شرطة إسرائيل تمنع التظاهر ضد الحرب

بدعوى الحفاظ على أمن الجمهور

«وقف النار فوراً»... شعارات رفعها يساريون إسرائيليون خلال احتجاج ضد الحرب في غزة (أ.ف.ب)
«وقف النار فوراً»... شعارات رفعها يساريون إسرائيليون خلال احتجاج ضد الحرب في غزة (أ.ف.ب)
TT

شرطة إسرائيل تمنع التظاهر ضد الحرب

«وقف النار فوراً»... شعارات رفعها يساريون إسرائيليون خلال احتجاج ضد الحرب في غزة (أ.ف.ب)
«وقف النار فوراً»... شعارات رفعها يساريون إسرائيليون خلال احتجاج ضد الحرب في غزة (أ.ف.ب)

أبلغت الشرطة الإسرائيلية المحكمة العليا، أنها قررت منع إقامة مظاهرات ضد هجمات الجيش على قطاع غزة، والتي من المقرر تنظيمها في مدينتي سخنين وأم الفحم وغيرهما؛ بدعوى أنها تحاول بذلك الحفاظ على سلامة الجمهور وأمنه بدرجة كبيرة. وزعمت الشرطة، في كتاب تفسير قدمته إلى المحكمة، أنها فحصت بدائل لتنظيم المظاهرتين في محاولة للتقليل من الإضرار بحرية التعبير والتظاهر، لكنها لم تعثر على بديل مناسب.

وكان القائد في الشرطة، العقيد شلومي بن شوشان، قد حاول تفسير هذا الموقف أمام المحكمة، فقال: إن ما يتخوف منه هو التحريض الذي يترافق مع مثل هذه المظاهرات والمصاعب التي تواجه قواته في ملاحقة من يخرجون عن شروط التظاهر والمشاغبين. وبموافقة الأطراف، سمحت القاضية بعرض معلومات أمام المحكمة، من دون حضور الملتمسين، حول انتشار قوات الشرطة نتيجة الحرب وعدم قدرتها على التعاطي مع المظاهرات كما هو الحال في السابق.

وسألت القاضية ياعيل فيلنر العقيد بن شوشان عما إذا كان يخشى التحريض على الإرهاب، فأجاب: «نعم، بشكل لا لبس فيه». وسألت القاضية الملتمسين إذا ما كانوا على استعداد لدراسة إمكانية تنظيم الاحتجاجات في أمكنة مغلقة، فأجابوا بالرفض. فقررت القاضية منع المظاهرات التي كانت مقررة الأربعاء إلى حين تتمكن من دراسة الدعوى بعمق وتبتّ في شأنها، في غضون بضعة أيام.

جانب من مظاهرة في تل أبيب ضد الحرب في غزة يوم 28 أكتوبر الماضي (إ.ب.أ)

وكان «مركز عدالة القانوني» قد تقدم بدعوى إلى المحكمة باسمه وباسم «الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة»، التي تحاول منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنظيم مظاهرات سلمية احتجاجاً على الحرب وفي إطار المطالبة بإبعاد المدنيين اليهود والعرب عن ساحة القتال، لكن الشرطة منعتها. وفي الأماكن التي جرّبت فيها قوى محلية إقامة مظاهرات، تم قمعها واعتقال عدد من منظميها. فتوجّه «مركز عدالة» إلى المحكمة، مؤكداً أن رفض الشرطة الموافقة على تنظيم المظاهرات ينتهك حرية التعبير السياسي لأسباب آيديولوجية وسياسية. وقال المركز في كتاب الدعوى: «إن قرار الشرطة يجعل من حرية التظاهر والاحتجاج وحرية التعبير السياسي والحق في المساواة بمعناها الأساسي مهزلة. ففي أوقات الطوارئ والجدل بالذات، يجب احترام حرية الاحتجاج والتعبير السياسي بشكل أكبر. ولكن يبدو أن القيود المفروضة الآن - وخاصة على الجمهور العربي - تهدف إلى إسكات وقمع المواقف ونزع شرعية الاحتجاج المشروع والحيوي، خاصة في هذه الأيام».

وقال الدكتور حسن جبارين، رئيس «مركز عدالة»: إن «الادعاءات التي استندت إليها الشرطة أمام المحكمة عنصرية، وهي فعلياً تتيح حق التظاهر فقط في البلدات اليهودية بمقابل منع تام وشامل في البلدات العربية».

يساريون إسرائيليون يطالبون بوقف النار فوراً في غزة خلال مظاهرة في تل أبيب يوم 4 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

وكان «مركز عدالة» قد أعدّ مذكرة أشار فيها إلى أنه «منذ السابع من أكتوبر، حين شنت إسرائيل هجوماً انتقاميّاً شاملاً على الشعب الفلسطيني في غزة، في أعقاب الهجوم القاسي وغير المسبوق الذي قام به مسلحون فلسطينيون ضد إسرائيليين، يتعرض المواطنون الفلسطينيّون في إسرائيل إلى جانب إسرائيليّين يهود ممن يعارضون جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة، إلى حملة قمع شعواء على حرية التعبير. يُعدّ هذا القمع نتاجاً لجهود واسعة النطاق ومنسقة بين المكاتب الحكومية والمؤسسات الإسرائيلية والجماعات اليمينية المتطرفة، تستهدف جميعها الفلسطينيين في إسرائيل وغيرهم ممن يعبِّرون عن دعمهم وتضامنهم مع فلسطينيّي غزة». وأكد أن هذا القمع يشتمل استهداف الطلاب الفلسطينيين في جامعات ومؤسسات أكاديمية إسرائيلية، وإيقاف مواطنين فلسطينيين عن العمل وطردهم من وظائفهم، وكذلك حملة اعتقالات غير قانونية واسعة النطاق عقب تتبّع منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، وحظر الشرطة للاحتجاجات المناصرة لغزة، وقمع حرية المحامين الفلسطينيين في التعبير، والتحريض ضد ممثلي الأحزاب السياسية العربية الفلسطينية، بما في ذلك معاقبة عضو في الكنيست الإسرائيلي بسبب تصريحاته». وقال: «تشكّل هذه الإجراءات مجتمعة حملة قمع شديدة ضد حق المواطنين الفلسطينيين في التعبير الحر عن الرأي، وتشكل ملاحقة سياسية جماعية لهم».

ورصد «مركز عدالة» طرد 104 طلاب جامعيين عرب من الجامعات والكليات الإسرائيلية؛ بسبب مضامين نُشرت على منصات التواصل الاجتماعي. وزعمت المؤسسات الأكاديمية أن المنشورات المذكورة تنتهك أنظمتها التأديبية، إما من خلال «دعم الإرهاب» وإما من خلال «التعاطف مع منظمات إرهابية». لكن المركز وجد أنه في معظم هذه الحالات، قام الطلاب بالتعبير عن تماثلهم مع الأهل في غزة أو اقتبسوا آياتٍ قرآنية، وهي أفعال تقع ضمن نطاق حرية التعبير والدين. لكن هذه الإجراءات التعسّفيّة جاءت استجابة للشكاوى الواردة من مجموعات طلابية سياسية يمينية متطرفة استهدفت الطلاب الفلسطينيين في مؤسساتهم الأكاديمية وراقبت حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي ورصدها.

وقال المركز: إنه تلقى بلاغات من موظفين وعاملين فلسطينيين من مواطني إسرائيل تم إيقافهم عن العمل أو إنهاء خدمتهم في أماكن عملهم أو تخفيض رتبهم؛ وذلك بسبب نصوص نشروها في مواقع التواصل الاجتماعي، أو بسبب تصريحات أخرى. ومن بين هؤلاء الدكتور عبد سمارة، الذي أُقيل من منصبه رئيساً لقسم العناية المكثف للقلب في مستشفى هشارون، بدعوى أنه «أشاد بغزو (حماس) لإسرائيل». وتبيّن، أن السبب الحقيقي هو صورته التعريفية التي تتصدر صفحته على منصة «فيسبوك» (منذ عام 2022) وتظهر فيها راية الإسلام الخضراء - علمٌ أخضر يحتوي على الشهادة القرآنية الإيمانية «أشهد أن لا إله إلا الله» – ومعها غصن زيتون. كما أشارت المذكرة إلى الاعتقالات التي تتم بحجج واهية مماثلة.


مقالات ذات صلة

المشرق العربي دبابة إسرائيلية تدخل على الحدود مع قطاع غزة (د.ب.أ)

صندوق تقاعد نرويجي ينسحب من شركة أميركية بسبب تورطها في الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان

أعلن أكبر صندوق تقاعد خاص بالنرويج سحب استثماراته من شركة صناعة المعدات الثقيلة الأميركية «كاتربلر» بسبب مخاوف احتمال مساهمتها في تسهيل انتهاك حقوق الإنسان.

«الشرق الأوسط» (أوسلو)
تحليل إخباري المبعوث الأميركي آموس هوكستين في بيروت 18 يونيو الحالي (أ.ب)

تحليل إخباري هل تلجم «مصلحة الجميع» نيّات توسعة الحرب في لبنان؟

قبل أيام زار هوكستين، عراب الاتفاق اللبناني - الإسرائيلي، تل أبيب وبيروت في مسعى لمنع تحول المواجهة من جبهة محدودة في جنوب لبنان إلى مواجهة مفتوحة.

مالك القعقور (لندن)
شؤون إقليمية حقل الغاز الطبيعي البحري الإسرائيلي «تمار» في الصورة أمام عسقلان قرب ساحل غزة (رويترز)

اتحاد المصنّعين الإسرائيليين: سنُغلق منصّات الغاز إذا نشبت حرب مع «حزب الله»

قال رون تومر، رئيس اتحاد المصنّعين في إسرائيل، إنه سيتم وقف تشغيل كل منصّات استخراج الغاز الطبيعي في المياه الإسرائيلية؛ لحمايتها في حال نشوب حرب مع «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
تحليل إخباري تؤكد إيران أنها ستتدخل مباشرة في القتال حال قيام إسرائيل بتوسعة الحرب ضد «حزب الله» (أرشيف «الشرق الأوسط»)

تحليل إخباري واشنطن توكل لباريس التواصل مع طهران لمنع التصعيد في جنوب لبنان

أكد مصدر دبلوماسي غربي أن واشنطن أوكلت إلى باريس مهمة التواصل مع إيران وحليفها «حزب الله» لإعادة الهدوء إلى جبهة جنوب لبنان ومنع توسعة الحرب بين الحزب وإسرائيل.

محمد شقير (بيروت)

ماذا بعد الحكم بتجنيد طلاب «الحريديم» في إسرائيل؟

يهود من «الحريديم» يصطفون لمعالجة إعفاءاتهم من الخدمة العسكرية الإلزامية بقاعدة تجنيد في «كريات أونو» بإسرائيل يوم 28 مارس 2024 (رويترز)
يهود من «الحريديم» يصطفون لمعالجة إعفاءاتهم من الخدمة العسكرية الإلزامية بقاعدة تجنيد في «كريات أونو» بإسرائيل يوم 28 مارس 2024 (رويترز)
TT

ماذا بعد الحكم بتجنيد طلاب «الحريديم» في إسرائيل؟

يهود من «الحريديم» يصطفون لمعالجة إعفاءاتهم من الخدمة العسكرية الإلزامية بقاعدة تجنيد في «كريات أونو» بإسرائيل يوم 28 مارس 2024 (رويترز)
يهود من «الحريديم» يصطفون لمعالجة إعفاءاتهم من الخدمة العسكرية الإلزامية بقاعدة تجنيد في «كريات أونو» بإسرائيل يوم 28 مارس 2024 (رويترز)

قضت المحكمة العليا في إسرائيل بأنه يتعين على الحكومة بدء تجنيد طلاب المعاهد اليهودية المتزمتين دينياً (الحريديم) في الجيش، في قرار ينهي إعفاء هذه الفئة منذ مدة طويلة من الخدمة العسكرية، ومن المرجح أن يقوض ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

ومع وجود فرصة أمام نتنياهو للسعي إلى التوصل لحل وسط يحافظ على تماسك الائتلاف الحاكم، قال النائب العام الإسرائيلي إنه يتعين البدء على الفور في تجنيد نحو 3 آلاف من طلاب المعاهد الدينية المتزمتين دينياً، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وصار الإعفاء، المعمول به منذ عقود والذي أعفى على مر السنين عدداً كبيراً من الأشخاص، نقطة شائكة بشدة في إسرائيل مع انخراط الجيش في الحرب بقطاع غزة وازدياد حدة الصراع على الحدود مع لبنان.

* ماذا يحدث الآن؟

يستعد اليهود المتزمتون دينياً لاحتجاج في القدس الساعة 16:00 بتوقيت غرينيتش اليوم الأربعاء، للتعبير عن غضبهم إزاء الحكم الذي يشمل أيضاً قطع التمويل الحكومي عن المعاهد التي لا يمتثل طلابها للتجنيد.

ويعول نتنياهو في تماسك حكومته على دعم اثنين من الأحزاب المتزمتة دينياً. وتحاول الحكومة بالفعل صياغة قانون يتوافق مع قرار المحكمة العليا دون إثارة غضب شركائه في الائتلاف.

ولا يزال مشروع القانون قيد المناقشة في الكنيست، ومن الممكن أن يقضي بتجنيد تدريجي لعدد مُزداد من «الحريديم» في الجيش.

ويمكن للحكومة أن تروج لهذا القانون حال موافقة الكنيست عليه في دليل على أنها تنفذ حكم المحكمة مع توفير تعديلات قانونية من شأنها تخفيف التأثير على طلاب المعاهد الدينية من «الحريديم».

ولكن إذا تعثر مشروع القانون ولم يبق سوى الحكم القضائي، فقد يضع ضغوطاً إضافية على ائتلاف نتنياهو، مما قد يدفع بإسرائيل نحو إجراء انتخابات جديدة.

* ماذا يكمن وراء الخلاف؟

يعود إعفاء «الحريديم» إلى الأيام الأولى بعد إعلان قيام دولة إسرائيل في 1948 حينما أعفى الاشتراكي ديفيد بن غوريون، الذي كان أول رئيس للوزراء، نحو 400 طالب من الخدمة العسكرية ليتسنى لهم تكريس أنفسهم للدراسة الدينية. وكان بن غوريون يأمل من خلال ذلك في حماية المعرفة والتقاليد اليهودية بعد أن كادت تُمحى خلال المحرقة النازية (الهولوكوست).

ومنذ ذلك الحين، صارت الإعفاءات مصدر إزعاج كبيراً مع توسع الطائفة سريعة النمو لتشكل أكثر من 13 في المائة من سكان إسرائيل، وهي نسبة من المتوقع أن ترتفع إلى نحو ثلث السكان في غضون 40 عاماً بسبب ارتفاع معدل المواليد بينهم.

وترتكز معارضة «الحريديم» للانضمام إلى الجيش على إحساسهم القوي بالهوية الدينية، وهو شعور يخشى كثير من الأسر أن يضعف بفعل الخدمة في الجيش.

ويؤدي بعض رجال «الحريديم» الخدمة العسكرية، لكن معظمهم لا يؤدونها، وهو شيء يشعر كثير من العلمانيين الإسرائيليين بأنه يفاقم الانقسامات الاجتماعية.

ولا يعمل كثير من رجال «الحريديم» لكسب المال؛ بل يعيشون على التبرعات والمعونات الحكومية وعلى أجور زوجاتهم اللائي تعمل كثيرات منهن بأجور زهيدة غالباً. ويعيش اليهود «الحريديم» في الغالب داخل أحياء معظم سكانها من المتدينين ويكرسون حياتهم لدراسة الدين.

وبالنسبة إلى العلمانيين الإسرائيليين الملزمين بالخدمة في الجيش والذين تسهم ضرائبهم في دعم «الحريديم»، فإن الإعفاءات تثير لديهم شعوراً بالاستياء منذ مدة طويلة. وازداد هذا الاستياء منذ اندلاع الحرب في غزة.

وينظر كثير من الإسرائيليين إلى الحرب على حركة «حماس» على أنها معركة وجودية من أجل مستقبل الدولة. وانضم نحو 300 ألف من قوات الاحتياط إلى القتال.

وتشير استطلاعات الرأي إلى وجود تأييد شعبي واسع للغاية لإلغاء إعفاء «الحريديم» من التجنيد.

* ما المخاطر بالنسبة إلى نتنياهو؟

بالنسبة إلى نتنياهو، فالمخاطر كبيرة. فمع أن الرأي العام يبدو مؤيداً لإلغاء الإعفاء، فإن حكومته تضم حزبين دينيين يمكن أن يؤدي انسحابهما من الائتلاف إلى إجراء انتخابات جديدة تشير استطلاعات الرأي إلى أن نتنياهو سيخسرها.

وفي السابق، تعهد الحزبان المتزمتان دينياً؛ حزب «يهودية التوراة المتحدة» وحزب «شاس»، بالتصدي لأي محاولات لإلغاء الإعفاء.

وأظهر البعض داخل حزب «الليكود»؛ الذي يتزعمه نتنياهو، عدم الارتياح أو المعارضة للإعفاء؛ منهم وزير الدفاع يوآف غالانت، وهو جنرال سابق وعضو بارز في حزب «الليكود».