أكثر من 100 قتيل بتفجيرين قرب مقبرة سليماني في ذكرى اغتياله

السلطات اتهمت إسرائيل... وخامنئي يتوعد بـ«ردٍ قاسٍ»

TT

أكثر من 100 قتيل بتفجيرين قرب مقبرة سليماني في ذكرى اغتياله

رجال أمن يتفقدون موقع التفجير في الطريق المؤدية لمقبرة كرمان جنوب إيران (التلفزيون الرسمي)
رجال أمن يتفقدون موقع التفجير في الطريق المؤدية لمقبرة كرمان جنوب إيران (التلفزيون الرسمي)

قتل أكثر من 100 شخص وأصيب العشرات في تفجيرين، (الأربعاء)، قرب مقبرة مدينة كرمان جنوب إيران؛ وفق ما ذكرت وسائل إعلام رسمية إيرانية؛ وذلك خلال إحياء ذكرى مقتل مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري» قاسم سليماني عام 2020 بهجوم بطائرة مسيّرة أميركية.

وأفاد التلفزيون الرسمي الإيراني بوقوع انفجار أول ثم انفجار ثان بعد نحو 10 عشر دقائق خلال المراسم في مدينة كرمان بجنوب شرقي البلاد، قائلاً إن التفجيرين أوقعا 103 قتلى على الأقل. وجرح 171 شخصاً.

وقال رئيس «منظمة الطوارئ» في مدينة كرمان، شهاب صالحي، إن «السبب تفجير قنبلتين». وقال عمدة كرمان إن التفجيرين وقعا بفارق 10 دقائق.

وقالت وكالة «إرنا» الرسمية: «وقع الانفجار الأول على بعد 70 متراً من قبر سليماني، والانفجار الثاني على بعد كيلومتر واحد من موقع دفنه».

وأعلنت الحكومة الإيرانية غداً الخميس يوم حداد (مهر) على أرواح ضحايا التفجیرین.

وقال المرشد الإيراني علي خامنئي في بيان إن «المجرمين والأعداء الأشرار للأمة الإيرانية تسببوا مجدداً في كارثة وأسقطوا عدداً كبيراً من السكان الأعزاء في كرمان»، مضيفاً: «هذه الكارثة ستلقى رداً قاسياً».

وقال الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إن الانتقام ممن يقفون خلف انفجاري كرمان «حتمي وقطعي».

وقال رئيسي في بيان: «لا ريب في أن مرتكبي هذا العمل الجبان سيتم الكشف عنهم قريباً وسيحاسبون من جانب قوات الأمن وقوات النظام على عملهم الشائن».

من جانبه، قال وزير الداخلية، أحمد وحيدي، إن «مؤامرة جديدة كان يسعى وراءها هؤلاء الأشخاص منذ فترة، وحاولوا في مراسم مختلفة تنفيذ أعمالهم الخبيثة».

رجل أمن إيراني يتفقد موقع أحد التفجيرين قرب مقبرة كرمان (التلفزيون الرسمي)

وأوضح أن «انفجاراً أولَ وقع في الساعة 15:00 ظهراً بالتوقيت المحلي، وعندما هرع الزوار لمساعدة الجرحى، وقع انفجار ثانٍ في الساعة 15:20 دقيقة، ما أدى إلى إصابة غالبية الأشخاص في الانفجار الثاني».

لكنه قال: «التحقيق جار في سبب وطريقة التفجير، وعندما نتأكد فسنطلع المواطنين على النتائج».

ووصف وحيدي الأوضاع في مدينة كرمان بـ«العادية». وقال: «كل شيء تحت سيطرة قوات الشرطة والأجهزة الأمنية، والهدوء قائم». وتوعد «الجناة» بـ«الرد الحازم والقوي» من الأجهزة الأمنية الإيرانية.

وقال المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية، أبو الفضل عمويي، إن وفداً من نواب البرلمان سيتوجه لتفقد موقع التفجيرين، للوقوف على أبعاد الحادث.

الروايات الأولى

وفي اللحظات الأولى؛ أفادت وكالة «مهر» الحكومية بأن انفجار أسطوانات غاز وقع قرب الطريق المؤدية إلى مدفن سليماني في محافظة كرمان الإيرانية. وقالت وكالة «نورنيوز» التابعة لـ«مجلس الأمن القومي الإيراني» إن «عبوات غاز عدة انفجرت على الطريق المؤدية إلى المقبرة».

وبعد الهجوم الأول، بثت قناة وكالة «دانشجو (إس إن إن)» التابعة لقوات «الباسيج» فيديو يظهر حشوداً من الناس وتصاعد الدخان، وقالت إنه ناجم عن أسطوانات غاز، وإنه لم يسفر عن إصابات، لكنها نشرت بعد دقائق فيديو يسمع فيه دويّ انفجار.

سيارات متضررة في تفجير الطريق المؤدية لمقبرة كرمان اليوم (التلفزيون الرسمي)

وفي البداية، نقلت وسائل إعلام رسمية عن مسؤول محلي قوله إنه «لم يتضح بعد ما إذا كانت الانفجارات ناجمة عن أسطوانات غاز، أم إنها هجوم إرهابي». وفي وقت لاحق؛ قال مساعد الشؤون الأمنية لحاكم لمحافظ كرمان إن «الهجوم إرهابي».

ولاحقاً نقلت وكالة «رويترز» للأنباء عن التلفزيون الرسمي الإيراني أنه سُمع دوي انفجار ثانٍ في مقبرة مدينة كرمان الإيرانية، وأنه قد أصيب عدة أشخاص.

ونقل التلفزيون الرسمي الإيراني لاحقاً عن نائب محافظ كرمان أن الانفجارين ناجمين عن «هجوم إرهابي». ونسب التلفزيون إلى «رئيس الطوارئ الطبية» في كرمان القول إن التفجيرين وقعا خارج بوابة التفتيش، وأن الانفجارين ناجمان عن عبوتين مفخختين في منطقتين على مَسير زوار مرقد سليماني.

ونقلت وسائل إعلام إيرانية مشاهد من التدافع بين المواطنين خلال إحياء الذكرى الرابعة لمقتل سليماني.

ونقلت وكالة «دانشجو» التابعة لـ«الباسيج» عن مصدر أمني في محافظة كرمان أن التفجيرين سببهما «عمل انتحاري». وقالت وكالة «تسنيم» إن حقيبتين تحملان قنابل انفجرتا في مدخل المقبرة. ووفق رواية «تسنيم»؛ فإن «منفذي الهجوم استخدموا على ما يبدو جهاز تحكم عن بُعد».

ونقل موقع البرلمان الإيراني عن ممثل محافظة كرمان في البرلمان، النائب حسین جلالي: «على ما يبدو؛ فإن التفجيرين إرهابيان؛ باستخدام حزام ناسف». وفي وقت لاحق، تراجع جلالي، وقال في تصريح لموقع «جماران»: «لا توجد لدينا معلومات دقيقة حول ما إذا كان الهجوم بحزام انتحاري أم بحقيبة انتحارية أم بسيارة انتحارية».

حالة من الهلع بعد لحظات من انفجار في مدخل مقبرة كرمان (مهر)

ونقلت وكالة «إيسنا» الحكومية عن رئيس الطوارئ بمدينة كرمان أن «4 قنابل انفجرت، و20 شخصاً قُتلوا، وأُصيب أكثر من 40 شخصاً، في الطرق المؤدية إلى مدخل مقبرة كرمان».

بدورها، ذكرت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» أن تفجير مدينة كرمان خلّف 30 مصاباً على الأقل. وأظهر التلفزيون الرسمي عمال الإنقاذ التابعين للهلال الأحمر وهم يعالجون الجرحى في موقع المراسم، حيث تجمع مئات الإيرانيين لإحياء ذكرى مقتل سليماني. وقال بعض وكالات الأنباء الرسمية الإيرانية؛ منها «إرنا»، إن «50 شخصاً على الأقل أُصيبوا».

وقال رضا فلاح، رئيس الهلال الأحمر في إقليم كرمان، للتلفزيون الرسمي: «فرق الاستجابة السريعة لدينا تُجلي المصابين... لكن هناك موجات من الحشود تسد الطرق»؛ وفق «رويترز».

ونفى «الحرس الثوري» الإيراني الأنباء عن مقتل أحد قياداته في التفجير. وقالت وكالة «تسنيم» إن «التقارير كاذبة. لم يوجد أحد من القادة الكبار في محيط التفجير».

وشهدت مقبرة كرمان حالة تدافع في يوم تشييع سليماني قبل 4 سنوات، ما أدى إلى مقتل 56 شخصاً وإصابة 231 شخصاً، وفقاً لإحصائية نهائية قدمتها «منظمة الطوارئ الإيرانية» حينذاك.

رجال أمن يتفقدون موقع التفجير في الطريق المؤدية لمقبرة كرمان جنوب إيران (التلفزيون الرسمي)

اتهامات لإسرائيل

ووجه المدعي العام الإيراني، محمد موحدي آزاد، تعليمات إلى المدعي العام في محافظة كرمان بالتعامل بشكل حاسم ومدروس وتحديد هوية منفذي الهجوم بمساعدة جميع الأجهزة الأمنية.

ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن موحدي آزاد قوله إن «هذا العمل الإرهابي دليل على الضعف والعجز والهزائم المتتالية لأعداء إيران» وأضاف: «وصل الأمر بالغطرسة العالمية بقيادة أميركا وإسرائيل إلى حد يخافون فيه من زوار قاسم سليماني».

وكتبت قناة «فيلق القدس» على «تلغرام»: «ما بدأ باغتيال رُضَيّ موسوي على يد إسرائيل في دمشق، واغتيال صالح العاروري في بيروت، ووصل إلى عمل إرهابي في مقبرة كرمان، يشير إلى تغيير ميدان تحرك إسرائيل من غزة إلى المنطقة».

كما وجه مشرعون إيرانيون أصابع الاتهام إلى إسرائيل. وقال نائب رئيس البرلمان، النائب مجتبى ذو النوري: «نظراً إلى نوعية العمل الذي لم يكن انتحارياً؛ فعلى ما يبدو: إنه من أعمال إسرائيل». وقال: «سنعاقب إسرائيل بانتقام ستكون له قيمة عملياتية عالمية».

وقال ممثل محافظة كرمان، النائب حسين جلالي، إن «هذا العمل الإرهابي من المؤكد من فعل الإسرائيليين، وهذه الخطوة تشبه اغتيال رضي موسوي (مسؤول إمدادات الحرس الثوري في سوريا) وصالح العاروري (نائب رئيس حماس في بيروت) وقادة القسام».

وأعلن مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة، سعيد إيراوني إن بلاده وجهت رسالة إلى رئاسة مجلس الأمن، إن «الجمهورية الإسلامية تتعهد باستخدام جميع الأدوات الموجودة لضمان محاسبة المسؤولين والمتواطئن معهم في هذا العمل الإرهابي الشنيع» حسبما أوردت وكالة «أرنا».

وكتب وزير الخارجية، حسين أمير عبداللهيان على منصة إيكس : «بناء على المعلومات الأولية التي حصلنا عليها من المصادر الرسمية، باشرت وزارة الخارجية إجراءاتها القانونية والدولية عبر الأمم المتحدة».

إدانات

وأدانت «حركة الجهاد الإسلامي» تفجير كرمان؛ بشدة. ووصفت جماعة «الحوثي» التفجير بـ«الإجرامي». واستنكر «حزب الدعوة الإسلامية» التفجير في مدينة كرمان، موجهاً «أصابع الاتهام نحو إسرائيل».

وقال الحزب، في بيان صحافي: «الأصابع الصهيونية الممتدة عبر المرتزقة الأجراء والتي تقف وراء هذا الفعل الإجرامي البشع لن تستطيع تحويل هزيمتهم النكراء إلى نصر مهما تمادوا في غيهم وعدوانهم هنا أو هناك، بل ستتوالى يوماً بعد آخر هزائمهم على أيدي المجاهدين والمقاومين، وإن النصر حليف أصحاب الحق والقضية العادلة».

وأدانت الحكومة العراقية تفجير كرمان، معلنة تضامنها مع إيران حكومةً وشعباً، واستعداد العراق لتقديم جميع أنواع المساعدة.

من جانبه؛ أدان رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان، مسرور بارزاني، التفجير، وعزى شعب وحكومة إيران، وتمنى الشفاء العاجل للجرحى.

بدوره؛ تقدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأربعاء، بالتعازي إلى الشعب الإيراني في ضحايا «الهجمات الإرهابية» وفق ما أوردت وكالة «الأناضول».

وقال إردوغان في تدوينة عبر منصة «إكس» للتواصل الاجتماعي: «شعرنا بحزن عميق إزاء الهجمات الإرهابية الدنيئة التي وقعت بمحافظة كرمان الإيرانية».

وأضاف: «أسأل الله الرحمة لمن فقدوا أرواحهم جراء الهجمات، وأتمنى الشفاء العاجل للمصابين».

وذكرت وكالة أنباء «ريا نوفوستي» الروسية، نقلاً عن بيان للكرملين، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدم تعازيه للقيادة الإيرانية.

واستنكر بوتين «الإرهاب بجميع أشكاله»، وقال إن الهجوم على أناس مسالمين «صادم في قسوته واستخفافه» وفق وكالة «رويترز».

من جهته، ندد الاتحاد الأوروبي بأشد العبارات بتفجيري كرمان، مؤكداً على ضرورة محاسبة الجناة. وعبر الاتحاد في بيان عن «تضامنه مع الشعب الإيراني» بعد «هذا العمل الإرهابي الذي أدى إلى حصيلة مروعة من القتلى والجرحى من المدنيين»، داعياً إلى «ضرورة محاسبة الجناة».

الخارجية الأميركية

هذا، وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة ليست ضالعة بأي شكل من الأشكال في التفجيرين اللذين هزا إيران الأربعاء، مؤكدة عدم وجود سبب للاعتقاد بضلوع إسرائيل في الحادث.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، للصحافيين إن «الولايات المتحدة ليست ضالعة في أي حال من الأحوال (في التفجيرين)، وأي قول يعاكس ذلك هو أمر سخيف»، مضيفاً «لا سبب لدينا للاعتقاد أن إسرائيل ضالعة في هذا الانفجار».
وتابع «نعرب عن تعاطفنا مع الضحايا واحبائهم الذي قضوا في هذا الانفجار المرعب».


مقالات ذات صلة

اتهام مسؤول أميركي بتسريب وثائق عن خطط إسرائيل لمهاجمة إيران

شؤون إقليمية مقاتلة إسرائيلية تغادر للمشاركة في الهجوم على إيران 26 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

اتهام مسؤول أميركي بتسريب وثائق عن خطط إسرائيل لمهاجمة إيران

يواجه مسؤول في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) اتهامات بتسريب وثائق سرية تظهر خطط إسرائيل للانتقام من إيران بسبب هجوم صاروخي مطلع الشهر الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية إسرائيل تنفي تسريب صور لمنشأة نووية حساسة (أرشيفية - رويترز)

هاكرز إيرانيون يُسربون «صوراً خاصة» لمسؤولين إسرائيليين

شهدت إسرائيل حادثة تسريب سيبراني جديدة، إذ قامت مجموعة «حنظلة» المرتبطة بإيران بنشر صور خاصة لمسؤولين إسرائيليين بارزين، ضمن ما وصفه المراقبون بالتصعيد الأخير…

«الشرق الأوسط» (لندن)
تحليل إخباري ترمب يعرض مذكرة وقّعها للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو 2018 (أ.ب)

تحليل إخباري إيران أمام تحدي مواصلة سياساتها أو التفاوض مع ترمب

من غير الواضح حتى الآن طبيعة السياسة التي سيعتمدها الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، تجاه إيران، لكن احتمال عودته إلى سياسات عهده الأول قد يكون الأكثر ترجيحاً.

إيلي يوسف (واشنطن)
شؤون إقليمية غروسي (وسط) ونائبه ماسيمو أبارو الذي يترأس إدارة الضمانات في «الذرية الدولية» على هامش مباحثات مع إسلامي في أصفهان مايو الماضي (إ.ب.أ)

إيران تتطلع لـ«مسار جديد» مع «الذرية الدولية»

تتطلع طهران إلى وضع مسار جديد للتعاون مع مدير «الذرية الدولية»، رافائيل غروسي، غداة تحذيره من أن «هوامش المناورة بدأت تتقلص»، بشأن البرنامج الإيراني.

«الشرق الأوسط» (لندن-طهران)
شؤون إقليمية عراقجي في لحظة تأمل خلال مشاركة في اجتماع الحكومة اليوم (الرئاسة الإيرانية)

إيران تُحذر ترمب من العودة إلى استراتيجية «الضغوط القصوى»

حذرت طهران الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أن تجريب نسخة ثانية من استراتيجية «الضغوط القصوى» سيؤدي إلى «فشل أكبر».

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)

مباراة رياضية فرنسية - إسرائيلية في أجواء متوترة بين البلدين

رجال أمن الأربعاء  في محيط «ملعب فرنسا الكبير» تحضيراً للمباراة المرتقبة حيث ينتظر تعبئة 4 آلاف رجل شرطة ودرك للمحافظة على الأمن (أ.ف.ب)
رجال أمن الأربعاء في محيط «ملعب فرنسا الكبير» تحضيراً للمباراة المرتقبة حيث ينتظر تعبئة 4 آلاف رجل شرطة ودرك للمحافظة على الأمن (أ.ف.ب)
TT

مباراة رياضية فرنسية - إسرائيلية في أجواء متوترة بين البلدين

رجال أمن الأربعاء  في محيط «ملعب فرنسا الكبير» تحضيراً للمباراة المرتقبة حيث ينتظر تعبئة 4 آلاف رجل شرطة ودرك للمحافظة على الأمن (أ.ف.ب)
رجال أمن الأربعاء في محيط «ملعب فرنسا الكبير» تحضيراً للمباراة المرتقبة حيث ينتظر تعبئة 4 آلاف رجل شرطة ودرك للمحافظة على الأمن (أ.ف.ب)

حضور مميز سيحتشد مساء الخميس، في ملعب باريس الكبير لمشاهدة مباراة كرة القدم بين منتخبي فرنسا وإسرائيل. ونادرا ما أثارت مباراة رياضية جدلا وانقساما كالذي تثيره المباراة المشار إليها، كونها ستحصل وسط تعبئة أمنية وسياسية استثنائية. فالمبارزة الفرنسية - الإسرائيلية الرياضية تحل بعد أسبوع واحد على المباراة التي حصلت بين فريق أياكس الهولندي وفريق ماكابي - تل أبيب الإسرائيلي لكرة القدم في أمستردام، وأثارت لغطا كبيرا بسبب ما سبقها وأعقبها من استفزازات ومناوشات بين مشجعين إسرائيليين وصلوا بقوة وناهز عددهم الـ3 آلاف ومناصرين مؤيدين للفلسطينيين. وذهبت الاتهامات في كل اتجاه، أبرزها معاداة السامية واقتراف أعمال ذكرت بمآسي اليهود القرن الماضي، وفق الإعلام الغربي الذي غطى على استفزازات المشجعين الإسرائيليين في شوارع أمستردام وداخل الملعب. وكانت النتيجة أن موجة مزدوجة من التعاطف والتنديد انطلقت ولم تهدأ: تعاطف مع إسرائيل واليهود بما في ذلك من فرنسا وتنديد بما اقترفه المناصرون والمتعاطفون مع الفلسطينيين بسبب ما تعرفه حرب غزة من مجازر.

الرئيس إيمانويل ماكرون لدى وصوله الأربعاء إلى «كوليج دو فرنس» للمشاركة في طاولة مستديرة حول الاقتصاد (إ.ب.أ)

ولأن السلطات الفرنسية لا تريد تكرار «التجربة الهولندية»، ولأنها رفضت الاستجابة لدعوات إلغاء المباراة أو تأجيلها أو حتى نقلها من «ملعب فرنسا الكبير» الواقع في ضاحية سان دوني، على مدخل باريس الشمالي، إلى مدينة أخرى، فإن وزارة الداخلية عمدت إلى تعبئة أمنية استثنائية قوامها 4 آلاف رجل شرطة ودرك وعناصر أمنية أخرى، منهم 2500 سيعمدون إلى إقامة طوقين أمنيين في محيط الاستاد لتفتيش المشجعين من الطرفين والتأكد من هوياتهم الشخصية. والجديد أن عددا غير محدد من الشرطة والدرك سيكونون داخل الملعب، وهو أمر استثنائي. وفي المقابل، سيتولى 1500 عنصر أمني المحافظة على الأمن في شوارع باريس وفي أماكن التجمع الكبرى فضلا عن وسائل النقل العمومية.

وتفيد التقديرات بأن الحضور، بعكس الجو المتكهرب، سيكون هزيلا قياسا لقدرة استيعاب المكان، إذ ينتظر حضور ما بين 15 و20 ألف مشاهد، فيما سعة الملعب تصل إلى 80 ألف مشاهد، حيث إنه الأكبر في فرنسا. وتجدر الإشارة إلى أن السلطات الإسرائيلية طلبت من الإسرائيليين عدم التوجه إلى باريس فيما الكثير من العائلات منعت أبناءها من حضور المباراة بسبب المخاوف من حصول أحداث أمنية.

وبالتوازي، فإن مظاهرة داعمة للفلسطينيين ستحصل في الوقت نفسه أمام مقر بلدية مدينة سان دوني، بدعوة من جمعيات داعمة للفلسطينيين ومن الحزب اليساري المتشدد «فرنسا الأبية» الذي يتزعمه المرشح الرئاسي السابق، جان لوك ميلونوشون، المتهم باتباع نهج غرضه استمالة أبناء الضواحي من أصول مهاجرة وعلى رأسهم العرب والمسلمون. وطالبت ماتيلد بانو، رئيسة المجموعة النيابية للحزب المذكور في البرلمان، الثلاثاء، بإلغاء المباراة، ولكن من دون طائل.

صدام بين مشجعين إسرائيليين وشباب في وسط أمستردام 8 نوفمبر 2024 (رويترز)

ونبه لوران نونيز، مدير الشرطة في باريس، من احتمال حصول أعمال شغب في باريس وفي وسائل النقل العمومية، الأمر الذي يفسر الانتشار الأمني الكبير المرتقب.

ولاكتمال الصورة، تتعين الإشارة إلى أمرين: الأول، التجمع الذي دعت إليه أحزاب ومنظمات يهودية متطرفة في باريس الأربعاء، عشية المباراة المشار إليها، بينها تنظيم «بيتار» اليهودي الصهيوني الذي له فروع في عدة دول غربية والذي يشبه الميليشيا إلى حد بعيد. والآخر، احتفال تحت شعار «إسرائيل إلى الأبد». ونشر ييغال براند، رئيس منظمة «بيتار» بيانا الأسبوع الماضي جاء فيه: «لقد شعرنا بالفزع مما حدث في أمستردام ومن رد فعل الحكومات... نحن نفخر بأننا صهاينة وليس لدينا أي سبب للاعتذار... سنجتمع يومي الأربعاء في باريس والخميس في مباراة كرة القدم التي يهددها الجهاديون أيضا».

والأمر الثاني، الحفل الذي دعت إليه شخصيات يهودية يمينية متطرفة في باريس تحت شعار «إسرائيل إلى الأبد» وكان من المنتظر أن ينضم إليه لبتسلئيل سموتريتش، وزير المالية وهو زعيم حزب ديني متطرف والذي طالب الاثنين بفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية ما يعني ضمها، الأمر الذي «أدانته» الأربعاء وزارة الخارجية الفرنسية قائلة إنه «يناقض منطوق القانون الدولي وينسف الجهود الساعية لخفض التصعيد في المنطقة»، ومكررة أن فرنسا «متمسكة بحل الدولتين... الطريق الوحيدة لتسوية عادلة ودائمة للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي». إلا أن مجيء سموتريتش، بسبب التحفظات الرسمية الفرنسية واستفزازاته المتواصلة، قد طوي واستعيض عنه بكلمة له في الاحتفال «عن بعد».

عناصر مكافحة الشغب حول «ملعب فرنسا الكبير» الذي سيستضيف المبارزة الفرنسية - الإسرائيلية (أ.ف.ب)

توتر بين باريس وتل أبيب

وتأتي المباراة وسط أجواء من التوتر بين فرنسا وإسرائيل بسبب ما حصل إبان الزيارة الأخيرة التي قام بها، الأسبوع الماضي، وزير الخارجية جان نويل بارو إلى إسرائيل والسلطة الفلسطينية، حيث اعتقل الأمن الإسرائيلي عنصرين من الدرك الفرنسي مولجين بحماية القنصلية الفرنسية في القدس، ويتمتعان بالصفة الدبلوماسية، لأنهما منعا الأمن الإسرائيلي من الدخول إلى كنيسة تقع على جبل الهيكل وهي من الممتلكات الفرنسية وتتمتع بحماية فرنسا. وعمدت الخارجية الفرنسية إلى استدعاء السفير الإسرائيلي في باريس، واعتبرت ما حصل «أمرا لا يمكن القبول به».

رغم ما سبق ورغم التشنجات بين الطرفين، فإن كبار الدولة الفرنسية حرصوا على إبراز تعاطفهم مع إسرائيل من خلال حضور مباراة الخميس، وسيكون الرئيس إيمانويل ماكرون على رأس الحضور الرسمي والى جانبه رئيس الحكومة ميشال بارنيه. كذلك وزير الداخلية برونو روتايو ومدير شرطة العاصمة لوران نونيز، إضافة إلى كثير من الوزراء والنواب الآخرين. وكلافتة استثنائية، سيوجد في الملعب، إلى جانب ماكرون، رئيسان سابقان للجمهورية، هما نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند. ومن الحضور اللافت رئيسة منطقة إيل دو فرنس التي تضم باريس والمدن المحيطة بها فاليري بيكريس، وقالت مصادر الإليزيه إن حضور ماكرون غرضه «توجيه رسالة أخوة وتضامن بعد الأعمال المعادية للسامية في أمستردام التي لا يمكن القبول بها». وكشفت مصادر أمنية أن هناك ما يقارب الـ200 مشجع سيرافقون الفريق الإسرائيلي الذي سيحظى بحماية أمنية خاصة.

وكان «مجلس الأمن الوطني الإسرائيلي» قد أصدر توصية موجهة إلى الإسرائيليين في الخارج، داعيا إياهم إلى «الحيطة خصوصا في الأسبوع (الجاري) وتحاشي الوجود في اللقاءات الرياضية والأنشطة الثقافية التي يشارك فيها إسرائيليون تماما، خصوصا المباراة بين الفريقين الإسرائيلي والفرنسي».