إسرائيل درست «ضربة استباقية» لمصر وسوريا قبل هجومهما بساعات

وثائق رسمية تكشف ما دار في تل أبيب خلال أكتوبر 1973

TT

إسرائيل درست «ضربة استباقية» لمصر وسوريا قبل هجومهما بساعات

إسرائيليون في محطة للحافلات في تل أبيب يوم 7 أكتوبر 1973 يستمعون إلى تقارير من جبهات القتال عبر الراديو (الأرشيف الإسرائيلي)
إسرائيليون في محطة للحافلات في تل أبيب يوم 7 أكتوبر 1973 يستمعون إلى تقارير من جبهات القتال عبر الراديو (الأرشيف الإسرائيلي)

قبل خمسين عاماً، وتحديداً في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، اجتمع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي آنذاك، دافيد العزار (1972: 1974)، مع رؤساء تحرير الصحف العبرية وطمأنهم: «لن تنشب حرب في القريب... بإمكانكم النوم بهدوء». نام الصحافيون فعلاً بهدوء عدا واحد، هو رئيس تحرير صحيفة «معاريف»، اريه ديسنتشيك؛ إذ كان مراسله العسكري، يعقوب ايرز، واثقاً من أن الحرب على الأبواب، والسبب أن له شقيقاً يخدم في الجيش برتبة مقدم في سلاح المدرعات، وكان يرصد التحركات المصرية على الطرف الغربي من قناة السويس، وأبدى اقتناعاً تاماً بأن هذه التحركات ملائمة للإعداد لحرب قريبة، وليس لمجرد التدريبات.

قرر ديسنتشيك أن ينشر تغطية بروح مخالفة لما أبلغهم به رئيس الأركان، فأعد الصحافي ايرز خبراً بعنوان «تحركات مشبوهة للجيش المصري»، تحدث فيه عن حشود مريبة للدبابات وبطاريات الصواريخ المصرية وحركة زائدة للطائرات في الجو، واختتمه بجملة يقول فيها: إن «الجيش الإسرائيلي يقظ إزاء هذه التحركات ويقف أمامها بجهوزية عالية»، وأرسل الخبر إلى الرقيب العسكري الذي شطب السطور كلها تقريباً باستثناء الجملة الأخيرة.

بعد 22 عاماً من تلك الواقعة وفي عام 1995 شغل ايرز منصب رئيس تحرير الصحيفة، فطبع نسخة من الورقة التي كَتب عليها الخبر مع ما تم شطبه من الرقابة العسكرية وعلّقها على جدار خلف مكتبه، وحرص ليس فقط على التذكير بإنجازه الصحافي، الذي قمعته الرقابة، بل اهتم دائماً بأن يعتذر للجمهور لأنه التزم بالقانون وقدّم الخبر للرقابة، ولم يتمرد عليها في ذلك الوقت.

تشطيبات الرقابة العسكرية الإسرائيلية للخبر الذي أرسلته إليها صحيفة «معاريف» (أرشيف معاريف)

الواقعة السابقة واحدة من الحكايات المنسية في الحلبة السياسية الإسرائيلية، لكنها تعود هذه الأيام بقوة، بعدما قرر الباحثان أفرايم لبيد (عمل ناطقاً بلسان الجيش «1984: 1989»)، ورون جبيان (خدم في دائرة الناطق باسم الجيش 2016: 2022) تدريسها في كليات الصحافة، وفي إطار القرار الإسرائيلي الرسمي الإفراج عن كمية كبيرة من الوثائق السرية عن حرب أكتوبر (أو «يوم كيبور» كما اُصطلح على تسميتها إسرائيلياً)، أعدّا دراسة عن دور دائرة الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي إبان تلك الحرب.

وثائق إلى العلن

الحكومة الإسرائيلية أيضاً كانت اتخذت قراراً قبل ثلاث سنوات بالإفراج عن غالبية الوثائق الخاصة بحرب أكتوبر، عندما تحلّ الذكرى الخمسون لها، وفي مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، وبعد فرز المواد ومعالجتها فنياً ومراجعتها أمنياً، نشر أرشيف الدولة الإسرائيلية محتويات 1400 ملف للوثائق، ونحو 1000 صورة، و850 تسجيلاً صوتياً ومقطع فيديو، وأكثر من 250 ملاحظة مختصرة.

وتم الكشف كذلك عن دفتر يوميات مكتب رئيسة الوزراء، غولدا مائير، قبل وخلال الحرب وما بعدها وحتى اتفاق فصل القوات عام 1974، وتمحورت اليوميات حول الجوانب السياسية والعسكرية والاتصالات الدبلوماسية الدولية والإقليمية التي أجراها ديوان رئيسة الوزراء حينها، حسبما وثّقها إيلي مزراحي الذي شغل منصب مدير الديوان، وجاء ذلك في 3500 ملف تحتوي على مئات آلاف الصفحات.

«الموساد» الإسرائيلي أيضاً أصدر لأول مرة في تاريخه كتاباً، وتطرق إلى ما قبل وأثناء وبعد حرب عام 1973، تحت عنوان «يوماً ما... حين يكون الحديث مسموحاً». وكما جرى سابقاً، عكست الوثائق المواقف المتناقضة التي عبّرت عنها مختلف الأجهزة التي لعبت دوراً في حرب أكتوبر، إزاء ما يعرف في إسرائيل باسم «المحدال»، وهي كلمة عبرية تعني «فساد الإهمال الكبير»، والمقصود بذلك أن إسرائيل فوجئت بالحرب نتيجة إهمال المسؤولين، الذين سيطرت عليهم فرضية خاطئة، مفادها أن العرب المكويين بنار هزيمة 1967، لن يجروؤا على محاربة إسرائيل. لكن وكما هو معروف لدى كثيرين، فقد تشكلت بعد الحرب لجنة تحقيق رسمية (عُرفت بلجنة أجرانات) انتهت إلى تحميل رئيس أركان الجيش دافيد العزار، وغيره من الجنرالات مسؤولية الإخفاق، وتمت تبرئة القيادة السياسية تقريباً.

نسخة من يوميات غولدا مائير التي تم الكشف عنها بمناسبة 50 سنة على الحرب (الأرشيف الإسرائيلي)

وصحيح أن الظروف السياسية الراهنة في إسرائيل ألقت بظلالها على طريقة تلقي البعض للوثائق إلى حد تصوير موافقة حكومة نتنياهو على نشرها بأنها «محاولة لتقويض مكانة الجيش، وغيره من أجهزة الأمن» التي تتخذ موقفاً سلبياً من خطة الحكومة للانقلاب على منظومة الحكم والجهاز القضائي؛ لكن الوثائق مع ذلك تكشف عن أمور أخرى لا تقتصر على تصفية الحسابات.

الخطة معنا

يبدو أن المعلومات الإسرائيلية عن الحشدين المصري والسوري قبل بدء الحرب تحطمت على صخرة «الغرور» في تل أبيب؛ هكذا تشي وثيقة عن اجتماع عُقد قبل بدء الهجوم المصري - السوري؛ إذ أفاد رئيس الاستخبارات العسكرية إيلي زعيرا خلال جلسة مشاورات مع رئيسة الحكومة، قبل 28 ساعة من الحرب، بأن لديه نسخة كاملة من خطة الحرب التي أعدّها الجيش السوري ضد إسرائيل، وتلخيصاً لخطة الحرب التي أعدّها الجيش المصري.

 

رصدنا تحركات المصريين والسوريين... لكنهم يخافوننا تماماً

زعيرا

واستعرض زعيرا معلوماته عن أن «سوريا دخلت حالة استنفار وطوارئ منذ الخامس من سبتمبر (أيلول) (1973) وهي تخطط لاحتلال الجولان، ودفعت سربين من طائرات سوخوي من المنطقة (تي 4) إلى قرب دمشق؛ ما يعني أنهم ينوون قصف العمق الاسرائيلي، وهم يديرون تدريبات، وفي مصر تمت زيادة بطاريات الصواريخ على خط القناة من 300 الى 1100».

ومع ذلك، عاد قائد الاستخبارات العسكرية ليقول إنهم يلاحظون «مظاهر عصبية وتوتراً لدى الطرفين (المصريون والسوريون)». مضيفاً: «هذا يعكس حقيقة أنهم يخشون من هجوم إسرائيلي، إنهم يخافوننا تماماً، والروس أيضاً لديهم الانطباع نفسه؛ ولهذا تم إخلاء الخبراء وعائلاتهم على عجل بواسطة 11 رحلة جوية مفاجئة».

ووفق الوثائق الإسرائيلية، فقد كان زعيرا، مُصرّاً على أن الرئيس المصري الراحل أنور السادات، ونظيره السوري الراحل حافظ الأسد، لا ينويان محاربة إسرائيل، وأن كل التحركات العسكرية التي يقوم بها جيشاهما بمثابة استعراض عضلات أمام إسرائيل، التي تستعد للحرب، والرسالة التي يوجهانها لإسرائيل أنهما «جاهزان للقتال في حال تعرُّض بلديهما لهجوم».

الوزير ديان مع رئيس الأركان العزار (الأرشيف الإسرائيلي)

وتبنى رئيس أركان الجيش، العزار، الموقف السابق، وكذلك وزير الدفاع، موشيه ديان، وحتى عندما أصرّ الموساد على التحذير من الحرب في الساعة السادسة من يوم السادس من أكتوبر، كان ديان معترضاً على تجنيد قوات الاحتياط؛ لأن هذا الأمر سيُثير ضجة ضد إسرائيل وسيكلف الاقتصاد ثمناً باهظاً.

قبل الحرب بـ6 ساعات

وعقب ساعات أخرى من تقليل زعيرا من التحركات المصرية - السورية، تكشف الوثائق، عن أن القادة الإسرائيليين السياسيين والعسكريين، راحوا يتحدثون في اجتماع آخر صبيحة يوم السادس من أكتوبر، وتحديداً في الساعة الثامنة، أي قبل ست ساعات من اندلاع الحرب، عن إمكانية توجيه ضربة استباقية لمصر وسوريا. والسبب هو توافر معلومات تقول إنهما ستشنان هجوماً على إسرائيل في الخامسة أو السادسة مساءً، وظهر اتجاه في الاجتماع الذي قادته رئيسة الوزراء غولدا مائير أن تشن إسرائيل حرباً على سوريا ومصر في الرابعة بعد الظهر.

قلبي يؤيد حرباً كهذه... لكن عقلي يراها ضرراً أمام المجتمع الدولي

غولدا مائير

لكن رئيسة الحكومة، مائير، قالت: «قلبي يؤيد حرباً كهذه، لكن عقلي يرى في الأمر ضرراً لإسرائيل أمام المجتمع الدولي». وأضافت: «إذا تبين أن المصريين والسوريين لا ينوون الحرب فعلاً فستكون هذه مغامرة من إسرائيل تؤدي إلى قتلى وجرحى، هباءً». ووافقها وزير الدفاع موشي ديان على ذلك.

وخلال النقاش طُرح سؤال: «ماذا لو هاجمتنا مصر وحدها من دون سوريا؟». فأجاب ديان أنه «في هذه الحالة يجب استغلال الحدث وشن حرب على سوريا أيضاً حتى لو لم تشارك في الهجوم» وأضاف: «أيضاً في حال شنّت سوريا وحدها حرباً على إسرائيل، يجب شن حرب على مصر»، ووافقه قادة أجهزة الأمن.

ووفق وثائق الأرشيف الإسرائيلي بشأن الاجتماع، فإنه ضم بخلاف مائير وديان، كلاً من: «رئيس الأركان دافيد العزار، ورئيس الاستخبارات العسكرية إيلي زعيرا، وانضم إليه لاحقاً نائب رئيس الوزراء، يغئال الون، والوزير بلا وزارة، يسرائيل غليلي».

وقال ديان: «إنني أفكر في موضوع توجيه ضربة استباقية. فإذا أقدمنا عليها يحقق لنا ذلك مكاسب هائلة، ويوفر لنا الكثير من الأرواح... نحن نستطيع إعلان الحرب في الساعة الثانية عشرة ظهراً، فنبيد سلاح الجو السوري كاملاً وخلال 30 ساعة نقضي على شبكة الدفاع الصاروخية فيها. فإذا كانوا يخططون لحرب في الساعة الخامسة يكون جيشنا قد قطع شوطاً طويلاً في ضربهم. وهذا يغريني جداً. لسنا ملزمين باتخاذ قرار الآن، معنا أربع ساعات لنتحدث في الموضوع مع الأمريكيين، ربما يؤكد لنا الأمريكيون المعلومات عن نية الحرب لدى العرب فنفاجئهم بضربة استباقية، هذا ممكن وسلاح الجو عندنا جاهز».

وبعد فقرة إفادة ديان، يتضمن محضر الاجتماع فقرة مشطوبة من الرقابة الإسرائيلية على الوثائق، وتقرر إبقاؤها سرية 40 سنة أخرى، ويبدو أنها تتعلق بالمصاعب التي تواجهها إسرائيل في المجتمع الدولي.

غولدا مائير لدى زيارتها أحد المصابين الإسرائيليين في مستشفى بتل أبيب يوم 16 أكتوبر (أ.ف.ب)

وظل ديان يطرح سيناريوهات عن مهاجمة سوريا حتى لو لم تبادر بالحرب، ولضرب مصر حتى لو لم تشارك سوريا في المعارك، لكن مائير حسمت القرار ضد الضربة الاستباقية بالقول: «الزمن تغير منذ حرب 1967، وما كان صالحاً حينها ليس صالحاً اليوم».

قبل الحرب بعامين

رواية رسمية أخرى مصدرها هذه المرة الكتاب غير المسبوق الذي أصدره «الموساد»، تُظهر بصورة ما أن الإسرائيليين وقعوا في فخ تمكّن الرئيس المصري السادات، من إعداده بعدما غرس فرضية لديهم أنه لن يحاربهم؛ وبحسب الكتاب، فإن رئيس الموساد تسفي زامير، أبلغ رئيسة الوزراء، غولدا مائير، قبل سنتين من الحرب، أي في خريف عام 1971، بنوايا السادات محاربة إسرائيل، بل وأطلعها على جوانب أساسية من استراتيجية الرئيس المصري.

اعتمد زامير على من عدّه «كبير جواسيس الموساد، أشرف مروان» الذي عُرف بلقب «الملاك». ويشير الكتاب إلى أن مائير تأثرت من عمق المعلومات لدرجة أن قالت له في تلخيص اللقاء: «في يوم ما، عندما يمكن كشف أنك نقلت لي هذه المعلومات ستحصل أنت وفريقك على وسام».

كتاب الموساد، يشير أيضاً إلى أن زامير «تمكّن من الحصول على محاضر لقاءات السادات مع المسؤولين السوفيات في موسكو عام 1971، والتي أخبرهم فيها بأنه مصمم على استعادة سيناء كلها، وليس مجرد جزء منها، إما عن طريق المفاوضات الدبلوماسية أو عن طريق الحرب مع إسرائيل».

ويستنتج كتاب «الموساد»، أن الاجتماع السابق كان المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن أن «السادات كان منفتحاً على فكرة حرب محدودة؛ بهدف المساعدة في دفع المفاوضات إلى الأمام».

إذا حاربتنا سوريا وحدها سنضرب مصر حتى لو لم تهاجمنا... والعكس

ديان

تضليل إعلامي

ملمح مهم آخر في ذكرى نصف قرن على حرب أكتوبر ووثائقها تعكسه التغطيات الصحافية الإسرائيلية للحرب، خصوصاً في مجتمع أظهر اهتماماً مبكراً بالصحافة حتى قبل قيام الدولة ذاتها، ويسجل تاريخها أنه في عام 1942 وعندما قطعت الحركة الصهيونية خطوات بعيدة المدى في الإعداد لقيام إسرائيل دعت رؤساء تحرير الصحف العبرية إلى اجتماع لتنسيق المواقف في مواجهة الرقابة العسكرية التي أقامتها سلطات الانتداب البريطاني على فلسطين.

وأطلقت على ذاك الإطار اسم «لجنة الرد»، وصار قادة الحركة الصهيونية يدعون رؤساء التحرير للاجتماع بشكل دوري لإطلاعهم على عدد من الأسرار مقابل تعهدهم بعدم نشر أمور تخالف المصلحة العامة.

وحتى بعد قيام إسرائيل تحول اسم «لجنة الرد» إلى «لجنة المحررين»، وصارت اجتماعاتها دورية مع رئيس الوزراء وعدد من الوزراء وكبار العسكريين، لكن الشراكة في الأسرار تحولت توجيهاً، ثم تجنيداً لرؤساء التحرير لخدمة سياسة الحكومة.

وتظهر وثائق الأرشف الإسرائيلي، أن رئيس أركان الجيش الذي طمأن رؤساء التحرير يوم الثالث من أكتوبر قاطعاً بعدم قيام حرب، اجتمع بهم لاحقاً عشر مرات، خلال الأسابيع الثلاثة التي جرت فيها المعارك حتى وقف إطلاق النار، وخلال الاجتماعات، تبلورت السياسة الإعلامية التي تبين أنها «ضللت الناس».

وبينما بات معروفاً لدى الكثيريين أن إسرائيل هزمت العرب في سنة 1967 ونشرت الحقائق عن الحرب مقابل تضليل وسائل إعلام عربية، لكن إسرائيل عادت في عام 1973 لتمارس التضليل أيضاً، وفق ما تظهر شهادات المعاصرين ووثائق المرحلة.

غولدا مائير خلال مؤتمر صحافي في تل أبيب يوم 10 نوفمبر 1973 (أ.ف.ب)

لقد قلب الإعلام الإسرائيلي الحقائق عن المعارك في حرب 1973، وأخفى حجم الاصابات الإسرائيلية وتم تفعيل رقابة عسكرية صارمة، بحيث وضعت الرقابة جندياً يمثلها في هيئة تحرير كل صحيفة، ومنعت وصول الصحفيين إلى الجبهة.

وكان من بين أشهر تلك الوقائع، أن الرقابة العسكرية منعت نشر خبر عن سقوط صاروخ مصري على مدينة تل أبيب في اليوم الأول للحرب، ولم يعرف شيء عنه طيلة سنة من الحرب، وعندما سُئل الناطق بلسان الجيش آنذاك، العميد بنحاس لاهف عن ذلك قال: «كان تقديرنا أن المصريين، لن يعودوا على خطأ كهذا وأن نشر الأمر يخلق هلعاً وهذا غير حيوي»، بحسب ما كشف عنه الكتاب السنوي لنقابة الصحافيين في إسرائيل لعام 1974.

ولاحقاً، في عام 2011 تعرّض العميد لاهف، لسؤال عن واقعة الصاروخ المصري، خلال مقابلة صحافية مع «غلوبس» العبرية، وقال: «الصحافة معها حق. لقد أخطأنا، كان الجمهور يستقي معلوماته من الإعلام العربي والأجنبي، وهذا غير سليم لأنه هز الثقة بالجيش»، بل واعترف بأن ما نشره للجمهور خلال الحرب، خصوصاً في أول يومين «كان مشوهاً ومضللاً وناقصاً»، غير أنه أضاف أن يكون ذلك بسبب «سياسة مخططة» بل «ناجماً عن المفاجأة من الحرب ووجود كوادر غير مهنية لديه».

واقعة تضليل أخرى نشرتها الصحافة الإسرائيلية خلال الحرب، وتتعلق بخبر نشره الجيش الإسرائيلي قال فيه: إنه «ما زال يسيطر على كل القطاع الشمالي من خط بارليف»، بينما كان الجيش المصري حرر بالفعل ذاك المقطع وتقدّم كيلومترات عدة إلى الأمام. فضلاً عن إخفاء الإسرائيليين الأنباء عن مقتل عدد من كبار ضباطه في المعارك، ومرة أخرى يبرر العميد لاهف ذلك بالقول: «شعب إسرائيل لم يكن جاهزاً في ذلك الوقت لسماع الحقائق كاملة عن كل شيء... كان الشعب غاضباً على قادته العسكريين والسياسيين، ونشر الحقائق يُلحق ضرراً كبيراً بالمعنويات».

تكرار الإخفاق

ومن بين أهم ما نُشر إسرائيلياً في مناسبة مرور نصف قرن على حرب أكتوبر، ما يتعلق بتصريحات رئيس جهاز الموساد، ديفيد بارنياع، مطلع الشهر الماضي، خلال مهرجان لإحياء ذكرى الحرب الخمسين؛ إذ أطلق تحذيراً صريحاً ومباشراً للقيادة السياسية، من «تكرار الإخفاقات والتصرف بالغرور التقليدي للاستخفاف بقوة العدو من جهة، والاستخفاف باحتمالات التقدم نحو عملية سلام».

وقال بارنياع: إن «إسرائيل تواجه خطراً وجودياً ولا يجوز لنا التوقف عن معالجته. ونحن نفعل ذلك، ونعرف ما هو دورنا وما هو هدفنا. تركيزنا الاستراتيجي ينصبّ عليه ويجعلنا نستثمر فيه، ولكن يجب ألا نستخف بالعدو وبقدراته. ويجب ألا ننسى أن هناك دولاً وتنظيمات من حولنا تعزز من قواها لتهديد سلامتنا، ويجب ألا نبالغ في قوة دعم الحلفاء لنا، وأن نعتمد على قوتنا وقدراتنا. ولكن، في الوقت نفسه يجب ألا نستخف باحتمالات السلام والتطبيع».


مقالات ذات صلة

مصر للحد من «فوضى» الاعتداء على الطواقم الطبية

شمال افريقيا تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)

مصر للحد من «فوضى» الاعتداء على الطواقم الطبية

تسعى الحكومة المصرية للحد من «فوضى» الاعتداءات على الطواقم الطبية بالمستشفيات، عبر إقرار قانون «تنظيم المسؤولية الطبية وحماية المريض».

أحمد عدلي (القاهرة )
شمال افريقيا مشاركون في ندوة جامعة أسيوط عن «الهجرة غير المشروعة» تحدثوا عن «البدائل الآمنة» (المحافظة)

مصر لمكافحة «الهجرة غير المشروعة» عبر جولات في المحافظات

تشير الحكومة المصرية بشكل متكرر إلى «استمرار جهود مواجهة الهجرة غير المشروعة، وذلك بهدف توفير حياة آمنة للمواطنين».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
خاص عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

خاص كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

تسبب الوجود السوري المتنامي بمصر في إطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد مشروعاتهم الاستثمارية.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (الرئاسة المصرية)

السيسي: الأوضاع المضطربة في المنطقة تفرض بناء قدرات شاملة لحماية مصر

أشاد الرئيس عبد الفتاح السيسي بالجهود التي تبذلها القوات المسلحة لـ«حماية الحدود المصرية من أي تهديدات محتملة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

استطلاع رأي يعزز وضع نتنياهو في إنقاذ حكمه

أظهر استطلاع رأي (الجمعة) ارتفاع شعبية بنيامين نتنياهو بمقعدين في الكنيست المقبل (رويترز)
أظهر استطلاع رأي (الجمعة) ارتفاع شعبية بنيامين نتنياهو بمقعدين في الكنيست المقبل (رويترز)
TT

استطلاع رأي يعزز وضع نتنياهو في إنقاذ حكمه

أظهر استطلاع رأي (الجمعة) ارتفاع شعبية بنيامين نتنياهو بمقعدين في الكنيست المقبل (رويترز)
أظهر استطلاع رأي (الجمعة) ارتفاع شعبية بنيامين نتنياهو بمقعدين في الكنيست المقبل (رويترز)

على الرغم من أن الجمهور الإسرائيلي غيّر موقفه وأصبح أكثر تأييداً لاتفاق تهدئة مع لبنان، فإن وضع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، لم يتحسن في استطلاعات الرأي مع قيامه بلعب دور الضحية أمام محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. وارتفع بمقعدين اثنين خلال الأسبوع الأخير في استطلاعات الرأي، لكنه ظل بعيداً جداً عن القدرة على تشكيل حكومة.

فقد أشارت نتائج الاستطلاع إلى أن أغلبية 57 في المائة من الجمهور أصبحت تؤيد الجهود للتوصل إلى تسوية مع لبنان (بزيادة 12 في المائة عن الأسبوع الأسبق)، في حين أن نسبة 32 في المائة تؤيد موقف اليمين المعارض لهذه التسوية. وعندما سئل الجمهور كيف سيصوت فيما لو جرت الانتخابات اليوم، بدا أن هؤلاء المؤيدين ساهموا في رفع نتيجة نتنياهو من 23 إلى 25 مقعداً (يوجد له اليوم 32 مقعداً)، وفي رفع نتيجة أحزاب ائتلافه الحاكم من 48 إلى 50 مقعداً (يوجد له اليوم 68 مقعداً). وفي حالة كهذه، لن يستطيع تشكيل حكومة.

وجاء في الاستطلاع الأسبوعي الذي يجريه «معهد لزار» للبحوث برئاسة الدكتور مناحم لزار، وبمشاركة «Panel4All»، وتنشره صحيفة «معاريف» في كل يوم جمعة، أنه في حال قيام حزب جديد بقيادة رئيس الوزراء الأسبق، نفتالي بنيت، بخوض الانتخابات، فإن نتنياهو يبتعد أكثر عن القدرة على تشكيل حكومة؛ إذ إن حزب بنيت سيحصل على 24 مقعداً، في حين يهبط نتنياهو إلى 21 مقعداً. ويهبط ائتلافه الحاكم إلى 44 مقعداً. ويحظى بنيت بـ24 مقعداً، وتحصل أحزاب المعارضة اليهودية على 66 مقعداً، إضافة إلى 10 مقاعد للأحزاب العربية. وبهذه النتائج، فإن حكومة نتنياهو تسقط بشكل مؤكد.

وفي تفاصيل الاستطلاع، سئل المواطنون: «لو أُجريت الانتخابات للكنيست اليوم وبقيت الخريطة الحزبية كما هي، لمن كنتَ ستصوت؟»، وكانت الأجوبة على النحو التالي: «الليكود» برئاسة نتنياهو 25 مقعداً (أي إنه يخسر أكثر من خُمس قوته الحالية)، وحزب «المعسكر الرسمي» بقيادة بيني غانتس 19 مقعداً (يوجد له اليوم 8 مقاعد، لكن الاستطلاعات منحته 41 مقعداً قبل سنة)، وحزب «يوجد مستقبل» بقيادة يائير لبيد 15 مقعداً (يوجد له اليوم 24 مقعداً)، وحزب اليهود الروس «يسرائيل بيتنا» بقيادة أفيغدور ليبرمان 14 مقعداً (يوجد له اليوم 6 مقاعد)، وحزب اليسار الصهيوني «الديمقراطيون» برئاسة الجنرال يائير جولان 12 مقعداً (يوجد له اليوم 4 مقاعد)، وحزب «شاس» لليهود الشرقيين المتدينين بقيادة أرييه درعي 9 مقاعد (يوجد له اليوم 10 مقاعد)، وحزب «عظمة يهودية» بقيادة إيتمار بن غفير 8 مقاعد (يوجد له اليوم 6 مقاعد)، وحزب «يهدوت هتوراة» للمتدينين الأشكناز 8 مقاعد (يوجد له اليوم 7 مقاعد)، وتكتل الحزبين العربيين، الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحركة العربية للتغيير بقيادة النائبين أيمن عودة وأحمد الطيبي 5 مقاعد، والقائمة العربية الموحدة للحركة الإسلامية بقيادة النائب منصور عباس 5 مقاعد؛ أي إنهما يحافظان على قوتهما، في حين يسقط حزب «الصهيونية الدينية» بقيادة جدعون ساعر، وحزب التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة سامي أبو شحادة، ولا يجتاز أي منهما نسبة الحسم التي تعادل 3.25 بالمائة من عدد الأصوات الصحيحة.

وفي هذه الحالة تحصل كتلة ائتلاف نتنياهو على 50 مقعداً، وتحصل كتل المعارضة على 70 مقعداً، منها 10 مقاعد للأحزاب العربية.

وأما في حالة تنافس حزب برئاسة نفتالي بنيت، فإن النتائج ستكون على النحو التالي: بنيت 24 مقعداً، و«الليكود» 21 مقعداً، و«المعسكر الرسمي» 14 مقعداً، و«يوجد مستقبل» 12 مقعداً، و«الديمقراطيون» 9 مقاعد، و«شاس» 8 مقاعد، و«يهدوت هتوراة» 8 مقاعد، و«إسرائيل بيتنا» 7 مقاعد، و«عظمة يهودية» 7 مقاعد، و«الجبهة/العربية» 5 مقاعد، و«الموحدة» 5 مقاعد. وفي هذه الحالة يكون مجموع كتل الائتلاف 44 مقعداً مقابل 76 مقعداً للمعارضة، بينها 10 مقاعد للأحزاب العربية.

وتعتبر هذه النتائج مزعجة لنتنياهو؛ ولذلك فإنه يسعى بكل قوته ليبقي على ائتلافه الحكومي، حتى نهاية الدورة الانتخابية في أكتوبر (تشرين الأول) 2026. وهو يدرك أن بقاءه في الحكم خلال السنتين القادمتين، مرهون باستمرار الحرب؛ لأنه مع وقف الحرب ستتجدد ضده حملة الاحتجاج الجماهيرية بهدف إسقاط حكومته وتبكير موعد الانتخابات. وقد ثبت له أن الحرب هي التي تمنع الإسرائيليين من الخروج للمظاهرات ضده بمئات الألوف، كما فعلوا قبل الحرب، مع أن العديد من الخبراء ينصحونه بفكرة أخرى، ويقولون إن وقف الحرب باتفاقات جيدة يقوّي مكانته أكثر، ويمكن أن يرفع أسهمه أكثر. وفي هذا الأسبوع، يقدمون له دليلاً على ذلك بالتفاؤل باتفاق مع لبنان.