لبنان: الفن وسيلة لمكافحة البشاعة... ورعب على الآثار

ولادة متاحف جديدة مقابل دمار لأعمال فنية بالجملة

شربل روحانا يعزف مع الثلاثي جبران في مهرجانات بعلبك
شربل روحانا يعزف مع الثلاثي جبران في مهرجانات بعلبك
TT

لبنان: الفن وسيلة لمكافحة البشاعة... ورعب على الآثار

شربل روحانا يعزف مع الثلاثي جبران في مهرجانات بعلبك
شربل روحانا يعزف مع الثلاثي جبران في مهرجانات بعلبك

طغت الحرب على كل ما عداها. كانت سنة 2024 قد بدأت ورائحة البارود تهب من جنوب لبنان؛ لكن المناطق التي بقيت بعيدة عن مواقع القتال، كابرت إلى حدّ إنكار إمكانية تمدد النار. حاولت المسارح والمطابع والمكتبات ودور السينما وغاليريات الفن أن تعيش دورتها، وكأنما لا دخان في الأفق. هكذا بدأ النصف الأول من السنة، في اندفاعة تتجاهل المخاطر.

إجهاض طرابلس عاصمة للثقافة العربية

أُعلنت طرابلس عاصمة للثقافة العربية في احتفال بهيج، وأُطلقت وعود ببرامج تشارك فيها دول عربية؛ لكن الحلم تبخر سريعاً. كذلك الحال بالنسبة للمهرجانات الدولية الكبرى، مثل بعلبك التي اضطرت لقصر برنامجها على حفل واحد للثلاثي جبران، بمشاركة الفنان شربل روحانا. أقيم حفل الأعواد الجميل هذا، مستحضراً جراح فلسطين ولبنان، متسلحاً بالرجاء. «مهرجانات بيت الدين» قررت أن تقصر نشاطها على معارض فنية في قصر الأمير بشير التاريخي، ولم تجازف سوى «مهرجانات بيبلوس»، ربما لبعدها الجغرافي نسبياً عن الجنوب. وأقيم مهرجان «ربيع بيروت»، في وسط العاصمة، في دورته السادسة عشرة للمرة الأولى بغياب مؤسسته الراحلة جيزيل خوري. وحاول عبد الحليم كركلا أن يطلق عمله «ألف ليلة وليلة»؛ لكنه رأى تأجيل العروض بعد أن اشتد القصف.

انهيار جزء من التاج العلوي لـ«قبة دورس» الأثرية المنشأة من حجارة وأعمدة القلعة في بعلبك (أ.ف.ب)

المعارض العربية ملجأ الناشرين اللبنانيين

وكان يفترض أن يشهد لبنان معرضين للكتاب؛ لكن الإلغاء كان من نصيب كليهما، رغم أن إصدارات الكتب لم تتوقف. واعتمد الناشرون على مشاركاتهم في المعارض العربية، لتعويض خسائرهم. ومن الإصدارات رواية هدى بركات «هند أو أجمل امرأة في العالم» وكذلك روايتا الأسير الفلسطيني باسم خندقجي: «قناع بلون السماء» (نالت البوكر) و«سادن المحرقة»، جميعها عن (الآداب)، ورواية خالد خليفة التي أنجزها قبل وفاته «سمك ميت يتنفس قشور الليمون» (نوفل)، و«عيون إلزا» للشاعر الفرنسي لويس أراغون من تعريب فارس يواكيم (أطلس). ولا ننسى كتاب مها بيرقدار الخال «حكايا العراء المرعب» الذي كشفت من خلاله عن فصول حميمة من حياة زوجها الشاعر يوسف الخال. «رأس بيروت، العصر الذهبي- الجامعة والحي» (نلسن). وهو تحية إلى الكاتب والمفكر منح الصلح في الذكرى العاشرة لغيابه، ويشرح كيف تشكلت الحركة القومية العربية في رأس بيروت.

ومن أحزان العام رحيل الروائي إلياس خوري، والشاعر شوقي أبي شقرا، والباحث والفكر جورج قرم.

القلعة من فندق «بالميرا» في بعلبك الذي أصيب بأضرار بالغة

ولادة متاحف جديدة

واستكمل لبنان احتفاله بمرور مائة سنة على صدور كتاب جبران خليل جبران الشهير «النبي»، وكذلك احتفى بمائة سنة على صدور «ملوك العرب» لأمين الريحاني. الكاتبان مهجريان، كتبا بالإنجليزية والعربية، ونالا حظاً كبيراً من الشهرة، ولا يزالان يُقرآن بعد أن أثَّرا في أجيال متوالية.

وإضافة إلى العدد الكبير من المعارض التشكيلية، لا بد من التوقف عند افتتاح متحف الفنانة الرائدة سلوى روضة شقير، في الذكرى الثامنة بعد المائة لميلادها، في بلدة رأس المتن، على مبعدة ما يقارب الساعة من بيروت. وهو يعرّف بمساهمتها المبتكرة، وتعلقها بالحضارة العربية والحروفيات، وإيمانها المبكر بقدرة ثقافتها على خوض مغامرة الحداثة بأدواتها الخاصة.

متحف آخر جديد للتشكيلي والشاعر رودي رحمة. كان يفترض أن يدشن بحفل كبير في سبتمبر (أيلول)؛ لكن الحرب جعلت ولادته تتم بهدوء. هو محترف ومعرض ومساحة في الطبيعة، مفتوحة للطلاب والزوار لاكتشاف إبداعات الفنان رحمة المتعدد المواهب، ومتابعة المراحل التي تمر بها أعماله من المادة الأولية، وصولاً إلى صيغتها النهائية.

وشكّل مفاجأة، افتتاح ملحق بـ«المتحف الوطني اللبناني» في عزّ الحرب الإسرائيلية على لبنان. «جناح نهاد السعيد» هو مساحة عرض، حرّة، فتّانة، من ثلاث طبقات، مفتوحة للمعارض والندوات والمحاضرات. ومن جميل ما رأيناه هذه السنة، 23 لوحة أخرجها إلى النور «متحف جبران خليل جبران»، تُعرض للمرة الأولى. وهي مجموعة بورتريهات تمكنت الأبحاث أخيراً من التوصل لمعرفة أصحابها، والفترة الزمنية التي رسم خلالها جبران هذه الوجوه. وهي ضمن الـ440 لوحة جبرانية يمتلكها المتحف.

المسرح يرفض البطالة

لافتة بشكل خاص، غزارة الأعمال المسرحية التي توالت على الخشبات. وبقيت صالات العرض محجوزة إلى 6 أشهر مقبلة، وإن تفاوتت بشكل كبير المسرحيات في مستواها الفني. من بين أبرزها كانت مسرحية «ماغما» من تمثيل برناديت حديب، وإخراج عصام بوخالد. و«شو منلبس» و«مجدرة حمرا» للمخرج يحيى جابر، تؤديهما بمهارة أنجو ريحان. مع أن المسرحية الأخيرة تعرض منذ خمس سنوات وبشكل متقطع. وشكل يحيى جابر ظاهرة بقدرته على عرض عدة مسرحيات في وقت واحد، وتمكن من اجتذاب جمهور غفير. وقدم إلى جانب المسرحيتين السابقتين، عملين جديدين، هما: «مورفين»، و«من كفرشيما للمدفون»، ومسرحيات قديمة أخرى، حتى يمكن القول إنه بات يُحيي ما يشبه مسرحاً يومياً.

وفي «مسرح مونو» ووسط احتفاء بهيج، تم تكريم فقيد المسرح ريمون جبارة، باستعادة 4 مسرحيات من أرشيفه، هي: «تحت رعاية زكّور»، و«بيك- نيك ع خطوط التماس»، و«زردشت صار كلباً»، و«قندلفت يصعد إلى السماء».

كان يفترض أن يشهد لبنان عروضاً لميوزيكال «كلو مسموع» من إخراج روي الخوري، المأخوذة عن المسرحية العالمية «أنيثينج غوز» التي قُدمت في برودواي للمرة الأولى قبل 90 سنة، وتلعب الفنانة كارول سماحة الدور الرئيسي فيها، بحلة استعراضية بعد 17 عاماً من تقديمها مسرحيتها الغنائية الأخيرة «زنوبيا». لكن ذلك كله تأجل، كما أُلغيت مواعيد كثيرة. وعانى الفنانون -بشكل خاص- والكتاب والممثلون المسرحيون، والتقنيون، من أزمة كبرى بسبب البطالة القسرية التي أُجبروا عليها.

وبعد ما يقارب شهراً ونصف شهر من الحرب، تنادى المسرحيون للخروج من النفق، وكانت محاولة شجاعة لفتح المسارح رغم القصف، وإحياء عروض قديمة، وتنظيم ورشات وحفلات ومسرحيات ارتجالية، لمساعدة الفنانين من ناحية، وإخراج الجمهور من سوداويته من جانب آخر.

وفقد المسرح رائداً كبيراً، هو المعلم أنطوان ملتقى، بعد رحلة استثنائية على خشبة المسرح وفي كواليسها. ممثل حاذق، ومخرج مجتهد، قضى عمره في البحث والتجريب، لبلوغ الأفضل. ولحقت بأنطوان بعد شهرين فقط رفيقة دربه في الحياة وعلى المسرح، المخرجة والكاتبة والممثلة لطيفة ملتقى.

فيلم «أرزة» لحظة ضوء

مهرجانات السينما كثيرة هي أيضاً، ومضت قبل تمدد الحرب على عادتها، وبتنوعها. كان من بين ما شهده لبنان: «مهرجان السينما الإيطالية» في نسخته الأولى؛ حيث كرّم ماستروياني، ومهرجان «بيروت الدولي لسينما المرأة» الذي كرّم الفنانة يسرا، و«مهرجان بيروت للأفلام القصيرة» وكذلك «مهرجان بيروت للأفلام الفنية» في دورته العاشرة الذي عقد في ظرف غاية في الصعوبة، تحت عنوان «أوقفوا الحرب»، و«مهرجان طرابلس للأفلام» الذي عانى أيضاً بسبب توسع رقعة القصف خلال فترة إقامته.

وجاءت بارقة أمل من اختيار فيلم «أرزة» ليمثّل لبنان في القائمة الأولية للمنافسة على جائزة «الأوسكار» لعام 2025. وبذلك ينضمّ إلى لائحة طويلة من الأعمال السينمائية اللبنانية التي سبق أن رُشّحت في هذا الحدث العالمي عن فئة «أفضل فيلم أجنبي»، أخرجته ميرا شعيب، وشاركت في كتابته وإنتاجه. ومن أفلام هذا العام «أرض الوهم» للمخرج كارلوس شاهين، وهو قصة ثلاث شقيقات يعشن في مجتمع مسيحي ويمضين إجازتهن في الجبل. ولكن «ثورة 1958» قلبت الأجواء الهادئة، لتنطلق بذلك الأحداث.

خوف الحاضر على التاريخ

الهم لأكبر الذي أرق اللبنانيين، في الثلث الأخير من السنة، خلال فترة الحرب، وطغى على كل اهتماماتهم الثقافية، هو الخوف الشديد على آثارهم وثروتهم التراثية. فقد تعرضت لخطر شديد؛ حيث هُدمت آثار ومُحيت، كما تضررت أخرى بشكل بالغ. دمّرت الغارات الإسرائيلية بالقصف المباشر عدداً كبيراً من المباني القديمة من عصور مختلفة. محت الغارات بشكل شبه كامل سوق النبطية القديم الذي يعود إلى العهد المملوكي ما بين عامي 1250 و1517م، وهو على غرار الأسواق التي أقيمت في فلسطين في تلك الفترة، تزدان مبانيه بالقناطر المزخرفة والأسقف الحجرية المعقودة والأباجورات الخشبية.

أما الخوف الأكبر فكان على قلعة بعلبك الرومانية التي قصفت إسرائيل محيطها تكراراً، وعلى مبعدة 500 متر منها، بقنابل ارتجاجية، مما عرضها على ضخامتها لخطر التصدع. أدّى هذا القصف إلى انهيار قرابة 30 متراً من سور القلعة، ويخشى أن يكون قد تسبب في خلخلة بعض معالمها. هذه القلعة تحتضن المهرجان الفني الأقدم والأعرق في العالم العربي منذ أن ولد عام 1956، واستضاف كبار الفنانين العالميين. وكذلك أصيب فندق «بالميرا» الأثري بكثير من الخراب، وهو الذي استضاف فيروز وصباح وأم كلثوم، والفنانين العالميين الذي قدّموا أعمالهم في بعلبك، على مدار العقود السبعة الأخيرة.

خسائر في الحجر والبشر

محزن أن منشية بعلبك، ذلك البناء الذي يرجع إلى الحقبة العثمانية، وكان قبلة للسائحين، قد تحول إلى حطام. كما تضررت «قبة دورس» الأثرية التي تعود إلى القرن الثالث عشر. فقد أصيبت بانهيارات وتصدعات شديدة في تاجها العلوي. ورغم أن بعلبك وصور هما في لائحة التراث العالمي، فإن هذه الأخيرة التي تُعَدّ بآثارها واحدة من أقدم مدن العالم، تعرضت لقصف عنيف وتضررت كنوزها بشدة.

وتم استهداف عدد كبير من المساجد القديمة والمقامات، ومُحي بعضها كلياً، مثل مسجد «النبي شعيب» في بلدة بليدا، ومسجد ومقام «النبي بنيامين بن يعقوب» في قرية محيبيب، وكل منهما يعود بناؤه إلى أكثر من ألفي عام. كما قُصفت ودُمرت كنائس في الجنوب والبقاع.

خسائر بالجملة، ولم يتم تحديد ما دُمّر من لوحات ومنحوتات فنية في بيوت فنانين في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، ومحترفاتهم، بعضهم مغمور، وبعض آخر أكثر شهرة. تتضاءل هذه الخسائر -على أهميتها الكبرى- أمام فقد آلاف الضحايا، وجرح آلاف آخرين. ومع ذلك تعاود الحياة الثقافية مواعيدها، وقد أخذت تضمد الجراح. وانتهى العام بإعلان برنامج مئوية منصور الرحباني على مدار عام 2025 الذي سيكون عامراً بعرض المسرحيات وإقامة الندوات والحفلات الموسيقية.



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.