هدر المال الثقافي في العراق

تعلن الحكومة عن دعمها للنشاطات الثقافية من دون أن تعلن عن «خططها» العلمية والمنهجية

شعار مهرجان المربد
شعار مهرجان المربد
TT

هدر المال الثقافي في العراق

شعار مهرجان المربد
شعار مهرجان المربد

يتصور بورديو أن «رأس المال الثقافي يشتغل كعلاقة اجتماعية داخل نظام تداولي، يتضمن معرفة ثقافية متراكمة تمنح سلطة ومكانة» تشتغل على نسق مؤسساتي يسعى إلى إضفاء «الشرعية والأصالة» بدلاً عن القيمة الجمالية. وأمر كهذا تقوده السلطة، حسب ميشيل فوكو، بوصفها ذات علاقة تبادلية مع المعرفة، بحيث إن إنتاج المعرفة يفهم كتشابك مع أنظمة السلطة، أي أن المعرفة مكوّنة داخل سياق علاقات، وممارسات لتساهم السلطة لاحقاً في تطوير وصقل وانتشار التقنيات الجديدة لها.

ومن هذا المنطلق يتبلور النتاج المعرفي والثقافي في نسق خطابي، ينتج ويحدد مواضيع المعرفة بأسلوب واضح، وتتمثل فاعلية السلطة في قدرتها على تسويغ الخطاب الثقافي بما ينسجم مع توجهاتها وأهدافها؛ وعلى وفق ذلك لنتفحّص أسلوب السلطة العراقية في تعاملها مع الملف الثقافي في العراق، مع الإشارة إلى الاختلاف الكبير بين التصور الفلسفي للسلطة، برؤية تجريدية، الذي مر بعضه في مقدمة المقال، وبين دلالة السلطة كحكومة وإدارة للبلد. وكاتب السطور معني هنا بالتصور الثاني لغياب المنهجية الفلسفية والمؤسساتية في العراق بما لا يتيح مجالاً للجدل والنقد في ضوء التصور الفلسفي!

في العام الماضي، أعلنت رئاسة الوزراء العراقية عن دعمها للنشاطات الثقافية بأموال طائلة، وما زالت تؤكد ذلك في أكثر من مناسبة! لكن وهنا المفارقة، من دون أن تعلن عن «خططها» العلمية والمنهجية لكيفية استثمار الأموال استثماراً يحقق «ربحاً» معرفياً أو فائدة ثقافية، بمعنى أننا لم نعرف السياسية الثقافية أو التخطيط الثقافي وكيفية صرف الأموال بما يتوازن مع رؤية الدولة وفلسفتها. وتالياً فإن غياب الرؤية وعدم وضوح الهدف أدى إلى هدر مالي ناتج عن هدر ثقافي. فمثلاً دعمت الحكومة مهرجان المربد الذي أقيمت فعالياته بمحافظة البصرة في فبراير (شباط) الماضي، وانتهى بمعارك «طائفية» بين بعض الشعراء بسبب قصيدة أُوّلت على أنها تنتقص من «الحشد الشعبي»، ثم أقيم بعد ذلك «مهرجان أبي تمام» في مدينة الموصل وانتهى بتقاذف طائفي مماثل وصل إلى المحاكم والقضاء، والمعركة مستمرة وسيل الشتائم متواصل، ولم نعرف ما القصائد التي ألقيت وما البحوث التي شاركت؟!

من جهتي، كنت قد شاركت ببحث نقدي في مهرجان المربد، وحرصت على إعداده وفق أعراف النشر ومعاييره السائدة، وكنت أتصور أن البحوث والمشاركات النقدية ستكون بين دفّتي كتاب، يطلع عليه الآخرون، ويصبح تأريخاً دالاً على فعاليات المهرجان. ثم تبين لي لاحقا أنها لن تنشر!

إذن، لماذا الدراسات أصلاً إذا كانت النية مبيتة بعدم النشر؟ ولماذا لم تراقب اللجان المختصة هذا الهدر؟! فقد دُعي الناقد وكلّف الحكومة وخزينتها أجور النقل والسكن بأفخم الفنادق، وإذا به يجلس لعشر دقائق ويتحدث كما يتحدث العشاق؟! أيعقل أن تقوم الحكومة ومن ورائها الدولة بغدق الأموال الطائلة من دون أن تعرف نتائج صرفها؟ ما القيمة الثقافية والمعرفية وراء هذه «الشفاهيات البدوية؟!».

يبدو لي أن السؤال الأهم الذي يجدر طرحه، مفاده: ما الحاجة الملحة التي تدعو إلى تبذير كل هذه الأموال على مهرجانات ينتهي أثرها مع إطفاء الميكرفون على المنصة. أليس الأولى أن تحدد سياسة الدولة، ومن ثم تحدد الرؤية الثقافية التي تدعمها الحكومة، وتكون هذه الرؤية منسجمةً مع فلسفة الدولة؟!

لا شك في أن الفراغ المؤسساتي الثقافي كبير جداً ومتصحّر، من حيث الإمكانات المادية والإدارية أو من حيث الرؤى والخطط الاستراتيجية، ومن ثم غياب التخطيط والتنظير وغياب رسم الموازنة الثقافية، فليست لدينا دور نشر تضاهي «الهيئة المصرية العامة للكتاب»، ولا يمكن المقارنة بين نتاج «المركز القومي للترجمة» و«دار المأمون»؛ ليست لدينا مسارح غير التي بنيت في النظام الدكتاتوري، والتي كانت منبراً إشهارياً للسلطة. والقوانين السلطوية ما زالت قيداً وعائقاً أمام نشر الكتاب وتوزيعه وتصديره، ولم تسع الحكومات المتعاقبة إلى إلغاء القوانين التي تخص الثقافة والطباعة، وهي الصادرة عن مجلس قيادة الثورة أيام الحكم البعثي.

بأسف واختصار شديد أتساءل: أيمكن أن يدلني أحد على صرح ثقافي مهم بنته الحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال؟!

انتهى «مهرجان المربد» في البصرة بمعارك «طائفية» بسبب قصيدة أُوّلت على أنها تنتقص من «الحشد الشعبي»، واختتم «مهرجان أبي تمام» في الموصل بتقاذف طائفي مماثل وصل إلى المحاكم والقضاء

لا أدري إن كانت الحكومات المتعاقبة، بعد الاحتلال، تعني هذه السياسة العبثية؟ فهي من نتاج نسق قبلي وبدوي قديم يسعى إلى التقرب من الشاعر الحطيئة كي لا يهجوه؛ أو لعلها سياسة الخليفة الذي يقطع لسان الثقافة بالمال! لنتذكر كيف كان النظام الدكتاتوري يغدق بالأموال الهائلة والتبذيرية على الثقافة أيام الحرب العراقية - الإيرانية بما يتماشى مع حربه حتى حوّل المثقف العراقي الحرب إلى «نزهة إلى الجنة»، وكيف أصبح الأديب المثقف العراقي قادراً على تصدير ثقافة الدولة إلى المحيط العربي؛ وحين انتهت الحرب وبدأ الحصار الدولي أبان عقد التسعينات من القرن الماضي ما عاد الدكتاتور بحاجة إلى دعم الثقافة واكتفى بسد رمق «اللسان» فيلتقي بين الحين والآخر بالشاعر والناقد والعالم والأستاذ، ويبارك زيارتهم بحزمة من النقود يضمن بها مدحهم له ولا ينتظر منهم خطاباً جمالياً ولا رؤية معرفية يمتدان لخارج الحدود، لأن المثقف العربي قد ضمن معرفته بكذبة العروبة عند القائد، وصار الدعم محلياً بنقود مطبوعة؛ لا خير فيها ولا ثراء يرتجى منها وتشبه تماماً الخطاب الثقافي المحلي.

بتقديرنا، إن دعم الثقافة يتأتى من خلال إنقاذ ملف الطاقة، والاهتمام بالتعليم، وبناء المستشفيات، ورصانة المؤسسات، وفرض القانون حتى لا يلتفت المواطن إلى الوراء خوفاً من رصاصة طائشة، وأن يكون الحكم بيد نظام الدولة، وليس بيد الأحزاب، فهذا هو الدعم الرئيس للمثقف، وهذا هو البناء الرصين للثقافة العليا أو السَنية القادرة على خلق خطاب معرفي واضح يجسد هوية الدولة وفلسفتها على وفق مرجعياتها المختلفة.


مقالات ذات صلة

مرزوق بن تنباك... «البدوي» الخارج عن النسق

ثقافة وفنون المفكّر والأكاديمي السعودي د. مرزوق بن صنيتان بن تنباك

مرزوق بن تنباك... «البدوي» الخارج عن النسق

كرّم وزراء الثقافة في مجلس التعاون الخليجي، مساء اليوم في الدوحة، المفكّر والأكاديمي السعودي الدكتور مرزوق بن صنيتان بن تنباك.

ميرزا الخويلدي (الدوحة)
كتب ميشيل فوكو

من «إيخمان في القدس» إلى «من أجل السماء»

حين تكون الضحية نتاجاً لثنائية متضامنة: غياب العقل وعبثية الشر.

شرف الدين ماجدولين
كتب محمد مبوغار صار

القائمة الأولى لـ«الغونكور»... حضور مميّز للكتاب الأفارقة

بعد أيام من انطلاق الموسم الأدبي، كشفت أكاديمية «الغونكور» عن القائمة الأولى للكتاب المرشحين للفوز بالجائزة الأدبية هذه السنة.

أنيسة مخالدي (باريس)
ثقافة وفنون في كلّية الطب

في كلّية الطب

إذا أردتَ السؤال عن مستوى جامعة ما فعليك بفحص قاعة الدرس فيها.

ثقافة وفنون البيوت في الحرب... ملاذنا الآمن أم أجسادنا المخلعة؟

البيوت في الحرب... ملاذنا الآمن أم أجسادنا المخلعة؟

لطالما كانت البيوت، بأشكالها وأنماطها كافة، ظهير حيواتنا الأوفى، والسجل الرمزي الذي يؤرّخ لحظة بلحظة، لتحولات أعمارنا منذ صرخة الولادة وحتى ذبول الأنفاس.

شوقي بزيع

متى يصبح التاريخ مرجعية للنص الروائي؟

الدكتورة ميساء الخواجا تتحدث في ورشة عمل بعنوان «تقنيات الكتابة الروائية تطبيقات على الرواية التاريخية» ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2024
الدكتورة ميساء الخواجا تتحدث في ورشة عمل بعنوان «تقنيات الكتابة الروائية تطبيقات على الرواية التاريخية» ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2024
TT

متى يصبح التاريخ مرجعية للنص الروائي؟

الدكتورة ميساء الخواجا تتحدث في ورشة عمل بعنوان «تقنيات الكتابة الروائية تطبيقات على الرواية التاريخية» ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2024
الدكتورة ميساء الخواجا تتحدث في ورشة عمل بعنوان «تقنيات الكتابة الروائية تطبيقات على الرواية التاريخية» ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2024

أكدت الأكاديمية السعودية، الدكتورة ميساء خواجا، أن الكتابة التاريخية لها حدودها ومداخلها وآلياتها التي تبنى على التوثيق والمطابقة، أما الكتابة الروائية فهي ذاكرة مفتوحة تقوم على التخييل، والغوص في مناطق قد لا يلتفت المؤرخ إليها أو لا يهتم بها.

وكانت الخواجا، تتحدث في ورشة عمل بعنوان «تقنيات الكتابة الروائية تطبيقات على الرواية التاريخية»، ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2024، أقيمت مساء أمس الخميس. وتحدثت عن طبيعة التعامل مع الشخصيات والمكان والزمان في الرواية التاريخية.

وأكدت الدكتورة الخواجا أن التاريخ – كما يرى أرسطو – يتعلق بالحقائق العامة لا بالجزئي والهامشي. من هنا يختلف حقل التأريخ عن حقل التخيل، من دون أن ينفيه. فالمؤرخ يهتم بصياغة المادة التاريخية بالاستناد إلى وقائع تاريخية محددة وربما قراءتها في إطار الحاضر. أمّا المتخيّل فيقدم مادة سردية ينجزها الروائي من خلال علاقة إبداعية مع أحداث الماضي بصفتها ممتدة في الزمان والمكان. (...) وفي ذلك يصير التاريخ مرجعية أو أرضية للنص الروائي، «ميتا نص» يعود إليه ويتحاور معه في كتابة قد لا تطابق المرجعية التاريخية، أو لا تكتفي بذكر وقائع التاريخ والحرص على مطابقتها، بل تبحث في طياته عن العبر المتناظرة بين الماضي والحاضر، وعن التماثلات الرمزية بينهما، فيتداخل التاريخ الحقيقي مع المتخيل التاريخي.

الدكتورة ميساء الخواجا تتحدث في ورشة العمل بمعرض الرياض الدولي للكتاب

الرواية والتاريخ

وقالت الدكتورة الخواجا، إن عدداً من الدارسين التفتوا إلى وجود صلة ما بين الرواية والتاريخ على اختلاف بينهما، إذ يثير مصطلح «الرواية والتاريخ» عدداً من الإشكالات التي يقف في مطلعها الإشكال الأجناسي على اعتبار أن التاريخ خطاب نفعي يسرد الحقيقة في حين أن الرواية خطاب جمالي تخييلي في المقام الأول. والرواية التي هي «خطاب جمالي تقدم فيه الوظيف الإنشائية على الوظيفة المرجعية».

ورغم ربط التاريخ بفكرة النفعية وبفكرة الحقيقة وتناول ما هو حاصل عند عدد من الدارسين، فإن هناك عدداً آخر منهم يربط بين التاريخ والمتخيل، ويلتفت إلى ما يمكن تسميته «سردية التاريخ».

التاريخ مرجعية أو أرضية للنص الروائي أشارت أيضاً إلى أن التاريخ يرتبط في أذهان الكثيرين بالحقيقة في مقابل الخيال الذي تتسم به الرواية، لكن ذلك الربط يتعرض إلى شيء من التشويش عندما يمتلئ التاريخ بأخبار وحكايات قد تبدو متخيلة، لا سيما عندما يتناول الأزمنة السحيقة، وعندما تستند الرواية إلى التاريخ أي إلى ما هو حقيقي.

وتقول: بين التاريخ والرواية صلة ما خفية أو ظاهرة، ويمكن للباحث إقامة عدد من الصلات بينهما، وعلى رأسها أن كليهما خطاب في المقام الأول، ويلي ذلك أنهما خطاب سردي أو يمكن أن يوضع في خانة السرد.

وانطلاقاً مما سبق يمكن للباحث أن يقيم الصلة بين الرواية والتاريخ، وقد عدّ المؤرخ مارك بلوخ أن المؤرخ أقرب ما يكون إلى «روائي ملتزم» بنوع خاص من الحكي، يستمد حكاياته مما يحتمل وقوعه حقيقة، في مقابل روائي يستمدها مما يحتمل وقوعه مجرداً. وبهذا يكتفي المؤرخ بصناعة حكاياته، مستمداً شخوصها وزمانها وفضاءها من مصادر ووثائق تسجيلية، وأما حبكها فمتروك لمقدرة المؤرخ وحذقه على اعتبار أنه لا يصادف حزمة من الوقائع المتراصة في شكل خبر أو حكاية تعكس حدثاً سابقاً. وبذلك تتحقق للتاريخ سماته السردية المرتبطة بمحور الاختيار أولاً وبالحبك والصياغة ثانياً.

المرجعية والتاريخية

المحور الثاني، في ورشة العمل التي أقامتها الدكتورة ميساء الخواجا، حمل عنوان: الشخصية المرجعية والتاريخية، حيث أوضحت أن التاريخ والأدب خطابان سرديان، ويطالب الروائي في الرواية التاريخية بأن ينزل الشخصيات والأحداث في إطار المشاكلة وليس مجرد المطابقة، وبذلك يتيح للقارئ أن يدرك أسباب ما وقع ماضياً وما يترتب عليه من نتائج، لكنه يحتاج أيضاً إلى الأمانة التاريخية وإلى الخضوع لمقتضيات الفن الروائي من قبيل نمط القص والتبئير على شخصية أو أكثر، وإدراج العناصر في منظور واحد مما يحقق للرواية التاريخية شرط الانسجام الداخلي.

وقالت إن المؤرخ يسعى إلى بناء صورة متماسكة ذات معنى وبناء دال للأشياء كما كانت واقعياً، والوقائع كما حدثت فعلاً، أي وضع السرد التاريخي في الزمان والمكان المطابقين، وجعل فكرة الماضي تتفق مع الوثائق، كما هي حالتها المعروفة، أو كما كشف المؤرخون النقاب عنها. الروائي يضعها في إطار الحدث والزمان المتخيلين، غير منضبط بوجود ثابت ومحدد بصورة نهائية، ويعيد تشكيل الأحداث والشخصيات بآلة التخييل وفق منطق اتساق الأحداث ومكوناتها.

ويمكن أن تضمر الأحداث في بعض الروايات التاريخية وتأتي فقط خلفية لتفسر سلوك الشخصيات ومواقفها (مثلاً ثلاثية غرناطة لرضوى عاشور، الباغ لبشرى خلفان)، ويمكن أن تأتي الشخصية التاريخية لتقوم بدور مرجعي يسند الأحداث والشخصيات المتخيلة ويؤطرها ويوحي بمنطلقاتها ونتائجها.

وأوضحت أنه يمكن للرواية التاريخية أن تزاوج بين الشخصيات التاريخية والشخصيات المتخيلة، ويمكن استحضار شخصيات تاريخية لتساهم في الفعل وفي تحريك المتخيل، أو يخلق الكاتب شخصيات متخيلة من وحي الشخصيات التاريخية لتقوم بعبء حمل المتخيل والتاريخي في الوقت نفسه. كما يمكن أن يسند الروائي أعمالاً غير تاريخية إلى الشخصيات التاريخية، وأعمالاً تاريخية للشخصيات المتخيلة.

ركزّت ورشة عمل على دور التاريخ في الكتابة الروائية

التاريخ والهوية السردية

حمل المحور الثالث عنوان: وظيفة التاريخ وبناء الهوية السردية، وقالت الخواجا إن ما يفعله الروائي في كتابة الرواية التاريخية أن يستحضر روح العصر الذي اختاره لزمن حكايته، وما يهمه ليس ما حدث في ذلك العصر لكن كيف أثر ذلك على ثقافة الناس وحياتهم الاجتماعية التي تمثلها شخصياته، وكيف أثرت الأحداث التاريخية المفصلية على تلك الشخصيات. أي أنه يسعى إلى دفع الظروف التاريخية إلى خلق وضع وجودي جديد للشخصيات يمكّن من فهم التاريخ في حد ذاته وتحليله بوصفه وضعاً إنسانياً ذا مدلول وجودي كي لا يتحول الروائي إلى مؤرخ.

وقالت: يبني الكاتب شخصياته (تاريخية أو متخيلة) ويصنع لها «هوية سردية»، تتطور وتخضع للتحولات، فلا نكاد نجد شخصية روائية مكتملة البناء، بل تنمو وتتطور هويتها وتتكشف تدريجياً، وقد لا تكتمل مع اكتمال الرواية فيلعب الخيال دوراً حاسماً في بلورة صورتها. إن الهوية ضمن الخطاب السردي هي تخييل، وهي ما نتخيله وليست مجرد ما نسترجعه. وما نراه في الرواية عامة والرواية التاريخية هو بناء هوية سردية أي عبارة قصة حياة الشخص الداخلية والمتطورة التي تدمج الماضي المعاد بناؤه والمستقبل المتخيل لتزويد الحياة ببعض الإحساس بالوحدة والهدف.