الحكومة الإسرائيلية في صدام مباشر مع قيادة الجيش

نتنياهو يهدد باستخدام ماكينة فحص الكذب لمعرفة مسرِّب لقائه بالجنرالات

نتنياهو وإلى يساره وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هليفي (وزارة الدفاع)
نتنياهو وإلى يساره وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هليفي (وزارة الدفاع)
TT

الحكومة الإسرائيلية في صدام مباشر مع قيادة الجيش

نتنياهو وإلى يساره وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هليفي (وزارة الدفاع)
نتنياهو وإلى يساره وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هليفي (وزارة الدفاع)

هدد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الاثنين، باستخدام ماكينة كشف الكذب (بوليغراف) مع الجنرالات والوزراء الذين حضروا الاجتماع الطارئ، الاثنين، لمعرفة من الذي سرَّب لوسائل الإعلام الإسرائيلية ما دار في اجتماع بين القيادتين السياسية والعسكرية، مساء الأحد؛ خصوصاً عن الصراخ وتراشق الاتهامات، بسبب إصرار الحكومة الإسرائيلية على خطتها الانقلابية، ورفض الجيش وأجهزة الأمن والقضاء والدولة العميقة برمتها هذه الخطة.

وقالت هذه المصادر إن نتنياهو الذي عقد الاجتماع المذكور، بطلب من رئيس أركان الجيش هيرتسي هليفي، وكان يفترض أن يصغي له ولغيره من قادة الأجهزة الأمنية، وهم يحذرون من هزة داخل المؤسسة العسكرية، بسبب خطته الانقلابية على منظومة الحكم وإضعاف القضاء، صدم الحاضرين بأقواله.

وبدلاً من أن يستمع إلى شكاواهم ويفهم ضائقتهم، ويتعرف على الصورة الحقيقية للوضع داخل الجيش، ليتفاهم معهم على جلب حلول للمعضلات، راح يلقي المواعظ، ويوجه التعليمات بضرورة التغلب على رافضي التطوع في الخدمة الاحتياطية.

وزير الدفاع غالانت مع قائد سلاح الجو الجنرال بار (وزارة الدفاع)

ونقلت القناة الرسمية للتلفزيون «كان 11» عن مسؤولين في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، أن نتنياهو قرر عقد الاجتماع الأمني الطارئ في مقر وزارة الأمن في تل أبيب، على خلفية التصريح الذي أدلى به قائد سلاح الجو، تومير بار، وقال فيه إن مشكلة كفاءة الجيش الإسرائيلية آخذة في التفاقم.

وخلال الاجتماع، استعرضت القيادات العسكرية أمام نتنياهو، حجم ظاهرة الامتناع عن التطوع في قوات الاحتياط، والتقديرات حول احتمالات اتساع الظاهرة في الأسابيع المقبلة لتتجاوز سلاح الجو، وتطول القوات البرية ومقر عمليات البحرية.

وخلال الاجتماع مع نتنياهو، حذر قادة الجيش الإسرائيلي من أن الضرر الذي لحق بكفاءة الجيش سيتصاعد في غضون أسبوعين. وطرح قادة الأجهزة الأمنية 3 تطورات من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الضرر الذي لحق بكفاءة الجيش الإسرائيلي، في مقدمتها تشكل أزمة دستورية (عدم امتثال الحكومة أو «الكنيست» لقرارات المحكمة العليا)؛ إذ عبّر قادة أجهزة الأمن عن مخاوفهم من تعرضهم للملاحقة عبر لجنة تحقيق قد تشكل لاحقاً بشأن تراجع كفاءة الجيش الإسرائيلي، من جراء إحجام ضباط في قوات الاحتياط عن التطوع في الوحدات العسكرية المختلفة، احتجاجاً على خطة إضعاف القضاء.

لافتة تصور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وبعض وزرائه في احتجاجات تل أبيب السبت الماضي (رويترز)

وحسب القادة العسكريين، فإن الإضرار بـ«الشرعية الدولية» للجيش الإسرائيلي، قد يقود كذلك إلى تراجع كفاءة الجيش، ويفاقم من الأزمة. والتطور الثالث الذي حذّرت منه القيادات العسكرية ومن تداعياته على كفاءة وجهوزية الجيش، هو سن قانون يعفي غالبية الشباب المتدين (الحريديين) من الخدمة العسكرية، ما قد يضع نتنياهو على أعتاب أزمة سياسية محتملة، قد تتشكل مع شركائه في الائتلاف.

واعتبرت القيادات العسكرية أن هذه التطورات قد تؤدي إلى تصاعد الاحتجاجات في صفوف الجيش، الأمر الذي قد ينعكس على تضرر جهوزيته واستعداده لخوض حرب. وشددت القيادات العسكرية -خلال الاجتماع مع نتنياهو- على أن «وقف التدهور بيدك، وهذا أمر حاسم لأمن الدولة».

من جانبه، أبدى نتنياهو غضباً من هذه المواقف. ومع أنه قال إنه «يبذل قصارى جهده للتوصل إلى اتفاق بشأن الإصلاح القضائي»، راح يؤنب قيادة الأجهزة الأمنية، ويلمح بأن ما يفعلونه معه هو أشبه بتمرد عسكري.

وقال نتنياهو لرئيس الأركان: «يبدو الأمر كأن جيشاً له دولة، وليس دولة لديها جيش». وحاول نتنياهو التشديد على أنه «في الدول الديمقراطية، رئيس الحكومة الذي حصل على التفويض من الشعب، هو من يقرر، لا الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة». وانتقد قيام جنرالات بلقاء صحافيين وإحاطتهم بمعلومات عن الحالة في الجيش، وتهديد كل من قادة الجيش والمخابرات بأنهم يعتزمون التحدث إلى الجمهور مباشرة، وأن يستعرضوا بأنفسهم صورة الوضع أمام الجمهور. ووصف ذلك بأنه «تصرف يلحق ضرراً بقوة الردع الإسرائيلية أمام الأعداء».

رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هليفي (الناطق بلسان الجيش)

وأجاب رئيس الأركان بالقول، إنه «من واجبنا التحذير عندما تكون الكفاءة في خطر». وقال لنتنياهو: «لا يمكنني الوقوف على الحياد عندما تتضرر الكفاءات»؛ مضيفاً: «تصريحات مسؤولين في ائتلافك ضد ضباط وجنود الجيش الإسرائيلي، تلحق ضرراً هائلاً. وسيكون من الصعب علينا إصلاح هذا الضرر في المستقبل. ويجب وقف هذه التصريحات وما يقف وراءها من أهداف سياسية».

وعلا الصراخ والتوتر الشديد في هذه الجلسة خلال النقاش، وتبادل الطرفان الاتهامات، وتراشقا بكلمات حادة.

وقد وصف مسؤولون أمنيون شاركوا في الاجتماع مضمونه، بأنه «محبط»؛ إذ على الرغم من المعطيات التي قُدمت لنتنياهو بخصوص ضعف كفاءة تشكيلات في الجيش الإسرائيلي: «كان لدى الحاضرين انطباع بأنه لم يغير موقفه، مع أن تحركاً جذرياً فقط هو الذي يمكن أن يوقف تراجع الكفاءة».

ثم اجتمع نتنياهو حال انتهاء لقائه هذا مع المقربين منه: وزير القضاء ياريف ليفين الذي يقود عملية الانقلاب القانوني ويصر عليها، ورئيس حزب «شاس» لليهود الشرقيين المتدينين، أرييه درعي. كما تحدث مع رئيس حزبي «يهدوت هتوراة» لليهود الأشكناز المتدينين، ورئيس حزب «أغودات يسرائيل»، يتسحاق غولدكنوبف، ورئيس حزب «ديغل هتوراة» موشيه غفني.

وعلى أثر هذه الأحداث، خرج عدد من نشطاء اليمين الكبار بحملة ضد قادة الجيش؛ بلغت حد اتهامهم بتنفيذ شكل من أشكال الانقلاب العسكري. وقال موقع المستوطنين «مكور ريشون»، إن «جنرالات سلاح الجو يتصرفون كأولاد مدللين، ورئيس أركان الجيش لا يعالج غرورهم». وكتب نجل نتنياهو، يائير، في منشور على الشبكات الاجتماعية، إن «رئيس الأركان الحالي سيُذكر في التاريخ على أنه الأكثر فشلاً وتدميراً للدولة».

وتشير هذه المعلومات عن الصدام المباشر بين الحكومة والعسكر، إلى شدة الأزمة التي تنتاب إسرائيل، والبعد عن أمل التوافق بشأنها بين الفرقاء، وهو الأمر الذي ينذر بمزيد من التصادم.


مقالات ذات صلة

حكومة نتنياهو تعدُّ 38 قانوناً جديداً لإضعاف القضاء

المشرق العربي بنيامين نتنياهو خلال كلمة في «الكنيست» يوم الاثنين (إ.ب.أ)

حكومة نتنياهو تعدُّ 38 قانوناً جديداً لإضعاف القضاء

عادت حكومة اليمين الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو إلى خطتها لإضعاف منظومة الحكم والقضاء، وبدأت التشريع لقوانين جديدة تؤدي إلى هذه الغاية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية متظاهر إسرائيلي خلال احتجاج ضد بنيامين نتنياهو في تل أبيب 5 نوفمبر الماضي (أ.ب)

اتهام 3 إسرائيليين هاجموا منزل نتنياهو بـ«الإعداد لانقلاب عسكري»

وجَّه وزير القضاء الإسرائيلي ياريف ليفين، تهمة «الإعداد لانقلاب عسكري» إلى 3 موقوفين إسرائيليين أطلقوا قنبلتين ضوئيتين على منزل لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

نظير مجلي (تل ابيب)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل مؤتمر صحافي بالقدس في سبتمبر الماضي (أ.ب)

بينها «عزل مؤقت»... ما مسارات قضية «فساد» نتنياهو؟

بعد يوم من رفض القضاء الإسرائيلي لطلب بنيامين نتنياهو تأجيل شهادته باتهامه بـ«الفساد» لوّحت النيابة بأنها تقترب من المطالبة بإخراجه لـ«عزل قسري مؤقت» من مهامه.

نظير مجلي (تل ابيب)
شؤون إقليمية متظاهر يحمل علماً في نفق بالقرب من مظاهرة ضد الإصلاح القضائي للحكومة الإسرائيلية (أرشيفية - رويترز)

ما قصة «الجبهة الثامنة» التي يحارب فيها نتنياهو؟

في الوقت الذي يسعى فيه بنيامين نتنياهو إلى إخافة الإسرائيليين بالقتال مع إيران على «7 جبهات»، تزداد القناعة بين مواطنيه بأنه ثمة «جبهة ثامنة» يحارب فيها.

نظير مجلي (تل أبيب)
شؤون إقليمية الوثائقي «ملفات بيبي» في مهرجان تورونتو يثير غضب نتنياهو

الوثائقي «ملفات بيبي» في مهرجان تورونتو يثير غضب نتنياهو

يتناول الفيلم تأثير فساد نتنياهو على قراراته السياسية والاستراتيجية، بما في ذلك من تخريب عملية السلام، والمساس بحقوق الإنسان للشعب الفلسطيني.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

إيران وأوروبا تجتمعان لمحادثات نووية في جنيف الجمعة

صورة نشرتها «الخارجية» الإيرانية من لقاء الوزير عباس عراقجي وعلى يمينه المتحدث إسماعيل بقائي مع رؤساء التحرير (وسائل إعلام مساء الأحد)
صورة نشرتها «الخارجية» الإيرانية من لقاء الوزير عباس عراقجي وعلى يمينه المتحدث إسماعيل بقائي مع رؤساء التحرير (وسائل إعلام مساء الأحد)
TT

إيران وأوروبا تجتمعان لمحادثات نووية في جنيف الجمعة

صورة نشرتها «الخارجية» الإيرانية من لقاء الوزير عباس عراقجي وعلى يمينه المتحدث إسماعيل بقائي مع رؤساء التحرير (وسائل إعلام مساء الأحد)
صورة نشرتها «الخارجية» الإيرانية من لقاء الوزير عباس عراقجي وعلى يمينه المتحدث إسماعيل بقائي مع رؤساء التحرير (وسائل إعلام مساء الأحد)

ذكرت وكالة «كيودو» اليابانية للأنباء اليوم (الأحد)، نقلاً عن عدة مصادر دبلوماسية إيرانية، أن إيران تعتزم إجراء محادثات نووية مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي يوم الجمعة المقبل 29 نوفمبر (تشرين الثاني) في جنيف.

وقالت «كيودو» إن من المتوقع أن تسعى الحكومة الإيرانية بقيادة الرئيس مسعود بزشكيان، إلى التوصل إلى حل للأزمة النووية مع بريطانيا وألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي قبل تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، حسبما أوردت «رويترز».

يأتي ذلك بعد أيام من تبني مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قراراً يأمر طهران مجدداً بتحسين التعاون مع الوكالة التابعة للأمم المتحدة على وجه السرعة.

وطلب القرار من مدير الوكالة الدولية إصدار «تقييم شامل ومحدث بشأن احتمال وجود أو استخدام مواد نووية غير معلنة فيما يخص قضايا عالقة ماضية وحالية تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني».

ورفضت بريطانيا وفرنسا وألمانيا، والولايات المتحدة التي اقترحت القرار، تحرك إيران في اللحظة الأخيرة لوضع سقف لمخزونها من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء 60 في المائة، القريب من درجة صنع الأسلحة، ووصفته بأنه غير كافٍ وغير صادق.

ورداً على القرار، أعلنت طهران عن تشغيل أجهزة طرد مركزي متقدمة، من مختلف الطرازات في منشآت تخصيب اليورانيوم، فوردو ونطنز.

وقال رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف اليوم (الأحد)، إن طهران باشرت تشغيل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة.

ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن قاليباف قوله في مستهل الجلسات الأسبوعية للبرلمان، إن «النهج السياسي غير الواقعي والمدمر الذي تتبناه الدول الأوروبية الثلاث والولايات المتحدة، أدى إلى إصدار قرار غير مبرر وغير توافقي بشأن البرنامج النووي السلمي لإيران في مجلس المحافظين».

وحصل القرار على تأييد 19 دولة من أصل 35 عضواً في مجلس المحافظين. وامتنعت 12 دولة عن التصويت، وصوتت 3 دول ضد القرار.

وأضاف قاليباف: «لقد استخدمت الدول الأوروبية الثلاث والولايات المتحدة الأنشطة النووية لبلدنا ذريعة لإجراءات غير مشروعة، مما عرض مصداقية واستقلالية الوكالة للخطر من خلال نقض العهود وانعدام الصدق، وجعلوا الأجواء البناءة التي تم إنشاؤها لتعزيز التفاعل بين إيران والوكالة مشوشة»، وفقاً لوكالة «إيسنا» الحكومية.

ومع فوز ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، أرسل المسؤولون الإيرانيون إشارات متناقضة بشأن رغبة طهران في التواصل مع الإدارة الأميركية، فضلاً عن تحسين العلاقات مع الدول الأوروبية، في محاولة لردع مساعي إدارة ترمب في إحياء الضغوط القصوى.

وقال وزير الخارجية عباس عراقجي، بداية الأسبوع الماضي، إن حكومة مسعود بزشكيان حاولت استئناف المفاوضات في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، على هامش أعمال الجمعية العامة في نيويورك.

وأعرب عراقجي عن مخاوفه من أن تقدم الدول الأوروبية على تفعيل آلية «سناب باك» المنصوص عليها في الاتفاق النووي، قبل انتهاء مفعولها في أكتوبر (تشرين الأول) 2025، مع انقضاء موعد القرار 2231 الذي يتبنى الاتفاق النووي. وأشار عراقجي في جزء من تصريحاته، إلى توقف «مسار مسقط»، في إشارة إلى الوساطة التي تقوم بها سلطنة عمان بين طهران والقوى الغربية بشأن البرنامج النووي منذ سنوات.

وأوضح أن «القوى الأوروبية والولايات المتحدة رحبتا بمواصلة المفاوضات غير المباشرة عبر الوسيط العماني... وجرى التعبير عن الرغبة في بدء مسار المفاوضات مع الأوروبيين ومسار مسقط، وكنا مستعدين لبدء المفاوضات، لكن الأحداث في لبنان أدت إلى توقفها. الآن، هناك رغبة من قبل الدول الأوروبية في استئناف المفاوضات، وسنقوم بذلك قريباً».

ومع ذلك، قال عراقجي إن «على الحكومة الأميركية الجديدة أن تقرر، ونحن سنتصرف بناءً على ذلك».