حرب غزة تغطي على «تصعيد نووي» إيراني

الغرب متردد في التحرك ضد طهران خشية تأجيج التوتر الإقليمي

رمز الذرة وعلم إيران بصورة مركبة (رويترز)
رمز الذرة وعلم إيران بصورة مركبة (رويترز)
TT

حرب غزة تغطي على «تصعيد نووي» إيراني

رمز الذرة وعلم إيران بصورة مركبة (رويترز)
رمز الذرة وعلم إيران بصورة مركبة (رويترز)

يثير التصعيد النووي الإيراني مخاوف جدية، في ظلّ استبعاد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووقف كاميرات المراقبة... غير أنّ الدول الغربية متردّدة في التحرّك، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى تأجيج التوترات في الشرق الأوسط.

ويقول دبلوماسي كبير إنّ «الصورة قاتمة، لكنّ الحقيقة هي أنّه في الوقت الحالي، لا أحد يريد إثارة ردّ فعل من قبل إيران في سياق الحرب بين إسرائيل وحركة (حماس) الفلسطينية».

وأدانت الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث (ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة)، خلال اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية هذا الأسبوع، في مقرّ الوكالة في فيينا، عدم التعاون من قبل طهران، غير أنّها امتنعت عن تقديم قرار ملزم بهذا الشأن.

مع ذلك، تقول السفيرة الأميركية، لورا هولغايت، إنّ «حدوداً غير مسبوقة تمّ تخطّيها». كذلك، تعرب باريس على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية، آن كلير لوجندر، عن «قلق خاص إزاء التصعيد النووي غير المبرّر على الإطلاق».

اجتماع فصلي لمجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية (أرشيفية - الوكالة الدولية)

«ضربة قوية»

وفي عام 2018، انهار الاتفاق الدولي الذي تمّ التوصل إليه في عام 2015 والذي يقيّد أنشطة طهران النووية مقابل رفع العقوبات الدولية عنها، وذلك بعد انسحاب واشنطن منه بقرار من الرئيس السابق دونالد ترمب. وسعى من ورائه جو بايدن إلى إعادة إحياء هذا الاتفاق من خلال مفاوضات أُجريت في فيينا، لكنّها توقّفت منذ صيف عام 2022.

وعلى أرض الواقع، تبقى النتائج التي توصّلت إليها الهيئة الأممية واضحة. وتفيد بأنّ إيران تملك حالياً 1283 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60 في المائة، وفقاً لآخر تقرير. ويعني ذلك نظرياً أكثر بثلاث مرّات من المادة الضرورية نظرياً لصنع قنبلة ذرية عند مستوى 90 في المائة.

ويقول مصدر دبلوماسي إنّ «هذا حجم كبير، خصوصاً إذا لم تكن هناك أيّ فائدة منه»، في الوقت الذي تنفي فيه إيران رغبتها في امتلاك أسلحة نووية.

المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي (أرشيفية - أ.ب)

ومن جهة أخرى، تتباطأ طهران في إعادة تركيب كاميرات المراقبة التي كانت قد أوقفت عملها العام الماضي. والأهم من ذلك، أنّها سحبت مؤخراً تصاريح عمل مجموعة من المفتّشين.

وطال هذا القرار 8 فرنسيين وألمان، وفق ما أوضح الدبلوماسي الكبير. وكان قد تمّ وقف عمل مفتّش تاسع روسي الجنسية في وقت سابق من العام، لكشفه عن تعديل فنّي في سلسلة أجهزة الطرد المركزي، أدى إلى ذروة التخصيب بنسبة 84 في المائة وهو رقم قياسي. وقال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافايل غروسي، الذي يضاعف منذ أشهر جهوده غير المثمرة، الأربعاء، إنّ هذه الإجراءات شكّلت «ضربة قوية» لعملنا.

«تفادي حريق إقليمي»

يقول أحد الدبلوماسيين: «يتطلّب الأمر شخصين لرقصة تانغو». ويضيف أنّ إيران «تشعر بجرأة» أكبر في مواجهة «لا مبالاة» الدول الغربية. كما أنّها تستفيد من «حماية» موسكو على خلفية تعزيز العلاقات العسكرية بين البلدين منذ الغزو الروسي لأوكرانيا.

وترى كيلسي دافنبور، الخبيرة في جمعية الحد من الأسلحة، أنّ «إحجام مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أمرٌ مفهوم»، موضحة أنّ «هذه حالة تتفوّق فيها القضايا الجيوسياسية على المسائل المرتبطة بعدم الانتشار».

صورة التقطها قمر «بلانيت لابس» لحفريات تحت جبل قرب منشأة «نطنز» لتخصيب اليورانيوم وسط إيران في 14 أبريل 2023 (أ.ب)

ويخشى المجتمع الدولي من امتداد الصراع إلى الحدود بين لبنان وإسرائيل التي تشهد تبادلاً لإطلاق النار بشكل يومي، وحتّى إلى أبعد من ذلك في المنطقة، في ظلّ وجود مجموعات موالية لإيران الداعم الرئيسي لحركة «حماس» الفلسطينية.

وتؤكّد هيلواز فاييه، الباحثة في مركز الدراسات الأمنية، التابع للمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، أنه «بالنظر إلى أننا لا نعرف درجة الترابط التي تحافظ عليها طهران مع هذه الجماعات»، فإنّ القادة الغربيين حريصون على «اتخاذ أكبر قدر ممكن من الاحتياطات».

وتقول المتحدثة باسم وزارة الخارجية، آن كلير لوجندر، إنّه على الرغم من أنّ الدبلوماسية الفرنسية تضمن إدارة «الأزمات بشكل منفصل»، فإنها تؤكّد أيضاً الحاجة لـ«التعامل مع أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة». وتضيف: «إننا نعمل في هذا الاتجاه لتفادي اندلاع حريق إقليمي».

مع ذلك، تشير دافنبور إلى أنّ التقاعس الذي لوحظ في فيينا حتى قبل الصراع الحالي «يرسل رسالة خاطئة إلى طهران وإلى جميع أولئك الذين يطمحون إلى امتلاك أسلحة نووية». ويأتي ذلك فيما يعود القرار الأخير الصادر ضدّ طهران إلى نوفمبر (تشرين الثاني) 2022.

وتقول دافنبور: «في مواجهة التوترات الإقليمية المتصاعدة وإيران التي باتت على وشك الحصول على قنبلة نووية... تخاطر الولايات المتحدة وإسرائيل بإساءة الحكم على نيات طهران النووية»، داعية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى بذل كلّ ما بوسعها للخروج من المأزق.


مقالات ذات صلة

هل تراجع إدارة ترمب دور الولايات المتحدة في تمويل «وكالة الطاقة الدولية»؟

الاقتصاد شعار «وكالة الطاقة الدولية»... (رويترز)

هل تراجع إدارة ترمب دور الولايات المتحدة في تمويل «وكالة الطاقة الدولية»؟

يضع الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، والجمهوريون في الكونغرس «وكالة الطاقة الدولية» في مرمى نيرانهم، حيث يخططون لمراجعة دور الولايات المتحدة فيها وتمويلها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي (إ.ب.أ)

غروسي: التوصل إلى «نتائج» مع إيران ضرورة لتجنب الحرب

قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، اليوم (الخميس)، إن تحقيق «نتائج» من الحوار مع إيران ضرورة لخفض التصعيد وتجنب حرب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل ماريانو غروسي يصافح المدير العام لشركة روساتوم الحكومية للطاقة الذرية أليكسي ليخاتشوف (أ.ب)

الطاقة الذرية «قلقة» حيال سلامة محطتي كورسك وزابوريجيا

أعرب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الجمعة، عن قلقه بشأن سلامة محطتي كورسك وزابوريجيا النوويتين في روسيا وأوكرانيا، المعرضتين لخطر المعارك والقصف.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي (يسار) يزور محطة زابوريجيا (إ.ب.أ)

«الطاقة الذرية»: هناك حاجة لهدم برج التبريد بمحطة زابوريجيا

كشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن أنه من المرجح أن تكون هناك حاجة لهدم برج التبريد الذي تضرر في حريق بمحطة زابوريجيا النووية التي تسيطر عليها روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا من اجتماع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع أعضاء حكومته وحكام المناطق المحاذية لأوكرانيا (أ.ف.ب) play-circle 00:26

بوتين يتهم أوكرانيا بمحاولة ضرب محطة كورسك النووية

اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، أوكرانيا بمحاولة ضرب المحطة النووية بمدينة كورسك، في وقت تشن قوات كييف هجوماً واسعاً على المنطقة منذ أكثر من أسبوعين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

الغرب يطالب إيران بتدمير اليورانيوم عالي التخصيب «فوراً»


صورة وزعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية من مديرها العام رافائيل غروسي في مستهل اجتماعها الفصلي في فيينا
صورة وزعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية من مديرها العام رافائيل غروسي في مستهل اجتماعها الفصلي في فيينا
TT

الغرب يطالب إيران بتدمير اليورانيوم عالي التخصيب «فوراً»


صورة وزعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية من مديرها العام رافائيل غروسي في مستهل اجتماعها الفصلي في فيينا
صورة وزعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية من مديرها العام رافائيل غروسي في مستهل اجتماعها الفصلي في فيينا

دعت بريطانيا وألمانيا وفرنسا، أمس (الخميس)، إيران إلى تدمير اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 60 في المائة «فوراً».

وجاء في بيان وزعته الخارجية البريطانية، أن البلدان الثلاثة «تحث إيران على وقف التصعيد النووي والامتناع عن توجيه التهديدات بإنتاج الأسلحة النووية».

وخلال اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قدمت الدول الغربية، أمس، نصاً يشير إلى «عدم إحراز أي تقدم في الأشهر الأخيرة».

وتقول الوثيقة إنه «من الضروري والعاجل» أن تقدم طهران «ردوداً فنية موثوقة» حول وجود آثار لليورانيوم في موقعين غير معلنين قرب طهران، هما تورقوز آباد وورامين.