»

ووصف مصدر استخباراتي هولندي، عملية فيروس «ستاكسنت» بـ«الفاشلة» لجهاز المخابرات العامة والأمن الهولندي. وقالت الصحيفة: إن إطلاق فيروس «ستاكسنت» بمثابة إعلان عن تدشين الحرب الرقمية.

وحذّر خبراء حينها من أن انتشار الفيروس سيؤدي إلى تأجيج سباق «تسلح» متسارع على الإنترنت تنخرط فيه الدول الغربية المتقدمة والقوى الناشئة، ولا سيما الصين وروسيا. وفي مارس (آذار) 2012، صرح المدير الأسبق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، مايكل هايدن، بأن الفيروس «فكرة جيدة» لتعطيل البرنامج النووي الإيراني، لكنه يشكل سابقة خطيرة.

يثير التحقيق أسئلة حول أسباب عدم إطلاع الحكومة الهولندية، والجهازين الأساسيين للمخابرات الهولندية، واللجنة البرلمانية المعنية بالأمن العام والمخابرات على تفاصيل عملية «ستاكسنت». وأشارت الصحيفة إلى أن خبراء دوليين ينظرون إلى تخريب البرنامج النووي الإيراني على أنه «عمل من أعمال الحرب في حين أن هولندا لم تكن في حالة حرب مع إيران»، وحذرت الصحيفة من «عواقب جيو - سياسية» إذا ثبت تورط أجهزة مخابراتها.

وتشكل الحرب الإلكترونية ضلعاً أساسياً من حرب الظل الدائرة بين إسرائيل، وإيران، خصوصاً على خلفية الملف النووي، محور النزاع الأساسي بين طهران والقوى الغربية.

ودق هجوم فيروس «ستاكسنت» جرس الإنذار في إيران من خطر اعتمادها على برمجيات مستخدمة على نطاق واسع والتكنولوجيا، وقطع الغيار المستوردة من الخارج عبر الالتفاف على العقوبات.

«تخريب صاروخي»

في نهاية أغسطس (آب) الماضي، أعلنت إيران إحباط «مؤامرة إسرائيلية» لتخريب واسعة في برنامجها لتطوير الصواريخ الباليستية، والطائرات المسيّرة، من خلال قطع غيار معيبة مستوردة من الخارج.

وقال التلفزيون الحكومي في 31 أغسطس الماضي: «أحبطت وحدة المخابرات بوزارة الدفاع واحدة من كبرى المؤامرات التخريبية لجهاز الموساد الصهيوني التي استهدفت الصناعات العسكرية للصواريخ والطيران والفضاء في البلاد».

وحسب الرواية الإيرانية، فإن وزارة الدفاع حصلت على قطع غيار ورقائق إلكترونية، تستخدم في إنتاج الصواريخ المتقدمة والمسيّرات.

وقال مهدي فرحي، نائب وزير الدفاع للتلفزيون الرسمي: إنه «لولا إحباط التخريب ولو استُخدمت قطع الغيار لتم إبطال فاعلية جميع الصواريخ». واتهم التلفزيون الرسمي «شبكة احترافية ومختصة بمساعدة بعض العناصر المتسللة» بالوقوف وراء «المؤامرة».

وقال التلفزيون الإيراني: إن نجاح الخطة الأمنية يقطع الطريق على الموساد لنقل وتوفير قطعة الغيار المذكورة، وكذلك تم تحديد جميع ضباطهم في الخارج وعناصرهم في الداخل، في الفخ الاستخباراتي.


مقالات ذات صلة

إيران تُصعّد بـ6 آلاف طارد مركزي

شؤون إقليمية مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة في منشأة «نطنز» في 8 أغسطس (أ.ب)

إيران تُصعّد بـ6 آلاف طارد مركزي

أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنَّ طهران «تنوي بالفعل نصب أجهزة طرد مركزي جديدة».

راغدة بهنام (برلين) «الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية صورة نشرتها «الذرية» الإيرانية لشباب يقفون أمام نماذج لأجهزة الطرد المركزي في يونيو 2023 play-circle 01:37

«طاردات» إيران... الطريق الطويل نحو القنبلة النووية

وصول إيران إلى القنبلة النووية يمر بطريق طويل، عبر نصب الآلاف من أجهزة الطرد المركزي، بمعدل يفوق الحد المسموح في اتفاق حظر الانتشار النووي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
خاص مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة بمنشأة «نطنز» في أغسطس 2005 (أ.ب)

خاص لقاء جنيف... الخلاف يتسع بين أوروبا وإيران

اعترف دبلوماسي أوروبي رفيع لـ«الشرق الأوسط» بأن «مدى الخلافات» مع إيران يتسع، وذلك بعد لقاءات أوروبية - إيرانية عقدت في جنيف لمناقشة مسائل خلافية.

راغدة بهنام (برلين)
شؤون إقليمية خلال عملية إطلاق صاروخ «باليستي» إيراني في مكان غير معلن في إيران... صورة منشورة في 25 مايو 2023 (رويترز)

رئيسا المخابرات الفرنسية والبريطانية: «النووي» الإيراني هو «التهديد العالمي الأكثر خطورة»

قال رئيسا المخابرات الفرنسية والبريطانية، اليوم (الجمعة)، إن تعزيز النشاط النووي الإيراني هو «التهديد العالمي الأكثر خطورة» في الوقت الراهن.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية عرض عدد من أجهزة الطرد المركزي في طهران خلال اليوم الوطني للطاقة النووية الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

وكالة الطاقة الذرية تؤكد نية إيران نصب آلاف أجهزة الطرد المركزي الجديدة

أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية المكلفة مراقبة البرنامج النووي الإيراني، نية طهران نصب 6 آلاف جهاز طرد مركزي جديد لتخصيب اليورانيوم بمستويات منخفضة

«الشرق الأوسط» (فيينا)

إردوغان: سنحافظ على أمن حدودنا... والهجرة قضية حساسة «للعالم أجمع»

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (د.ب.أ)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (د.ب.أ)
TT

إردوغان: سنحافظ على أمن حدودنا... والهجرة قضية حساسة «للعالم أجمع»

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (د.ب.أ)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (د.ب.أ)

قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الجمعة، إن بلاده سوف تحافظ على أمن حدودها، وستتخذ تدابير إضافية لتحصينها.

ونقلت وكالة أنباء «الأناضول» عن إردوغان قوله: «في ما يتعلق بالهجرة، هي واحدة من أكثر القضايا الحساسة في الوقت الحالي ليس فقط بالنسبة للبلدان الواقعة على طريق العبور مثل تركيا بل للعالم أجمع».