تحقيق استقصائي يكشف شبكة اتصالات إيرانية لترويج البرنامج النووي

«مبادرة خبراء إيران» برعاية حكومة روحاني أوصلت ثلاثة أشخاص إلى فريق روب مالي

أريان طباطبايي تجلس خلف روب مالي في أحد لقاءاته مع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي في صيف 2021 (الوكالة الدولية)
أريان طباطبايي تجلس خلف روب مالي في أحد لقاءاته مع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي في صيف 2021 (الوكالة الدولية)
TT

تحقيق استقصائي يكشف شبكة اتصالات إيرانية لترويج البرنامج النووي

أريان طباطبايي تجلس خلف روب مالي في أحد لقاءاته مع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي في صيف 2021 (الوكالة الدولية)
أريان طباطبايي تجلس خلف روب مالي في أحد لقاءاته مع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي في صيف 2021 (الوكالة الدولية)

نشر موقع «سيمافور» الإلكتروني، اليوم (الثلاثاء)، تحقيقا استقصائيا، كشف فيه معلومات «مثيرة»، تتعلق بالجهود «الهادئة» التي تبذلها إيران لتعزيز صورتها ومواقفها بشأن قضايا الأمن العالمي، وخصوصا برنامجها النووي.

وتحدث التحقيق بشكل خاص عن جهود طهران لبناء شبكة من الأكاديميين والباحثين المؤثرين من أصول إيرانية، من أبناء الجيل الثاني المهاجرين في الخارج، أطلق عليها اسم «مبادرة خبراء إيران»، برعاية مباشرة من وزارة الخارجية.

وذكر التحقيق مراسلات الحكومة الإيرانية ورسائل البريد الإلكتروني، وترجمتها بواسطة قناة «إيران إنترناشيونال»، الناطقة بالفارسية ومقرها في لندن، وتمت مشاركتها مع «سيمافور». وقدمت المؤسستان تقريرا مشتركا عن بعض جوانب عمل «مبادرة خبراء إيران»، وأنتجتا بشكل منفصل مواد خاصة عنها.

وبحسب التحقيق تم تأسيس تلك «المبادرة» في ربيع عام 2014، خلال ولاية الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، الذي أثنى في ذلك الوقت، مع عدد من المسؤولين الإيرانيين، على جهود «المبادرة» التي تمكنت، على الأقل، من إيصال 3 من الأشخاص المدرجين في قائمة وزارة الخارجية الإيرانية، كانوا، أو أصبحوا، من كبار المساعدين لروبرت مالي، المبعوث الخاص لإدارة بايدن بشأن إيران، الذي وُضع في إجازة في يونيو (حزيران) الماضي بعد تعليق تصريحه الأمني.

وتقدم الوثائق رؤى جديدة عميقة وغير مسبوقة حول تفكير وزارة الخارجية الإيرانية وأعمالها الداخلية في وقت حرج من الدبلوماسية النووية، وتظهر كيف كانت إيران قادرة على القيام بهذا النوع من عمليات التأثير.

وتكشف الاتصالات مدى وصول الوزارة الخارجية في إدارة الرئيس السابق حسن روحاني إلى دوائر السياسة في واشنطن وأوروبا، خاصة خلال السنوات الأخيرة لإدارة باراك أوباما، من خلال هذه الشبكة.

صورة نشرتها قناة «إيران إنترناشيونال» من مراسلة فريق ظريف و«خبراء مبادرة إيران» خلال المفاوضات النووية

كتاب ومحللون

المشاركون في «المبادرة» هم من الكتاب غزيري الإنتاج لمقالات افتتاحية وتحليلات، وقدموا رؤى على شاشات التلفزيون و«إكس» (تويتر سابقا)، وروجوا بانتظام للحاجة إلى تسوية مع طهران بشأن القضية النووية، وهو موقف يتماشى مع إدارتي أوباما وروحاني في ذلك الوقت.

وتصف رسائل البريد الإلكتروني المبادرة التي تم إطلاقها بعد انتخاب روحاني عام 2013، عندما كان يتطلع إلى إيجاد تسوية مع الغرب بشأن القضية النووية. ووفقا لرسائل البريد الإلكتروني، تواصلت وزارة الخارجية الإيرانية، من خلال مركزها البحثي الداخلي، معهد الدراسات السياسية والدولية، مع عشرة أعضاء «أساسيين» للمشروع، الذي خططت من خلاله للاتصال على مدى الأشهر الثمانية عشر المقبلة من أجل العمل بقوة على تنفيذ المشروع، لتعزيز مزايا الاتفاق النووي بين طهران وواشنطن، الذي تم توقيعه عام 2015.

ومع اكتساب المشروع زخما، كتب سعيد خطيب زاده، وهو دبلوماسي إيراني مقيم في برلين والمتحدث باسم وزارة الخارجية فيما بعد، رسالة إلى مصطفى زهراني، رئيس مركز أبحاث في الخارجية الإيرانية، في 5 مارس (آذار) 2014، قال فيها: «تتكون هذه المبادرة التي نطلق عليها اسم (مبادرة خبراء إيران) من مجموعة أساسية مكونة من 6 إلى 10 إيرانيين متميزين من الجيل الثاني الذين أقاموا انتماءات مع مراكز الفكر والمؤسسات الأكاديمية الدولية الرائدة، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة. وتنوعت اتصالاتهم بين اللغتين الإنجليزية والفارسية، وترجمتها (إيران إنترناشيونال) وتم التحقق منها بشكل مستقل بواسطة سيمافور».

وبعد أسبوع، كتب خطيب زاده مرة أخرى في 11 مارس، قائلا إنه حصل على دعم للمبادرة، من اثنين من الأكاديميين الشباب، أريان طباطبائي ودينا إسفندياري، بعد اجتماعه بهما في براغ. وقال: «لقد اتفقنا نحن الثلاثة على أن نكون المجموعة الأساسية للمبادرة».

وتعمل طباطبائي حاليا في البنتاغون، رئيس أركان مساعدا للعمليات الخاصة لوزير الدفاع، وهو المنصب الذي يتطلب الحصول على تصريح أمني من الحكومة الأميركية. وعملت سابقا دبلوماسية في فريق مالي للتفاوض مع إيران بعد تولي بايدن منصبه في عام 2021.

في حين أن إسفندياري، تعمل مستشارة كبيرة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة فكرية ترأسها مالي من 2018 إلى 2021.

وبينما لم تستجب طباطبائي وإسفندياري لطلبات التعليق على «المبادرة»، أكدت مجموعة الأزمات الدولية، مشاركة إسفندياري فيها، لكنها أشارت إلى أن «المبادرة» عبارة عن شبكة غير رسمية من الأكاديميين والباحثين لا تشرف عليها وزارة الخارجية الإيرانية، وأنها تلقت تمويلا من حكومة أوروبية وبعض المؤسسات الأوروبية.

وأكد مركز بحثي أوروبي، المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن أحد كبار زملائه، إيلي جيرانمايه، شارك أيضا في المبادرة. وقال متحدث باسم المجلس، إن حكومة أوروبية تدعم «مبادرة خبراء إيران»، لكنه لم يحدد هويته، وشدد على أن مركز الأبحاث يغطي دائما «التكاليف الأساسية» للرحلات البحثية لموظفيه. وقال المتحدث: «كجزء من جهوده لتوجيه السياسة الأوروبية، يتعاون المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية بانتظام مع الخبراء ومراكز الفكر في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك من خلال الزيارات البحثية وورشات العمل».

صورة نشرتها قناة «إيران إنترناشيونال» من مراسلة فريق ظريف و«خبراء مبادرة إيران» خلال المفاوضات النووية

«مبادرة خبراء إيران»

وكانت رسائل البريد الإلكتروني التي تناقش موضوع «مبادرة خبراء إيران»، جزءا من مجموعة من آلاف مراسلات زهراني التي تقول قناة «إيران إنترناشيونال» إنها حصلت عليها. وتشمل نسخا من جوازات السفر، والسيرة الذاتية، والدعوات إلى المؤتمرات، وتذاكر الطيران، وطلبات التأشيرة.

ووفقا لاتصالات وزارة الخارجية الإيرانية، فقد تسارع مشروع «المبادرة»، بعد هذا التواصل الأولي. وفي 14 مايو (أيار) 2014، عُقد مؤتمر انطلاق في فندق «باليه كوبورغ» في فيينا؛ حيث تعقد المحادثات النووية الدولية. وتم إدراج وزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف، ضمن قائمة الحاضرين، وفقا لرسالة بالبريد الإلكتروني، بالإضافة إلى أعضاء فريقه المفاوض النووي وثمانية ممثلين من مؤسسات الفكر والرأي الغربية. وكان دبلوماسيون إيرانيون على مستوى منخفض قد اقترحوا في البداية عقد الاجتماع في طهران، لكن نائب ظريف نصح بعدم القيام بذلك لأسباب لوجيستية.

وكان ظريف يركز خلال المناقشات في فيينا على ترقية أو إنشاء شخصية عامة يمكنها الترويج لوجهات نظر إيران على الساحة الدولية فيما يتعلق بالقضية النووية، وفقا لرسائل البريد الإلكتروني.

وذكر على وجه التحديد اسم عدنان طباطبائي، عضو «مبادرة خبراء إيران» (لا تربطه صلة بأريان طباطبائي)، وهو أكاديمي إيراني يحمل الجنسية الألمانية. وبحسب رسائل البريد الإلكتروني، عرض طباطبائي على ظريف، القيام بنشر مقالات من المجموعة تتعلق بالمحادثات النووية. وقبل ظريف الاقتراح وأوصى بنشر «هذه المقالات أو المقالات الافتتاحية» بأسماء مختلف الإيرانيين وغير الإيرانيين في الخارج، فضلا عن المسؤولين السابقين.

ورفض عدنان طباطبائي التعليق على تقارير «إيران إنترناشيونال» و«سيمافور» قائلا إنها «مبنية على أكاذيب وافتراضات خاطئة في الواقع». كما شكك في صحة المراسلات مع ظريف من دون تقديم دلائل تدحض ذلك.

وسرعان ما مضت «المبادرة» قدما في تحقيق أحد الأهداف الأساسية للمبادرة، ألا وهو نشر مقالات الرأي والتحليلات في وسائل الإعلام رفيعة المستوى في الولايات المتحدة وأوروبا، واستهداف صناع السياسات على وجه التحديد. بعد أقل من شهر من اجتماع فيينا، أرسل علي فايز (واعظ) من «مجموعة الأزمات الدولية»، وهو أحد تلاميذ روبرت مالي، المدرج ضمن «خبراء المبادرة»، مقالا حول نزع فتيل الأزمة النووية إلى زهراني قبل نشره. وكتب باللغة الفارسية في 4 يونيو (حزيران) 2014: «إنني أتطلع إلى تعليقاتكم وملاحظاتكم»، وأرفق مقالاً بعنوان «المخاطر المفاهيمية للدبلوماسية النووية مع إيران».

وتظهر رسائل البريد الإلكتروني أن زهراني شارك المقال مع وزير الخارجية ظريف يوم وصوله. ثم تم نشره بعد 12 يوما في مجلة «ناشيونال إنترست»، تحت عنوان «معضلات زائفة في محادثات إيران»، مع بعض التغييرات الطفيفة في الصياغة.

صورة نشرتها قناة «إيران إنترناشيونال» من مراسلة فريق ظريف و«خبراء مبادرة إيران» خلال المفاوضات النووية

ووفقا لرسائل البريد الإلكتروني، زارت أريان طباطبائي، المسؤولة الحالية في البنتاغون، وزارة الخارجية الإيرانية مرتين على الأقل قبل حضور الأحداث السياسية.

وكتبت إلى زهراني باللغة الفارسية في 27 يونيو (حزيران) 2014، تقول إنها دُعيت لحضور ورشة عمل حول البرنامج النووي الإيراني في جامعة بن غوريون في إسرائيل. وقالت له: «أنا لست مهتمة بالذهاب، ولكن بعد ذلك فكرت أنه ربما يكون من الأفضل أن أذهب وأتحدث، بدلا من إسرائيلية مثل إميلي لانداو التي تذهب وتنشر معلومات مضللة. أود أن أسأل عن رأيك أيضا وأرى ما إذا كنت تعتقد أنني يجب أن أقبل الدعوة وأذهب».

وأجاب زهراني في اليوم نفسه: «مع أخذ كل الأمور بعين الاعتبار، من الأفضل تجنب زيارة إسرائيل. شكرا». وبعد ساعات قليلة أجابت طباطبائي: «شكرا جزيلا لك على نصيحتك. وسأبقيكم على اطلاع دائم بالتقدم المحرز».

ولا يوجد أي دليل على أن طباطبائي ذهبت إلى المؤتمر في إسرائيل، على الرغم من أن كتبها وتقاريرها البحثية تشير إلى أنها أجرت مقابلات مع عدد من كبار المسؤولين الإسرائيليين حسبما أورد موقع «سيمافور».

وقالت أريان طباطبائي للزهراني إنه من المقرر أن تدلي بشهادتها أمام الكونغرس الأميركي بشأن الاتفاق النووي. وفي 10 يوليو (تموز) 2014، كتبت أنه طُلب منها المثول أمام لجان متعددة في الكونغرس إلى جانب اثنين من الأكاديميين في جامعة هارفارد، غاري سامور وويليام توبي، اللذين عدتهما متشددين بشأن إيران. «سوف أزعجك في الأيام المقبلة». وكتبت: «سيكون الأمر صعبا بعض الشيء نظرا لأن ويل وغاري ليست لديهما وجهات نظر إيجابية بشأن إيران».

وشاركت طباطبائي مع زهراني رابطا لمقالة نشرتها في صحيفة «بوسطن غلوب» التي أوجزت «الأساطير الخمسة حول برنامج إيران النووي». وأوضح المقال سبب حاجة إيران إلى الطاقة النووية، وسلط الضوء على فتوى، يُزعم أن المرشد الإيراني علي خامنئي أصدرها بحظر تطوير الأسلحة النووية بعدّها مخالفة للإسلام. وشكك بعض المسؤولين الغربيين في شرعية الفتوى.

وفي حين تعد تغطية أخبار إيران، سواء أكاديميا أو صحافيا، حقل ألغام، يخضع الوصول إلى كل من الدولة والمسؤولين الإيرانيين لرقابة مشددة. وحتى الفرص تأتي مع محاذير خطيرة. وفيما تدفع طهران بقوة بعملياتها المعلوماتية إلى الخارج، لكنها في بعض الأحيان تحقق نجاحا، وتفشل في أخرى، كما حصل بعد القبض على الأكاديمي الإيراني كاوه أفرآسيابى، المقيم بشكل دائم في الولايات المتحدة عام 2021، بزعم أنه يعمل عميلا غير مسجل للنظام الإيراني. وسُمح له بالعودة إلى طهران كجزء من اتفاق تبادل الأسرى الذي تم التوصل إليه هذا الشهر بين إدارة بايدن وإيران، على الرغم من أن أفرآسيابي قال إنه يعتزم البقاء في الولايات المتحدة.


مقالات ذات صلة

نائب إيراني ينفي إصابة قاآني وسط صمت «الحرس الثوري»

شؤون إقليمية قاآني في المكتب التمثيلي لـ«حزب الله» مع مبعوث الحزب عبد الله صفي الدين في طهران (التلفزيون الرسمي)

نائب إيراني ينفي إصابة قاآني وسط صمت «الحرس الثوري»

قال نائب إيراني إن مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري» إسماعيل قاآني «بصحة جيدة»، في وقت غاب القيادي من أحدث لقاءات المرشد علي خامنئي مع القادة العسكريين.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
تحليل إخباري رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مشاورات مع رؤساء جهاز الأمن في تل أبيب الأسبوع الماضي (الحكومة الإسرائيلية)

تحليل إخباري تداعيات الضربات الإيرانية: كيف تغيرت مواقف تل أبيب حول الرد؟

تسعى القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية إلى استغلال التلبك الظاهر في تصرفات القيادة الإيرانية وما تبقى من قيادات لـ«حزب الله».

نظير مجلي (تل أبيب)
شؤون إقليمية القبة الحديدية الإسرائيلية تتصدى للصواريخ الإيرانية (إ.ب.أ)

إيران تستدعي سفير أستراليا على خلفية موقف بلاده «المنحاز»

ذكرت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء، اليوم الأحد، أن وزارة الخارجية الإيرانية استدعت السفير الأسترالي في طهران بشأن ما وصفته بموقف بلاده «المنحاز».

«الشرق الأوسط» (دبي)
شؤون إقليمية خامنئي يمنح قائد الوحدة الصاروخية في «الحرس» أمير علي حاجي زاده وسام «فتح الذهبي» على خلفية الهجوم الصاروخي (موقع المرشد)

إيران: خطة الرد «القاسي» على الإجراءات المحتملة لإسرائيل جاهزة

قال مسؤول عسكري إيراني إن بلاده أعدت خطة للرد على هجوم محتمل لإسرائيل، في وقت منح المرشد الإيراني علي خامنئي، قائد الوحدة الصاروخية في «الحرس»، وساماً رفيعاً.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية قاآني في المكتب التمثيلي لـ«حزب الله» مع مبعوث الحزب عبد الله صفي الدين بطهران الأحد الماضي (التلفزيون الرسمي)

«الحرس الثوري» يلتزم الصمت بشأن مصير قاآني

التزمت طهران الصمت إزاء تقارير تفيد بإصابة قائد «فيلق القدس» إسماعيل قاآني، وذلك وسط تأهب إيراني لرد إسرائيلي محتمل على هجوم صاروخي باليستي شنه «الحرس الثوري».

«الشرق الأوسط» (لندن-طهران)

ماذا وراء الخلاف الحاد بين نتنياهو وماكرون؟

نتنياهو يصافح ماكرون في القدس أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)
نتنياهو يصافح ماكرون في القدس أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)
TT

ماذا وراء الخلاف الحاد بين نتنياهو وماكرون؟

نتنياهو يصافح ماكرون في القدس أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)
نتنياهو يصافح ماكرون في القدس أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن رئيس الوزراء تحدث هاتفياً مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم (الأحد)، وأبلغه بأن فرض حظر على تصدير السلاح لإسرائيل سيخدم إيران والمتحالفين معها.

وأضاف المكتب، في بيان نقلته وكالة «رويترز» للأنباء، «أكد رئيس الوزراء أن تصرفات إسرائيل في مواجهة حزب الله تخلق فرصة لتغيير الواقع في لبنان وصولاً إلى تعزيز الاستقرار والأمن والسلام في المنطقة بأكملها». وأشار نتنياهو إلى أن «إسرائيل تتوقع دعم فرنسا وليس فرض قيود عليها».

بدوره، أكد ماكرون أن «التزام فرنسا بأمن إسرائيل لا يتزعزع»، لكنه شدد أيضاً على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، حسبما أعلن قصر الإليزيه.

وقالت الرئاسة الفرنسية «عشية الذكرى السنوية الأولى لهجوم (حركة) حماس الإرهابي على إسرائيل، أعرب (ماكرون) عن تضامن الشعب الفرنسي مع الشعب الإسرائيلي». كما أعرب الرئيس الفرنسي عن «اقتناعه بأن وقت وقف إطلاق النار حان».

«حرب التصريحات»

واشتعلت «حرب تصريحات» بين ماكرون ونتنياهو وخلفه المنظمات اليهودية في فرنسا، وعلى رأسها المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا.

نقطة البداية تمثلت في جملة جاءت على لسان ماكرون، في حديث إذاعي بث (السبت)، لإذاعة «فرانس إنتر» وسُجل بداية أكتوبر (تشرين الأول)، وجاء في حرفية ما قاله: «أعتقد أن الأولوية اليوم هي العودة إلى حل سياسي، والتوقف عن تقديم الأسلحة المستخدمة في الحرب على غزة».

كما أن ماكرون وجه سهامه إلى نتنياهو الذي «لم يستمع إلينا (في موضوع وقف إطلاق النار)، وهذا خطأ، بما في ذلك بالنسبة لأمن إسرائيل غداً»، مؤكداً أنه سيواصل اتباع السياسة نفسها التي يتبعها بشأن الوضع في قطاع غزة «منذ عام».

ماكرون تطرق كذلك إلى الحرب الإسرائيلية على لبنان، مُنبهاً من أنه «لا يجب أن يتحول لبنان إلى غزة أخرى»، داعياً إلى «عدم التضحية بالشعب اللبناني».

وطالب ماكرون بوقف العمليات العسكرية و«بعودة الجيش اللبناني إلى الحدود»، إضافة إلى حصول الانتخابات الرئاسية لوضع حد للفراغ الرئاسي. وحرص الرئيس الفرنسي على تأكيد أن بلاده لا تقدم السلاح لإسرائيل.

ورغم أن باريس ليست مزوداً رئيسياً بالسلاح لإسرائيل؛ فإنها شحنت إليها معدات عسكرية العام الماضي بقيمة 30 مليون يورو، وفقاً للتقرير السنوي لصادرات الأسلحة الصادر عن وزارة الدفاع.

رسالة ضمنية لبايدن

ومجدداً، طُرحت هذه المسألة مساء السبت في المؤتمر الصحافي، الذي جاء في اختتام أعمال القمة الفرنكوفونية التي استضافتها فرنسا يومي الجمعة والسبت، والتي انتهت ببيان ختامي وآخر للتعبير عن التضامن مع لبنان.

وتوافرت الفرصة لماكرون لتصحيح ما قاله للإذاعة الفرنسية، وذلك بتأكيده أن الأسلحة التي تقدمها فرنسا لإسرائيل «لا تستخدم إطلاقاً» في الحرب على غزة، لا مباشرة، ولا بطريقة ملتوية.

بيد أن الأهم جاء في شرح دعوته لوقف تصدير السلاح لإسرائيل، إذ اعتبر أنه من الضروري التحلي بـ«الانسجام» في المواقف، وبالتالي «لا يمكن أن نطلب وقفاً لإطلاق النار في غزة وفي الأسبوع الأخير في لبنان، مع الاستمرار في توفير الأسلحة الحربية»؛ في الإشارة إلى إسرائيل، ولكن دون أن يسميها.

وكان واضحاً أن ماكرون يوجه خصوصاً رسالة ضمنية للولايات المتحدة الأميركية، وللرئيس بايدن شخصياً.

واستطرد ماكرون: «نعم، الدعوة لوقف النار تفترض الانسجام الذي يعني الامتناع عن توفير الأسلحة الحربية، وأعتقد أن من يدعو معنا كل يوم لوقف النار لا يمكنه الاستمرار في توفير الأسلحة».

وبالنسبة للرئيس الفرنسي، فإن وقف النار الذي وصفه بـ«الأولوية» من شأنه توفير «إيصال المساعدات الإنسانية، والعمل من أجل حل سياسي يفضي إلى (قيام دولتين)، وهو الوحيد الذي يضمن الأمن والسلام للجميع».

فلسطينيون فوق أنقاض مبانٍ دمرها القصف الإسرائيلي على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

كان ماكرون يتوقع أن تثير تصريحاته حفيظة إسرائيل. لذا، حرص على إعادة التأكيد بأن باريس «تطالب بالإفراج عن الرهائن، وأنها تقف إلى جانب إسرائيل في المحافظة على أمنها»، وأن «لا غموض» في هذا الموقف.

وكشف ماكرون أن نتنياهو اتصل به قبل الهجمات الصاروخية الأخيرة على إسرائيل من أجل أن «تشارك فرنسا» في الدفاع «عن أمن إسرائيل»، وأن فرنسا «استجابت لهذا الطلب».

كذلك، أكد ماكرون مجدداً أن الدعوة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» لمدة 21 يوماً، التي أطلقتها الولايات المتحدة وفرنسا، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، تمت بالتوافق مع لبنان وإسرائيل، وأن نتنياهو «فضل مساراً آخر وهو يتحمل مسؤولية العمليات (العسكرية) الأرضية في لبنان».

الإحباط اللبناني

كان لبنان حاضراً بقوة في القمة الفرنكوفونية التي صدر عنها «إعلان تضامن مع لبنان» من ثماني فقرات، جاء فيها التعبير عن «القلق الكبير»، والتخوف من تصاعد العنف، والخسائر الكبيرة بالأرواح، وتضامن «العائلة الفرنكوفونية» مع لبنان، الذي يتعين أن «ينعم مجدداً بالأمن والسلام». كذلك دعا بيان القمة إلى «وضع حد لانتهاك سيادة لبنان وسلامة أراضيه»، والدعوة إلى «وقف فوري ودائم لإطلاق النار».

بيد أن المؤسف فيما صدر هو «تجهيل الفاعل»؛ بمعنى أن اسم إسرائيل لم يصدر مرة واحدة، بحيث بقيت الاعتداءات على السيادة اللبنانية مجهولة الفاعل، وكذلك الجهة المسؤولة عن مقتل وتهجير آلاف اللبنانيين.

دمار تسببت به الضربات الإسرائيلية الجوية الأحد في منطقة صفير في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

وعبّر وزير الإعلام اللبناني، زياد مكاري، عن «إحباطه» لكون اسم إسرائيل لم يرد في أي مكان. وعلم من داخل القمة أن مجموعة من الدول وعلى رأسها رومانيا وكندا، بالإضافة إلى مجموعة من الدول الأفريقية، رفضت الإشارة إلى إسرائيل بالاسم؛ ما يبين إلى حد بعيد تسييس «الفرنكوفونية».

ورداً على ذلك، قال ماكرون إنه «لا يتعين التقليل من أهمية» الإعلان الذي يعكس التضامن مع لبنان، منوهاً بالمهمة التي يقوم بها وزير خارجيته، جان نويل بارو، في المنطقة، الذي سيعود مجدداً إلى لبنان بعد أن زاره بداية الأسبوع الماضي.

وبحسب الرئيس الفرنسي، فإن الأيام القادمة «ستكون حاسمة بالنسبة للحصول على وقف لإطلاق النار ومواصلة العمليات الإنسانية». ودعا إلى «عدم التشكيك» بانخراط فرنسا إلى جانب لبنان.

هجوم نتنياهو

وما كانت دعوة ماكرون لوقف إمداد إسرائيل بالأسلحة لتمر من غير رد من نتنياهو، الذي سارع إلى شن هجوم عنيف على ماكرون. وقال نتنياهو: «بينما تحارب إسرائيل القوى الهمجية التي تقودها إيران، يتعين على جميع الدول المتحضرة أن تقف بحزم إلى جانب إسرائيل. إلا أن الرئيس ماكرون وغيره من القادة الغربيين يدعون الآن إلى حظر الأسلحة على إسرائيل؛ إذ عليهم أن يشعروا بالعار».

ورأى نتنياهو أن إسرائيل ستنتصر حتى من دون دعمهم «لكن عارهم سيستمر لوقت طويل بعد الانتصار في الحرب». مضيفاً: «هل تفرض إيران حظر أسلحة على (حزب الله)، وعلى الحوثيين، وعلى (حماس)، وعلى وكلائها الآخرين؟ طبعاً لا».

وخلص إلى القول إن «محور الإرهاب هذا يقف صفاً واحداً، لكن الدول التي يفترض أنها تعارضه تدعو إلى الكف عن تزويد إسرائيل بالسلاح. يا له من عار».

وطالب نتنياهو «جميع الدول المتحضرة بأن تقف بصلابة إلى جانب إسرائيل».

الإليزيه يتدخل

ولأن أزمة حادة لاحت في الأفق، فقد سارع قصر الإليزيه إلى «توضيح»، جاء فيه أن فرنسا «صديقة لإسرائيل لا تتزعزع». وأبدى القصر الرئاسي أسفه لما صدر عن نتنياهو، معتبراً أنه «مُغال» في رد فعله.

لم يتوقف رد الفعل على نتنياهو وحده، بل انضم إليه المجلس التنفيذي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، المعروف بدعمه المطلق لإسرائيل.

وأعرب المجلس عن «أسفه العميق» لتصريحات الرئيس الفرنسي، معتبراً أن «الدعوة لحرمان إسرائيل من السلاح لا تدفع باتجاه السلام، لكنها تخدم (حزب الله) و(حماس)».

وزاد البيان أن دعوة كهذه تأتي قبل 7 أكتوبر مباشرة «تدمي كل الذين يتمسكون بمحاربة الإرهاب، وتشجع حزب فرنسا الأبية (اليساري الفرنسي المتشدد) في تطرفه، وفي استراتيجيته الدافعة إلى تعميم الفوضى في النقاش العام».

كذلك صدرت تصريحات مماثلة عن شخصيات يهودية وغير يهودية داعمة لإسرائيل.

مسيرة مناهضة لمعاداة السامية في باريس نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)

الانتقادات غير مقبولة

وليست هذه المرة الأولى التي تتوتر فيها علاقات ماكرون بنتنياهو. ومهما فعل الأول للإعراب عن تمسكه بأمن إسرائيل والدفاع عنها، كما فعلت القوات الفرنسية مؤخراً بطلب من رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، عندما ساهمت في إسقاط الصواريخ الإيرانية المتجهة إلى إسرائيل؛ فإن كل ذلك لا يبدو كافياً بنظر نتنياهو.

فالأخير لا يجيز أي انتقاد له وسبق أن ندد، في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي بقرار رئيس الوزراء البريطاني كير ستامر حظر تصدير أنواع معينة من الأسلحة إلى تل أبيب.

كذلك فعل نتنياهو مع جوستان ترودو رئيس الوزراء الكندي، ومع الرئيس الأميركي بايدن، عندما أمر بتأخير تسليم إسرائيل نوعاً من القنابل؛ مخافة استخدامها في غزة.

وكانت النتيجة أن هذه القنابل الثقيلة «بوزن 2000 رطل» أعيد تسليمها، كما أغدقت واشنطن على إسرائيل بمساعدة عسكرية من 20 مليار دولار، وسلمتها مؤخراً مساعدة من 8 مليارات دولار.

من هنا، فإن فرنسا إن حظرت أسلحتها أو لم تحظرها، فإن تأثيرها يبقى محدوداً، إن عسكرياً أو لجهة الضغوط التي يمكن أن تمارسها على إسرائيل، سواء أكان بالنسبة للبنان أو غزة والضفة الغربية.