«كم مرة سنبيع القمر؟»... قصص عن الغربة و«الشوارع الخلفية»

«كم مرة سنبيع القمر؟»... قصص عن الغربة و«الشوارع الخلفية»
TT

«كم مرة سنبيع القمر؟»... قصص عن الغربة و«الشوارع الخلفية»

«كم مرة سنبيع القمر؟»... قصص عن الغربة و«الشوارع الخلفية»

عن دار «الشروق» بالقاهرة، صدرت المجموعة القصصية «كم مرة سنبيع القمر؟» للكاتب المصري المقيم في كندا أسامة علام، التي ترتكز على إثارة الدهشة والمفارقات الإنسانية بلغة شديدة الدفء والحنو ذات حمولات جمالية متنوعة.

يطرح الكاتب تساؤله كعنوان لمجموعته القصصية، فهو يرى في الأسئلة طريقة أخرى للتصالح مع عالمه المحير؛ حيث تدور معظم قصص المجموعة، ما بين نيويورك ونيوجيرسي، في هذه النقطة البعيدة تماماً عن الوطن يمكن تحويل كل الكائنات والجماد إلى أصدقاء، وكأن المؤلف يبحث في الظلال والشوارع الخلفية عن حكايات تحول الوحدة إلى ونس، يكتب عن هؤلاء الغرباء الذين نقابلهم صدفة، فنرى أنفسنا في أعينهم فنضحك أو نبكي، لا يهم! لكن القارئ مع كل قصة يعيد اكتشاف عالم، ربما لم يدرك وجوده أبداً، رغم أننا جميعاً نعيشه بنفس الأحلام والحب والأمل.

صدرت لأسامة علام 5 روايات. هي «واحة الزهور السوداء»، «الاختفاء العجيب لرجل مدهش»، «تولوز»، «الوشم الأبيض»، «الحي الغربي». كما صدرت له مجموعتان قصصيتان، هما «طريق متسع لشخص وحيد» و«قهوة صباحية على مقهى باريسي»، التي فازت بجائزة «غسان كنفاني» من الصالون الأندلسي بمونتريال عام 2014.

ومن أجواء هذه المجموعة نقرأ:

«كان طيباً بالفعل كدبّ كامل الملامح بجسد عملاق سمين وشعر غوريلا فوق جسده كله، بحواجب كثيفة وشعر يغطي جبهته العريضة، ويمتد إلى أسفل كتفه. يسكن في محل لصنع المصابيح بالدور الأول من البناية التي أسكن فيها، أجداده خليط معتبر يختزل الروح الكوزموبوليتانية العتيدة لنيويورك، جده لأمه برتغالي، وجدته يابانية، أما أبوه فقد ولد لأم من بورتريكو، وأب من جنوب السودان، ربما هذا الأب هو سبب كل طيبته وقدرتي على التواصل معه كصديق لشهور. يحكي لي أنه في زمن آخر كانت تجارة المصابيح رائجة جداً إلى درجة أنه عندما كان شاباً من خمسين سنة كان يعتبر نفسه غنياً يمتلك سيارة كاديلاك وحصاناً في مزرعة الخيول وشقة من حجرتين في بروكلين، لكن كل هذا تغير مع الزمن عندما غزت الصين السوق الأميركية، فلم يعد هناك مشترون يهتمون بالمصابيح اليدوية التي يصنعها كقطع فنية يمكن وضعها في المتاحف، غالية الثمن بالتأكيد، لكنها تعيش لعشرات السنوات كتحفة لا مثيل لها.

وفي إحدى سهراتنا الجميلة، بعد عودتي من العيادة كالعادة أخبرني أنه سيرحل إلى الجنوب ليعيش مع ابن خالة لم يره منذ سنوات. كنت قد اعتدت مروري عليه كل ليلة فأجده وحيداً مع زجاجة النبيذ وموسيقى البلوز الحزينة فيصنع الشيكولاتة الساخنة، ونجلس نتحدث عن أي شيء حدث في الماضي الجميل. ليلتها أهداني مصباحاً صنعه لحبيبة لم يتزوجها قط، قام ببطء من فوق كرسيه الهزاز مبتسماً قائلاً: كنت أحتفظ به كهدية لعشيقة محتملة لكني من أسابيع تجاوزت الخامسة والسبعين، ويبدو أنني لن أجد من يحبني أبداً، ومن ركن منزو في المحل / الشقة، أخرج علبة قطيفة، غطاها التراب وأهداني أجمل تحفة رأيتها في حياتي.

ليلتها عانقني لأول وآخر مرة، وأجهش بالبكاء».


مقالات ذات صلة

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق البنايات تتداخل مع الرموز والأفكار والتاريخ في معرض «وسط البلد» (الشرق الأوسط)

«وسط البلد»... معرض يُحاكي زحمة القاهرة وأحوال أهلها

تظل منطقة وسط البلد في القاهرة المكان الأكثر زخماً بتفاصيلها العمرانية ونماذجها البشرية، ما يظهر في أعمال فنانين تشبَّعوا بروح المكان، وأفاضوا في إعادة صياغته.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مقر كلية السياحة والفنادق بجامعة حلوان (إدارة الكلية)

منشآت على «نيل القاهرة» مهدَّدة بالإزالة بعد إلغاء حق الانتفاع

اتّسعت دائرة المنشآت الموجودة على «نيل القاهرة» المهدَّدة بالإزالة بعد أيام من إعلان بعض الفنانين عن مخطّط لإزالة «المسرح العائم» بجزيرة الروضة.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق تابوت «إيدي» بأسيوط (وزارة السياحة والآثار المصرية)

مصر: اكتشاف حجرة دفن ابنة حاكم أسيوط خلال عصر سنوسرت الأول

اكتشفت البعثة الأثرية المصرية - الألمانية المشتركة بين جامعتَي سوهاج وبرلين، حجرة الدفن الخاصة بسيدة تدعى «إيدي» التي كانت الابنة الوحيدة لحاكم إقليم أسيوط.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الخبز أحد أهم السلع المدعومة في مصر (وزارة التموين)

«الحوار الوطني» المصري يناقش إعادة هيكلة الدعم الحكومي

يعتزم «الحوار الوطني» المصري، خلال الأيام المقبلة، مناقشة قضية الدعم الحكومي المقدم للمواطنين، في ضوء قرار الحكومة بإعادة هيكلته.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان
أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان
TT

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان
أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

خرجت من موقع الدُّور في إمارة أم القيوين مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية المتنوّعة، تعود إلى حقبة تمتد من القرن الأول ما قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد. كشفت أعمال التصنيف العلمي الخاصة بهذه اللقى عن مجموعة من القطع العاجية المزينة بنقوش تصويرية، منها عدد كبير على شكل أسود تحضر في قالب واحد جامع. كذلك، كشفت هذه الأعمال عن مجموعة من القطع المعدنية النحاسية المتعدّدة الأحجام والأنساق، منها 4 قطع على شكل أسود منمنمة، تحضر كذلك في قالب ثابت.

تمثّل القطع العاجية تقليداً فنياً شاع كما يبدو في شمال شرقي شبه الجزيرة العربية، وتنقسم حسب نقوشها التصويرية إلى 3 مجموعات، فمنها ما يمثّل قامات أنثوية، ومنها ما يمثّل قامات آدمية مجرّدة يصعب تحديد هويتها الجندرية، ومنها ما يمثّل بهائم من الفصيلة السنورية. تزين هذه البهائم قطع يتراوح حجمها بين 3 و4.5 سنتيمترات عرضاً، حيث تحضر في تأليف تشكيلي ثابت، مع اختلاف بسيط في التفاصيل الجزئية الثانوية، ويوحي هذا التأليف بشكل لا لبس فيه بأنه يمثّل أسداً يحضر في وضعية جانبية، طوراً في اتجاه اليمين، وطوراً في اتجاه اليسار. يغلب على هذا الأسد الطابع التحويري الهندسي في تصوير سائر خصائصه الجسدية، من الجسم العضلي، إلى الرأس الكبير، إلى الأرجل الصغيرة. نراه فاتحاً شدقيه، رافعاً قائمتيه الأماميتين، وكأنه يستعدّ للقفز، ويظهر ذيله من خلفه وهو يلتف ويمتد إلى أعلى ظهره.

ملامح الوجه ثابتة لا تتغيّر. العين دائرة كبيرة محدّدة بنقش غائر، يتوسّطها ثقب يمثّل البؤبؤ. الأذنان كتلتان مرتفعتان عموديتان، والأنف كتلة دائرية موازية. فكّا الفم مفتوحان، ويكشفان في بعض القطع عن أسنان حادة مرصوفة بشكل هندسي. تحدّ الرأس سلسلة من النقوش العمودية المتوازية تمثل اللبدة، وهي كتلة الشعر الكثيف الذي يغطي الرقبة. يتكون الصدر من كتلة واحدة مجرّدة، تعلوها سلسلة من النقوش الغائرة تمثل الفراء. يتبنى تصوير القائمتين الخلفيتين نسقين متباينين؛ حيث يظهر الأسد جاثياً على هاتين القائمتين في بعض القطع، ومنتصباً عليها في البعض الآخر. في المقابل، تظهر القائمتان الأماميتان ممدّدتين أفقياً بشكل ثابت. أرجل هذه القوائم محدّدة، وهي على شكل كف مبسوطة تعلوها سلسلة من الأصابع المرصوفة. الذيل عريض للغاية، وتعلو طرفه خصلة شعر كثيفة تماثل في تكوينها تكوين أرجله.

عُثر على سائر هذه القطع العاجية في قبور حوت مجموعة كبيرة من اللقى شكّلت في الأصل أثاثها الجنائزي. للأسف، تبعثر هذا الأثاث، وبات من الصعب تحديد موقعه الأصلي. كانت القطع العاجية مثبّتة في أركان محدّدة، كما تؤكد الثقوب التي تخترقها، غير أن تحديد وظيفتها يبدو مستحيلاً في غياب السند الأدبي الذي من شأنه أن يكشف عن هذه الوظيفة الغامضة. تحضر الأسود إلى جانب القامات الآدمية، والأرجح أنها تشكّل معاً علامات طوطمية خاصة بهذه المدافن المحلية.

تمثّل القطع العاجية تقليداً فنياً شاع كما يبدو في شمال شرقي شبه الجزيرة العربية

إلى جانب هذه القطع العاجية، يحضر الأسد في 4 قطع معدنية عُثر عليها كذلك ضمن أثاث جنائزي مبعثر. تعتمد هذه القطع بشكل أساسي على النحاس، وهي قطع منمنمة، تبدو أشبه بالقطع الخاصة بالحلى، واللافت أنها متشابهة بشكل كبير، ويمكن القول إنها متماثلة. حافظت قطعتان منها على ملامحها بشكل جلي، وتظهر دراسة هذه الملامح أنها تعتمد نسقاً مميزاً يختلف عن النسق المعتمد في القطع العاجية، بالرغم من التشابه الظاهر في التكوين الخارجي العام. يحضر هذا الأسد في كتلة ناتئة تبدو أشبه بالقطع المنحوتة، لا المنقوشة، ويظهر في وضعية جانبية، جاثياً على قوائمه الـ4، رافعاً رأسه إلى الأمام، ويبدو ذيله العريض في أعلى طرف مؤخرته، ملتفاً نحو الأعلى بشكل حلزوني. العين كتلة دائرية ناتئة، والأذن كتلة بيضاوية مشابهة. الفكان مفتوحان، ممّا يوحي بأن صاحبهما يزأر في سكون موقعه. اللبدة كثيفة، وتتكون من 3 عقود متلاصقة، تحوي كل منها سلسلة من الكتل الدائرية المرصوفة. مثل الأسود العاجية، تتبنى هذه الأسود المعدنية طابعاً تحويرياً يعتمد التجريد والاختزال، غير أنها تبدو أقرب من المثال الواقعي في تفاصيلها.

يظهر هذا المثال الواقعي في قطعة معدنية من البرونز، مصدرها موقع سمهرم، التابع لمحافظة ظفار، جنوب سلطنة عُمان. عُثر على هذه القطعة في ضريح صغير يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، واللافت أنها وصلت بشكلها الكامل، وتتميز بأسلوب يوناني كلاسيكي يتجلّى في تجسيم كتلة الجسم وسائر أعضائها. يظهر الأسد واقفاً على قوائمه الـ4، مع حركة بسيطة تتمثل في تقدم قائمة من القائمتين الأماميتين، وقائمة من القائمتين الخلفيتين، وفقاً للتقليد الكلاسيكي المكرّس. يحاكي النحات في منحوتته المثال الواقعي، وتتجلّى هذه المحاكاة في تجسيم مفاصل البدن، كما في تجسيم ملامح الرأس، وتبرز بشكل خاص في تصوير خصلات اللبدة الكثيفة التي تعلو كتفيه.

يبدو هذا الأسد تقليدياً في تكوينه الكلاسيكي، غير أنه يمثّل حالة استثنائية في محيطه، تعكس وصول هذا التقليد في حالات نادرة إلى عمق شمال شرقي شبه الجزيرة العربية.