قافلة من الشعراء تشعل ليالي الكويت الباردة في «دورة البابطين» الثقافية

بين العشق والغزل: أحزان روضة الحاج وتجليات الصحيّح

الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)
الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)
TT

قافلة من الشعراء تشعل ليالي الكويت الباردة في «دورة البابطين» الثقافية

الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)
الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)

أشعلت كتيبة من الشعراء، تقاطروا من كل أرجاء العالم العربي، لياليّ الكويت الباردة بالدفء والمشاعر الصاخبة، في توليفة من العشق والغزل والحنين والافتجاع، حيث أوقد 27 شاعراً وشاعرة عربية جمر الكلمات لتنساب قصائدهم كألسنة نار تسكب حرارة العاطفة في قوالب موسيقية تجتذب القلوب التواقة إلى الدفء والجمال.

عبر ثلاث أمسيات شعرية، توزع الشعراء الـ27 ضمن فعاليات الدورة التاسعة عشرة لمؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية للإبداع الشعري، التي خصصت أعمال هذه الدور لسيرة مؤسسها الراحل الشاعر عبد العزيز سعود البابطين، الذي رحل منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أقيمت الأمسيات الثلاث في مكتبة البابطين في العاصمة الكويت، الأمسية الأولى جمعت تسعة شعراء من مختلف أنحاء العالم العربي، وأدارها الدكتور مشعل الحربي (الكويت). وشارك فيها كلٌ من: أوس الأفتيحات (العراق)، وجاسم الصحيّح (السعودية)، وجمانة الطراونة (الأردن)، وحنين عمر (الجزائر)، وخالد بودريف (المغرب)، ومحمد طه العثمان (سوريا)، ومحمد عرب صالح (مصر)، وموضي رحال (الكويت)، ووليد الصراف (العراق).

الأمسية الثانية جمعت أيضاً تسعة من الشعراء، وأدارها الدكتور عبد الله السرحان (الكويت) وشارك فيها كلٌ من: أحمد شلبي (مصر)، وجاسر البزور (الأردن)، وخالد الحسن (العراق)، وروضة الحاج (السودان)، وسمية محنش (الجزائر)، وفالح بن طفلة (الكويت)، ومحمد الجلواح (السعودية)، نبيلة حماني (المغرب)، وهبة الفقي (مصر).

وضمّت الأمسية الثالثة، تسعة شعراء آخرين، وأدارها الدكتور أحمد الفرج (الكويت)، وشارك فيها كلٌ من: إباء الخطيب (سوريا)، وأحمد بلبولة (مصر)، وإياد هاشه (العراق)، وحسام شديفات (الأردن) ودلال البارود (الكويت)، وشقراء مدخلي (السعودية) وعبد الله الفيلكاوي (الكويت)، وفارس حرّام (العراق)، ومحمد البريكي (الأمارات).

الشاعر السعودي جاسم الصحيّح (الشرق الأوسط)

جاسم الصحيّح

شارك في الأمسية الأولى الشاعر السعودي جاسم الصحيّح، الذي سبق أن فاز بجائزة أفضل ديوان شعري في مسابقة البابطين للإبداع الشعري 2012 عن ديوانه «ما وراء حنجرة المغني»، كما حاز جائزة سوق عكاظ الدولية للشعر العربي الفصيح 2018، وأخيراً جائزة المركز الأول في برنامج «المعلقة» من وزارة الثقافة السعودية في عام 2024.

وألقى الصحيّح بعضاً من نصوصه، جاء في قصيدته «لعابر في التآويل»:

نبيٌّ ولكنْ عابرٌ للشرائعِ

حدودُ سماواتي حدودُ أصابعي

إذا سال ظِلِّي بَلَّلَتْنِي غمامةٌ

من الوحيِ، تندَى بالمعاني الجوامعِ

رَعَيتُ ولكنْ في مراعي هواجسي!

تَأَمَّلتُ لكنْ في (حِرَاءِ) الشَّوَارِعِ!

يُجَلِّلُني مجدُ القصائدِ حينما

أشمُّ أريجَ الله بين (المَطالعِ)

حروفي نجومٌ أَفْلَتَتْ من مدارِها

إليَّ، وعَقَّتْ ما لها من مواقعِ!

فما حِكمتي إلا الجَمالُ، وحُجَّتي

شعوري بأنَّ الكونَ إحدى ودائعي

تَلَمَّستُ ديني داخلي فاعْتَنَقْتُهُ

وشَيَّدتُ في كلِّ الخلايا صوامعي

يسيلُ بيَ التأويلُ في كلِّ جُملةٍ

كأنِّي (مجازٌ مُرسَلٌ) للمنابعِ

بسَبعَةِ أختامٍ أُشَمِّعُ فكرتي

وأرسلُها للخلقِ دون طوابعِ

سـيَشكُونِـيَ الوُعَّاظُ مِلءَ نقيقِهِمْ

فمُستنقعُ الشكوَى كثيرُ الضفادعِ

الشاعرة روضة الحاج (الشرق الأوسط)

روضة الحاج

شاركت الشاعرة السودانية روضة الحاج في الأمسية الثانية، وسبق أن حازت لقب «شاعر سوق عكاظ» لعام 2005، وشاركت في برنامج «أمير الشعراء» بنسخته الأولى، وحازت المركز الرابع... الشاعرة روضة الحاج، حملت أحزان بلدها السودان الذي تكويه نار الحرب، ومعاناة الناس وعذاباتهم، فألقت من لهيب الحزن قصيدتها «الآن تُمطرُ في جنوبِ القاهرة!»، جاء فيها:

وأنا ومصرُ

غريبةٌ لاذت بحزنِ غريبةٍ

بينا تسيرُ القاطرة

كلُّ المحطاتِ التي مرَّت بنا

متشابهاتٌ كلُّهنَّ

فليس من بيتٍ

لكي نأوي له

والساعة العجلى تشير إلى تمام العاشرة!

لا أهلَ

لا مستقبلينَ هناك

لا معنًى أُطاردُه

فيتبعُني ويُتعِبني

فقط

وجعٌ عظيمٌ لانهمارِ الذاكرة!

الآن تُمطر في جنوبِ القاهرة

وأنا يُعاودُني شجاي المرُّ

تعبثُ بي حميَّاي القديمةُ

كلما

بكتِ السماءُ وأبرقت

فكأنَّما روحي السماءُ الماطرة

وجعٌ عتيقٌ

يستبدُّ بهذه الروحِ المطيرةِ

كلما

لمعتٌ بروقٌ كنتُ أعرفُهنَّ

هبَّ عليّ عطرُ الأرضِ

أيقظَ كلَّ ما هدهدتُه لينامَ

أوقدَ ليلي الساجي

وسافرَ بي هناك

وهل أنا

مذ جئتُ هذي الأرضَ

إلا ضيفةٌ ومسافرة!

مطرٌ

وصوتُ (حليم)

شايٌ أحمرٌ

كتبٌ مبعثرةٌ

وشوقٌ

لست أدري ما الذي أشتاقُه

ومن الذي أشتاقُه

لكنَّني أدري تلوُّي القلبِ

كالملدوغِ

حين تُحيط بي أشجانُه

أدري بسكِّينِ الحنينِ

يشقُّ هذي الخاصرة!

الآن تُمطرُ في جنوبِ القاهرة

أبكي

لأرضٍ لم تغادرني وإن غادرتُها

لأحبةٍ سأظلُّ أحملهُم معي

حتى الحياةِ الآخرة!

أو ربما أبكي مكابدتي

لأبدو مثلما أبدو

وفي روحي تمورُ عوالمٌ شتى

وكونٌ كاملٌ يغلي

وأسئلةٌ

وما من مهربٍ إلا إلى هذي القصيدةِ

وهي تُمعنُ في مراوغةٍ

أنا أدرى بها

يا للعنودِ الماكرة!

ولربما أبكي

صدوعاً كلما رممّتها

وظننتُها التأمت

أعادتها قصيدةُ شاعرٍ

أو شاعرة!

أبكي

وتنهمرُ السماءُ

وتُجهش الدنيا معي

والشوقُ يهطِلُ

والحنينُ الآنَ

يهمي من سماءِ القاهرة!

الشاعرة الجزائرية سمية محنش (الشرق الأوسط)

سمية محنّش

الشاعرة الجزائرية سمية محنّش، قرأت مجموعة من النصوص من بينها «أسئلة في العشـــقْ»، جاء فيه:

لماذا...

وفي كُلِّ حُبٍ تُعَادُ الحَكَايَا

نُعيدُ الحَكَايَا...

ونَصْبُو إلى المُسْتَحيل

الذي لا يَرُوحُ

الذي لا يجيءُ

الذي كشهابٍ

يُغِيرُ الحَنَايَا

ونَلْتَذُّ بالآهِ

نلتاعُ بالشَّوْقِ

نَبْنِي قُصُوراً مِنَ الوَهْمِ فوقَ السَّحابِ

عَلَيْها نُقِيمُ الخَطَايَا

ونقلبُ كُنْهَ الأُمُورِ على ضِفَّةٍ لِلْخَيَالِ المُخَدَّرْ

فَذا الوَهْم يغدو عبيراً وسُكَّرْ

وتَغْدُو الكَمَنْجَاتُ

في الرُّوحِ نايَا...

وإنَّا لَنَغْرَقُ في الحُبِّ غَرْقَا

كَمِثْلِ السّكارى...

كَدُوقٍ قَديمٍ...

سنختارُ موتاً بِصَحْنِ النَّبِيذِ

ونَفْرَحُ أنَّا بذا المَوْتِ عِشْنَا

وأنَّا نَدِينُ لهُ كَالرَّعايَا

وإنَّا الرَّعايا.

سَنَكْذِبُ حَتْماً

ومِنْ فَرْطِ صِدقٍ

نُقَدِّسُ كِذْبَتَنَا مُغرَمِينَ...

بِحُسْنِ النَّوَايَا

ونَصْدُقُ طَبْعاً...

إذا أجهشَ الحُبُّ فينَا

وفُرْنَا بِتَنُّورِهِ كالشَّظايا

الشاعرة الأردنية جمانة الطراونة (الشرق الأوسط)

جمانة الطراونة

الشاعرة الأردنية جمانا الطراونة، تنقلت برشاقة بين بحور القصيدة، وتنوعت مشاربها بين الغزل والحنين، تقول:

عشقتُكَ مرتينِ وما أكتفيتُ

كأنّي مِنْ نهايتِكَ أبتديتُ

لِتُصْبِحَ عالَمي غادرتُ ذاتي

إليكَ وبي على نفسي انطويتُ

«أحبّكَ» لم تَعُدْ تُشفي غليلي

كما كانتْ فعفوكَ إن بكيتُ

أحاولُ بالقصيدةِ أنْ أُوكنّي

فلا يخلوْ من التصريحِ بيتُ

على قلبي استويتَ وأنتَ أهلٌ

لتملِكَهُ فلو أنّي استويتُ

رأيتُكَ قبلَ هذا ملءَ عيني

متى قلْ لي وأين بكَ التقيتُ؟!

تآلفتِ القلوبُ وفزتُ كوني

بنارِ النظرةِ الأولى أكتويتُ

أُقيمُكَ كالصلاةِ فأنتَ فرضٌ

ونافلةٌ وأعني ما نويتُ

بوجهِكَ في المرايا يا ابنَ روحي

إذا طالعتُها دوني أحتفيتُ

يراكَ الناظرون إليّ حتّى

ظننتُ بأنّني فيكَ اختفيتُ

رميتُكَ إذْ رميتُ فدارَ سهمي

عليّ فما رميتُكَ إذْ رميتُ

لأبعدِ نَجْمةٍ سأمدُّ كفي

وأقطِفُها فبالحبِّ ارتقيتُ

ومن عينيكَ أشربُ ألفَ كأسٍ

من الشعرِ الزلالِ وما ارتويتُ

تُؤَرِقُني وموجُ الشوقِ عاتٍ

حبيبي هل بدأتُ أم انتهيتُ ؟!

أُخيفُكَ أم أخافُكَ لستُ أدري

وكيف عليّ مِنْكَ بكَ أحتميتُ؟!

فأنتَ أنا ولستَ هُنا لتأبى

تموتُ معي وتحيا إن حييتُ

الشاعر إياد هاشم يلقي قصيدته خلال الأمسية الثالثة (الشرق الأوسط)

إياد هاشم

الشاعر العراقي، المقيم في النمسا، إياد هاشم، ألقى قصيدتين، خصص الأولى لرثاء الشاعر الراحل عبد العزيز البابطين، جاء فيها:
يا رِمالَ الْكُوَيْتّ
لَوْ يَكِلُّ الْرِّثْاءُ جادَ الْوَفَاءُ
كَيْفَ لِيْ يَوْمَ غابَتِ الْجَوْزاءُ
كَيْفَ ناءَتْ عَنَا صُدُورُ الْقَوافِي
حِينَ حَلَّتْ بِرَحْلِهَا الشُّعَراءُ
كَيْفَ تَأْبَى الأَقْلامُ فِي دَوْحَةِ الْمَجْد،
وَتَأْسى فِي فَقْدِكَ الْعَلْياءُ
مَا تَحَيَّنْتُ فُرْصَةً لِلْمَراثِي
أَوْ دَعَتْنِي لِذِكْرِكَ الأَسْماءُ
بَلْ وَجَدْتُ الأَرْجَاءَ حَزْنِى لِفَقْدٍ
قَبْلَ حُزْنِي وَهَلْ سَيُجْدِي الْبُكَاءُ
يَا بَرِيقَ الْمِدادِ فِي حَضْرَةِ الْكُتْبِ،
تَمَهَّلْ فَلِلْبُدُورِ سَماءُ
حَدَّثَتْنَا الدِّيارُ عَنْ ساكِنِيها
كَصُخُورٍ يَصُفُّهَا الْبَنَّاءُ
كَيْفَ أَبْقَتْ مَعْناكَ فِي كُلِّ رُكْنٍ
فِضْتَ فِيهِ ، كَمَا يَفِيضُ الإِناءُ
ما تَخَبَّتْ بَراعِمُ الشِّعْرِ يَوْمًا
فِي مُحَيَّاكَ أَوْ تَبَدَّى الْحياءُ
أَنْتَ فِي بارِقِ النَّشِيدِ قَصِيدٌ
وَنَشِيدٌ إِذا عَلا الإِقْواءُ
يَا لَيالِيكَ كَمْ تَساهَرْتَ طُرًا
لِتَرَى الْمَجْدَ شادَهُ الأَبْنَاءُ

يَا رِمالَ الْكُوَيْتِ هَذا (أَبُو سعُودُ)
نَزِيلٌ ، وَيُكْرَمُ النُّزَلاءُ

.....

يَا رِمالَ الْكُوَيْتِ هَلْ يُسْرَقُ الْجَفْنُ
فَيَأْتِي مِنْ صَحْوَةٍ إِغْماءُ

بِي مِنَ الشَّعْرِ مَا يَحُثُّ الْقَوافِي

مُذْ أَصابَتْكَ طَعْنَةٌ نَجْلاءُ

مَا تَعَوَّدْتُ أَنْ أَلُومَ ضُلُوعِي
ذاتَ كَسْرٍ لَمَا يَشُحُّ الذَّواءُ

جِنْتُ أَسْعَىٰ فَقَدْرُ يَوْمِكَ قَدْرٌ
لا تُدانِيهِ غايَةٌ وَ عَطاءُ

يَوْمُ ذِكْرِاكَ لَمْ يَعُدْ يَوْمَ ذِكْرِى
رُبَّ مَوْتىٰ لِكِنَّهُمْ أَحْياءُ


مقالات ذات صلة

مصر تحتفي بـ«اليوم العالمي للغة العربية» بندوات وأمسيات شعرية

يوميات الشرق جانب من احتفال المجلس الأعلى للثقافة باليوم العالمي للغة العربية (وزارة الثقافة المصرية)

مصر تحتفي بـ«اليوم العالمي للغة العربية» بندوات وأمسيات شعرية

احتفت مصر باليوم العالمي للغة العربية الذي يحل في 18 ديسمبر (كانون الأول) بتنظيم ندوات وأمسيات شعرية.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من «الأطلال» إلى «واللهِ أبداً»... جواهر اللغة العربية بأصوات أجيالٍ من المطربين

من أم كلثوم وفيروز وعبد الوهاب، مروراً بماجدة الرومي وكاظم الساهر، وصولاً إلى عمرو دياب. كيف أسهمَ نجوم الأغنية في إحياء اللغة العربية الفصحى؟

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق حمل سعيد عقل في قلبه وعقله روح لبنان الخالدة (فيلوكاليا)

لبنان سعيد عقل... أملٌ بين الركام

في كل مرة تنظّم «فيلوكاليا» أمسية، تنهمك رئيستها الأخت مارانا سعد بتتبُّع التفاصيل والحرص على الأناقة. تقول لـ«الشرق الأوسط» إنّ حجم الحضور بدا مفاجئاً...

فاطمة عبد الله (بيروت)
تكنولوجيا غالبية القُرَّاء يرون أن الذكاء الاصطناعي يكتب قصائد شعر أفضل من البشر (رويترز)

دراسة: الذكاء الاصطناعي يكتب قصائد أفضل من البشر

أكدت دراسة جديدة أن قصائد الشعر التي تكتب بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي أفضل من تلك التي يكتبها البشر.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
ثقافة وفنون «اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد

«اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد

«اخترعت الشعر» عنوان لافت لمختارات نقلها عن الأردية المترجم هاني السعيد للشاعر الباكستاني أفضال أحمد سيد الذي يُعد أحد رواد قصيدة النثر في باكستان.

رشا أحمد (القاهرة)

«البابطين الثقافية» بدأت بحلم... يتلمس خطى «المأمون»

خُصصت الدورة الـ19 لمؤسسة «البابطين الثقافية» لمناقشة المشروع الثقافي لرجل الأعمال والشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)
خُصصت الدورة الـ19 لمؤسسة «البابطين الثقافية» لمناقشة المشروع الثقافي لرجل الأعمال والشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)
TT

«البابطين الثقافية» بدأت بحلم... يتلمس خطى «المأمون»

خُصصت الدورة الـ19 لمؤسسة «البابطين الثقافية» لمناقشة المشروع الثقافي لرجل الأعمال والشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)
خُصصت الدورة الـ19 لمؤسسة «البابطين الثقافية» لمناقشة المشروع الثقافي لرجل الأعمال والشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

في حديث مشبع بالذكريات، تحدث الكاتب المسرحي الكويتي عبد العزيز السريّع، أول أمين عام لمؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية، عن بداية نشأة هذه المؤسسة التي أصبحت اليوم واحدة من أهم الحواضن الثقافية في العالم العربي.

حديث السريّع جاء ضمن أعمال الدورة التاسعة عشرة لمؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية للإبداع الشعري، التي خصصت أعمال هذه الدور لسيرة مؤسسها الراحل الشاعر عبد العزيز سعود البابطين، الذي رحل منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي. حيث تُخصِّص هذه الدورة جلسةً للشهادات، وأربع ندوات لمناقشة المشروع الثقافي لرجل الأعمال والشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين، الذي يُعدُّ صرحاً للأدب والشعر، وحاضناً للإبداع الشعري العربي، ورائداً في مسيرة الحوار بين الثقافات والحضارات، وفاعلاً مهماً لترسيخ ثقافة السلام في جميع أنحاء العالم، ورجل الأعمال الذي سخَّر جزءاً كبيراً من ثروته لرعاية الأدباء وإقامة الأنشطة الثقافة والمواسم الثقافية في العالم العربي ودول أوروبا والعالم.

بدأ الراحل البابطين مشروعه الثقافي الكبير بحلم تحقق بإنشاء مؤسسة «عبد العزيز البابطين للإبداع الشعري» عام 1989 (الشرق الأوسط)

المأمون ودار الحكمة

وفي جلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات» شارك فيها كل من: الكاتب الكويتي عبد العزيز السريع، والباحث الجزائري الدكتور طاهر حجار، والأكاديمي المغربي الدكتور عمر المراكشي، وأدار الندوة الأكاديمي العراقي الدكتور عبد الله إبراهيم. تحدث السريع عن بدايات تأسيس مشروع البابطين الثقافي، كما تحدث حجار عن رؤية الراحل في تأسيس مشروع يقتبس من تجربة المأمون العباسي حين أنشأ «دار الحكمة» ودعا المتنفذين وأهل الجاه والمال لدعم العلماء والمتخصصين والباحثين وطلبة العلم، فكانت النواة لنهضة علمية امتدت مئات السنين.

بدأ المشروع الكبير عام 1989، بحلم عبَّر عنه الراحل بقوله: «كان لديّ حلم أن أترك بصمة في حياة الشعر العربي، وقد حقق الله هذا الحلم، فأسَّسنا مؤسسة عبد العزيز البابطين للإبداع الشعري عام 1989».

وكانت أولى المبادرات إطلاق مشروع «معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين»، الذي طُبع 3 مرات، وبلغ عدد الشعراء في هذا المعجم 2514 شاعراً، وصدر في نسخة ورقية ونسخة إلكترونية، وإلى جانبه أصدرت المؤسسة «معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين» عام 2008، في «25» مجلداً، إذ ضمَّ نحو 11 ألف شاعرٍ.

كما أصدرت المؤسسة «معجم البابطين لشعراء العربية في عصر الدول والإمارات»، وهو العمل الموسوعي الضخم الذي يرصد حركة الشعر العربي ما بين سنتَي 656 و1215 هجرية (الموافِقة ما بين سنتي 1258 و1800 ميلادية)، عملت عليه مؤسسة البابطين على مدى أكثر من 10 سنوات، بجهود دؤوبة لما يزيد على 100 أستاذ من نخبة الباحثين والدارسين والأكاديميين و500 مندوب، على جمع مواد المعجم من داخل الوطن العربي وخارجه حتى يخرج المعجم إلى النور في 25 مجلداً من القَطع الكبير تشتمل على تراجم ونماذج شعرية لنحو 10 آلاف شاعر.

وتوسّع المشروع ليشمل الأدب والفكر الإنساني وتلاقي الحضارات. حيث أنشأ الراحل مراكز متعددة للحوار الحضاري، مثل: «مركز البابطين لحوار الحضارات» في جامعة قرطبة، و«مركز البابطين للترجمة» في بيروت، و«مركز البابطين لتحقيق المخطوطات الشعرية» في جامعة الإسكندرية، و«مركز الكويت للدراسات العربية والإسلامية» في جامعة الإمام الشافعي بجزر القمر. وأقام دورات في اللغة العربية وعلم العروض، فيما يزيد على 40 جامعة في مختلف الدول العربية والإسلامية. كما أسس كراسي للدراسات العربية في الجامعات الأوروبية.

يعد الراحل عبد العزيز سعود البابطين صرحاً للأدب والشعر وحاضناً للإبداع الشعري العربي ورائداً في مسيرة الحوار بين الثقافات والحضارات (الشرق الأوسط)

الصورة الفنية في شعر البابطين

الندوة الأولى حملت عنوان: «الرؤية وتصورات الموضوع والصورة الفنية في شعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين»، تحدث فيها كل من الباحث المصري الدكتور عبد الله التطاوي، نائب رئيس جامعة القاهرة الأسبق، والباحث الأردني الدكتور زياد الزعبي، وأدارت الجلسة الدكتورة نورية الرومي، من الكويت.

في مقدمتها، قالت الرومي: «إن مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين استطاعت منذ تأسيسها أن توحِّد الأدباء والمفكرين والشعراء في حبّ عجز عنه من عجز، لأن الثقافة هي القوة الناعمة التي تُخلصنا من واقعنا المرير، فأصبحت المؤسسة الملاذ السنوي لنا من خلال أنشطتها ودوراتها الشعرية».

الدكتور التطاوي تحدث عن رؤية الشاعر البابطين وموضوعات شعره، وطبيعة موقف الشاعر بين الموروث الفكري والأبعاد المعرفية، وتقاطعات الحركة الإبداعية، ثم تناول تصورات الموضوع في شعره، بدءاً من مفتاح شخصيته البدوية، إلى دائرة الهوية الوطنية والقومية، وصولًا إلى المشتركات الكبرى بين الموروث والمعاصر في تكوين الشاعر البابطين، وانتهاءً بطبيعة النسق الإبداعي والمعرفي لهوية البابطين الشعرية من المنظور الإنساني العام.

أما الدكتور الزعبي، فركّز حديثه على «الصورة الفنية في شعر عبد العزيز سعود البابطين» معتمداً على قراءة لأعماله الشعرية الثلاثة المنشورة: «بوح البوادي»، و«مسافر في القفار»، و«أغنيات الفيافي».

وتناول الزعبي من خلال ورقة بحثه الاستعمال الواسع للغة الاستعارية في شعر عبد العزيز البابطين وهي في الغالب تقوم على الصور التشخيصية التي تمنح الأشياء أو المفاهيم المجردة صفات الكائن الحي، وتجعلها ماثلة للعين، مؤكداً أن هذه سمة راسخة في الدراسات البلاغية بقطع النظر عن اللغة والعصر.

الندوة الثانية حملت عنوان: «النسيج اللغوي وبنية الإيقاع في شعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين»، شارك فيها كل من: الباحثة التونسية نور الهدى باديس، والدكتور سالم خدادة (من الكويت)، وأدار الجلسة الأكاديمي السعودي الدكتور معجب العدواني.

تحدثت الدكتورة باديس حول «الظواهر الأسلوبية واللغوية في مدونة عبد العزيز سعود البابطين الشعرية الذي تمسَّك بأصالة الشعر وبديوان العرب؛ لذلك حرص على تتبع جمالياته ومقاييسه الفنية المختلفة، فالمتأصل في داخله هو الشعر العمودي الذي تفخر به الأمة».

وأوضحت باديس: «إن التيمة الحاضنة لمعظم قصائد عبد العزيز البابطين، وهي الرحلة بوصفها تخطِّياً للعوائق والحدود، إنها عبور في الزمان والمكان، فالرحلة تسعى إلى معانقة العبارة الشعرية، لذا وجدنا تقارباً بين رحلة الشاعر في المكان والزمان، ورحلته في فضاء القصيدة، فالمتأمل لمجموع القصائد المرتبطة بالرحلة يجدها تتسم بأسلوب سلس ينفذ إلى القلب والمسامع بيسر».

كذلك تحدث الدكتور سالم خدادة عن «بنية الإيقاع في شعر عبد العزيز سعود البابطين» مقدماً الصورة الفنية حول بنية الإيقاع الشعري من خلال عناصر أربعة، هي: الوزن والقافية والتوازي وشبه التوازي، بالإضافة إلى التناص الإيقاعي.

في الندوة الثالثة التي يرأسها الدكتور عارف الساعدي (العراق)، يتحدث فيها الدكتور أحمد درويش (من مصر) عن: «خدمة اللغة العربية وتفعيل الحركة الشعرية وحفظ تراثها في مشروع عبد العزيز سعود البابطين الثقافي»، والدكتور عبد الرحمن طنكول (المغرب) عن «مشروع عبد العزيز سعود البابطين الفكري في ضوء الدراسات الثقافية وطروحات ما بعد الحداثة».

ويشارك في الندوة الرابعة التي يرأسها الدكتور لانا مامكغ (الأردن)، الكاتب الكويتي الدكتور محمد الرميحي، بورقة بعنوان: «الحوار مع الآخر في مشروع عبد العزيز سعود البابطين الثقافي»، والأكاديمية السعودية الدكتورة منى المالكي بورقة بعنوان: «الاستثمار الثقافي في تجربة عبد العزيز سعود البابطين».