رواية أردنية عن تأصل النزعة البدوية في نفس العربي

رواية أردنية عن تأصل النزعة البدوية في نفس العربي
TT

رواية أردنية عن تأصل النزعة البدوية في نفس العربي

رواية أردنية عن تأصل النزعة البدوية في نفس العربي

تعود رواية «أولاد جلوة» للروائي الأردني قاسم توفيق، بقارئها إلى أيام مبكرة من تاريخ المنطقة العربية المعاصر، محاولة أن ترصد ظاهرة البداوة وتحلل سماتها الداخلية وتفاعلها مع الأحداث الاجتماعية والسياسية المحيطة بها.

تقع أحداث الرواية، الصادرة عن «الآن ناشرون وموزعون» في الأردن، في 184 صفحة من القطع المتوسط، خلال الفترة الممتدة بين نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين، وهي فترة شهدت غياب تأثير الدولة وانتعاش النفوذ القبلي في مناطق واسعة من الجغرافيا العربية.

ويحيلنا العنوان إلى ظاهرة اجتماعية كانت منتشرة في مناطق واسعة من البلاد العربية متصلة بجرائم القتل، عندما يضطر أقارب الجاني حتى الجد الخامس، إلى الجلاء عن أماكن سكنهم إلى مناطق بعيدة لحماية أنفسهم من ثأر أهل المجني عليه. هذه الظاهرة التي كانت تتسبب في مآسٍ اجتماعية وإنسانية، تركت أثرها على التطور الاجتماعي في البلدان العربية، وكانت عاملاً أسهم في تفكك المجتمعات وعزلتها وتخلفها.

تمتد أحداث الرواية من لحظة تأسيس مدينة «تعريس» التي ينشئها زعيم إحدى القبائل البدوية، المعروف بسطوته وعنفه في الغزو والحكم وقطع الطرق أمام القوافل، في منتصف القرن التاسع عشر وحتى يومنا الحاضر. وتمر بالمدينة أحداث كبيرة تشهد مؤامرات تحاك بين أبنائها وبقية القبائل، إضافة لقدوم المستعمرين الأوروبيين. وتصبح «تعريس» أول مدينة على الأرض تقصف بالطائرات في تاريخ البشرية، وذلك في بداية العقد الثاني من القرن العشرين.

تحاول الرواية أن تكشف عن تأصل النزعة البدوية في نفس العربي، حتى بعد أن يصبح مدنياً، وحضارياً في سلوكه ومظهره، حيث تصف عدداً من الجلوات، وأثرها في ترحيل وهدم وحرق منازل أهل القاتل، إضافة لقتل كثير من الأبرياء بحجة أن بينهم وبين القاتل صلة دم، وإن كانت بعيدة.

وتتناول الرواية الصراعات الداخلية في القبيلة، والتنافس الذي يخوضه الأفراد على النفوذ والمغانم، إضافة إلى تأثير المرأة في شؤون القبيلة، وقدرتها على تسيير الأحداث بما يحقق أهدافها البعيدة التي تغيب عن أقرب الناس لها.

وتعالج كذلك - في تأثر واضح بالنظرية الخلدونية - انتقال النفوذ داخل القبيلة من جيل إلى جيل، وتظهر عوامل الضعف والفرقة التي تنتاب هيكلية الحكم فيها، ثم الانحلال الذي ينتابها مع اشتداد الصراعات، وبروز ظاهرة الثأر التي تنتهي بحرق الأخضر واليابس.

يقدم السرد في الرواية من خلال شخصيتين: الأولى شاب من القبيلة يدوّن الأحداث التي مرت بها، والثانية السارد الذي يحلل الوقائع والشخصيات التي يكتبها الأول بانياً عليها تصوراته، مشكلاً البناء الروائي.

أما بالنسبة لسرد الأحداث، فقدم الروائي أكثر من لوحة لنهاية الرواية، وجعل الشاهد على تلك النهاية شخصية تنتمي إلى الحاضر الذي يواكب زمن كتابة الرواية؛ في إشارة إلى استمرار تأثير القديم في الحديث مهما تباعد الزمن وتطورت المجتمعات.

من أجواء الرواية

«أنا يا سيّدي إنسان يعرف كم بقي له من أنفاسٍ على الأرض. حِيرتُكم أنتم - المفكرين والكتاب - في فهم كُنه الوجود؛ مسألة تجاوزتُها منذ البدايات؛ أقصِد منذ أنْ جئتُ إلى الدُّنيا في هذا المكان الَّذي تجاوز عمرُه مئاتِ السِّنين، لكنَّه لم يتغيَّر عن لحظة تشكُّلِهِ الأولى! لقد ظلَّ ثابتاً في مكانه إلى اليوم وحتَّى هذه اللَّحظة. ما تعلمتُه وعرفتُه عن هذا المكان من الشُّيوخ الكبار والجدَّات اللَّاتي التقيتُهنَّ وسمعتُ قصصَهنَّ قبل أن يغبنَ عن الدُّنيا، عن أيَّام جدِّنا الأكبر (مُحسد) الَّذي أسَّس مدينتَنا (تَعريس) الَّتي عشتُ طوال حياتي فيها، وأكتب لك منها الآن، جعلني أفهم أنَّه لا شيءَ في حياتنا قد تغيَّر منذ تلك الأيام، فلا يزال يحكمنا هذا الجدّ حتى اليوم».

وكان قاسم توفيق قد حصل على جائزة «كتارا» للرواية العربية (2018) عن روايته «نزف الطائر الصغير»، ووصلت روايته «ليلة واحدة تكفي» إلى القائمة الطويلة لجائزة الرواية العربية (2022). ومن إصدارته الأخرى «حانة فوق التراب» (2015)، و«ميرا» (2018)، و«نشيد الرجل الطيب» (2020)، و«جسر عبدون» (2021).



«القاهرة للكتاب»... الفلسفة والتاريخ ينافسان الرواية رغم ارتفاع الأسعار

جانب من المعرض الذي اختتم فعالياته الأربعاء
جانب من المعرض الذي اختتم فعالياته الأربعاء
TT

«القاهرة للكتاب»... الفلسفة والتاريخ ينافسان الرواية رغم ارتفاع الأسعار

جانب من المعرض الذي اختتم فعالياته الأربعاء
جانب من المعرض الذي اختتم فعالياته الأربعاء

اختتم معرض القاهرة الدولي للكتاب فعاليات دورته الـ56 التي تميزت بظهور دور نشر جديدة صعدت إلى منصات التتويج وقدمت إصدارات شديدة التميز، مع احتفاء لافت بالشعر وسط أجواء احتفالية نجحت في جذب رواد الحدث الثقافي الأبرز، وإقبال جماهيري حقق رقماً قياسياً جديداً. فقد تجاوز عدد زوار المعرض في هذه الدور خمسة ملايين ونصف المليون زائر على مدى أيامه الـ13؛ في الفترة من 23 يناير (كانون الثاني) الماضي، حتى 5 فبراير (شباط) الحالي، بينما بلغ عدد الزائرين العام الماضي نحو 4 ملايين و785 ألف زائر. وعدّ الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري، أن «هذا الحضور الجماهيري الكبير يؤكد الريادة الثقافية المصرية، كما يؤكد على مكانة القاهرة بصفتها منارةً للفكر والثقافة»، مشيراً إلى أن «تنوع الجمهور من مختلف الجنسيات يعكس قيم التبادل الثقافي والحوار الإنساني».

عيد عبد الحليم يتسلم جائزة أفضل ديوان

وكشفت أسماء الفائزين بجوائز المعرض عن حضور لافت لوجوه جديدة شابة ظهرت مؤخراً في المشهد الثقافي، مثل ماجد شيحة الذي فاز مناصفة بجائزة «أفضل رواية» لعام 2024 عن روايته «شبح عبد الله بن المبارك» مناصفة مع الكاتب المخضرم محسن يونس الذي فاز عن روايته «جزيرة هرموش»، كما ذهبت جائزة «أفضل ناشر» إلى دار جديدة هي «منشورات الربيع».

ماجد شيحة يتسلم جائزة أفضل رواية مناصفة مع محسن يونس

وتستلهم رواية «شبح عبد الله بن المبارك» حكاية تراثية شهيرة لشخص يُدعى «عبد الله بن المبارك» يقال إنه شُوهد بمكانين مختلفين في وقت واحد. يستعيد المؤلف تلك الحكاية من خلال بناء درامي معاصر يقوم على ثنائية الأستاذ الجامعي والطالب، التي تبدو بدورها استلهاماً لثنائية الشيخ والمريد؛ إذ يروي الأستاذ تلك القصة على تلميذه من أجل سماع رأيه فيها.

وتمزج رواية «جزيرة هرموش» الواقع بالخيال في أجواء فانتازية من خلال مجموعة أشخاص يتصارعون على امتلاك الذهب في جزيرة نائية ومنعزلة وقد سيطرت عليهم روح الشراهة والرغبة في تحقيق ثروة مذهلة دون مجهود.

وفازت «تيريز لا أحد» للكاتب كريم سعيد، بجائزة «أفضل مجموعة قصصية»، بينما فاز «مناب الغايب» للشاعر إبراهيم عبد الفتاح بجائزة «أفضل ديوان شعر عامية» و«مزرعة السلاحف» للشاعر عيد عبد الحليم بـ«أفضل ديوان شعر فصحى»، وفاز كتاب «شغف الترحال: علم السرد المعرفي مدخلاً إلى أدب الرحلة» بجائزة «أفضل كتاب في النقد الأدبي» لدعاء حسن البلكي.

وذهبت جائزة «أفضل كتاب مترجم» إلى «اسمها فلسطين: المذكرات الممنوعة لرحالة إنجليزية في الأرض المقدسة» تأليف آدا جودريتش وترجمة خميلة عبد الحميد، في حين ذهبت جائزة «أفضل ناشر مصري» لـ«دار الربيع»، وجاءت جائزة «أفضل ناشر عربي» مناصفة بين دار «نماء للبحوث والدراسات»، و«منشورات تكوين».

وأوضح ماجد شيحة أن فوزه بجائزة «أفضل رواية» يعني له الكثير من الأشياء، أهمها عودة الأمور إلى نصابها الصحيح في ذهنه، فلسنوات كثيرة اعتقد أن الأدب الحقيقي هو تغريد خارج السرب، لكنه الآن يؤمن أن جميع المبدعين يجب أن يستمروا في الكتابة الجادة والجميلة إلى أن يجدوا التقدير الذي يستحقونه.

وأضاف: «سأعود إلى أولادي اليوم ببرهان أن أباهم لم يكن واهماً بالساعات الطويلة التي يقضيها في الكتابة، وأنهم يجب أن يفعلوا ما يحبونه من دون انتظار للنتيجة».

ورغم أن الرواية حافظت على مكانتها في صدارة خيارات القراء، فإنها شهدت طوال فترة الفعاليات، من 24 يناير حتى 5 فبراير، منافسة شرسة بين كتب الفلسفة والتاريخ والتصوف والذكاء الاصطناعي والتنمية البشرية وعلم النفس، بحسب جولة لـ«الشرق الأوسط» في أروقة المعرض وأجنحته المختلفة وحديثها مع ممثلي أبرز دور النشر. واستمرت في الدورة الجديدة ظاهرة الإقبال الحاشد من جانب المراهقين على روايات الرعب والفانتازيا التي تحمل توقيع مؤثرين في عالم منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما حدث في حفل توقيع الكاتب السعودي أسامة المسلم. وعدّ الناقد الأدبي سيد محمود الظاهرة «مؤشراً دالاً على وجود متغيرات جديدة في سوق النشر وذائقة جيل الشباب، خصوصاً من هم دون سن العشرين والذين يأتي كثيرون منهم بصحبة أولياء أمورهم»، مشيراً إلى أن «مثل هذه الظواهر ربما تتضمن حراكاً إيجابياً من حيث الوصول إلى شرائح وفئات من القراء عجزت النخبة الثقافية عن الوصول إليها، بشرط ألا يكون هذا اللون من الكتابة الأدبية هو الوحيد على الساحة أو الأكثر هيمنة». ورأى علي قطب، مسؤول النشر بـ«دار بيت الحكمة»، أن فوز الدار بجائزة «أفضل كتاب مترجم في أدب الطفل» عن سلسلة «المحقق باور - لغز الكلمات النائمة» للمترجمة هاجر فوزي، ينطوي على مسؤولية كبرى تجاه أدب الأطفال وما يتضمنه من قيم ومعانٍ تخاطب الناشئة عبر نصوص مشوقة. وأكد إيهاب الملاح، المشرف العام على النشر بـ«دار المعارف»، أن فرحته لا توصف بفوز كتاب «جينات المصريين» لأحمد حسن، الصادر ضمن سلسلة «اقرأ» قبل ثلاثة أشهر فقط، بجائزة «أفضل كتاب علمي» ضمن جوائز، مشيراً إلى أن هذا هو أول كتاب من إصدارات مؤسسة «دار المعارف» العريقة يفوز بجائزة من جوائز معرض الكتاب منذ تأسيسها عام 1980. وألقى عشرات الشعراء من مختلف الأجيال والبلدان العربية قصائدهم في قاعة «ديوان الشعر» يومياً في تواصل مباشر مع الجمهور، لكن الشاعر فتحي عبد السميع انتقد ما رآه «زيادةً مُبالَغ فيها في عدد الشعراء المشاركين»، مؤكداً أن الأمسية الشعرية في معرض الكتاب يجب أن تقتصر على ثلاثة أو أربعة شعراء لا أكثر.

وأضاف عبر صفحته بموقع «فيسبوك»: «الزيادة تقتل الأمسية ولا تثريها مهما كانت قيمة الشعراء، الاكتفاء بأربعين شاعراً جيداً طوال المعرض يخلق حالة شعرية جيدة، والزيادة تقتل الجميع، وعلى رأسهم الشعر، كما يُقتل المريض ببعض الأدوية يُقتل الشعر بكثرة الشعراء وعدم اختيارهم بعناية».

ورغم أن الشكوى من غلاء أسعار الكتب ظاهرة يتردد صداها في الدورات الأخيرة من المعرض، فإنها تزايدت للغاية في الدورة الأخيرة بسبب وجود «قفزة» في متوسط سعر الكتاب جعلته يتراوح من 200 و400 جنيه؛ وهو ما أثر على مبيعات دور النشر المختلفة.

وفي المقابل، شهدت إصدارات الهيئات الحكومية مثل «الهيئة العامة للكتاب» و«هيئة قصور الثقافة» إقبالاً كبيراً للغاية من ناحية انخفاض السعر وتميز العناوين كما في الموسوعة التراثية «نهاية الأرب في فنون الأدب» المباعة في 33 جزءاً للمؤرخ شهاب الدين النويري و«عيون الأخبار» المكون من جزأين لأبي محمد عبد الله الدينوري و«الكنايات العامة» لأحمد تيمور باشا و«الأدب الكبير والأدب الصغير» لمحمد بن عبد الله المقفع و«حكايات فارسية» للدكتور يحيى خشاب و«هكذا تكلم زارادشيت» للفيلسوف الألماني نيتشه.

عُقدت فعاليات الدورة الـ56 لمعرض القاهرة للكتاب برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تحت شعار: «اقرأ... في البدء كان الكلمة»؛ وحلَّت سلطنة عُمان ضيف شرف، وتم اختيار الدكتور أحمد مستجير العالم والأديب المصري الراحل، شخصية المعرض، والكاتبة فاطمة المعدول، شخصية معرض كتاب الطفل. كما شهدت الدورة مشاركة 1345 دار نشر من 80 دولة.