إسرائيل «تقلص الحرب» في غزة وفق الخطة الأميركية

الانتقال من المرحلة الثانية إلى الثالثة بدأ رغم «تصريحات نتنياهو»

جنود إسرائيليون مع دباباتهم يتجمعون في موقع بالقرب من الحدود مع قطاع غزة جنوب إسرائيل في الأول من يناير (إ.ب.أ)
جنود إسرائيليون مع دباباتهم يتجمعون في موقع بالقرب من الحدود مع قطاع غزة جنوب إسرائيل في الأول من يناير (إ.ب.أ)
TT

إسرائيل «تقلص الحرب» في غزة وفق الخطة الأميركية

جنود إسرائيليون مع دباباتهم يتجمعون في موقع بالقرب من الحدود مع قطاع غزة جنوب إسرائيل في الأول من يناير (إ.ب.أ)
جنود إسرائيليون مع دباباتهم يتجمعون في موقع بالقرب من الحدود مع قطاع غزة جنوب إسرائيل في الأول من يناير (إ.ب.أ)

على الرغم من التصريحات المتلاحقة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وغيره من المسؤولين الإسرائيلي، بأن الحرب على غزة ستستمر طويلاً حتى تحقيق أهدافها في تصفية قدرات «حماس» على الحكم وعلى القتال، وأن الجيش يحتاج إلى أسابيع كثيرة وربما لشهور حتى ينتقل من المرحلة الثانية إلى المرحلة الثالثة للحرب، فقد بات واضحاً أن القيادتين السياسية والعسكرية، رضختا للإرادة وللإدارة الأميركية، وباشرتا بشكل فعلي عملية تقصير الحرب وتقليص حجمها ووقتها ومداها.

قيادات إسرائيل، تفعل ذلك بالضبط وفقاً لـ«نصائح» الأخ الكبير من واشنطن، التي تمت صياغتها بوصفها خطة عمل في اللقاءات التي أجراها وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، والرئيس الجديد لهيئة أركان الجيوش الأميركية المشتركة، تشارلز براون، خلال زيارتهما إلى تل أبيب قبل أسبوعين، واجتماعاتهما مع مجلس قيادة الحرب ومع رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي.

وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ينزل من الطائرة في مطار بن غوريون بإسرائيل 18 ديسمبر (رويترز)

ففي حينه، فرد الفريقان الخرائط والصور الملتقطة من الجو ودفتر اليوميات، وحددا مسيرة تقليص الحرب. وقد حاول الطرف الإسرائيلي تمديد الفترة الزمنية ومدى وعمق العمليات، إلا أن أوستن وبراون والجنرالات الآخرين في فريقهما، طرحوا على الجانب الإسرائيلي زبدة خبرتهم من الحرب الأميركية في العراق وأفغانستان. وبالضغوط الناعمة والنصائح الملحة حسموا الأمر.

ووفق التسريبات، فإن الجانب الإسرائيلي راح يساوم على أسبوعين، وطلب أن يبدأ الانتقال من المرحلة الثانية إلى الثالثة منتصف الشهر الحالي، ولكن القرار الأميركي طلب البدء بالانسحاب فوراً، والانتهاء من ذلك منتصف الشهر الحالي، ووافق على تأجيل بدء الانسحاب من خان يونس فقط، لأسبوعين.

ويقول العارفون، إن إسرائيل كانت بحاجة إلى هذا الضغط حتى تغير اتجاه الحرب، فالولايات المتحدة «ليست أخا كبيرا فحسب»، بل هي قدمت لإسرائيل دعماً لم يسبق أن حصل في التاريخ لدولة صديقة في حربها، حيث شمل تعويضاً مالياً بقيمة 14.3 مليار دولار (حوالي ثلث تكاليف الحرب)، وتعويضاً عن الذخائر والعتاد والأسلحة التي خسرتها (قطار جوي شمل 230 طائرة شحن، و30 سفينة شحن حملت عشرات ألوف الأطنان من الذخائر والعتاد والأسلحة). إضافة لدعم سياسي (الفيتو في مجلس الأمن وتجنيد دول الغرب)، وإعلامي وقضائي (لمنع محاكمة جنرالات إسرائيل وقادتها السياسيين أمام المحكمة الدولية والمحاكم المحلية في دول الغرب، بتهمة ارتكاب جرائم حرب).

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)

ويقولون في تل أبيب، إن من يقدم مثل هذا الدعم غير المسبوق، «لا يقال له لا» إزاء أي طلب، خصوصاً وأن واشنطن ما زالت تؤيد إسرائيل في هدفها تصفية قدرات «حماس» على الحكم، وتصفية قدراتها مع غيرها من التنظيمات الفلسطينية المسلحة على القتال. لكنها طلبت فعل ذلك بـ«عمليات جراحية» تبعد الخطر عن المدنيين. وتقصد بذلك انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة إلى مواقع خارج الحدود، والقيام من هناك بعمليات ضد أهداف عينية وموضعية لتصفية خلية مسلحة أو قادة عسكريين.

دمار وضحايا مدنيون في غزة نتيجة القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)

وقال الأميركيون إن على إسرائيل أن توقف غاراتها وقصفها من بعيد، جوا وبحرا وبرا، التي أدت إلى مقتل عدد كبير من المدنيين الفلسطينيين، ودمار جزئي أو شامل لغالبية المباني في قطاع غزة، وإن اغتيال قادة «حماس» لا يحتاج إلى تدمير بقية ما تبقى من أبنية في غزة. وإن واشنطن، تقدم هذه «النصائح» لخدمة إسرائيل، إذ إنها لم تعد قادرة على تجنيد العالم إلى جانبها، بل إن الولايات المتحدة نفسها أصبحت «وحيدة ومعزولة» في دعم عمليات إسرائيل الحربية.

ينطوي هذا الموقف الأميركي على القناعة، بأن الأهداف ذات السقف العالي جدا التي طرحتها القيادة الإسرائيلية للحرب، إبادة «حماس»، لم تكن واقعية ولا قابلة للتحقيق. ولا بد من مساعدتها على النزول عن هذا السقف، رويدا رويدا، بالتفتيش عن وسائل أخرى، والتفرغ للمفاوضات حول تبادل الأسرى، حيث إن الرئيس جو بايدن، نفسه، التقى عائلات الأسرى الإسرائيليين ووعدهم ببذل جهود شخصية لتسريع إطلاق سراح أفراد عائلاتهم، وهو لا يريد أن تخيّب أميركا آمالهم بها.

جنود إسرائيليون يطلقون قذائف الهاون على منطقة قريبة من الحدود مع قطاع غزة الاثنين (إ.ب.أ)

أما قيادة الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى في تل أبيب، فقررت الانسجام مع الموقف الأميركي ومعها القادة السياسيون القادمون من الجيش، خصوصاً بيني غانتس وغادي آيزنكوت.

ولا يجد نتنياهو مفرا من أن ينسجم هو الآخر، بطريقته المعروفة: يطلق تصريحات متبجحة تُرضي شركاءه في اليمين المتطرف، لكنه لا يعترض على خطط الجيش. يتحدث عن خلافات مع الحلفاء المخلصين في الإدارة الأميركية، ولكنه لا يتحدث عن طريقة حسم هذه الخلافات. يرفض الموقف الأميركي حول اليوم التالي ومستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويؤيد مواقف حلفائه الرافضين لحل الدولتين، ويؤكد أن الجيش الإسرائيلي هو الوحيد الذي سيتولى مهمة الأمن في غزة لمنع هجوم آخر من «حماس»، ولكنه لا يرضخ لمطالب الحلفاء لترجمة هذا الرفض إلى واقع عملي، فيستكمل مهمة تدمير غزة كلها، وترحيل أهالي غزة إلى مصر وإعادة الاستيطان اليهودي.

إسرائيليون يحتجون على حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تل أبيب بإسرائيل السبت الماضي (أ.ب)

وما بقي لنتنياهو حالياً، هو السعي لإطالة عمر حكومته بمزيد من الأحابيل، حتى يؤجل الحرب القادمة عليه حتماً، الحرب الداخلية، التي ستحاول المعارضة فيها إسقاط حكومته وإقامة لجنة تحقيق نزيهة وذات صلاحيات حول أسباب الإخفاق الذي أدى إلى هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)، والتوجه إلى انتخابات جديدة مبكرة في أسرع وقت ممكن.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تلوّح بحكم عسكري طويل في غزة

المشرق العربي حشد  أمام منزل دمرته ضربة إسرائيلية في شارع الجلاء وسط قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)

إسرائيل تلوّح بحكم عسكري طويل في غزة

في الوقت الذي واصل فيه الجيش الإسرائيلي عمليته العسكرية الواسعة في شمال غزة، ظهرت مؤشرات جديدة داخل حكومة بنيامين نتنياهو على وجود خطط لإقامة حكم عسكري طويل

نظير مجلي (تل أبيب) «الشرق الأوسط» (رام الله)
المشرق العربي شاحنة مساعدات في رفح (د.ب.أ)

«حماس»: 20 قتيلاً في عملية أمنية ضد عصابات لصوص شاحنات المساعدات

أعلنت وزارة الداخلية التابعة لحكومة «حماس» في قطاع غزة اليوم الاثنين مقتل 20 شخصاً على الأقل من «عصابات لصوص شاحنات المساعدات».

«الشرق الأوسط» (غزة)
العالم العربي مجلس الأمن الدولي يحذر من تردي الأوضاع في قطاع غزة (إ.ب.أ)

مجلس الأمن الدولي يدعو لزيادة المساعدات المقدمة لغزة

دعت الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي اليوم الاثنين إلى زيادة المساعدات التي تصل للمحتاجين في قطاع غزة وحذرت من تردي الأوضاع في القطاع.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم العربي نزوح سكان شمال غزة في ظل تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية (أ.ف.ب)

المنسق الأممي للسلام: الوضع في غزة «كارثي» مع بداية الشتاء ونزوح سكان الشمال

قال منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند اليوم الاثنين إن الوضع في قطاع غزة «كارثي» مع بداية فصل الشتاء.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية بنيامين نتنياهو في الكنيست الاثنين (رويترز)

مساعد لنتنياهو يُشتبه بتسريبه وثائق «خطط للانتحار في المعتقل»

كشفت مصادر بإدارة مصلحة السجون عن أن كبير مستشاري بنيامين نتنياهو، إليعازر فلدشتاين، الذي تولى مهمة «المتحدث باسم رئيس الحكومة»، خطط للانتحار في زنزانته بالسجن.

نظير مجلي (تل أبيب)

مساعد لنتنياهو يُشتبه بتسريبه وثائق «خطط للانتحار في المعتقل»

بنيامين نتنياهو في الكنيست الاثنين (رويترز)
بنيامين نتنياهو في الكنيست الاثنين (رويترز)
TT

مساعد لنتنياهو يُشتبه بتسريبه وثائق «خطط للانتحار في المعتقل»

بنيامين نتنياهو في الكنيست الاثنين (رويترز)
بنيامين نتنياهو في الكنيست الاثنين (رويترز)

في تطور خطير يدل على خطورة الفضيحة الأمنية في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، كشفت مصادر في إدارة مصلحة السجون أن كبير مستشاري بنيامين نتنياهو، إليعازر فلدشتاين، الذي تولى مهمة «المتحدث باسم رئيس الحكومة»، خطط للانتحار في زنزانته بالسجن.

وأفادت مصلحة السجون، الاثنين، بأن سجانين عثروا في زنزانة «المعتقل الأمني» في سجن بجنوب البلاد على أدوات استوجبت، وفقاً لتعليمات مفوض السجون، نقله بشكل فوري إلى زنزانة تخضع لمراقبة من أجل منعه من الانتحار. وقالت إنها تمتنع في هذه الحالات عن نشر تفاصيل حول الموضوع في إطار «خصوصية الفرد»، لكنّ صحافيين إسرائيليين أفادوا بأن المقصود هو فلدشتاين، وأنه تم العثور على حبل مشنقة في زنزانته، لكن مصلحة السجون نفت ذلك، وقالت إنها لم تعثر على مشنقة، بل على أمور أخرى لا تستطيع الإفصاح عنها.

وقد صدمت هذه الحادثة المجتمع الإسرائيلي؛ خصوصاً أنصار نتنياهو، الذين يحاولون تقزيم هذه القضية ويقولون إنها جزء من حملة اليسار الهادفة إلى تحطيم نتنياهو وإسقاط حكومته، بعد اليأس من إخراج الناس إلى الشوارع للاحتجاج على سياسته. فجاءت محاولة الانتحار لتشي بأن الأمور أكثر تعقيداً وخطورة مما يظهر.

وقالت مصادر مقربة من التحقيق إن فلدشتاين تعاون مع المحققين منذ اللحظة الأولى لاعتقاله قبل أسبوعين. وروى قصصاً مثيرة عن العفن المستحكم في ديوان رئيس الحكومة، وأظهر أن هذا المكان الذي تتخذ فيه القرارات المصيرية لدولة إسرائيل يدار كما تدار مقار عصابات المافيا. وقدم معلومات تفصيلية تدينه وتدين رؤوساً أخرى كبيرة في المكتب، ومن الصعب أن يفلت من المسؤولية عنها نتنياهو شخصياً، بحسب ما جاء في الإعلام الإسرائيلي.

وكانت النيابة العامة قد اعترضت على قرار إطلاق سراح فلدشتاين، وقدمت إلى محكمة الصلح في ريشون لتسيون تصريح مدعٍ، أعلنت فيه نيتها تقديم لائحة اتهام ضده وضد ضابط في الجيش الإسرائيلي لم يُفصح عن هويته بسبب أمر حظر النشر، على خلفية قضية «التسريبات السرية» التي باتت تعرف باسم «وثائق السنوار الملفقة». بدورها، مدّدت محكمة الصلح في ريشون لتسيون اعتقال المشتبه بهما الرئيسيين في قضية الوثائق السرية لمدة 5 أيام. وجاء في بيان صدر عن النيابة العامة أنها تعتزم طلب تمديد اعتقال المتهمين حتى انتهاء الإجراءات القانونية، نظراً لخطورة القضية وتعقيدها، ووافقت المحكمة على ذلك، مشيرة إلى «خطورة استثنائية» تنطوي عليها القضية، استناداً إلى قرار المحكمة العليا الأخير الذي أقر تمديد اعتقالهما بسبب «الخطر غير العادي» الذي يشكلانه.

عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة يتظاهرون أمام منزل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في القدس الاثنين (أ.ب)

وكانت القضية قد انفجرت إلى الإعلام في الشهر الماضي، وملخصها أن عناصر عدة في فريق نتنياهو حاولوا تعزيز موقفه الرافض لصفقة تبادل أسرى مع «حماس»، فحصلوا بطرق غير قانونية على وثائق من شعبة الاستخبارات العسكرية «أمان»، بعضها سُرقت من خزينة سكرتير الحكومة العسكري، وقاموا بتزييفها. وسربوا إلى الصحيفة الألمانية «بيلد» وصحيفة «جويش كرونيكل» البريطانية الوثائق المزورة، التي تزعم كذباً أن يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، يخطط للهرب من قطاع غزة إلى مصر عبر الأنفاق وهو يحمل معه عدداً كبيراً من المحتجزين الإسرائيليين لدى «حماس». واستخدموا هذه الفرية لكي يبرروا قرار نتنياهو إجهاض الصفقة من جهة والاحتفاظ بمحور فيلادلفيا ويتمسك باحتلال رفح.

وكشف رونين بيرغمان، مراسل الشؤون الاستراتيجية في صحيفتي «نيويورك تايمز» و«يديعوت أحرونوت»، عن أن فريق نتنياهو حاول أن يعطيه السبق الصحافي لنشر تلك الوثائق لكنه رفض. وقال إنه من اللحظة الأولى اشتبه في الموضوع ومن الفحص الأولي اكتشف أن الحديث يجري عن عملية تزوير وخداع.

يذكر أن مقربين من نتنياهو يصرون على أن هذه القضية نفخت بشكل مصطنع وليس لها أساس جنائي أو أمني. وامتلأت الصحف الإسرائيلية، الاثنين، بتقارير تشير إلى أن نتنياهو يعتبر القضية «حلقة في سلسلة مؤامرات لإسقاط الحكومة».