خشية انتعاش الاحتجاجات... حكام إيران يضيّقون على المعارضة

خاتمي حذّر من خطر «الإطاحة الذاتية» بعد إعادة شرطة الأخلاق

 فتاة كردية تصعد فوق سيارة خلال مسيرة بمناسبة أربعين الشابة مهسا أميني في مدينة سقز غرب إيران 16 سبتمبر 2022 (أ.ف.ب)
فتاة كردية تصعد فوق سيارة خلال مسيرة بمناسبة أربعين الشابة مهسا أميني في مدينة سقز غرب إيران 16 سبتمبر 2022 (أ.ف.ب)
TT

خشية انتعاش الاحتجاجات... حكام إيران يضيّقون على المعارضة

 فتاة كردية تصعد فوق سيارة خلال مسيرة بمناسبة أربعين الشابة مهسا أميني في مدينة سقز غرب إيران 16 سبتمبر 2022 (أ.ف.ب)
فتاة كردية تصعد فوق سيارة خلال مسيرة بمناسبة أربعين الشابة مهسا أميني في مدينة سقز غرب إيران 16 سبتمبر 2022 (أ.ف.ب)

تضيق السلطات الإيرانية الخناق على المعارضة قبل حلول موعد ذكرى وفاة الشابة مهسا أميني في أثناء احتجاز شرطة الأخلاق لها؛ خوفاً من تجدد احتجاجات خرجت في عموم البلاد وهزت المؤسسة الحاكمة لعدة أشهر.

وألقي القبض على صحافيين ومحامين ونشطاء ومدافعين عن حقوق الإنسان وطلاب، أو جرى استدعاؤهم، أو واجهوا إجراءات أخرى في إطار حملة قال أحد النشطاء إنها تهدف «لبث الخوف والترهيب»، حسبما أوردت وكالة «رويترز».

وفي فبراير (شباط)، أعلن القضاء الإيراني عفواً واسع النطاق شمل قرارات بالإفراج أو العفو أو تخفيف الأحكام لأولئك الذين قُبض عليهم أو وجهت إليهم اتهامات أو احتُجزوا خلال الاحتجاجات السابقة.

ومع ذلك، دافع مسؤولون كبار عن حملة القمع الجديدة، وقالوا إنها ضرورية للحفاظ على الاستقرار. لكن بعض الساسة والمطلعين قالوا إن القمع المتصاعد يمكن أن يعمق الأزمة بين الحكام والشارع الإيراني ككل، في وقت يتزايد فيه السخط الشعبي بسبب المصاعب الاقتصادية.

شرطة الأخلاق

وأعلنت السلطات الإيرانية، الأحد، أن دوريات «شرطة الأخلاق» عادت للعمل، وكثفت الحملة الصارمة على النساء اللواتي يخالفن قواعد الزي الإلزامية. ونشرت الشرطة بالفعل سيارات خاصة بمراقبة الحجاب في عموم مناطق العاصمة طهران.

وفي طريقة لإظهار العصيان المدني، يتكرر ظهور النساء من دون حجاب في الأماكن العامة منذ وفاة أميني (22 عاماً) في 16 سبتمبر (أيلول) من العام الماضي.

ودخلت أميني في غيبوبة وتوفيت بعد ثلاثة أيام من احتجازها لدى شرطة الأخلاق، بدعوى «سوء الحجاب». وأطلق الحادث العنان للغضب الذي ظل مكبوتاً لسنوات؛ لعدة أسباب، بداية من القيود الاجتماعية والسياسية وحتى المصاعب الاقتصادية، مما تسبب في أسوأ أزمة تتعلق بشرعية السلطات في عقود.

إيرانية تمشي من دون حجاب في شارع وسط طهران اليوم (أ.ف.ب)

وقمعت قوات الأمن الاحتجاجات التي استمرت شهوراً، ودعا خلالها المحتجون من جميع الفئات إلى سقوط نظام «الجمهورية الإسلامية»، وخلعت النساء الحجاب الإلزامي وأحرقنه بدافع الغضب.

وقال مسؤول كبير سابق لوكالة «رويترز» إن السلطات ينبغي ألا تتجاهل الحقائق على الأرض هذه المرة. وأضاف المسؤول السابق الذي طلب عدم الكشف عن هويته: «لا يزال الناس غاضبين بسبب وفاة أميني، كما يعانون من خيبة الأمل بسبب معاناتهم اليومية لكسب العيش».

وأردف: «هذه القرارات الخاطئة يحتمل أن يكون لها عواقب مؤلمة على المؤسسة. لا يمكن أن يتحمل الناس المزيد من الضغط. إذا استمر الأمر على هذا المنوال فسوف نشهد احتجاجات في الشوارع مجدداً».

أوامر رئيسي

وعجّت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات الغاضبة من الإيرانيين، وانتقدوا عودة شرطة الأخلاق التي تراجع ظهورها إلى حد كبير في الشوارع منذ وفاة أميني.

ولم يصدر أي تعليق رسمي من الحكومة الإيرانية بعد إعلان الشرطة نشر دوريات «شرطة الأخلاق». وقالت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري»، الثلاثاء، إن مسؤولي الحكومة يحاولون إخفاء «أمر الرئيس إبراهيم رئيسي» عن الأنباء المتعلقة بإعادة انتشار دوريات شرطة الأخلاق.

وقالت الوكالة إن دوريات شرطة الأخلاق عادت بموجب أوامر من رئيسي ورئيس الجهاز القضائي غلام حسين محسني إجئي. وفي وقت لاحق، ذكرت الوكالة أنها تلقت اتصالات من أشخاص داخل حكومة رئيسي يطالبون بحذف الجزء الذي يشير إلى أوامر الرئيس الإيراني.

وقال مدافعون عن حقوق الإنسان إن السلطات كثفت الإجراءات الصارمة «لإثناء الناس عن النزول إلى الشوارع» قبل ذكرى وفاة أميني.

وقالت آتنا دائمي، الناشطة البارزة في مجال حقوق الإنسان: «تشعر الجمهورية الإسلامية بالتهديد. النظام يؤجج الثورة الشعبية بإعادة نشر شرطة الأخلاق». وأضافت: «الناس غاضبون جداً من القمع وانتهاكات الحقوق وتفاقم المشاكل الاقتصادية. كل هذا سيؤدي إلى إحياء الاحتجاجات في الشوارع».

أزمة الشرعية

وذكرت وسائل إعلام إيرانية أن الرئيس الأسبق محمد خاتمي، وهو رجل دين مؤيد للإصلاح، ندد بتلك الإجراءات ووصفها بأنها «الإطاحة الذاتية للنظام»، ومن شأنها أن «تجعل المجتمع أكثر غضباً عن ذي قبل».

وقال خاتمي في لقاء مع مجموعة من مستشاريه إنه «على ما يبدو أن خطر الإطاحة الذاتية، التي جرى الحديث عنها عدة مرات، يتجلى أكثر وأكثر مع عودة نشاط دورية شرطة الأخلاق، وكذلك تعامل الشرطة والأجهزة الأمنية والأحكام القضائية غير المتعارفة حيال القضايا الاجتماعية خصوصاً النساء».

وقال خاتمي: «رغم التجارب المريرة السابقة والتكاليف الباهظة التي دفعها المجتمع والضربات التي لحقت بالدين، من المتوقع ألا يعارض المسؤولون هذه السلوكيات والنهج والمواقف فحسب، بل أن يتعاملوا أيضاً بجدية مع الجناة والمنفذين».

وبعد انحسار الاحتجاجات الأخيرة، أصدر خاتمي بياناً في فبراير الماضي، رفض دعوات «إطاحة النظام».

إيرانية خلال احتجاج على مقتل مهسا أميني في طهران مطلع أكتوبر الماضي (أ.ب)

وتعرضت إيران لضربة مزدوجة من استمرار العقوبات الأميركية بسبب برنامجها النووي وسوء الإدارة الذي لا يرفع أي معاناة عن كاهل الإيرانيين ذوي الدخول المتوسطة ​​والمنخفضة. وهؤلاء يتحملون الوطأة الكبرى للمشاكل الاقتصادية بداية من تضخم تجاوز 50 في المائة إلى ارتفاع أسعار الخدمات والغذاء والسكن.

وتعد هذه الأجواء نذير سوء للانتخابات البرلمانية المقررة في فبراير المقبل، والتي يأمل حكام إيران بأن تشهد نسبة مشاركة كبيرة لإظهار شرعية حكمهم، حتى لو لم تحرك النتيجة ساكناً في السياسات الأساسية.


مقالات ذات صلة

خامنئي ينصِّب بزشكيان رئيساً لإيران

شؤون إقليمية صورة نشرها موقع خامنئي من مراسم المصادقة على مرسوم رئاسة بزشيكان صباح اليوم (موقع خامنئي)

خامنئي ينصِّب بزشكيان رئيساً لإيران

منح المرشد الإيراني علي خامنئي الرئيس المنتخب مسعود بزشكيان مرسوم الرئاسة، بعد فوزه بالانتخابات المبكرة بعد مقتل الرئيس السابق إبراهيم رئيسي في تحطم مروحية.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية  ناصر كنعاني المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية (الخارجية الإيرانية على منصة «إكس»)

إيران تحذر إسرائيل من أي «مجازفة» في لبنان

حذَّر ناصر كنعاني المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، الأحد، إسرائيل، من أي «مجازفة» جديدة في لبنان بشأن واقعة الجولان.

شؤون إقليمية صورة نشرها مكتب خامنئي خلال مقابلة صحافية مع بزشكيان (موقع المرشد)

خامنئي يصادق غداً على رئاسة بزشكيان

تبدأ، الأحد، مهمة الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، حين تُقام مراسم المصادقة عليه، برعاية المرشد علي خامنئي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية إسلامي يتحدّث إلى غروسي على هامش مؤتمر «الاجتماع الدولي للعلوم والتكنولوجيا النووية» في أصفهان مايو الماضي (أ.ب)

غروسي: أود لقاء بزشكيان في أقرب فرصة

أعلن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، رغبته في زيارة طهران، خلال رسالة وجّهها إلى الرئيس الإيراني، مسعود بزشكیان.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​  المرشّح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترمب (أ.ف.ب)

ترمب يتطرّق في منشور إلى «محو إيران عن وجه الأرض»

تطرّق المرشّح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترمب إلى القضاء على إيران، وذلك في منشور على شبكة للتواصل الاجتماعي استعاد فيه أسلوبه الناري.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

خامنئي يصادق غداً على رئاسة بزشكيان

صورة نشرها مكتب خامنئي خلال مقابلة صحافية مع بزشكيان (موقع المرشد)
صورة نشرها مكتب خامنئي خلال مقابلة صحافية مع بزشكيان (موقع المرشد)
TT

خامنئي يصادق غداً على رئاسة بزشكيان

صورة نشرها مكتب خامنئي خلال مقابلة صحافية مع بزشكيان (موقع المرشد)
صورة نشرها مكتب خامنئي خلال مقابلة صحافية مع بزشكيان (موقع المرشد)

تبدأ، الأحد، مهمة الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، حين تُقام مراسم المصادقة عليه، برعاية المرشد علي خامنئي، بينما تفيد تقارير بأنه بات قريباً من إعلان وزرائه الجدد.

وقالت وكالة «مهر» الحكومية، السبت، إن مراسم المصادقة ستقام الأحد في العاشرة صباحاً، برعاية خامنئي، بحضور مسؤولين وعسكريين ورؤساء وأساتذة، وممثّلي مختلف النقابات في طهران بحسينية الخميني، التابعة لمكتب خامنئي.

وأوضحت الوكالة الإيرانية أن «خامنئي سيصادق علی قرار تنصیب مسعود بزشكيان رئیساً لإيران».

بزشكيان يحمل صورة تجمعه مع خامنئي حين كان وزيراً للصحة (موقع المرشد)

وسيقدّم وزير الداخلية في المراسم «تقريراً عن عملية إجراء الجولتين الأولى والثانية من الانتخابات الرئاسية الـ14، وبعد تنفیذ قرار التنصیب سیُلقي کل من خامنئي وبزشكیان کلمة في هذه المراسم، وفقاً لـ«مهر».

ونشرت مواقع إيرانية صورة من تجهيز مرسوم رئاسة بزشكيان، الذي حالما ينتهي سيتوجه إلى البرلمان لأداء اليمين الدستورية.

ووفقاً للدستور الإيراني، فإن بزشكيان عليه أن يتلو كلمات خلال القسم، منها: «بصفتي رئيساً للجمهوریة، أقسم أمام القرآن الکریم وشعب إيران، بأنني سوف أحرس الدين الرسمي والنظام ودستور البلاد، وأستثمر كل ما لديّ من قدرات وإمكانات بالمسؤوليات المُلقاة علی عاتقي، وأَنذر نفسي لخدمة الشعب وازدهار البلاد، ونشر الدين والأخلاق، وأدعم الحق والعدالة».

وبعد مراسم التنصيب يكون أمام الرئيس الجديد أسبوعان لتقديم برنامجه، والوزراء المقترَحين إلى البرلمان الإيراني.

وكان بزشكيان شدّد على «اتّباع النهج العام» لخامنئي. وقال خلال مقابلة صحافية نشرها، الجمعة، موقع المرشد، إنه «قام بمراجعة التشكيلة النهائية للحكومة بمساعدة مستشاريه، ومن ثم سيتوجه في المرحلة الأخيرة إلى خامنئي، وبالتنسيق والتشاور معه سيصل إلى خلاصة نهائية بشأن تشكيلة الحكومة».

الرئيس المنتخب مسعود بزشكيان يُلقي خطاباً أمام البرلمان الأحد (ميزان)

«وفاق وطني»

وزعم بزشكيان أنه يسعى إلى تشكيل حكومة «وفاق وطني»، مُبدِياً تمسّكه بشعار «عدم إدارة البلاد من قِبل مجموعة أو فصيل واحد».

ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن بزشكيان قوله، لمجموعة من مسؤولي حملته الانتخابية في أنحاء البلاد، إن المسؤولين والشخصيات السياسية جميعهم يحاولون عقد اجتماعات معه، في حين يعمل على اختيار تشكيلته الوزارية.

وفاز بزشكيان في جولة الإعادة التي جرت في 5 يوليو (تموز) الحالي، وبلغت نسبة المشاركة فيها 50 في المائة، وفق الأرقام الرسمية، وذلك بعدما تقدّم بنحو 42 في المائة خلال الجولة الأولى، التي بلغت نسبة المشاركة فيها 39.9 في المائة، وهي أدنى مشاركة في الاستحقاقات الانتخابية الإيرانية.

وكانت وكالة «رويترز» قد نقلت، الأسبوع الماضي، عن 5 مسؤولين إيرانيين، بينهم اثنان من المقرّبين من الدائرة الداخلية لخامنئي، أن الأخير مهّد الطريق أمام معتدِل مغمور لكن موثوق به، وهو مسعود بزشكيان، للصعود إلى الرئاسة، في سباق هيمن عليه المحافظون المتشدّدون، وذلك بعدما اطّلع على تقرير استخباراتي توقّع مشاركة 13 في المائة من الإيرانيين في الانتخابات.

وقالت المصادر إن السجل المعتدل لبزشكيان من شأنه إرضاء الإيرانيين الساخطين، وضمان الاستقرار الداخلي، وسط تصاعُد الضغوط الخارجية، كما يوفر لخامنئي حليفاً موثوقاً به في اختيار خليفة له في نهاية المطاف.